الحيوانات في الإسلام
تعتبر القطط والكلاب من أكثر الحيوانات الأليفة اقتناءً في المنازل، وهي كذلك من أكثر الحيوانات التي يتعامل بها الإنسان؛ وذلك بسبب طبيعتها الحيوانية القابلة للترويض، ولسهولة استغلال الناس لها في معايشهم، كاتخاذ الكلاب للحراسة، والاستئناس بالقطط، وترويضها لطرد القوارض، وقد جاءت العديد من النّصوص، والأحاديث الشرعيّة التي تُشير إلى العناية بالحيوانات عموماً، وبالقطط خصوصاً، فهل يجوز بيع القطط شرعاً، أم إنّ ذلك منهيٌّ عنه؟ وما علّة النّهي عن بيع القطط إن كان حكم بيعها التّحريم، ومن الذي قال بذلك من العلماء؟ كلّ هذه التساؤلات ستتمّ الإجابة عنها في هذا المقال؛ وذلك بعد عرض أقوال العلماء وأدلّتهم في المسألة، وبيان بعض الأحكام الأخرى المتعلّقة بالقطط وتربيتها في الإسلام.
حُكم بيع القطط
اختلف علماء الفقه في حكم بيع القطط قديماً وحديثاً؛ فمنهم من عارض ذلك وحرَّمه، بينما رأى البعض الآخر جواز ذلك الأمر، وفيما يأتي بيان آراء الفقهاء وأقوالهم، وأدلّتهم في حكم بيع القطط، وتعليل الأدلّة حسب ما رأى كلّ فريقٍ منهم:[١]
- حُرمة بيع القطط: ذهب بعض العلماء إلى أنّ بيع القطط محرمٌ شرعاً، وممّن ذهب إلى ذلك من الفقهاء الإمام ابن حزم الظاهريّ، والإمام أحمد بن حنبل في روايةٍ عنه، ونُقِل القول بذلك عن أبي هريرة حسب ما نقل ابن المنذر، أمّا سبب تحريم بيع القطط عند من قال بذلك من العلماء هو أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك صراحةً؛ حيث رُوِي في صحيح مسلم عن أبي الزبير أنّه قال: (سَأَلْتُ جَابِراً عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ، قَالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ)،[٢] كما ثبت في السنن عن جابر بن عبدالله-رضي الله عنه- أنّه قال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ).[٣] ثبت عن ابن القيم أنّه قال في حكم بيع القطط: (وكذلك أفتى أبو هريرة رضي الله عنه، وهو مذهب طاووس، ومجاهد، وجابر بن زيد، وجميع أهل الظاهر، وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو الصواب لصحة الحديث بذلك، وعدم ما يعارضه فوجب القول به)، وكان ممّا قاله ابن المنذر كذلك كما ذكر صاحب المجموع: (إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعه – يعني بيع القطط – فبيعه باطل، وإلا فجائز).
- جواز بيع القطط: ذهب إلى القول بذلك جماهير أهل العلم، وعلى رأسهم الفقهاء الأربعة (أبو حنيفة، ومالك، والشافعيّ، وأحمد ابن حنبل في إحدى الروايتين عنه)، كما قال بذلك معظم فقهاء الأمة وعلمائها،[٤] أمّا من قال بجواز بيع القطط فقد اعتمد على عدّة نقاط رئيسية في ذلك، منها أنّ الأصل في جميع الأمور الإباحة ما لم يرد نصٌ قاطعٌ بالتحريم، ولم يرد نهيٌ قاطعٌ عن بيع القطط في الشرع، أمّا ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقد حمّله أصحاب هذا الفريق على النهي عن بيع القطط المستوحشة التي ربما تُلحق الضرر بالناس، فيكون بذلك النهي خاصّاً بنوعٍ من أنواع القطط وليس شاملاً لكل القطط، وفيما يأتي بيان أدلّة الفريق القائل بجواز بيع القطط:[٥]
- إنّ الانتفاع بالقطط وتربيتها جائزٌ شرعاً، ولم يرد ما ينهى عن ذلك شرعاً؛ ممّا يُشير إلى أنّ بيعها جائزٌ كذلك لبقاء الحكم على الأصل.
- إنّ القطط طاهرةٌ في أصلها كغيرها من الحيوانات، مثل البغل والحمار؛ حيثُ أُجيز بيع القطط قياساً على غيرها من الحيوانات؛ لجواز الانتفاع بها شرعاً.
- إنّ الحديث الوارد في النهي عن بيع القطط إنّما يُقصد به بيع القطط الوحشيّة التي تُلحق الضرر والأذى بالناس، فحُرِّم بيعها لما فيها من إضرار بالناس لا لأنّها قطط.
- إنّ المُراد بالنهي عن بيع القطط الوارد في الحديث يُعدّ كراهة تنزيهاً، لا تحريماً، ولا شكَّ أنّ التحريم والكراهة لا يستويان.
- يُصبح بيع القطط مُحرّماً إذا ما اتّخذ الناس السبل والوسائل للترفيه وحسب؛ بحيث أصبح القصد من بيع القطط التباهي والتفاخر، وأُنفقت لأجل ذلك المبالغ الطائلة، وتنافست في ذلك الشركات والمؤسّسات بقصد إظهار بذخها.
حُكم تربية القطط
يجوز للمسلم أن ينتفع بجميع المباحات، ويتملّكها ما لم يسبقه إلى امتلاكها والانتفاع بها أحد؛ حيث إنّ الناس في هذا الأمر شركاء، ومثال تلك المباحات أخذ الحطب أو الأخشاب من الغابات، واستغلال الأشجار في ما يمكن الانتفاع به، وكذلك يجوز أخذ القطط بقصد تربيتها والاستئناس بها ما لم يكن في ذلك اعتداء على حق أحدٍ من الناس كأن تكون تلك القطط مملوكةً له، أو أن تكون مريضة بمرضٍ يسبب العدوى ممّا يلحق الضرر بالناس والمجتمع، فإن ثبت عدم تملّك أحد لها، وعدم إلحاق ضرر بالغير نتيجة تملّكها، فلا بأس في ذلك شريطة أن يُطعمها من يربيها ويسقيها وأن لا يعذبها، وإن عجز عن إطعامها فيجب عليه تركها لتأكل من خشاش الأرض، لكن إن كان في تربية القطط مبالغةٌ ظاهرة بشدة العناية بها والمبالغة في تزيينها والإنفاق عليها، لم يجز ذلك الفعل لكون الأولى بالمسلم أن ينشغل بتوفير قوت عياله، فإن كان لديه ما يكفيهم، انشغل بتأمين ما يمكن له تأمينه لفقراء المسلمين فضلاً عن الانشغال بتربية القطط وتزيينها، بل إنّ ذلك يُعتبر من الإسراف والتبذير اللذين لا يُعدّا من الدّين، بل هو ممّا نهى عنه الإسلام.[٦]
تجدر الإشارة كذلك إلى أنّ القطط طاهرةٌ في ذاتها، وأنّ طهارتها متعديةٌ إلى جميع جسدها حتى لُعابها وفمها، فلا ينجس الإناء الذي تأكل منه ولا يتسخ الطعام الذي تمسّه، فإذا شربت قطة تقيم في أحد المنازل من إناء، أو أكلت من طعامهم فإنّها لا تنجّس ما لمسته أو أكلت منه، ويكون لصاحب الإناء والطعام الخيار؛ فإمّا أن يأكل أو يشرب منه أخذاً بطهوريّته ما لم يثبت ضرر في ذلك، وإلا أن يتركه ويستبدله بغيره.[٦]
المراجع
- ↑ “حكم بيع القطط”، الإسلام سؤال وجواب، 22-6-2005، اطّلع عليه بتاريخ 26-7-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن محمد بن مسلم المكي أبو الزبير، الصفحة أو الرقم: 1569.
- ↑ رواه البيهقي، في السنن الكبرى، عن جابر بن عبدالله السلمي، الصفحة أو الرقم: 6/11، إسناده صحيح على شرط مسلم.
- ↑ “القول الراجح في حكم بيع القطط”، إسلام ويب، 25-6-2002، اطّلع عليه بتاريخ 26-7-2017. بتصرّف.
- ↑ .WXzolPG0nIU “لا حرج في بيع القطط الأهلية غير الوحشية”، دائرة الإفتاء العام في المملكة الأردنية الهاشمية، 15-10-2012، اطّلع عليه بتاريخ 26-7-2017. بتصرّف.
- ^ أ ب “حكم تربية القطط”، الإسلام سؤال وجواب، 7-1-2002، اطّلع عليه بتاريخ 26-7-2017. بتصرّف.