ثقافة

جديد ثقافة الحوار

ثقافة الحوار

إنّ الإنسان كائنٌ متفاعلٌ مع المجتمعِ، ويحبّ أن يعبّر عن نفسهِ وقناعاته، من خلال عرضِ أفكاره على الآخرين ومشاركتهم ما توصّل إليه خلال رحلته في الوصول إلى الحقيقة. فيلجأ الإنسان للتواصلِ مع الآخرينَ من خلال الحوار. إذ يُعرّف الحوار لغةً بأنّه الجواب، وقيل المحاورة: المجاوبة والتحاور التجاوب، أمّا اصطلاحاً فيُعرّف الحوار بأنّه حوار يجري بين شخصين أو أكثر حول موضوع معيّن، للوصول لهدف معيّن.[١] أمّا ثقافة الحوار فتعني قبول الآخر بما هو عليه من اختلاف دينيّ أو مذهبي أو عرقيّ أو سياسيّ، واحترام التعدديّة عند الاستماع للطرف الآخر ولآرائه.[٢] ويعدّ الحوار ثقافةً لأنّه مبنيّ على مجموعةٍ من الأسس والآدابِ التي تجعل منه أداةَ تواصلٍ هادفة، تقرّب الأشخاص من بعضهم وتزيد من التواصل الثقافيّ في مختلفِ المجالاتِ، وتزيد من تقبّل الآخرِ، وترتقي بجميع الأطرافِ المتحاورةِ.[٣]

مفهوم الحوار

يُعرف الحوار بأنّه نوع من أنواع الخطاب الإنسانيّ أو الحوار الدينيّ أو الثقافيّ؛ وقد يكون في مختلف المواضيع الاجتماعيّة والسياسيّة والإنسانيّة وغيرها، فهو شكل من أشكال الخطاب الدينيّ والثقافيّ الموجّه. وقد يعرّف الحوار بأنّه فن من فنون الكلام والمحادثة، وصيغة من صيغ التواصل والتفاهم، وأسلوب من أساليب العلم والمعرفة، ومنهج من مناهج الوعي والثقافة. وعند إجراء حوار بين شخصين أو أكثر لا يكون الهدف مجرّد جدال، أو تبادل آراء، بل هو وسيلة للتواصل والثّقة والتفاهم والتحدّي والنّمو والتطّور.[٤] ويمكن أن يُعرّف الحوار بأنّه نشاط عقليّ لفظيّ يقدم فيه المتحاورون الأدلّة والحجج التي توضّح وجهة نظرهم، للوصول لحلّ مشكلة أو توضيح قضيّة ما. وهو نقاش يديره أطراف الحوار بطريقة متعادلة ومتزنة وبحريّة تامة، من خلال تبادل الأفكار والآراء بين المتحاورين، بهدف التعاون على معرفة الحقيقة. ويعدّ الحوار ضرورة لإشباع حاجة الإنسان للاندماج والتواصل مع محيطه.[٥]

آداب الحوار

يدور الحوار بين شخصين أو أكثر، ضمن مجموعة من الآداب التي يجب على الجميع الالتزام بها أثناء الحوار، وذلك لينتج عنها حوار ناجح ومنتج، وحتى لا يحصل أي خلاف أو ضغينة بين الأشخاص. فالحوار الذي يتحلّى بالآداب، يكون حواراً ذا قيمةٍ علميّةٍ، مع الوصول للفائدة المرجوّة منه. فهو يسهم في بناءِ جسورِ الثقة بين الأطراف رغمَ اختلافِ أفكارهم وآرائهم، ويسعى للوصول للقواسمِ المشتركةِ بين الأطراف، كما يساعدُ على التخلص من الأفكار الخاطئة. لذا فإنّ الحوار الجيّد يجب أن يكونَ ملتزماً بالآداب أكانت آداباً نفسيّة، أو لفظيّة، أو علميّة. وهذه الآداب مهمّة لضمان استمراريّة الحوار، وتبقى مهمّة حتى بعد انتهاءِ الحوارِ لضمانِ تنفيذِ النتائجِ التي توصّل إليها الحوار. وفيما يلي مجموعة من الآداب التي لا بدّ من أن يلتزم بها كلا الطرفين للوصولِ للحقيقة.[٥]

الآداب النفسيّة

يكون الحوار متقلّباً منذ بدايته حتى نهايته من الناحية النفسيّة بين الأطراف المتحاورة، لذا يجب اتباع بعض الآداب التي تبقي على الحوار ضمن إطاره الصحيح، ومنها:[٥]

  • الصدق: فيكون المحاور صادقاً في كلامه حتى يكسب احترام وثقة الطرف الآخر، فتزداد قدرته على الإقناع.
  • الحلم والصّبر: لا بدّ من أن يتصف المتحاور بالصبر، فيكون لديه الصبر على مواصلة الحوار حتى آخره، ويتحمّل أيّ سوءٍ يصدر من الطرف الآخر، وأن يصبر على رغبته في الفوز بالحوار.
  • حسن الاستماع: وهو أهمّ ما يمكن أن يقدّمه المتحاور من احترامٍ للطّرف الآخر، فلا يقاطعه فيقطع له أفكاره، ويخالف عادة أدب الاستماع.
  • الاحترام : إنّ اختلاف الآراء والأفكار لا يفسد الودّ ولا يولّد الضغينة، فعلى المتحاورِ أن يحترمَ الطرفَ الآخر مهما اختلفَ معه في الأفكارِ، وأن يتقبّل الحق حتى لو تسبب ذلكَ بخسارته.

الآداب اللفظيّة

إنّ اللّسان هو أداة الإنسان في عرض أفكاره وآرائه، فعليه أن يكون حذراً أثناء التحدث في الحوار لما يتلفظ به من كلمات ويستخدم من ألفاظ. فبعض التعابير قد توصل رسالةً خاطئةً للمتلقّي، فتثير الفتنة والمشاكل. وعلى المحاورين أن يبتعدوا عن الكذبِ أو التجريح والاستهزاءِ، أو رفعِ الصوتِ بقصد الإيذاء. كما يجب الابتعاد عن الألفاظ المبهمة غير الواضحة، والأساليب التي يُقصد بها الإطالة واستئثار المتحدثِ وقتَ المحادثة لنفسه.[٦]

الآداب العلميّة

لنجاح أيّ حوارٍ لا بدّ من الالتزام بالمبادئ العمليّة للحوار، وتتلخص فيما يلي:[٦]

  • العلم: إنّ الخلفية العلميّة مطلبٌ أساسيّ لإيجاد حوارٍ ثريّ وخالٍ من الأفكار الخاطئة غير المبنية على أساسٍ علميّ. والدخول في حوار دونَ اعتمادِ الأفكار العلميّة يعرّض المتحاورَ للإحراج وعدم التقدير، ويبيّن الوهن في الأفكار التي يعرضها المحاور.
  • البدء بالأهم: فيكون الحوار منطلقاً من المحاور المهمّة استغلالاً للوقت.
  • الدليل: لأنّ كلّ معلومة تحتاج لبرهان يدعمها، فعلي المتحاورين إيجاد الدلائل والحجج القويّة، التي تقوّي بدورها الفكرة أو الرأي المطروح.
  • طرح الأمثلة: فعادةً ما تكون الأمثلة مرآةً تقريبيّة للأفكار، وتجعلها أكثرَ واقعيّة وفهماً للطرفِ الآخر.

مستويات الحوار

يقسّم العلماء الحوار إلى مستويين رئيسيين يتخذهما المتحاور، اعتماداً على الطرف المشارك في الحوار. والنوع الأوّل هو الحوار مع الآخر، الذي يكون بين شخصين أو أكثر حول قضيّة ما بهدف الوصول للحقيقة، ومع مراعاةِ آداب الحوار المختلفة، وبطريقة علميّة ودونَ الحاجة للوصول للنتيجة بشكل فوريّ. ويتميّز هذا الشكل من مستويات الحوار بكثرة استخدام الجمل التعجبيّة والاستفهاميّة والجمل التي تحتوي على الأمر والطلب. وقد يكون الحوار مع الآخر سلبيّاً أو إيجابيّاً، فإذا كان الحوار يتخذ منحنى تعصبيّاً، أو عدوانيّاً، فهو سلبيّ لا جدوى منه سوى الخلاف والعناد. أمّا إذا كان الحوار يهدف لإيصال رسالة، أو الوصول لحقيقة، والأطراف فيه ملتزمون بالاحترام، والواقعيّة، وتقبّل الآخر، فهو حوارٌ إيجابيّ ينهض بالأمّة.

أمّا المستوى الآخر للحوار فهو الحوار مع الذات. فيكون الشخصُ في هذا المستوى متحاوراً مع ذاته روحانيّاً أو داخليّاً، بشكلّ سريّ دونَ أن يشاركه الآخرون الأفكار التي تدور داخله. وهو أشبه ما يكون بتحدث الشخص مع شخصٍ آخرَ وهو هنا صوت داخليّ يمثل الشخص نفسه. ويعدّ هذا الحوار مهمّاً للإنسان، فهو يقلل الاضطراباتِ، ويولّد تناغماً وتصالحاً للإنسان مع نفسه.[٧]

المراجع

  1. د.عبدالله آل مبارك (12-1-2006)، “قراءة في مفهوم الحوار وأدبياته”، جريدة الرياض، العدد 13716، صفحة 1. بتصرّف.
  2. د.عبدالحميد الأنصاري (20-5-2017)، “ثقافة الحوار.. كيف نفعلها؟”، صحيفة الأيام البحرينية، العدد 10268، صفحة 1. بتصرّف.
  3. أ.د حسين جمعة (2008)، “ثقافة الحوار مع الآخر”، مجلة جامعة دمشق، العدد 3، المجلد 24، صفحة 11،15. بتصرّف.
  4. أ.د.محمّد أحمد (2008)، الحوار منهجاً وثقافةً (الطبعة الأولى)، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة القطرية، صفحة 19،20. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت جامعة الجزيرة (2016)، مبادرة الجامعة عن الحوار المجتمعي والوطني، صفحة 7،9،10،11. بتصرّف.
  6. ^ أ ب د. عمر كامل (2011)، آداب الحوار وقواعد الاختلاف ، السعودية: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، صفحة 7-16،18،20. بتصرّف.
  7. فاطمة القحطاين (2011)، الحوار الذاتي مدخل التواصل الإيجابي مع الآخرين، الرياض: مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، صفحة 14-19،22،35. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى