محتويات
ما هي الحقوق والواجبات التي تطرحها المواطنة؟
إنّ مفهوم المواطنة ينطوي على الكثير من المعاني والمصطلحات، فالمواطنة هي كلمة تتسع لعددٍ من التعريفات، فيدل هذا المصطلح لغةً على معنى مأخوذ من الوطن وهو المكان الذي يقيم فيه الإنسان ويحميه فيه، ولكن هذه المواطنة تضمُّ تحت جناحها الكثير من الواجبات والحقوق، فالحقوق والواجبات هما وجهان لعملة واحدة، وذلك لأنّه كما للمواطن مجموعة من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها، فكذلك عليه أيضًا بعض الواجبات التي يجب أن يؤديها.
هناك العديد من هذه الحقوق التي يجب أن تُوفّرها الدولة للمواطن من أجل حفظ كرامته، فالأمن هو حق من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المواطن على أرض وطنه، إضافة إلى السلامة الجسديّة والنّفسيّة، وهذا الحق يكفل بقيّة الحقوق والحريات الأخرى للمواطن، فحقّ إبداء الرأي وحريته يجب أن تكون مضمونة ومتوفرة للمواطن، كما أنّه من حقوقه أن تؤمن له الدولة حق التّعليم بشكلٍ مجانيّ وخصوصًا في المراحل الإلزاميّة، ويجب أن تتوفر الرِّعاية الصِّحيّة للجميع، وأن تمارس المرأة دورها في المجتمع، وذلك أن تكفل للمرأة حقوقها السياسية والاجتماعية.
كان ذاك الكلام عن بعض الحقوق الأساسيّة التي يجب أن يتمتّع بها الإنسان ضمن حدود وطنه، أما الواجبات التي يجب أن يؤديها هذا المواطن اتّجاه وطنه الذي ضمن له حقوقه كثيرة ومتعددة، ولكن من أهم تلك الواجبات أن يكون الانتماء للوطن انتماءً حقيقيًا، وذلك بأن يُترجم بالممارسة الفعلية، ففي حال تعرضه لبعض الضُّغوطات والمشاكل، فعليه ألا يحاول حل مشاكله تلك بطريقةٍ بعيدةٍ عن القانون، بل يجب عليه أن يلجأ إلى القانون وبهذا تنعكس ثقافتنا القانونية على تصرفاتنا اليومية، وذلك لأنّ احترام القانون واجب على كل مواطن.
من الواجبات المترتبة علينا أن نسعى لنحقق السّلام وننشره في المجتمع، كما يجب العمل على منع انتشارالفساد وإدانته، والعمل على دعم الدولة ومُساندتها في حالة حدوث بعض الكوارث الطبيعية والحالات الطارئة وإشعال نار الفتنة والحروب، وعلى المواطن أن يعرف حقوقه التي ينصّ عليها الدستور ويسعى لنيلها بشكل دائم، ويجب عليه أن يعرف واجباته؛ وذلك لأنّ هذه المعرفة مهمة ويجب أن تكون عن قناعة من أجل بناء الوطن، فإذا ما توصلنا إلى مرحلة يعرف فيها كل إنسان واجباته وحقوقه فعندها سيصل المجتمع إلى درجة عاليةٍ من الرقي.
كيف ارتبط مفهوم المواطنة بالدولة الحديثة؟
الوطنية وانتماء الإنسان إلى وطنه من المفاهيم والمصطلحات القديمة، فعلى الرّغم من حداثة هذا المفهوم إلّا أنّ جذوره تعود إلى الحضارات الغربية القديمة، إذ إنّ الحضارة الرومانية القديمة قد بلورت فكرة المواطنة كوظيفة يتحتم على المواطنين القيام بمسئولياتها وأعبائها على أكمل وجه، كما أنّ مفهوم المواطنة قد ظهر عند المصريين القدماء على أنّه يعني المساواة أمام القوانين.
ارتبط مفهوم المواطنة بالعديد من المصطلحات والمفاهيم، فهناك من قال إنّ المواطنة بمفهومها السياسي تعني ما يتمتع به المواطن من الحقوق وما يترتب عليه من واجبات والتزامات يفرضها عليه انتسابه وانتماؤه لوطنه، أمّا مصطلح المواطنة في علم الاجتماع فهو يدلُّ على تلك المكانة والعلاقة الاجتماعية التي تُخلق ما بين الفرد الطبيعي ودولته، وتتمثل هذه العلاقة بتقديم الولاء من قبل الفرد وتأمين الحماية من قبل الدّولة، وذلك وفق أنظمة وقوانين يرسخها الدّستور، في حين يأتي علم النّفس ليشرح المواطنة على أنّها ذاك الشعور بالانتماء والولاء للوطن، والذي يعدُّ مصدرًا أساسيًا لتأمين الحاجات الأساسية وحماية الذات.
ما إن انتهى كلُّ علمٍ من شرح مصطلح المواطنة على حسب ما جاء في سطوره، جاء تعريف آخر للمواطنة تحت مُسمّى المواطنة المعاصرة، وذلك لتظهر مدى ارتباط المواطنة بالدول الحديثة، فالمواطنة بالمعنى الحديث تدلُّ على تلك العلاقة المقدسة ما بين الفرد والدولة وذلك استنادًا على ما يحدده قانون تلك الدولة، وبما تنطوي عليه تلك العلاقة من حقوق واجبات متبادلة ما بين المواطن والوطن في تلك الدولة، فما هو حقٌّ للمواطنة سيكون واجبًا على الدّولة، وما هو واجبٌ على المواطن سيكون حقًّا للدّولة يجب أن تحصل عليه من مواطنيها، بذلك تكون المواطنة بهذا المنطلق تدلُّ على مرتبةٍ من الحرّية ينالها المواطن إلّا أنّها مصحوبة بالواجبات.
كيف نعزز تطبيق أخلاقيات المواطنة؟
المواطنة هي كلُّ ما تمنحه الدولة لمواطنيها من الحقوق الأساسية والرئيسة؛ كالحقوق الدينية والحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الحقوق، لقاء ما يقدّمه لها المواطن من واجبات عليه، ولكن هذه المواطنة قد تزيد وتنقص فهي كالحبّ وغيرها من المشاعر، فهناك ما يزيد ويشعل جذوتها، وهناك ما يقلل من ثباتها في قلب وشعور الإنسان.
الحكومة هي المسؤولة أوّلًا وأخيرًا عن ترسيخ شعور المواطنة بين رعاياها، فإن أخّلت بما عليها من واجبات، ولم تؤمن لأفرادها الحماية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولم تعمل على المساواة فيما بينهم أمام القانون، فمن الطبيعي عندها أن يخف تدريجيًا إحساس أيّ فردٍ بشعور المواطنة والولاء لقانون لم يحمه ولم يحفظ له وجوده، بل سيبحث عن مرجعية أخرى تحميه وتؤمن له حقوقه الواجبة له.
حتى تساعد الدّولة في ازدياد شعور المواطنة عند أفرادها يجب عليها أن تُوفّر الأمن والاستقرار لهم، وأن تحكم بينهم بميزان العدل المستقيم وذلك استنادًا للقوانين والأنظمة أثناء تطبيقها عليهم، فتقوم المواطنة على حقوق وواجبات متساوية، وأن يوجد التوجه الجاد الذي يجعل كل فرد يشعر بمسؤولياته وواجباته، وأن يكون مبدأ الثواب والعقاب هو شوكة ميزان العدل النزيه، ويمكننا القول إنّ المواطنة هي تلك المشاعر التي تنغرس جذورها في قلب أي مواطنٍ، وتقوم في أي دولة على عدة أسس كالعدل والمساواة والتي لا بد من توفرها بغض النظر عن هوية النّظام وشكله وعرقه أو مذهبه الدِّيني.
عندما يجد الإنسان ذاك الاحترام والعدل وتوفير الفرص من قبل الدّولة للجميع، سينشأ ذاك الحُب ما بينه وبين حكومته ودولته، والذي سيكون المدخل الأول لمواطنة الإنسان وانتمائه، فهذا الحُب الدائم المستمر سيهب الإنسان الشّعور بالحيوية والنشاط المستمر من أجل ممارسة مختلف الأنشطة والفعاليات المجتمعية والوطنيّة، كما أنّها ستشعره بالغبطة والحيويّة والانفتاح نحو الآخرين، وتهبه من الرؤى والأفكار ما تكسبه القدرة على العطاء الأكثر لبلاده وشعبه والاتّجاه بهم نحو التّطور.
كيف ننشر الوعي المجتمعي بالمواطنة؟
أصبحت المواطنة عبارة عن رابط اجتماعي و قانوني بين الأفراد والمجتمع السياسي الديمقراطي، وهو يعني أنّ المواطنة تستلزم إلى جانب تلك الحقوق والحريات الواجبة للمواطن من قبل الدّولة، أن يؤدي تلك المسؤوليات والالتزامات والتي بدونهما سيفشل المشروع الديمقراطي لأيّ دولة.
حتى نقوي شعور المواطنة في قلوب النّاس ونعززه بحيث تصبح كل زهرة في بستان من بساتين الوطن هي عزيزة على قلبه، والشُّعور تجاه تراب بلادهم ووطنهم كبيرةٌ ليصبح في قلوبهم ذاك التّراب المقدس الذي يجب ألّا يُدنس، من أجل كلّ هذا كان لزامًا علينا ألّا نهمل ما للأسرة من الدور الأكبر في تشكيل شخصية الإنسان ووعيه وحبه لبلاده، ومن ثم يأتي دور المدرسة، وذلك عن طريق تأليف المنهاج التّربوي بشكلٍ يخدم فكرة المواطنة الصّحيحية التي تؤمن للإنسان الحياة الآمنة الكريمة.
من الطّرق التي تساعدنا على نشر الوعي بالمواطنة هي تجنيد الدولة بجميع مؤسساتها وفي مقدمتها الإعلام، ومن ثم مؤسسات المجتمع المدني، وذلك أن تعمل كلها بِيد واحدة حاضنة مشتركة في سبيل تحقيق هذا الهدف الإنساني الوطني، فهذه المؤسسات بعملها القويم والصحيح ستكون قادرة على تبديد مساحة الظلام التي تسيطر على عقول بعض الأشخاص الذين انطفأت جذوة المواطنة في قلوبهم، وأصبحوا لا يملكون أدنى شعور تجاه الوطن الذي قد ولدوا ضمن حدوده أو أخذوا جنسيته.
حتى ينعم الإنسان هو ومن حوله بمساحة لا مُتناهية من الإحساس بتلك المشاعر، فعلى تلك المؤسسات أن تضيء لهم الطريق ليصبحوا قادرين على الحبِّ والعطاء ونشر هذا الوعي والحس الوطني بأنفسهم، عندها ستنفتح للمجتمع وأفراده آفاق جديدة، ويستطيعون السّير على درجات التّقدم والحضارة والرُّقي، فالتربية تأتي قبل التعليم في كل شيء نريد زرعه وغرسه، ومن ثمّ يأتي الإعلام بمختلف آلياته وأشكاله الأرضيّة منها والفضائيّة.
كلما كان التّعليم صحيحًا والإعلام قويمًا تشكّلَ عندنا وعند الآخرين ذاك الوعي المجتمعي الوطني والمفيد للبلاد ولأفرادها، ونشر ذاك الوعي الشامل لجميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسِّياسيّة والثقافية، حيث تسهم كلُّ هذه الأمور في خلق مجتمع قائم على أسس من المحبة والتّسامح والتّواضع في ظلٍّ من الشّعور بالمواطنة الصّادقة تجاه وطن يؤمن لنا العطاء والاحترام والحوار مع الآخر والتعايش معه.