محتويات
الحث على صلاة الجماعة
تُعَدّ صلاة الجماعة في المسجد من أفضل الطاعات التي يتقرّب بها العبد إلى الله؛ لما فيها من إظهار لشعائر الإسلام، وإبانة لوحدة الأمة، فضلاً عمّا تُتيحه صلاة الجماعة من اجتماع المسلمين وتواصلهم بالخير، وتفقّد أحوال بعضهم على اختلاف أصولهم وتعدّد قبائلهم، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)،[١] وقد شرع الله الكثير من الصلوات التي يجتمع فيها المُسلمون في أوقات واحدة، كصلاة الجُمعة، والعيدَين، والصلوات الخمس.[٢]
أهمّية صلاة الجماعة وفضائلها
الأجر والثواب المُترتِّب على صلاة الجماعة
الفضائل التي خُصّت بها صلاة الجماعة كثيرة، والأجور المترتبة عليها عظيمة، ومن ذلك:[٣]
- يُضاعف الله أجر المُصلّي في جماعة إلى سبع وعشرين درجة عمّن يصلّي منفرداً؛ لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (صَلَاةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِن صَلَاةِ الفَذِّ بسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً)،[٤] وقد جاء في بعض الأحاديث أنّها تزيد عنها بخمسٍ وعشرين درجة، وجمع العلماء بين الروايتَين بأنّ ذلك يختلف باختلاف المُصلّي؛ بحسب خشوعه، وكثرة الجماعة، وكمال الصلاة، وقد يكون الجمع بينهما بأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ذكرها في بداية الأمر خمساً وعشرين، ثُمّ ذكرها سبعاً وعشرين.
- يحفظ الله المُصلّي في جماعة من الشيطان؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصَّلاةُ إلَّا قدِ استحوذَ عليْهمُ الشَّيطانُ فعليْكم بالجماعةِ فإنَّما يأْكلُ الذِّئبُ القاصيةَ).[٥]
- يزيد الله أجر المُصلّي في جماعة كُلّما كان عدد المُصلّين أكثر؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: ( إنَّ صلاةَ الرجُلِ مع الرجُلِ أَزْكى مِن صلاتِه وحدَه، وصلاتَه مع الرجُلَينِ أَزْكى مِن صلاتِه مع الرجُلِ، وما هو أكثَرُ فهو أحَبُّ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ).[٦]
- يُبرئ الله المُصلّي من النار، ومن النفاق، وذلك لمَن أدرك تكبيرة الإحرام في جماعة أربعين يوماً؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن صلَّى للَّهِ أربعينَ يومًا في جماعةٍ يدرِكُ التَّكبيرةَ الأولَى كُتِبَ لَه براءتانِ : براءةٌ منَ النَّارِ ، وبراءةٌ منَ النِّفاقِ)،[٧] وفي الحديث دلالة واضحة على أهمية الإخلاص في الصلاة.
- يُعطي الله لمَن يُصلّي الفجر في جماعة، ويجلس يذكر الله إلى طُلوع الشمس أجرَ الحجّ والعمرة؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن صلى الفجرَ في جماعةٍ ، ثم قَعَد يَذْكُرُ اللهَ حتى تَطْلُعَ الشمسُ ، ثم صلى ركعتينِ ، كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تامَّةٍ ، تامَّةٍ ، تامَّةٍ).[٨]
- يُعطي الله لِمُصلّي الفجر والعشاء في جماعة أجر قيام الليل؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن صلى العشاءَ في جماعةٍ كان كقيامِ نصفِ ليلةٍ ، ومَن صلى العشاءَ والفجرَ في جماعةٍ كان كقيامِ ليلةٍ)،[٩] وقد ذهب بعض العلماء إلى أنّ تحصيل أجر قيام الليل يكون بصلاتي العشاء والفجر جماعة، وذهب آخرون إلى أنّ أجر الفجر في جماعة كأجر قيام الليل، وأجر العشاء في جماعة كأجر قيام نصف الليل.
- يجتمع ملائكة في الليل والنهار عند صلاتَي الفجر والعصر، فيشهدون للمسلم الذي يُصلّيهما، فيُبشّره الله بالجنّة؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ)؛[١٠] والبردين هما: صلاة الفجر، وصلاة العصر.
- يعجب المولى سبحانه، أي: يفرح ويرضى من عباده وهم مجتمعون لأداء الصلاة، وهذا يدلّ على مَحبّة الله لها، ولمَن يُصلّيها؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ ليعجبُ منَ الصَّلاةِ في الجميعِ).[١١]
- ينال المسلم وهو في انتظار إقامة صلاة الجماعة أجره كما لو كان قائماً في صلاته، بالإضافة إلى دعاء الملائكة له؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لَا يَزَالُ العَبْدُ في صَلَاةٍ ما كانَ في مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَتَقُولُ المَلَائِكَةُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، حتَّى يَنْصَرِفَ، أَوْ يُحْدِثَ).[١٢]
- يُبشّر الله المُسلمَ الذي يسعى إلى الصلاة في الليل بالنور التامّ يوم القيامة؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ليُبَشَّر المشاؤون في الظُّلمِ إلى المساجدِ بنورٍ تامٍّ يوم القيامة).[١٣][١٤]
أثر صلاة الجماعة في الفرد والمجتمع
الآثار والفوائد التي تترتب على اجتماع المسلمين في الصلاة كثيرة، ومن هذه الآثار العظيمة ما يأتي:[١٥]
- اجتماع المسلمين في نفس الوقت، والمكان، يؤلّف بين قلوبهم، ويُعزّز الإحسان بينهم، والدعوة إلى الله بالقول والفعل، وطلب الثواب بالاجتماع على الخير.
- تتلاقي المسلمين واجتماعهم للصلاة يُتيح لهم فرصة تفقّد أحوال بعضهم؛ فيعودون المريض، ويساعدون المحتاج، ويتبادلون العلم والمعرفة، ويظهرون باجتماعهم أعظم شعيرة من شعائر الإسلام، وهي الصلاة في مشهد يوحي بعزّة الدّين وتمكينه.
- استشعار المُسلم أنّ وقوفه في الصلاة كوقوفه في صفّ الجهاد صفّاً واحداً، وإشعار المُسلم بوحدة المُسلمين، والمساواة فيما بينهم؛ فالفقير منهم يُصلّي جنباً إلى جنب مع الغنيّ، كما أنّ فيه تعويد للمُسلم على ضَبط نفسه، ومُتابعة الإمام في أفعال الصلاة كلّها.
- استشعار المُسلم لأحوال الصحابة، واقتدائهم بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فيستشعر المأموم أنّه في مكانهم، ممّا يزيد من حرصه على اتِّباع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فيزيد في نشاطه للعبادة.
- مُضاعفة الأجر والحسنات، والدعوة إلى الدين بالقول والعمل، وهي تربية للأمّة؛ للمحافظة على أوقاتهم.
فضل المشي إلى صلاة الجماعة
بيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ للذي يمشي إلى الصلاة وإلى المساجد الكثير من الأجور، ومنها ما يأتي:
- يكتب الله له أجر صيام سنة، وقيامها، وذلك لمَن يغتسل، ويمشي إلى الصلاة، ويستمع إلى الإمام يوم الجُمعة؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ غَسَّل يومَ الجمُعةِ واغتَسَل، ثم بكَّر وابتَكَر، ومَشى ولم يركَبْ، ودنا من الإمامِ، فاستَمَع ولم يَلغُ، كان له بكلِّ خُطوَةٍ عملُ سنةٍ أجرُ صيامِها وقيامِها)،[١٦] ورأى بعض العلماء أنّ الذي يركب وهو معذور له أجر الذي يمشي إلى الصلاة.[١٧]
- يستظلّ بظلّ عرش الرحمن يوم القيامة، قال -عليه الصلاة والسلام-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ) وذكرَ منهم: (ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ)،[١٨] ويرفع الله له الدرجات، ويحطّ عنه السيّئات، ويغفر الله له ذنوبه إن أسبغَ الوضوء، وهي من الأسباب التي تُحقّق السعادة للعبد في الدنيا والآخرة، قال – عليه الصلاة والسلام- مخاطباً أصحابه: (أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ).[١٩][٢٠]
- يُستحَبّ لمَن يُريد الذهاب إلى صلاة الجماعة أن يمشي إليها بسكينة ووقار دون إسراع، كما يرى جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة؛ لحديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا أقيمَتِ الصَّلاةُ ، فلا تَأتوها وأنتُمْ تَسعونَ، ولَكِن ائتوها وأنتُمْ تمشونَ، وعليكُمُ السَّكينةَ فما أدرَكْتُمْ فصلُّوا، وما فاتَكُم فأتمُّوا)،[٢١] في حين يرى المالكية جواز الإسراع إلى الصلاة؛ لإدراك صلاة الجماعة ولكن دون هرولة، وإن خاف فوات صلاة الجماعة، فقد وجب عليه السَّعي لإدراكها.[١٧]
المراجع
- ↑ سورة الحجرات، آية: 13.
- ↑ “في صلاة الجماعة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-3-2020. بتصرّف.
- ↑ سعيد بن علي بن وهف القحطاني (2010)، صلاة المؤمن – مفهوم، وفضائل، وآداب، وأنواع، وأحكام، وكيفية في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الرابعة)، القصب: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 519-528، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 650، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبو الدرداء، الصفحة أو الرقم: 846، حسن .
- ↑ رواه يحيى بن معين، في تحفة المحتاج، عن أبي بن كعب ، الصفحة أو الرقم: 1/437، صحيح.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 241، حسن.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6346، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم: 6342، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 574، صحيح.
- ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2/42، إسناده حسن.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 649، صحيح.
- ↑ رواه علاء الدين مغلطاي، في شرح ابن ماجه، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 3/227، إسناده صحيح.
- ↑ صالح بن مقبل العصيمي التميمي (14/3/2019)، “أهمية صلاة الجماعة وأدلة وجوبها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-3-2020. بتصرّف.
- ↑ سعيد بن علي بن وهف القحطاني (2010)، صلاة المؤمن (الطبعة الرابعة)، القصب: مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 517-519، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ رواه البغوي ، في شرح السنة، عن أوس بن أبي أوس، الصفحة أو الرقم: 2/570، حسن.
- ^ أ ب وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 338-339، جزء 37. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 660، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 251، صحيح.
- ↑ سعيد بن علي بن وهف القحطاني (2010)، صلاة المؤمن (الطبعة الرابعة)، القصب : مركز الدعوة والإرشاد، صفحة 575، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 327، صحيح .