لأني غريب
عبّر بدر شاكر السياب عن اشتياقه للعراق في القصيدة الآتية:[١]
لأنّي غريب
لأنّ العراق الحبيب
بعيد و أني هنا في اشتياق
إليه إليها أنادي : عراق
فيرجع لي من ندائي نحيب
تفجر عنه الصدى
أحسّ بأني عبرت المدى
إلى عالم من ردى لا يجيب
ندائي
و إمّا هززت الغصون
فما يتساقط غير الردى
حجار
حجار و ما من ثمار
و حتى العيون
حجار و حتى الهواء الرطيب
حجار يندّيه بعض الدم
حجار ندائي و صخر فمي
و رجلاي ريح تجوب القفار
لن نفترق
قال في العتاب القصيدة الآتية:[٢]
هبت تغمغم : سوف نفترق
-
-
-
-
-
- روح على شفتيك تحترق
-
-
-
-
صوت كأن ضرام صاعقة
-
-
-
-
-
- ينداح فيه … وقلبي الأفق
-
-
-
-
ضاق الفضاء وغام في بصري
-
-
-
-
-
- ضوء النجوم وحطم الألق
-
-
-
-
فعلى جفوني الشاحبات وفي
-
-
-
-
-
- دمعي شظايا منه أو مزق
-
-
-
-
فيم الفراق ؟ أليس يجمعنا
-
-
-
-
-
- حب نظل عليه نعتنق ؟
-
-
-
-
حب ترقرق في الوعود سنا
-
-
-
-
-
- منه ورف على الخطى عبق
-
-
-
-
أختاه، صمتك ملؤه الريب ؟
-
-
-
-
-
- فيما الفراق ؟ أما له سبب ؟
-
-
-
-
الحزن في عينيك مرتجف
-
-
-
-
-
- واليأس في شفتيك يضطرب
-
-
-
-
ويداك باردتان : مثل غدي
-
-
-
-
-
- وعلى جبينك خاطر شجب
-
-
-
-
ما زال سرك لا تجنحه
-
-
-
-
-
- آه مؤججة : ولا يثب
-
-
-
-
حتى ضجرت به وأسأمه
-
-
-
-
-
- طول الثواء وآده التعب
-
-
-
-
إني أخاف عليك واختلجت
-
-
-
-
-
- شفة إلى القبلات تلتهب
-
-
-
-
ثم إنثنيت مهيضة الجلد
-
-
-
-
-
- تتنهدين وتعصرين يدي
-
-
-
-
وترددين وأنت ذاهلة
-
-
-
-
-
- إني أخاف عليك حزن غد
-
-
-
-
فتكاد نتتثرالنجوم أسى
-
-
-
-
-
- في جوهن كذائب البرد
-
-
-
-
لا تتركي لا تتركي لغدي
-
-
-
-
-
- تعكير يومي ما يكون غدي
-
-
-
-
وإذا ابتسمت اليوم من فرح
-
-
-
-
-
- فلتعبسن ملامح الأبد
-
-
-
-
ما كان عمري قبل موعدنا
-
-
-
-
-
- إلا السنين تدب في جسد
-
-
-
-
أختاه لذّ على الهوى ألمي
-
-
-
-
-
- فاستمتعي بهواك وابتسمي
-
-
-
-
هاتي اللهيب فلست أرهبه
-
-
-
-
-
- ما كان حبك أول الحمم
-
-
-
-
ما زلت محترقا تلقفني
-
-
-
-
-
- نار من الأوهام كالظلم
-
-
-
-
سوداء لا نور يضيء بها
-
-
-
-
-
- كرقاد حمى دونما حلم
-
-
-
-
هاتي لهيبك إن فيه سناً
-
-
-
-
-
- يهدي خطاي ولو إلى العدم
-
-
-
-
هي ومضة ألقى الوجود بها
-
-
-
-
-
- جذلان يرقص عاري القدم
-
-
-
-
هل كان حبّاً
من قصائده في الحب:[٣]
هل تُسمّينَ الذي ألقى هياما ؟
أَمْ جنوناً بالأماني ؟ أم غراما ؟
ما يكون الحبُّ ؟ نَوْحاً وابتساما ؟
أم خُفوقَ الأضلعِ الحَرّى ، إذا حانَ التلاقي
بين عينينا ، فأطرقتُ ، فراراً باشتياقي
عن سماءٍ ليس تسقيني ، إذا ما ؟
جئتُها مستسقياً ، إلاّ أواما
العيون الحور ، لو أصبحنَ ظلاً في شرابي
جفّتِ الأقداحُ في أيدي صحابي
دون أن يَحْضَينَ حتى بالحبابِ
هيئي ، يا كأسُ ، من حافاتك السكرى ، مكانا
تتلاقى فيه ، يوماً ، شفتانا
في خفوقٍ والتهابِ
وابتعادٍ شاعَ في آفاقهِ ظلُّ اقترابِ
كم تَمَنَّى قلبيَ المكلومُ لو لم تستجيبي
من بعيدٍ للهوى ، أو من قريبِ
آهِ لو لم تعرفي ، قبل التلاقي ، من حبيبِ!
أيُّ ثغرٍ مَسَّ هاتيك الشفاها
ساكباً شكواهُ آهاً … ثم آها ؟
غير أنّي جاهلٌ معنى سؤالي عن هواها º
أهو شيءٌ من هواها … يا هواها ؟
أَحْسدُ الضوءَ الطروبا
مُوشكاً ، مما يلاقي ، أن يذوبا
في رباطٍ أوسع الشَّعرَ التثاما ،
السماء البكرُ من ألوانه آناً ، وآنا
لا يُنيلُ الطرفَ إلاّ أرجوانا
ليتَ قلبي لمحةٌ من ذلك الضوء السجينِ º
أهو حبٌّ كلُّ هذا ؟! خبّريني
غريب على الخليج
كتب القصيدة الآتية في الغربة حيث كان يقاسي الألم والمرض والجوع بالإضافة إلى الغربة:[٤]
الريح تلهث بالهجيرة كالجثام، على الأصيل
وعلى القلوع تظل تطوى أو تنشّر للرحيل
زحم الخليج بهنّ مكتدحون جوّابو بحار
من كل حاف نصف عاري
وعلى الرمال، على الخليج
جلس الغريب، يسرّح البصر المحيّر في الخليج
ويهدّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج
أعلى من العبّاب يهدر رغوه و من الضجيج”
صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى: عراق
كالمدّ يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي عراق
والموج يعول بي عراق، عراق، ليس سوى عراق
البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما يكون
والبحر دونك يا عراق
بالأمس حين مررت بالمقهى، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانة
هي دورة الأفلاك في عمري، تكوّر لي زمانه
في لحظتين من الأمان، وإن تكن فقدت مكانه
هي وجه أمي في الظلام
وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام
وهي النخيل أخاف منه إذا ادلهمّ مع الغروب
فاكتظّ بالأشباح تخطف كلّ طفل لا يؤوب
من الدروب
وهي المفليّة العجوز وما توشوش عن حزام
وكيف شقّ القبر عنه أمام عفراء الجميلة
فاحتازها .. إلا جديلة
زهراء أنت .. أتذكرين
تنّورنا الوهّاج تزحمه أكف المصطلين ؟
وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين ؟
ووراء باب كالقضاء
قد أوصدته على النساء
أبد تطاع بما تشاء، لأنها أيدي الرجال
كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال
أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟
سعداء كنا قانعين
بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء
حشد من الحيوات و الأزمان، كنا عنفوانه
كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه
أفليس ذاك سوى هباء ؟
حلم ودورة أسطوانة ؟
إن كان هذا كلّ ما يبقى فأين هو العزاء ؟
أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه
يا أنتما – مصباح روحي أنتما – و أتى المساء
و الليل أطبق ، فلتشعّا في دجاه فلا أتيه
لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء
الملتقى بك و العراق على يديّ .. هو اللقاء
شوق يخضّ دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه .. كجوع كلّ دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأبّ من الظلام إلى الولادة
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام
حتى الظلام – هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحسّ أن على الوسادة
من ليلك الصيفي طلاّ فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيّبات خطاي و المدن الغريبة
غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجرّ في المنفى صليبه ،
فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار
فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار
ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب
تحت الشموس الأجنبية
متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يدا نديّة
صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذ غريب
بين العيون الأجنبية
بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو ( خطيّة)
والموت أهون من خطّية
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبية
قطرات ماء ..معدنيّة
فلتنطفي، يا أنت ، يا قطرات ، يا دم ، يا .. نقود
يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع ، متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
يا لمعة الأمواج رنحهن مجداف يرود
بي الخليج ، ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود
ليت السفائن لا تقاضي راكبيها من سفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار
ما زلت أحسب يا نقود ، أعدكنّ و أستزيد ،
ما زلت أنقص ، يا نقود ، بكنّ من مدد اغترابي
ما زلت أوقد بالتماعتكن نافذتي و بابي
في الضفّة الأخرى هناك . فحدثيني يا نقود
متى أعود ، متى أعود ؟
أتراه يأزف ، قبل موتي ، ذلك اليوم السعيد ؟
سأفيق في ذاك الصباح ، و في السماء من السحاب
كسر، وفي النسمات برد مشبع بعطور آب
و أزيح بالثؤباء بقيا من نعاسي كالحجاب
من الحرير ، يشف عما لا يبين وما يبين
عما نسيت وكدت لا أنسى ، وشكّ في يقين
ويضيء لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي-
ما كنت ابحث عنه في عتمات نفسي من جواب
لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب ؟
اليوم _ و اندفق السرور عليّ يفجأني- أعود
واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق
وهل يعود
من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدّخر النقود
وأنت تأكل إذ تجوع ؟ و أنت تنفق ما تجود
به الكرام، على الطعام ؟
لتبكينّ على العراق
فما لديك سوى الدموع
وسوى انتظارك، دون جدوى، للرياح وللقلوع
المراجع
- ↑ “لأني غريب”، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2019.
- ↑ “لن نفترق !”، adab، اطّلع عليه بتاريخ 27-2-2019.
- ↑ “هل كان حبا”، aldiwan، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2019.
- ↑ بدر شاكر السّيّاب، أنشودة المطر، صفحة 7.