محتويات
شروط الحجّ عن الغير
بحث أهل العلم شُروط حجّ المسلم عن غيره، وهذه الشّروط منها ما يتعلّق بالأصيل*، ومنها ما يتعلّق بالوكيل*، وبيان ذلك فيما يأتي:[١][٢]
- أن ينوي الوكيل عن الأصيل، وتكون هذه النيّة في القلب، والأفضل أن يتلفّظ بها الوكيل بلسانه؛ فيقول: “نَوَيتُ الحجّ عن فُلان”، ويُسمّي الأصيل، وهذا الشّرط محلّ اتفاق عند الفقهاء.
- أن يكون الأصيل غير قادرٍ على أداء الحجّ بنفسه، وعنده مال يكفيه ليُوكلَ غيره بالحَجّ عنه، أمّا إن كان قادراً على الحجّ بنفسه، فلا يجوز أن يُوكِلَ غيره بالحَجّ عنه، وهذا الشرط باتّفاق جمهور الفقهاء باستثناء المالكية الذين لا يُجيزون الحَجّ عن الحيّ بأيّ حال، أمّا الحجّ عن الميّت فمحلّ اتّفاق عند الفقهاء جميعهم، واشترط المالكية، والحنفية أن يكون الميّت قد أوصى بالحَجّ عنه، في حين ذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب الحجّ عنه إن كان قادراً على الحجّ قبل موته، ولكنّه مات مُفرّطاً، سواء أوصى أمْ لم يُوصِ.
- أن يكون الأصيل عاجزاً عن الحجّ عَجزاً مستمرّاً إلى حين الأجل، كالمرض، والحَبس؛ فلو زال العَجز عنه قبل الموت وكان قد وَكَّلَ غيره بالحَجّ عنه، فإنّ ذلك لا يُجزئه عند الحنفية، والشافعية، ويرى الحنابلة أنّ ذلك يُجزئه، ولا يجوز الحَجّ عن الشخص الحيّ عند المالكيّة إلّا بعد وفاته.
- أن يكون الوكيل قد حَجّ عن نفسه، وإلّا لم تُجزئ الحجّة عن الأصيل، وذلك عند الشافعية، والحنابلة، ولم يشترط الحنفية، والمالكية ذلك؛ إذ ذهبوا إلى جواز حجّ المسلم عن غيره حتى وإن لم يكن الوكيل قد حَجّ عن نفسه؛ لأنّ الحَجّ عند المالكية لا يجب على الفور، وإنّما يجب على التراخي.
- أن يكون الأصيل قد أمرَ بالحَجّ عنه، وذلك إن كان حيّاً، وهذا عند الفُقهاء جميعهم، أمّا إن كان الأصيل ميّتاً، فلا يجوز الحَجّ عنه إلّا إذا أوصى عند الحنفية، والمالكية، في حين ذهب الشافعية، والحنابلة إلى وجوب الحَجّ عنه حتى وإن لم يُوصِ، وتكون نفقة الحجّ من تَرِكَته إن كانت له تَرِكة، فإن لم تكن له تَرِكة، فيُستحَبّ لورثته الحَجّ عنه، أو إرسال من يحجُّ عنه.
- أن تكون نفقة الحجّ، أو أكثرها من مال الأصيل، وذلك عند الحنفية، أمّا الشافعية والحنابلة فيرون جواز التبرُّع بنفقات الحَجّ عنه، ويرى المالكية أنّ الأمر في ذلك يعتمد على وصيّة الأصيل، ويُستثنى من نفقة الحَجّ دم القِران والتمتُّع؛ إذ تكون على نفقة الوكيل.
- أن يكون إحرام الوكيل من الميقات الذي طلب الأصيل إحرامه منه، وعلى النَّحو الذي طُلِب منه؛ فلو أُمِر بحجّ الإفراد وحَجّ قارناً، فإنّ الحَجّ يقع، أمّا إن أمرَه الأصيل بالإفراد وتمتَّعَ الوكيل، فإنّه لا يقع، وهذا عند الشافعية، بينما يرى الحنفية خِلاف ذلك؛ فلا يقع الحجّ عندهم في حال الحجّ بطريقة أخرى غير التي طُلِبت منه، وهو غير جائز، ويجب عليه ضمان نفقات الحجّ، في حين يرى المالكية مُساواة حَجّ القِران بحَجّ التمتُّع، ويرى الحنابلة جواز أيّ نوع من أنواع الحجّ.
- أجاز جمهور الفقهاء أخذُ الوكيل للأجرة عن الحجّ، وخالف في ذلك متقدّمو الحنفية، واستدلّ الجمهور بعدّة أدلة، منها: أنّه يجوز أخذ النفقة على الحج، بإقرار متقدمي الحنفية أنفسهم، فجاز إذن الاستئجار بأداء الحجّ.
- أن يكون الوكيل بالغاً عاقلاً باتّفاق الفقهاء، وأجاز الحنفية أن يكون الوكيل صبياً، بشرط أن يكون مُميّزاً.
- أن يكون حَجّ الوكيل عن الأصيل راكباً عند جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، أمّا المالكية فيجب عندهم الحجّ ماشياً بشرط عدم وجود المَشقّة الشديدة.
حجّ النَّفل عن الغير وشروطه
اتّفق فُقهاء الحنفية، والحنابلة على جواز حجّ النَّفل عن الغير مُطلَقاً، وذهب المالكية إلى جواز ذلك أيضاً ولكن مع الكراهة، وفي حَجّ النَّذْر كذلك، ويرى جمهور فقهاء الشافعية جواز الاستنابة في حجّ النَّفل عن الحيّ الذي لا يستطيع الحجّ عن نفسه؛ لعَجز، أو مَرض، أو عن ميّت لم يُوصِ بالحجّ عنه، وفي قولٍ آخر للشافعية بعدم الجواز؛ لأنّ الجواز في حجّ الفَرض كان لضرورة، ولا ضرورة في حجّ النَّفْل، واشترط الفقهاء لصحّة حجّ النَّفل عن الغير أن يكون مُسلماً، عاقلاً، مُميّزاً، وأجاز الحنفيّة أن يكون مُراهقاً، وأن يكون قد حجّ عن نفسه، وليس عليه حجٌّ آخر مفروض.[٣]
حُكم الحجّ عن الغير والميّت
حُكم الحجّ عن الغير
أجاز الفُقهاء أن يحجّ المسلم عن غيره بشرط أن يكون قد حجّ عن نفسه؛ سواءً كان الحجّ فَرضاً، أو نَفلاً، ويجوز للمرأة أن تحجّ عن غيرها حتى وإن كان رجلاً، ولا يجوز الحجّ عن الحيّ إلّا بإذنه، أمّا إن كان ميّتاً فلا يُشترَط إذن الوليّ في ذلك؛ لأنّه دَين يسقط بفِعل أيّ أحد، ويجب الحجّ عن الميّت إن كان مُستطيعاً حال حياته ولم يحجّ؛ فقد ورد في خبر امرأة جاءت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- تسأله في أُمّها التي ماتت ولم تحجّ؛ (قالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قالَ: حُجِّي عَنْهَا)،[٤] والمرأة التي جاءت إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وقالت له: (إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أدْرَكَتْ أبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَثْبُتُ علَى الرَّاحِلَةِ، أفَأَحُجُّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ).[٥][٦]
حُكم الحجّ عن الميّت
يُعَدّ الحجّ عن الميّت من أفضل العبادات التي ينتفع بها الميّت، خاصّة إذا كان الميّت أحد الوالدين؛ فقد سُئِل النبيّ عن ذلك، فأجاب بالقبول عن سؤاله في ما يتعلّق بالحجّ عن الميّت كما في الحديث الوارد في الفقرة السابقة، فإن كان الوالدان قد حجّا الفريضة، فإنّه يؤدّي عنهما حَجّ النافلة، وإن لم يكونا قد أدّيا العمرة، فإنّه يُؤدّيها عنهما،[٧] ويُعَدّ الحجّ من الديون التي تستحقّ على العبد لخالقه، ويسقط بالموت، إلّا أنّ النيابة تجوز فيه؛ فالذي يحجّ عن إنسانٍ آخر، كالوالدين، يكون قد أسقط هذا الدَّين عنهم.[٨]
الحكمة من الحج
يُعَدّ الحجّ ركناً من أركان الإسلام الخمسة؛ قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[٩] وتشريع الحجّ يحمل حِكَماً عديدة، منها تحقيق العبوديّة لله -تعالى-؛ فالعبد يبذل ماله، وبَدَنه؛ ابتغاء مرضاة الله -تعالى-، واستجابة لأمر الله -عزّ وجلّ- بأداء مناسك الحجّ،[١٠] وقد بيّن الله -تعالى- أنّ من حِكَم الحجّ أن يشهد الحجّاج منافعَ الموسم؛ قال -تعالى-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)،[١١] ومن هذه المنافع شهود وحدة صفوف المُسلمين على الرغم من اختلافهم في اللون، والجنس، واللغة، ممّا يُشعر الحجّاج والمسلمون بأثر العقيدة وسلامة المنهج،[١٢] كما جعل الله -تعالى- الطواف قياماً للناس، إلى جانب أنّ الحجّ يحقّقُ المنفعة في اجتناب المسلم للشِّرك والزُّور بصوره جميعها؛ فهو يدعوه إلى توحيد الله -تعالى- في أعماله كلّها، وذِكر الله -تعالى- أيضاً في مناسكه جميعها، كرَمْي الجَمَرات، وذَبْح الهَدي، وغيرهما من المناسك.[١٣]
الهامش
* الأصيل: يُقصد بالأصيل في المقال: المحجوج عنه، أي: الذي يُؤدّى عنه الحجّ.[١٤]
* الوكيل: هو الذي يؤدّي فِعل غيره؛ أي ينوب عنه فيه.[١٥]
المراجع
- ↑ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 73-77، جزء 17.
- ↑ وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الطبعة الرابعة)، دمشق: دار الفكر، صفحة 2106-2013، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 77، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 1149، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1855، صحيح.
- ↑ محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 228-230، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 317-318، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ “اختلاف الفقهاء في وجوب الحج عن الميت”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 97.
- ↑ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان، مجموع فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان، صفحة 469، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية: 28.
- ↑ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، جامع خطب عرفة، صفحة 172-173. بتصرّف.
- ↑ “الحكمة من وظائف الحج والعمرة وترتيبها”، WWW.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 21-4-2020.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1404 – 1427 هـ)، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دارالسلاسل، صفحة 73، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ “تعريف و معنى الوكيل في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-5-2020. بتصرّف.