معاملات إسلامية

جديد ما هو بيع السلم

مقالات ذات صلة

بيع السَّلَم

عندما جاءت الشريعة الإسلامية وضعت مجموعةً من الضوابط والقواعد للمعاملات الماليّة بعد أن جعلت القاعدة العامة فيها قائمة على الإباحة، وممّا منعته الشريعة الإسلامية في البيوع والمعاملات بشكلٍ عامّ أن يتمَّ بيع سلعةٍ مقابل سلعةٍ أخرى في حال تأخير إحداهما عن التسليم في مجلس العقد، بل جعلت ذلك من أنواع الرِّبا المحرَّم. جاءت بعض البيوع التي شذَّت عن القاعدة العامة التي حددتها الشريعة الإسلامية؛ إمّا لحاجة الناس إليها، أو لانتشارها وذيوعها وقَبولها بين الناس في العهد الذي سبق الإسلام؛ بشريطة ألّا تُشكِّل مشكلةً ماليةً للمجتمع، بل ربما توجد فيها حلول ناجعة للناس تخدمهم في تعاملاتهم المالية، وكان من بين البيوع الخارجة عن القواعد الشرعية العامة للمعاملات المالية ما يُسمّى ببيع السَّلم، فما هو بين السَّلم وما حكمه، وما هو تكييفه الفقهي؟

ما هو بيع السَّلم

بيع السَّلم في اللغة

بيع السَّلم مأخوذٌ من: أَسْلَمَ وسَلَّمَ إذا أَسْلَفَ، واتّفق أهل اللغة جميعهم على أنّ السَّلَم والسَّلَف بمعنى واحد، ويقال كذلك سَلَّم وأَسلَم وسَلَّف وأسْلَف؛ إلّا أن السَّلَف مع تشابهه مع السلم بنفس المعنى، فإنّه يختلف عن بيع السَّلم باشتراكه مع معنى آخر ألا وهو القرض العادي (إذا اقترض شخص شيئاً من شخص آخر ليردَّ له مثله)،[١] والسَّلَمُ يعني الاستلام أو التسليم، وقد سُمي هذا البيع بالسَّلف لأنّ فيه تقديماً وتسليفاً لرأس المال على الثَّمن، وسمي بالسَّلم لأنّ فيه تسليماً لرأس المال في المجلس.[٢]

السَّلم في الاصطلاح الشرعي

السَّلم في الاصطلاح يعني: أن يُسلِّم المشتري رأس المال للبائع في مجلس العقد قبل أن يستلم السِّلعة التي اشتراها منه على أن يعطيه إياها البائع بعد تحديد أوصافها في أَجَلٍ ووقتٍ معلوم، ولا يأخذ البائع من المُشتري إلّا ما سمّاه في مجلس العقد، ولا يجوز للمشتري أن يتصرّف بالسلعة قبل قبضها.[٣] قيل في معناه الاصطلاحي كذلك بأنّه: بيع سلعةٍ آجلة موصوفة في الذمة بثمن مُقَدَّم.[٤]

إنّ السلم نوعٌ مخصوصٌ من البيوع على خلاف الأصل؛ حيثٌ إنَّ الأصل في البيع ألّا يكون فيه المالان مؤجّلين؛ حيث يُعتبر ذلك من بيع الكالئ بالكالئ المُحرَّم شرعاً، بل يجب أن يكون رأس المال مدفوعاً حالاً حين التعاقد، وقد وقع الاتّفاق في بيع السلم على عدة شروطٍ منها ما تتوافق مع شروط البيع، ومنها ما ليس لها دليلٌ شرعي.[٣]

حُكم بيع السلم وصورته وحكمة مشروعيته

حكم بيع السلم

بيع السَّلَم جائزٌ مشروعٌ في الكتاب والسنة النبوية وإجماع الصحابة والتابعين، ولا خلاف بين الفقهاء على جوازه،[٤] ويدلُّ على مشروعيته من القرآن الكريم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)،[٥] ويدلُّ عليه من السنة النبوية الحديث الذي يرويه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: (قدِم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ وهم يُسلِفونَ بالتمرِ السَّنَتَينِ والثلاثَ، فقال: مَن أسلَف في شيءٍ ففي كَيلٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ)، وفي رواية: (فلْيُسلِفْ في كَيلٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ).[٦]

صورة بيع السلم

صورة بيع السّلم: أن يأتي عمرو إلى زيد الذي يعمل في الزراعة، فيقول له عمرو: أُعطيك هذا المبلغ من المال نقداً حالاً على أن تُعطيني مقابله طُنّاً من القمح في هذا الموضع في موسم الحصاد القادم، فيَقْبل زيد العرض من عمرو، ويستلم الثمن منه في نفس المجلس، ويسلِّمه القمح في الموسم المتَّفق عليه، وفي المكان الذي حدداه له، وبالقدر والوصف الذي تمّ الاتفاق عليه بينهما.

حكمة مشروعية بيع السَّلم

أجازت الشريعة الإسلامية بيع السَّلم توسيعًا على الناس، ومراعاةً لحاجاتهم، فالمزارع قد لا يملك المال الذي يكفيه لإصلاح أرضه والاعتناء بها وزراعتها، كما أنّه قد لا يجد من يقرِضه، فيلجأ المزارع إلى هذا البيع حتى يسدّ به حاجته، وكذلك فإنّ المشتري ينتفع من وراء تخفيض الثمن، إذ إنّ الثمن الذي يقدّمه المشتري للمزارع مقابل السلعة المؤجلة يكون في العادة أقلّ مما لو اشترى منه سلعةً حاضرة.[٧]

أركان وشروط بيع السلم

أركان بيع السلم

لبيع السَّلم ركنٌ واحدٌ فقط هو صيغة العقد التي ينعقد بها البيع، ويُعبَّر عنها بالإيجاب والقبول، وفيما يلي بيان ركن الصيغة في عقد بيع السلم وأقوال الفقهاء فيه:[٧]

  • ذهب جمهور الفقهاء -الحنفية والمالكية والحنابلة- إلى اشتراط أن تكون الصيغة في بيع السلم بلفظ البيع، أو السَّلف، أو السّلَم، فإذا جرت الصيغة بغير هذه الألفاظ الثلاثة كالإجارة والإعارة والهبة لم يجز العقد، واستدلَّ جمهور الفقهاء على أنّ السلم بيع كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث رُويَ أنّه نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورَخَّص في السَّلم، وذلك دليلٌ على كون السَّلم نوعاً من أنواع البيوع؛ لذلك جاز أن ينعقد السًّلَم بلفظ البيع.
  • اشترط الإمام الشافعي أن تكون صيغة عقد السلم بلفظ السَّلَم فقط، وأنه لا ينعقد إلا بهذا اللفظ، وخالف الشافعي أصحابه ومنهم زفر، فقالوا بانعقاد بيع السلم بلفظي السَّلم أو السَّلف، فإذا خرج اللفظ عن ذلك كأن ينعقد بلفظ البيع أو الإجارة أو غير ذلك لم ينعقد البيع، وقد استدلَّ الإمام الشافعي فيما ذهب إليه بأنّ بيع السلم شُرِع على خلاف القياس، ولذلك يجب الاقتصار على ما جاء منصوصاً عليه فقط، ولم يرد النصُّ إلا بلفظ السلم ولم يرد بغيره.

شروط بيع السلم

اشترط الفقهاء لصحة بيع السلم ما اشتُرط في البيوع بصفةٍ عامة، وقد أُضيف لهذه الشروط شروط خاصة لا يصحّ بيع السلم إلّا بها، وبيان هذه الشروط على النحو الآتي:[٧]

شروط صحة بيع السلم

اتّفق الفقهاء على أن السّلَم يصح بخمسة شروط هي:

  • أن يكون معلوم الجنس.
  • أن يكون معلوم الصفة.
  • أن يكون معلوم المقدار.
  • أن يكون أجل التسليم معلوم.
  • أن يتمّ تسمية مكان التسليم إن كان في حمله مشقّةٌ ودفع نفقات وتكاليف.

شروط رأس المال

يُشترط في رأس مال السلم ما يلي:

  • أن يكون رأس المال معلوم الجنس: دينار، ريال، دولار.
  • أن يكون رأس المال معلوم القدر: 10 آلاف، 20 ألف، 100 ألف.
  • أن يكون نوع رأس المال معلوماً.
  • بيان الصفة
  • أن يتم تسليم رأس المال في المجلس.

شروط المُسلَم فيه

ويُقصد بالمُسلَم فيه المال الذي سيؤديه البائع للمشتري بعد أجلٍ معين، والدافع يسمى المُسلَّم إليه، ويُشترط فيه كذلك ما يلي:

  • أن يكون معلوم الجنس: هو حنطة، أو قمح، أو شعير.
  • أن يكون معلوم النوع: قمح بلدي أو قمح عراقي أو غير ذلك.
  • أن يكون معلوم الصفة: صنف أول ممتاز، أو صنف ثاني متوسط الجودة، أو صنف رديء.
  • أن يكون معلوم القدر: 10 طن، 100 صاع، 1000 متر مربع، وهكذا.
  • ألا يكون فيه شيءٌ من ربا الفضل؛ إمّا بزيادة الكيل أو الوزن، وإمّا بتغيير الجنس.
  • أن يكون مما يتعيّن بالتعيين: (فإن كان مما لا يتعين بالتعيين كالدراهم والدنانير فلا يجوز السلم فيه؛ لأن المسلم فيه مبيع، والبيع مما يتعين التعيين، والدراهم والدنانير لا تتعين في عقود المعاوضات، فلم تكن مبيعة، فلا يجوز السلم فيها).
  • أن يكون المسلم فيه مؤجلاً.
  • أن يكون جنس المسلم فيه موجوداً في الأسواق بنوعه وصفته من وقت العقد إلى وقت حلول أجل التسليم.
  • أن يكون أجل تسليمه معلوماً، فإذا كان الأجل مُطلقاً لم يصحّ البيع؛ لما فيه من الجهالة المؤدّية للمنازعة.

شروط العقد

  • يرى جمهور الفقهاء -الحنفية والشافعية والحنابلة- أنّ عقد السَّلم يجب أن يكون باتّاً؛ بأن يخلو من خيار الشرط، فلا يجوز لأحد المُتعاقدين أن يشترط لنفسه خيار الشرط، فإن فعل أحدهما ذلك فسد السلم.
  • يرى الإمام مالك أنّه يجوز اشتراط الخيار في بيع السلم مدة لا تزيد على ثلاثة أيام؛ لأنّها قليلة وذلك لا يؤثّر في عقد السلم الذي في العادة ربما يستمرّ إلى سنة أو أكثر.

اشتراط الأجل

  • يرى جمهور الفقهاء أنّ عقد السلم يجب أن يكون داخلاً فيه اشتراط الأجل، وقال علماء الشافعية: يجوز أن يكون عقد السلم حالاً؛ لأنه جاز مؤجلاً مع وجود الغرر فيه، فجوازه حالاً مع انتفاء الغرر أولى بالجواز.

المراجع

  1. محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، بيروت: دار الطلائع، صفحة 145. بتصرّف.
  2. “تعريف ومعنى السلم”، معجم المعاني الجامع، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2017. بتصرّف.
  3. ^ أ ب محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (1987)، الدراري المضية شرح الدرر البهية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 268، جزء 2. بتصرّف.
  4. ^ أ ب فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (1992)، خلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام، -: -، صفحة 251.
  5. سورة البقرة، آية: 282.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2240.
  7. ^ أ ب ت “بيع السلم”، إمام المسجد، اطّلع عليه بتاريخ 31-5-2017. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى