الآداب

شرح قصيدة عمرو بن كلثوم في الفخر

صورة مقال شرح قصيدة عمرو بن كلثوم في الفخر

مقالات ذات صلة

مناسبة قصيدة عمرو بن كلثوم في الفخر

كان شعر عمرو بن كلثوم مليئاً بالفخر والحماسة، وتعد معلقته: “ألا هبي بصحنك فاصبحينا” خير دليل على ذلك، إذ تتحدث القصيدة عن قصة عمرو بن كلثوم مع ملك الحيرة عمرو بن هند، وتبدأ القصة أن عمرو بن هند قال لجلاسه يوماً: هل تعرفون أحداً تأنف أمه من خدمة أمي، أي ترفض أمه خدمة أمي، فأجابوه: عمرو بن كلثوم، وتابعوا حديثهم بقول: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو بن كلثوم سيد من هو منه.[١]

فقام عمرو بن هند بدعوة عمرو بن كلثوم وأمه لزيارته في الحيرة، ثم وضع ابن هند الطعام، فطلبت أم عمرو بن هند من ليلى والدة عمرو بن كلثوم أن تناولها طبقاً، فرفضت، وهي تريد أن تستخدمها، إلا أن أم عمرو بن هند أصرت على طلبها، فأحست ليلى والدة عمرو بن كلثوم بسوء ما حيك لها، فصاحت: وا ذلاه يا لتغلب، فعرف عمرو بن كلثوم بأن دعوته ما كانت إلا لشر، وقام وقتل عمرو بن هند، وقال معلقته الشهيرة.[١]

شرح قصيدة عمرو بن كلثوم في الفخر

عدد أبيات القصيدة ستةٌ وتسعون بيتاً، وتزيد عن ذلك حسب من جمعها لتصل إلى مئةٍ وخمسة وعشرين بيتاً، وقد تنوعت موضوعاتها فابتدأ بذكر الخمر بدلاً من الوقوف على الأطلال، ثم ذكر ارتحال الظعائن وأثر الفراق، ثم دخل إلى موضوع القصيدة الأساسي وهو الفخر بقبيلته.[٢]

وفي الآتي شرح لأبيات القصيدة، وتفصيل فيما يخص جزئية القصيدة التي قيلت في الفخر:[٢]

أولاً: ابتداء القصيدة (ذكر الخمر)

ابتدأ عمرو بن كلثوم قصيدته بذكر الخمر قائلاً: [٣]



أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاَصبَحينا وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا





مُشَعشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فيه إِذا ما الماءُ خالَطَها سَخينا





قفي قبل التفرق يا ظعينا نخبرك اليقين وتخبرينا





بيوم كريهة ضربا وطعنا أقر به مواليك العيونا





قفي نسألك هل أحدثت صرما لوشك البين أم خنت الأمين



هنا بدأ الشاعر قصيدته بطلب الصبوح -وهو قدح الخمر-، وهي عادة جاهلية، وتحدث عن نوعه وأثره -وهو خمر الأندرين-، ثم وجه الكلام إلى الظعينة -المرأة في الهودج-، فرجاها أن تقف قبل الفراق ليخبر كل منهما الآخر حقيقة ما عنده، عن وقت الخطر حين يشتد الطعن والضرب فتقر عيون المنتصرين، ثم سألها عن فراقها: أقطيعة أم خيانة؟:

ثانياً: ارتحال الظعائن

بعد ذلك شرع في الحديث عن ارتحال الظعائن (الراحلة) وألم الفراق:



تريك إذا دخلت على خلاء وقد أمنت عيون الكاشحينا





ذراعي عيطل أدماء بكر تربعت الأجارع والمتونا





وثديا مثل حق العاج رخصا حصانا من أكف اللامسينا





تذكرت الصبا واشتقت لما رأيت حمولها أصلًا حدينا





فما وجدت كوجدي أم سقب أضلته فرجعت الحنينا





ولا شمطاء لم يترك شقاها لها من تسعة إلا جنينا



هنا تحدث عمرو بن كلثوم عن محبوبته، فقال: إنها بيضاء في ريعان الشباب، نشأت في رحاب النعيم، طويلة القامة، محصنة عفيفة لم يمسسها أحد، وذكر أن موكب الظعائن أثار صبابته، وكلما أسرع الموكب وزاد البعد، اشتد حنينه، حتى فاق حنينه حنين ناقة ضل ولدها، وبلغت به اللوعة حداً أكثر من لوعة امرأة فقدت أولادها التسعة.

ثالثاً: ما قيل في الفخر

يقول عمر بن كلثوم في قصيدته أبياتاً يفخر بها بنفسه وبقبيلته -بني تغلب- وقد أطال في ذلك، ولتوضيح أبياته في الفخر، سيتم تقسيمها إلى ثلاث جزئيات، هي:

  • أبياته في الفخر بنفسه وبقبيلته، حيث يقول:


أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك اليقينا





بأنا نورد الرايات بيضًا ونصدرهن حمرًا قد روينا





وأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها أن ندينا





تركنا الخيل عاكفة عليه مقلدة أعنتها صفونا





متى ننقل إلى قوم رحانا يكونوا في اللقاء لنا طحينا





ورثنا المجد قد علمت معد نطاعن دونه حتى يبينا





ونحن إذا عماد الحي خرت على الأحفاض نمنع من يلينا





ندافع عنهم الأعداء قدمًا ونحمل عنهم ما حملونا





نطاعن ما تراخى الناس عنا ونضرب بالسيوف إذا غشينا





نشق بها رءوس القوم شقًّا ونخليها الرقاب فيختلينا





تخال جماجم الأبطال فيها وسوقًًا بالأماعز يرتمينا



يطالب الشاعر الملك عمر بن هند بالتريث والتمهل في تصرفاته اتجاه قومه، فهم القوم الذين سيخبره بحقيقتهم، حيث يسترسل الشاعر بعرض أمجاد قومه في فخر قبلي طويل، فكان مما ذكر فيه: أن راياتهم يدخلون بها الحرب وهي بيضاء فيرجعون بها حمراء من دم الأعداء، وأيامهم مشهورة، طويلة على أعدائهم، وكم من ملك قهروه وقتلوه وسلبوه ما يملك، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منهم، وميادين حروبهم شاسعة ويقتلون أعداءهم جماعات، حتى تمتلئ الأرض بجماجم الأبطال، وهم حماة الحمى والشرف والمدافعون عن الجيران والحلفاء في أوقات الشدة، يذودون عنهم الأعداء، ويحملون عنهم الأثقال، وهم قادة الناس، وأبطال الحروب شيوخًا وشبانًا.

  • لوم عمرو بن هند لاستماعه للوشاة، وفي ذلك يقول:


أي مشيئة عمرو بن هند تطيع بنا الوشاة وتزدرينا





بأي مشيئة عمرو بن هند نكون لقيلكم فيها قطينا





تهددنا وتوعدنا رويدًا متى كنا لأمك مقتوينا





فإن قناتنا يا عمرو أعيت على الأعداء قبلك أن تلينا





متى نعقد قرينتنا بحبل تجذ الحبل أو تقص القرينا





ونوجد نحن أمنعهم ذمارًا وأوفاهم إذا عقدوا يمينا



هنا يوجه اللوم العنيف إلى عمرو بن هند لاستماعه للوشاة، وبما فعله مع قومه، محاولاً النيل من كرامتهم، والانتقاص من هيبتهم، ومرة أخرى يطالبه بالتريث، ثم يصف إباء قومه وعزتهم، وعنادهم وصلابتهم، ويذكر الشاعر أن من يحاول المساس بقومه يدقون عنقه، فهم قوم شجعان أقوياء، وفي ذات الوقت هم أوفى الناس بالعهود.

  • إجلال وتعظيم قومه، ويقول:


وقد علم القبائل من معد إذا قبب بأبطحها بنينا





بأنا العاصمون بكل كحل وأنا الباذلون لمجتدينا





وأنا المنعمون إذا قدرنا وأنا المهلكون إذا أتينا





وأنا الشاربون الماء صفوًا ويشرب غيرنا كدرًا وطينا





لنا الدنيا ومن أمسى عليها ونبطش حين نبطش قادرينا





ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا





إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا





ملأنا البر حتى ضاق عنا وظهر البرح نملؤه سفينا



وفي النهاية يمتلأ الشاعر حمية، ويرفع من منزلة قومه، ويقول بأن القبائل تعرف أن قومه هم الحماة في الشدائد، الكرام في القحط، الأوائل المقدمون في كل شيء، يدين لهم الجميع بالولاء، فهم يمتلكون المقدرة والكفاية، ولا يجرؤ أحد المساس بكرامتهم وإلا يُجازى جزاءً شديداً، وفوق ذلك يقر الجميع لهم بالإجلال والتعظيم.

المراجع

  1. ^ أ ب غير معرف، معلقة عمرو بن كلثوم ديوان العرب، صفحة 13-15. بتصرّف.
  2. ^ أ ب علي الجندي، في تاريخ الأدب الجاهلي، صفحة 317. بتصرّف.
  3. عمرو بن كلثوم، “ألا هبي بصحنك فاصبحينا”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 16/1/2022. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى