محتويات
الأخلاق في الفلسفة الرواقية
تناولت الفلسفة الرواقية الأخلاق بمنظور مميز نوضح هذه الأخلاق فيما يلي:[١]
- إن الأخلاق الرواقية استمدت جذورها الأولية من الأخلاق الأرسطية وسميت لاحقًا بفلسفة التصالح مع الذات، حسب وجهة نظر الأكاديميين، وكان هو النظام المتبع في التعليم الأخلاقي في الفترة الهلينستية، فمن حيث المبدأ يتوجب على الإنسان تعيين الغاية من الحياة، على اعتبار أن في هذا الأمر در على كل التيارات الفلسفة التي رأت أن الوجود عبث ولا معنى له، فإضفاء المعنى ضرورة لا بد منها.
- أشارت مختلف المدارس منها المدرسة الأرسطية في الأخلاق أن السعادة أو ما يسمى باليودايمونيا “eudaimonia” هو الهدف والمبتغى من الحياة، لكن السؤال الفلسفي يقضي أن يكون هنالك تعريف أولي للسعادة، فالأبيقورية أقرت بأن الحياة السعيد هي التي يمكن من خلالها أن يحصل الفرد على أكبر قدر من المتع واللذائذ، إلا أن الرواقية رفضت هذه الإجابة، ووضعت مفهومًا آخرًا للسعادة.
- عرف الفلاسفة الرواقيون السعادة على أنها العيش في تصالح وتوافق، لكن هذا التوافق لا يكون توافقًا حقًا إلا إذا أخضع للطبيعة، لذلك أضاف الفيلسوف كلينثيس أن السعادة هي العيش وفق الطبيعة.
- قال الفيلسوف كريسيبوس: “السعادة هي العيش وفقًا لخبرتك بما يحدث بفعل الطبيعة” إلا أن هذه التعاريف أولية، وأكاديمية بحتة، وعدل الراقيون اللاحقون عليها، وأقاموا تصويبًا وقالوا: “إن السعادة هي الاختيار العقلاني للأشياء الأولية، وفقًا للطبيعة”.
القيم في الفلسفة الرواقية
وفيما يلي أبرز وأهم القيم التي تناولتها:[٢][٣]
- إن الأشياء تعيش وفق الطبيعة بسبب كونها جبلت على هذا الأمر أما الإنسان فيجب عليه أن يحارب لأجل أن يعيش وفقًا للطبيعة، ويقصد بالطبيعة العقل الإلهي أو الإرادة الإلهية التي تتجلى في الطبيعة، ومن خلال هذه الفكرة تجدر الإشارة إلى أنه من غير الممكن الحديث عن فلسفة الأخلاق عند الرواقية دون التطرق إلى الفكر الديني والنظرة إلى الآلهة، على اعتبار أن الأخلاق هي نتيجة البحث الرواقي في وجود.
- الآلهة ليست مستقلة عن العالم الذي يعيش فيه الإنسان بالنسبة للرواقيين، ويلاحظ أن هذه الفكرة رد على الفلسفة الأبيقورية التي رأت أنه من الضروري أن تكون الآلهة منفصلة عن العالم المادي للوصول إلى حالة الأتركسيا التي تقود الإنسان إلى التخلص من مخاوفه، أهمها الخوف من الآلهة، إلا أن الرواقية قالت بأن الآلهة تتجلى في العالم المادي، وهي بذلك تؤكد على وحدة الوجود.
- تطورت هذه الفكرة لاحقًا خاصة في الفلسفات المثالية، والميتافيزيقية والتصوفية، وترتب على نظرة الرواقية للوجود وتجلي الإرادة الإلهية الدعوة إلى الترفع عن اللذائذ والشهوات، فمهمة الإنسان هي اكتشاف العقل الطبيعي في نفسه، وذلك يكون من خلال موافقة العقل الإلهي المتجلي في الطبيعة، وترجمة هذه الموافقة في السلوكيات البشرية.
- هنالك أمور خارجية لا تخضع لإرادة الإنسان، ومن الممكن أن يتأثر بها، فكيف للإنسان أن يتعامل معها؟ تجيب الرواقية أن كل ما هو خارج عن إرادة الإنسان يبقى حكمًا محايدًا، ما يعني أن ليس خيرًا، وليس شرًا في ذات الوقت، ودعت الرواقية إلى الفضائل العقلية، والتأمل في الوجود، لأنه مفتاح إدراك الإنسان بمكانه في الطبيعة وكونه جزء من الطبيعة الكلية.
الإنسان في الفلسفة الرواقية
إن الإنسان في الفلسفة الرواقية يعد محورًا رئيسيًا، وذلك لأن الفلسفة الرواقية اهتمت بكل ما يحقق السعادة والكمال الإنساني، ووفقًا لهذا التصور قدمت تراتبية معينة، وهي كالآتي:[٢]
- الإنسان الكامل: وهو الإنسان الحكيم الذي أدرك العقل الإلهي، وعرف مكانه من الوجود، وكونه جزء من الطبيعة، وانصاع للإرادة الإلهية، وترفع عن كل ما هو مادي، كما يتميز هذا الإنسان بملكة التأمل والتفوق في الإنتاج الفلسفي من خلال حكمته، والإنسان الكامل يختار ما هو خير لذاته، وليس لهدف آخر.
- الإنسان الناقص: وهو الأدنى مرتبة من الإنسان الكامل، إلا أنه يعرف موقعه في الوجود، ويدرك الإرادة الإلهية، لكنه لا يرتقي بعقله، وإرادته إليها، ويقوم بالفضائل لكونها واجبات فرضت عليه، على اعتبار أن هذه الواجبات ليست جزءًا من الكل، وبذلك لا يمكن الحكم على أفعاله على أنها خيرة أو شريرة.
- الإنسان الشرير: ويعرف بالإنسان الضال؛ لأنه تائه وضال عن طريق الإرادة الإلهية، ولا يعرف معنى الوجود، ولم يكتشف موقعه بالنسبة للإرادة الإلهية، فأصبح يرى نفسه مركزًا للوجود، فأصبحت سلوكياته مخالفة للإرادة الإلهية.
المراجع
- ↑ “الرواقية فلسفة التصالح مع الذات”، حكمة ، اطّلع عليه بتاريخ 16/2/2022. بتصرّف.
- ^ أ ب يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، صفحة 273-274. بتصرّف.
- ↑ هناء سيد عبدالعزيز ، أثر الفكر الديني على مفهوم الأتراكسيا عند الرواقية والأبيقورية، صفحة 457-459 .