محتويات
القسطنطينية
كانت القسطنطينيّة عاصمةً للإمبراطورية البيزنطية، وقد تمّ إسقاطها على يد المسلمين في ظلّ الدولة العثمانية، وذلك بقيادة السلطان محمد الفاتح، وهو في الواحدة والعشرين من عمره، وقد كانت القسطنطينيّة تحت حماية الروم بزعامة الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر؛ حيث أسقطت بأيدي المسلمين في يوم الثلاثاء الموافق للواحد والعشرين من شهر جُمادى الأولى لعام ثمانمائة وسبعة وخمسين هجرية، فكيف تمّ ذلك؟
كيفية فتح محمد الفاتح القسطنطينية
- بدأت المحاولات لإسقاط القسطنطينية منذ بداية العصر الأموي، حين كان الخليفة معاوية بن أبي سفيان، مروراً بالعصر العباسي، ثم الدولة العباسية أي ما يقارب ثمانية قرون، إلا أنّ جميع المحاولات قد باءت بالفشل، وقد وصلت هذه المحاولات إلى إحدى عشرة مرة، كان المسلمون فيها يُحاصرون المدينة إلّا أنّهم فشلوا في إسقاطها.
- سبب استمرار هذه المحاولات حتّى سقوطها على يد الدولة العثمانية كان نبوءة سيّدنا محمد عليه الصلاة والسلام؛ حيث قال: لتُفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش”، ولهذا كان الخلفاء يأملون أن تتحقّق نبوءة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فيهم، وحتى نعرف كيف تمّ هذا الفتح على يد محمد الفاتح لا بدّ لنا أولاً من الحديث عن الاستعدادات التي تمّت قبل الفتح، ثم التحرك نحو المدينة، ثم الحصار، ثم الفتح العظيم، والتفصيل كالتالي:
الاستعداد قبل الفتح
- أراد رب العالمين أن تتحقّق نبوءة نبيه على يد السلطان الفاتح، وهو السلطان الغازي محمد الثاني الفاتح، سابع السلاطين الذين حكموا الدولة العثمانية، فهو من آل عثمان، وله عدة ألقاب، مثل الفاتح، وأبو الفتح، وأبو الخيرات، وقيصر، وقد دام حكمه حوالي ثلاثين عاماً.
- بدأ بعقد الهدن، والمعاهدات مع أعدائه ليتفرّغ للقاء عدو واحد؛ حيث استمرّ لمدّة سنة كفترة استعداد لهذا الفتح العظيم؛ حيث قام بجمع جيش ضخم يتراوح بين الخمسين ألف إلى الثمانين ألف جندي، ثمّ قام بتجميع أحدث الأسلحة والمدافع، ثمّ مدفع هاون ضخم تمّ صنعه واستخدامه للمرة الأولى في ذلك الفتح، وقد عرف هذا المدفع بالمدفع السلطاني.
- جهّز الفاتح أسطولاً ضخماً حتّى يكون الحصار على القسطنطينية من ناحية البحر، خاصّةً أنّ المدينة تطلّ على ثلاث جهات بحرية، ولن يحصل الحصار والفتح إلّا من خلال وجود السفن الحربية البحرية، وقد وصل عدد هذه السفن إلى مائة وستة وعشرين سفينة، بالإضافة إلى قيام محمد الفاتح بتشجيع الجنود معنوياً، وتذكيرهم بالنبوءة، وبثّ روح الجهاد لديهم.
- لم تكن قوة البيزنطيين توازي قوة المسلمين، ولكنّها كانت تحتمي بأسوارها، فقد وصل عدد الرجال فيها إلى سبعة آلاف رجل، وكانت أسلحتهم بدائية، كالرماح، والسهام، والسيوف، وكان لديهم أسطول صغير يرسو في مياه القرن الذهبي مكوّن من ستٍّ وعشرين سفينة، وحاول إمبراطور الروم أن يرشي بعض المستشارين لدى السلطان الفاتح لثنيه عن قراره إلا أنّ محاولته باءت بالفشل.
- بعد أن أعلن الفاتح الحرب، قام الإمبراطور الرومي بإغلاق أبواب القسطنطينية، ثمّ اعتقل جميع المسلمين الموجودين في المدينة، ثمّ أرسل للفاتح يقول بأنّه سيدافع حتى آخر قطرة تنزل من دمه، وبدأ كلٌّ من المسلمين والبيزنطيين بالاستعداد لهذه المواجهة.
التحرك نحو المدينة
- كانت معدّات العثمانيين ضخمة، ممّا يلزم جرّها على أرض مستوية، علماً بأنّ طريقهم ليست مستوية، فأغلبها هضاب وتلال، عند ذلك أعطى الفاتح أوامره بتسوية الطريق، وعمل على تسويتها حوالي مائتي عامل.
- بدؤوا بالمسير متّجهين إلى القسطنطينية، ومعهم المدفع السلطاني الضخم؛ حيث كان يجره حوالي ستون ثوراً، يقف على جانبيه حوالي أربعمائة جندي، كل مائتي جندي في جهة، وذلك حتى يحموا المدفع من الانزلاق في الطريق، وكان الفاتح قد أعطى أوامره لقائد الأسطول البحري أن يتحرك، ثم وصل الفاتح إلى المدينة في اليوم السادس والعشرين من ربيع الأول لعام ثمانمائة وسبعمئة وخمسين، وكان هذا تاريخ بدء الحصار على المدينة.
- فور وصولهم صلّى الفاتح ركعتين، ثم توجه إلى الجنود والقادة، ووزّعهم، وتمّ نصب المدافع بما فيها المدفع السلطاني، وقبل أن يبدأ الحرب أرسل الفاتح رسولاً للإمبراطور يطلب منه تسليم المدينة دون أن يتم القتال، وقد تعهد بالأمان لسكان المدينة، ولكن الإمبراطور رفض، وقرر أن يقاتل، عندها أعطى الفاتح أوامره ببدء القصف بالمدفعيّة تجاه المدينة.
الحصار
- بداية القصف كانت هي بداية الحصار؛ حيث استمرّ القصف طوال فترة أسبوعين، إلّا أن الأسوار كانت سميكة، وكان المدافعون في المدينة يُصلحون الفتحات، ويردمونها في الليل، وأثناء ذلك جاء عدد من السفراء إلى السلطان وأخبروه بأنّ جيوش أوروبا تعتزم الاستيلاء على البلاد العثمانية، أثناء وجوده هنا في حصاره، محاولين بذلك ثنيه عن إكمال الحصار، والقيام بالانسحاب، إلّا أنّ الفاتح أصر على البقاء، وإكمال الحصار حتّى يفتح المدينة، وذلك كله قبل أن تصل جيوش أوروبا إلى بلاده.
- أثناء القصف وصلت سفن تحمل الذخائر، والمؤن للبيزنطيين؛ حيث اشتبكوا مع الأسطول البحري العثماني، واستطاعوا هزيمة العثمانيين، وأحرقوا الكثير من السفن الإسلامية، ثمّ استطاعوا أن يدخلوا إلى المدينة ممّا أدّى إلى رفع مستوى معنويات البيزنطيين، ومدهم بالعزيمة، والقوة للدفاع عن المدينة، عندها قام الفاتح بعزل قائد الأسطول البحري من مكانه، ووضع شخص آخر مكانه.
- حاول الإمبراطور استغلال هذا الموقف، وأرسل للفاتح عارضاً عليه الانسحاب، وإبرام الصلح، إلا أنّ الفاتح أصر على الاستمرار، وهنا وصل الفاتح إلى فكرة بأن يُنشئ طريقاً برية لإدخال السفن الموجودة على البحر بإدخالها إلى الميناء، وتم ذلك، وحاول عندها ومن أجل التمويه أن يضرب الأسوار المطلة على القرن الذهبي.
- في الصباح وعند نجاح الأمر بدأ المسلمون بالتكبير، وقد رأى أهل المدينة ذلك فانهارت معنوياتهم، عندها قام الإمبراطور الرومي بسحب مجموعةٍ من المدافعين عن الأسوار الأخرى، ونقلهم إلى الأسوار المطلة على البحر، وهذا أدّى إلى ضعف الدفاع في الأسوار الأخرى.
- تمّ إعدام جميع المسلمين الأسرى، وبلغ عددهم مائتين وستين أسيراً، وتمّ ذلك أمام العثمانيين؛ حيث تم تقطيع رؤوسهم ورميها على العثمانيين، وقد استشار الفاتح كبار القادة لديهم، فأشار أغلبهم بالصمود، وإكمال الاقتحام، وتمّت المحاولات بخصوص تسليم المدينة، إلّا أنّ الإمبراطور رفض تسليمها.
الفتح العظيم
- أعلن الفاتح الهجوم على القسطنطينية، ثم قال: “إما أن يسقط العثمانيون، أو تسقط القسطنطينية”، ثم قام المسلمون بالصيام، تقرّباً منهم لله تعالى، واستمر المسلمون في الليل بالتكبير، والتهليل، وإنشاد الأناشيد، وفي اليوم التالي كان العلماء يتحركون بين الجنود، ويتلون عليهم الآيات التي تتحدث عن الجهاد، ثم يذكرون لهم فضل الشهادة في سبيل الله، ثم قام الفاتح وخطب فيهم، حتى يشجعهم، ويرفع من معنوياتهم.
- في صباح يوم الواحد والعشرين من جمادى الأول لعام ثمانية وسبعية وخمسين هجريّة، وبعد أن صلّى المسلمون الفجر بدأ الهجوم، وذلك بالمدفعية، وحاول الجنود تسلّق الأسواق من كل جهات المدينة، وتمّ فتح بعض الثغرات في أحد الأسوار واستطاع بعض الجنود من الدخول إلى المدينة، واصل الجنود محاولة تسلق الأسوار، وأصيب أحد قادة البيزنطيين، وفرّ هارباً ممّا سبب الذعر والخوف لدى المدافعين.
- استطاع ضابط عثماني اسمه حسن الألوباطلي مع مجموعة من الجنود يقُدر عددهم ثلاثين جندياً الوصول إلى قمة أحد الأسوار، ووضع الراية العثمانية عليه، إلا أن المدافعين قاموا بقتله، ولكن لم يستطيعوا أن يزيلوا الراية؛ حيث شاهدها الإمبراطور، واعتقد بأنّ الهزيمة قد تأكدت، ونزل للقتال بنفسه فتمّ قتله، ثمّ تم فتح المدينة من قبل الجيش العثماني الذين دخلوا إلى أبواب القلاع، والقضاء على جميع من تبقّى من المقاومين البيزنطيين.
- قام السلطان بوضع فرقة عسكرية لحراسة أهم مواقع المدينة، كالكنائس حتّى لا يتعرض لها الجنود بالضرر، ودخل الفاتح على ظهر حصان أبيض، وكان قد وصل عمره اثنتين وعشرين سنة؛ حيث سجد على الأرض شاكراً ربّه لتحقّق نبوءة سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- على يديه، ثم أمّن الناس على ممتلكاتهم، وطالبهم بالرجوع لبيوتهم، ثمّ أمر أن يرفع الأذان، وأدّى صلاة العصر.