المتلازمات

أسباب متلازمة داون

أسباب متلازمة داون

تبدأ حياة الجنين بخليَّة طبيعيَّة للبويضة وخلية طبيعيَّة للحيوان المنوي تحتوي على 46 كروموسوماً، ثم تنقسم هذه الخلايا إلى النصف بحيث يحتوي كلٌّ من البويضة والحيوان المنوي على 23 كروموسوماً، وهذه الكروموسومات هي تراكيب تحتوي على المادة الوراثيَّة -الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (بالإنجليزية: Deoxyribonucleic acid)‏ واختصاراً DNA-، إذ توجد في جميع الخلايا البشريَّة، فهي تلعب دوراً مهمّاً في تحديد كيفيَّة نموِّ وتطوُّر الطفل، فمثلاً هي التي تحدِّد فيما إذا كان الطفل طويل القامة أو قصيراً، ويمتلك شعراً مجعَّداً أم أملس، وبشرته فاتحة أم داكنة، إذ تورَّث هذه الكروموسومات من الآباء، إذ إنَّه عند إخصاب حيوان منوي يحمل 23 كروموسوماً بويضة تحمل 23 كروموسوماً، ينتج جنين يحتوي على المجموعة الكاملة من 46 كروموسوماً نصفها من الأب والنصف الآخر من الأم.[١][٢]

وعند الإصابة بمتلازمة داون يولد الطفل حاملاً نسخة إضافيَّة للكروموسوم رقم 21، ممَّا يؤدِّي إلى ظهور الخصائص الفيزيائيَّة أو البدنيَّة، والتحدِّيات التنمويَّة الخاصَّة بالمصابين بمتلازمة داون، وعلى الرغم من أنَّ الباحثين يعلمون أنَّ سبب المتلازمة هو وجود كروموسوم إضافي، ولكن لا أحد يعلم سبب حدوث المتلازمة بشكلٍ مؤكَّد، ولا عدد العوامل المختلفة التي تلعب دوراً في حدوثها، وفي الحقيقة هناك ثلاثة أنواع لمتلازمة داون لا يمكن التفريق بينها عادةً إلا من خلال فحص الكروموسومات، وذلك لتشابه الخصائص البدنيَّة والسلوكيَّة بينها.[٣][٤]

التثالث الصبغي 21

يعتبر التثالث الصبغي (بالإنجليزية: Trisomy 21) أكثر أنواع متلازمة داون شيوعاً، إذ إنَّ ما يقارب 95% من المصابين بمتلازمة داون لديهم هذا التثالث الصبغي 21،[٣][٥] وما يحدث في هذا النوع هو حدوث انقسام غير طبيعي للخليَّة ينتج عنه الحصول على كروموسوم إضافي لرقم 21 في كلِّ خليَّة، أي أنَّه عند حدوث التلقيح أو قبله يفشل زوجا الكروموسوم 21 في الانفصال عن بعضهما، وذلك إمَّا في البويضة أو في الحيوان المنوي، وللتوضيح أكثر من الممكن أن يحدث خطأ في بعض الأحيان عند انقسام 46 كروموسوماً إلى النصف، ممَّا يؤدِّي إلى إنتاج بويضة أو حيوان منوي يحمل نسختين من كروموسوم 21 بدلاً من نسخة واحدة، وعند إخصاب هذه البويضة أو الحيوان المنوي ينتج جنين يحمل ثلاث نسخ من الكروموسوم 21، وهذا ما يُسمَّى بالتثالث الصبغي 21، وخلال مراحل تطوُّر الجنين يتضاعف الكروموسوم الإضافي في جميع خلايا جسمه، ممَّا يؤدي إلى إنتاج كميَّات إضافية من المواد الكيميائيَّة التي تنظِّم عملها جينات الكروموسوم 21 في جميع الخلايا، وتجدر الإشارة إلى أنَّ الباحثين غير متأكِّدين من سبب وجود النسخة الإضافيَّة لكروموسوم 21 حتى الآن.[٥][٦]

وفي هذا السياق يجدر العلم أنَّ معظم حالات متلازمة داون من نوع التثالث الصبغي 21 يأخذون النسخة الإضافيَّة لكروموسوم 21 من أمهاتهم وذلك بنسبة تفوق 90%، بينما الأقليَّة أي بما يقلُّ عن 10% فقط من الحالات يأخذون النسخة الإضافيَّة لكروموسوم 21 من آبائهم، وتمت معرفة ذلك من خلال دراسات الربط العائلي بشكلٍ أساسي بين الآباء والأطفال المصابين بمتلازمة داون، وذلك لتتبُّع علامات الحمض النووي على طول الكروموسوم 21.[٧]

متلازمة داون بالتبادل الصبغي

تؤثِّر متلازمة داون بالتبادل الصبغي (بالإنجليزية: Translocation Down syndrome) في نسبة صغيرة أي بما يقارب 3% من المصابين بالمتلازمة، ويحدث هذا النوع عند ارتباط جزء من كروموسوم 21 بكروموسوم آخر خلال عمليَّة إنتاج الخلايا التناسليَّة، وهي البويضة والحيوان المنوي في المراحل المبكِّرة جدّاً من تطوُّر الجنين أو لدى الآباء،[٨][٣] وفي بعض الأحيان يرتبط جزء من الكروموسوم 21 بكروموسوم آخر عادةً ما يكون كرموسوم رقم 13، أو 14، أو 15 عند حدوث التلقيح أو قبله، ممَّا يؤدِّي إلى الحصول على ثلاث نسخ من كروموسوم 21، وتكون اثنتان منها طبيعيَّة والأخرى تحتوي على جينات إضافيَّة من الكروموسوم الذي تم الارتباط به.[٩][٨]

ويمكن القول أنَّه قد يحمل الآباء مادة وراثيَّة معادة الترتيب بين كروموسوم رقم 21 وكروموسوم آخر، بحيث لا توجد هناك زيادة أو نقصان في الجينات، وهذا ما يُسمَّى بالإزاحة المتوازنة، إذ إنَّ هذه التغييرات في الكروموسومات لا تسبِّب أيَّة مشاكل صحيَّة عادةً لدى حامليها، إلا أنَّ انتقال هذه الإزاحة إلى الأجيال التالية يمكن أن يسبِّب عدم توازنها، وفي حال وراثة إزاحة غير متوازنة تتضمَّن كروموسوم رقم 21 يمكن أن تسبِّب الحصول على مادة وراثيَّة إضافيَّة وبالتالي حدوث متلازمة داون، وخلاصة القول أنَّ هذا النوع من متلازمة داون يمكن وراثته من آباء غير مصابين بالمتلازمة.[٨]

وللتوضيح أكثر يكون بعض الآباء في صحَّة جيِّدة ولا تظهر عليهم أيَّة علامات أو ملامح خاصَّة بمتلازمة داون، فهم لا يحملون نسخة إضافيَّة للكروموسوم رقم 21، بل يحملون نسخة طبيعيَّة لكروموسوم رقم 21، ونسخة أخرى للكروموسوم نفسه تحتوي على جزء مفقود، ونسخة طبيعيَّة لكروموسوم رقم 14، ونسخة أخرى للكروموسوم نفسه تحتوي على جزء إضافي من كروموسوم رقم 21 متَّصل به، وهذا الجزء الإضافي قد ينتقل إلى أبنائهم مسبِّباً متلازمة داون.[١٠]

متلازمة داون الفسيسائية

تُعدُّ متلازمة داون الفسيسائيَّة (بالإنجليزية: Mosaic Down syndrome) نوعاً نادراً من أنواع متلازمة داون، إذ تؤثِّر في ما يقارب 2% من الأشخاص المصابين بها، وكلمة الفسيسائيَّة تعني الخليط أو المزيج،[١][٣] أي إنَّ بعض خلايا الجسم تحتوي على النسختين المعتادتين من كروموسوم رقم 21، بينما تحتوي خلايا أخرى على ثلاث نسخ من هذا الكروموسوم، ويمكن أن يُرى هذا الخليط في الخلايا المختلفة التابعة للنوع نفسه وهذا على مستوى الخلايا، أما على مستوى النسيج فتكون مجموعة من الخلايا طبيعيَّة ومجموعة أخرى مصابة،[٨][٩] ويُعدُّ ذلك كلُّه نتيجة لحدوث حادثة عشوائيَّة أثناء انقسام الخليَّة خلال المراحل المبكِّرة لتطوُّر الجنين، أي إنَّ الخطأ في انقسام الخليَّة يكون بعد إخصاب البويضة.[٨][١]

ينبغي التنبيه إلى أنَّ الأفراد المصابين بهذا النوع من متلازمة داون يتأثَّرون بشكلٍ بسيط بالمتلازمة، وتظهر عليهم الملامح الخاصَّة بها بشكلٍ أقلَّ من غيرهم،[١٠] فبعضهم لا تظهر عليه العديد من أعراض وعلامات متلازمة داون، ويُعزى ذلك إلى أنَّ عدد الخلايا التي تحمل كروموسوماً إضافيّاً يكون قليلاً لديهم، إذ تعتمد شدَّة المشكلة لدى المصاب على عدد خلايا جسمه المتأثِّرة بمتلازمة داون.[١١][١٠]

علاقة متلازمة داون بالوراثة

كما ذكر سابقاً تحدث متلازمة داون بسبب خطأ في انقسام الخليَّة خلال المراحل المبكِّرة من تطوُّر الجنين، وفي معظم الحالات تُعدُّ حالة غير وراثيَّة، إلا أنَّ متلازمة داون الناجمة عن التبادل الصبغي يمكن أن تنتقل من الآباء إلى الأبناء، إذ تعتمد احتماليَّة انتقال التبادل الصبغي على جنس الوالد الحامل لكروموسوم 21 المعاد ترتيبه، إذ يكون خطر هذا الانتقال أكبر إذا كانت الأم هي الحاملة لهذا الكروموسوم، كما تزداد احتماليَّة حدوث متلازمة داون في الأحمال المستقبليَّة في حال تم إنجاب طفل مصاب بمتلازمة داون ناجمة عن انتقال التبادل الصبغي لكروموسوم 21، وذلك لأنَّ أحد الأبوين يكون حاملاً متوازناً لطفرة التبادل الصبغي، وينبغي التنبيه إلى ضرورة مراجعة الأبوين للمستشار الوراثي بهدف تحديد الخطر المحدق بهما، وذلك في جميع حالات متلازمة داون، وخاصَّة الحالات الناجمة عن انتقال التبادل الصبغي لكروموسوم 21، ويجدر العلم أنَّه لا توجد أسباب بيئيَّة أو سلوكيَّة لمتلازمة داون.[١٢][٩]

عوامل خطر الإصابة بمتلازمة داون

في الحقيقة لا توجد أيُّ علاقة لما يمارسه الوالدان من أنشطة خلال فترة الحمل أو قبلها بالإصابة بأيِّ نوع من أنواع متلازمة داون، ويجدر التنبيه إلى أنَّه لا يوجد شيء تمارسه الأم أثناء الحمل يمكن أن يكون سبباً لحدوث متلازمة داون،[٥] وتتضمَّن عوامل خطر متلازمة داون ما يأتي:

  • عمر الأم، إذ تزداد احتماليَّة حدوث متلازمة داون لدى الأطفال الذين تصل أعمار أمهاتهم إلى 35 عاماً أو أكثر مقارنة بالنساء الأصغر سنّاً، وعلى الرغم من ذلك إلا أنَّ معظم الأطفال المصابين بمتلازمة داون يولدون لأمهات تقلُّ أعمارهم عن 35 عاماً، ويُعزى ذلك إلى كثرة الولادات لدى النساء الأصغر سنّاً،[٣] كما تزداد احتماليَّة إنجاب طفل مصاب بمتلازمة داون عند حمل الأمهات في سنِّ المراهقة.[٥]
  • حمل طفرة تغيير الموضع، إذ يمكن أن يورث الآباء والأمهات طفرة تغيير الموضع (بالإنجليزية: Genetic translocation) المتعلِّقة بمتلازمة داون إلى أطفالهم.[١٢]
  • إنجاب طفل مصاب بمتلازمة داون، وحمل الأبوين لطفرة تغيير الموضع يزيد من خطر إنجاب طفل آخر مصاب بمتلازمة داون.[١٢]
  • إصابة أحد الإخوة أو الأخوات بمتلازمة داون.[١٣]

الوقاية من الإصابة بمتلازمة داون

بالرغم من أنَّه لا يوجد شيء يمكن فعله بهدف تجنُّب أو منع إصابة الطفل بمتلازمة داون، إلا أنَّ خطر حدوث متلازمة داون لدى الجنين يقلُّ في حال إنجاب الأطفال في سنٍّ صغير، وتجدر الإشارة إلى أنَّه يمكن مراجعة المستشار الوراثي قبل حدوث الحمل إذا كان خطر الإصابة بمتلازمة داون مرتفعاً، أو تم إنجاب طفل مصاب بهذه المتلازمة سابقاً،[١٤][١٥] إذ إنَّ المستشار الوراثي شخص مدرَّب على مساعدة الأشخاص على فهم طبيعة الجينات والعيوب الخَلقيَّة، وغيرها من الحالات الصحيَّة التي تنتشر في العائلات ومدى تأثيرها في صحَّة الأم والجنين، كما يمكنه المساعدة على معرفة فرص إنجاب طفل مصاب بمتلازمة داون،[١٦][١٥] بالإضافة إلى الحديث عن المخاطر التي تحدق بالأحمال المستقبليَّة، والفحوصات المتوفِّرة لتشخيص المشكلات الكروموسوميَّة الموجودة لدى الجنين قبل ولادته، ويساعد على فهم إيجابيَّات وسلبيَّات هذه الفحوصات، إذ تنصح بعض المنظَّمات الصحيَّة بخضوع جميع الحوامل من كلِّ الفئات العمريَّة لفحص الكشف عن متلازمة داون، ولكن تنبغي استشارة مقدِّم الرعاية الصحيَّة حول هذا الفحص.[١][١٥]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث “Down Syndrome (Trisomy 21) in Children”, www.stanfordchildrens.org, Retrieved 15-7-2020. Edited.
  2. “Down Syndrome | Symptoms & Causes”, www.childrenshospital.org, Retrieved 18-7-2020. Edited.
  3. ^ أ ب ت ث ج “Facts about Down Syndrome”, www.cdc.gov, Retrieved 15-7-2020. Edited.
  4. “Down Syndrome”, medlineplus.gov, Retrieved 18-7-2020. Edited.
  5. ^ أ ب ت ث “Down Syndrome”, medbroadcast.com, Retrieved 15-7-2020. Edited.
  6. “Down Syndrome (Trisomy 21) in Children”, www.urmc.rochester.edu, Retrieved 17-7-2020. Edited.
  7. “On the paternal origin of trisomy 21 Down syndrome”, www.ncbi.nlm.nih.gov, Retrieved 17-7-2020. Edited.
  8. ^ أ ب ت ث ج “Down syndrome”, ghr.nlm.nih.gov, Retrieved 18-7-2020. Edited.
  9. ^ أ ب ت “Down Syndrome: Trisomy 21”, americanpregnancy.org, Retrieved 15-7-2020. Edited.
  10. ^ أ ب ت “Down’s Syndrome”, patient.info, Retrieved 18-7-2020. Edited.
  11. “What Is Down Syndrome?”, www.webmd.com, Retrieved 18-7-2020. Edited.
  12. ^ أ ب ت “Down syndrome”, www.mayoclinic.org, Retrieved 15-7-2020. Edited.
  13. “Down Syndrome”, wa.kaiserpermanente.org, Retrieved 15-7-2020. Edited.
  14. “Down Syndrome”, familydoctor.org, Retrieved 15-7-2020. Edited.
  15. ^ أ ب ت “Down syndrome”, www.drugs.com, Retrieved 15-7-2020. Edited.
  16. “DOWN SYNDROME”, www.marchofdimes.org, Retrieved 15-7-2020. Edited.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى