محتويات
ورع عمر بن الخطاب وخوفه
اتّصف عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالورع، وظهر ذلك واضحاً في كمالِ دينه، وورعه فيه، وبُعدهِ عن الشُّبهات،[١] ولشدّة ورعه فقد كان الصحابةُ الكِرام يُلازمونه ليتعلّمون منه ذلك، فقد جاء عن أحد الصحابة قول: “كُنا نلزم عُمر بن الخطاب نتعلّم منه الورع”،[٢] وكان -رضي الله عنه- كثير الخوف من الله -تعالى-، الأمر الذي أبعده عن المعاصي، فقد رُوي أنّه كان في وجهه خَطّان أسودان من كثرة البُكاء، وكان يوقد النّار ثُمّ يضعُ يدهُ عليها، ويقول لها: “هل لك على هذا من صبر”؟ كما أنّه كان يخاف من التقصير في حق الرّعية، ولا يُحبّ مدح النّاس له، وفي آخر ساعات عُمره كان يقول: “ويلي وويل أُمي إن لم يغفر الله لي”، ثُمّ مات،[٣] ورُوي عنه أنّه كان يسمع الآية فيمرضُ أياماً.[٤]
مواقف ورع عمر بن الخطاب وخوفه
مواقف من ورع عمر بن الخطاب
ظهر ورع عُمر بن الخطاب في الكثير من مواقف حياته، ومن هذه المواقف ما يأتي:[٥][٦]
- بعُدهِ عن الشُبهات، فقد جاء عنه ترْكه تسعةِ أعشار الحلال خشية الوقوع في الحرام.
- استبعاده لابنه عبدُ الله وابن عمه وصهره سعيد بن زيد عندما سمّى أصحاب الشورى الستة للخلافة من بعده، ولما سنَّ الدواوين جاءه أُناس من قبيلته؛ ليكونوا من أوائل من يأخُذون العطاء، فرفض طلبهم، وساواهم بباقي الرعية.
- التعفُّف عن الأكل من أموال المُسلمين العامة، بل كان يأكُل من ماله الخاص، فقد جيءَ له ذات يوم بقطائفٍ وطعام، فقسّمهُ على الناس، ولم يأكُل معهم، ورُويَ عنه أنّه شرب ذات يومٍ لبن ناقة، فسأل عنها، فذُكر له أنّها أكلت من أموال المُسلمين، أو أنّها من إبلِ الصدقة، فقال لصاحب اللبن: “ويحك تُسقيني ناراً”، فأدخل يدهُ في فيّه واستقاء، ومرِض ذات يومٍ وذكروا له العسل دواءً لمرضه، وكان في بيت مال المُسلمين عسل جيء له من بعض البلاد التي فُتحت في زمنه، فجَمع الناس وخَطب بهم، واستأذنهم في الأكل منه، فأذِنوا له بعد أن بكوا لذلك.[٧]
- قصّتهِ في قسمة المسك والعنبر الذي جاءه من البحرين، فأراد أن يعرف امرأة تعرف وزنه؛ ليُقسّمه بين المُسلمين، فأخبرته زوجته أنها تستطيعُ ذلك، فرفض ذلك خشية أن يأخُذ أكثر من باقي المُسلمين، وورد أن زوجتهُ استقرضت ديناراً، واشترت به عُطراً، وجعلته في قوارير، ثُمّ بعثت به إلى امرأة ملك الروم، فلما وصلتها أفرغتهنّ وملأتهنّ جواهر، وأرسلتها إلى زوجة عُمر بن الخطاب، ولما وصلتها أخبرت زوجها بالقصة.[٨]
- فأعاد عمر لزوجته الدينار، وأخذ الجواهر وجعلها في بيت مال المُسلمين، وكان يأمُرُ عُمّاله بإنفاقِ جميع المال على النّاسِ والرعيّة، وتأدية الحُقوقِ إلى أصحابها، وكان عند قراءته لآيات الإنفاق يستوعبُ بها جميع النّاس، ويقول: “ولم يبق أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حقٌ إلا ما تملكون من رقيقكم، فإن أعِشْ ـ إن شاء الله ـ لم يبقَ أحد من المسلمين إلا سيأتيه حقُّه حتى الراعي بسروِ حمير يأتيه حقه ولم يعرق فيه جبينه”.[٨]
مواقف من خوف عمر بن الخطاب من الله عز وجل
توجد الكثير من المواقف التي تُبيِّن شدّة خوف عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من ربِّه، ومن هذه المواقف:[٩]
- كثرةِ مُحاسبته لنفسه: وكان من أقواله: “أكثروا من ذكر النار، فإن حرّها شديد، وقعرها بعيد، ومقامها حديد”، كما أنّهُ كان كثير البُكاء من خشية الله -تعالى-، وذات يومٍ ذكّره رَجُلٌ من الأعراب بالحساب يوم القيامة، فبكى من هول الموقف، وكان يُحاسبُ نفسهُ حساباً شديداً، ويُقبل على النّاس، ويسأل عن حالهم، ويقضي لهم حاجاتِهِم، ويأمُر ولاته بالتفرّغ لأمر العامة وترك شواغلهم الخاصة، ولا يُفرّقُ بين الولاة أو عامة الشعب، ومن أقوالهِ: “لو مات جِدْي بطف الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر”، ومن شدةِ خوفه كان يقول: “لو قيل أن كُل البشر سيدخُلون الجنة إلا واحد لخفتُ أن أكون هو”، وقال: “وددتُ لو خرجتُ من الدُنيا كما دخلت”.
- بُكاؤهُ من بسط الدُّنيا: فلما جاءتهُ غنائمُ المُسلمين من القادسيّة، تصفّحها وهو يبكي، فقيل له: لماذا تبكي وهو يوم فرحٍ؟ فأجابهم: “خوفاً من انتشار البغضاء والعداوة بسببها”، ويُذكر أنّهُ كان بين يده قِطعاً من الدُّرّ، فأعطاها لرجل ليُقسّمها بين قومه، وكان يُكثرُ من قول: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أنفُسكم قبل أن توزنوا، وتهيّؤوا للعرض الكبر، فلا تخفى منكم خافية”.[١٠]
المراجع
- ↑ عبد السلام آل عيسى (2002)، دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية -رضي الله عنه- (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 331، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ (2012)، عمر بن الخطاب الخليفة الراشديّ العظيم والإمام العادل الرحيم (الطبعة الأولى)، دمشق، دار القلم، صفحة 194. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ (2012)، عمر بن الخطاب الخليفة الراشديّ العظيم والإمام العادل الرحيم (الطبعة الأولى)، دمشق، دار القلم، صفحة 188-191. بتصرّف.
- ↑ نجم الدين، أبو العباس بن قدامة المقدسي (1978)، مُخْتََصَرُ مِنْهَاجِ القَاصِدِينْ، دمشق، مكتَبَةُ دَارِ البَيَانْ، صفحة 313. بتصرّف.
- ↑ عبد السلام آل عيسى (2002)، دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، صفحة 331-335، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الستار الشيخ (2012)، عمر بن الخطاب الخليفة الراشديّ العظيم والإمام العادل الرحيم (الطبعة الأولى)، دمشق، دار القلم، صفحة 195-196. بتصرّف.
- ↑ علي الصلابي (2005)، سيرة أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب رضي الله عنه (الطبعة الأولى)، القاهرة، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 116-117. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 431-437، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 419-426. بتصرّف.
- ↑ علي الصلابي (2005)، سيرة أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب رضي الله عنه (الطبعة الأولى)، القاهرة، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 111-114. بتصرّف.