محتويات
التربية
اختلفت الآراء حول تعريف ومفهوم التربية وفقاً للمنطلق الفلسفيّ لكلّ جماعة إنسانيّة؛ حيث تُستخدَم الفلسفة في تعزيز المُعتقدات والقيم عند الأجيال، وتعرّف التربية بأنّها تربية الجسم وتزويده بحاجته من الطعام والشراب حتّى يصير قوياً وقادراً على التعامل مع الحياة، وأيضاً تعني التربية العناية المُقدمة للمراحل العُمريّة الصغيرة، وتشمل هذه العناية الجوانب الأخلاقيّة والجسميّة؛ ممّا يُساهم في اكتساب الإنسان بمرحلة الطفولة معايير الأسرة المُنتمي لها والقواعد السلوكيّة الصحيحة، كما تُشكّل التربية النموّ الذي يزود الطفل بجميع أنواع الثقافة والمعارف.[١]
فلسفة التربية
تُعدّ فلسفة التربية تطبيق منهج ونظرة الفلسفة على التربية؛ بسبب دورها في تحديد الطريق الخاص بعملية التربيّة، والمساهمة في تعديلها ونقدها وتنسيقها لتواكب المُشكلات والصراعات الثقافيّة، كما تُمثّلُ فلسفة التربيّة الجهد المُستخدم في تنفيذ الأفكار الفلسفيّة في بيئة التربية، أو السعي إلى نشر نظرة الفلسفة العامة ضمن المكونات الخاصة بالتربية، ومن ثمّ تبحث عن القيم والمعرفة، وتنتقد الفروض القائمة عليها، وتُساهم في توفير التنسيق الخاص بالعمليات التربويّة، وجعلها تواكب مشكلات المجتمع.[٢]
العلاقة بين الفلسفة والتربية
توجد علاقة قوية بين الفلسفة والتربية؛ حيث اهتمّ العديد من الفلاسفة خلال العصور الحديثة والوسطى والقديمة بدراسة الفلسفة في بداية حياتهم، ومن ثمّ يكملون دراستهم في فلسفة التربيّة، فقال الفيلسوف سقراط أنّ التربية والفلسفة يُشكّلان مظهران يختلفان عن بعضهما لموضوع واحد؛ حيث يُشكّل أحدهما الفلسفة الخاصة بالحياة، أمّا الآخر يوضّح أسلوب تطبيق الفلسفة ضمن شؤون وأحوال الحياة، كما تُمثّل الفلسفة المجهود المُفسّرَ للقضايا النظرية والفكرية، بينما تُمثّل التربية البيئة العلميّة التي تُترجِمُ القضايا إلى عدّة مهارات وعادات واتّجاهات.[٣]
إن الفلسفة دون الاعتماد على التربية تُصبح مجموعة من النظريات ذات الطبيعة الجامدة، بينما لا تستطيع التربية التخلي عن الفلسفة؛ بسبب حاجتها إلى بناء نظرة شاملة وكاملة حول أهداف المجتمع والحياة الإنسانيّة؛ حتّى تتمكّن من إعداد القضايا التربويّة بناءً على استخدام نظرة شموليّة، ومن الممكن تلخيص العلاقة بين الفلسفة والتربية وفقاً للنقاط الآتية:[٣]
- المساعدة على فهم أنواع النشاطات الإنسانيّة والعملية التربويّة.
- تعزيز فهم وإدراك العلاقة بين مجالات الحياة والأعمال التربويّة.
- تعتمد فلسفة التربية على عدّة فرضيات رئيسيّة، وتُساهم في تحقيق التنظيم للفكر التربويّ.
أهمية فلسفة التربية
تظهر أهمية فلسفة التربية وفقاً للآتي:[٣]
- تُمثّل فلسفة التربية قاعدة رئيسيّة تعتمد عليها المُؤسسات التربويّة؛ حيث تُساهم هذه الفلسفة في تحديد الأدوات والأساليب والوسائل التربوية؛ أي تُساهم في تحديد السياسة التربوية، وبناء النظام الخاص بالتعليم، ووسائل التدريس ومكونات المناهج وأهدافها، ومبادئ التقييم، والمبادئ الخاصة بالتنظيم الإداري.
- تُساعد فلسفة التربية على توضيح طبيعة النشاطات التربويّة، وتحويلها من نشاطات عشوائيّة إلى وظائف واضحة وواعية للأهداف المطلوبة منها.
- تدعم فلسفة التربية التوافق بين البيئة والأفراد؛ ممّا يُعزز من تجاوب التطبيقات التربوية مع الظروف البيئيّة، وتقديم المُساعدة للأفراد على تغيير بيئتهم.
- تُساهم فلسفة التربية في إدراك الاشتغال الخاص بالعملية التربويّة والربط بين مجالات الحياة والعمل التربويّ.
- تُعزز فلسفة التربية القُدرة على طرح وإعداد الأسئلة الخاصة بالتربية، ودعم التنفيذ والبحث، وبناء طُرق فكرية حديثة لدعم النموّ التربوي، والتخلص من التناقض بين الجانب التطبيقي والجانب العملي في المجال التربوي.
- تُقدِّمُ فلسفة التربية مُساعدة للمعلمين؛ من أجل فهم المفاهيم الخاصة بالتربية، وبناء فكرة شاملة عن البرامج التعليميّة، ودعم المشاركة بالنقد والحوار.
اتجاهات فلسفة التربية الحديثة
ظهرت مجموعة من الاتّجاهات الحديثة التي اهتمّت بدراسة فلسفة التربية، وفيما يأتي معلومات عن هذه الاتّجاهات:[٤]
- الاتّجاه الطبيعيّ: هو اتّجاه فلسفي ينتمي للفيلسوف والمُفكّر روسو، ولكن تعود أصول هذا الاتّجاه إلى الفلسفة الإسلاميّة وتحديداً لكلّ من الفلاسفة ابن طفيل وابن سينا؛ حيثُ ساهمت دراساتهما في ظهور ملامح ومعالم الاتّجاه الطبيعيّ بشكلٍ واضح، وعموماً يُلخص الاتّجاه الطبيعي في فلسفة التربية بأنّه يُدرك أن الأطفال يمتلكون مهارات فكريّة منذ ولادتهم، وقد تجعله بعيداً عن مجتمعه، ولكن تجعلهم يحققون النموّ بشكلٍ طبيعي دون تأثير من المجتمع، لذلك يجب أن تحترم هذه القدرات ويكون دور المجتمع تقديم المساندة للأطفال، كما يُعدّ تفاعل الطفل خلال السنوات الأولى من عمره مع الطبيعة من الأمور التي تُساعده على الحصول على خبرة عقليّة وحسيّة ذات أساس قوي.
- الاتّجاه البراغماتي: هو اتّجاه فلسفي تهدف التربية المعتمدة عليه في تعليم الإنسان كيفية التفكير؛ ممّا يُساهم في تعزيز تكيفه مع المجتمع الذي يتغيّرُ بشكلٍ دائم؛ لذلك يجب على المدارس أن تُعزز عند الطلاب الخبرات التي تُساعدهم على العيش بحياةٍ سعيدة؛ عن طريق اهتمام المدارس بمتابعة الطلاب من حيث النواحي الآتية: الصحة، والهوايات، والمهارات المهنيّة، والتعامل بشكلٍ جيّد مع المشكلات، والاستعداد للأدوار والنشاطات الاجتماعيّة، ويُعدّ المُفكّر والفيلسوف جون ديوي من أهمّ الفلاسفة الذين ساهموا بتأسيس الفلسفة البراغماتيّة.
- الاتّجاه التكويني: هو اتّجاه فلسفي ساهم في تأسيسه المُفكّر والفيلسوف جان بياجيه، فاهتمّ بدراسة وتحليل الانبناءات الذهنية الديناميكية؛ أي بمعنى الحالات المتكاملة التي تنموّ خلال مراحل متسلسلة من الزمن، واعتمد بياجيه على هذه الدراسة الفلسفيّة للتعرف على المنطق وطبيعة المعرفة عند الأطفال، وتمكّن من الوصول إلى أن الذكاء أو المعرفة عند الطفل يعتمد على مراحل النموّ، وخلال كلّ مرحلة منها يظهر انبناء مُحدّد، ويدل ذلك على أنّ الذكاء عند الأطفال ليس معتمداً على انبناءات بيولوجيّة أو داخليّة سابقة، كما لا يعتمد على مجموعة من المعطيات الاجتماعيّة أو الخارجيّة، بل إنّ المعرفة عند الأطفال ناتجة عن وجود انبناء مستمر في تطوّره، ومعتمدة على مشاركة الأطفال وتفاعلهم مع محيطهم.
المراجع
- ↑ كيندة التركاوي (7-11-2015)، “مفهوم التربية لغةً واصطلاحاً”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-10-2017. بتصرّف.
- ↑ د. أحمد الحاج محمد (2014)، في فلسفة التربية نظرياً وتطبيقياً (الطبعة الأولى)، عمّان – الأردن: دار المناهج للنشر والتوزيع، صفحة 68. بتصرّف.
- ^ أ ب ت د. ميمونة مناصرية، فلسفة التربية، الجزائر: جامعة محمد خيضر – بسكرة، صفحة 4، 5، 9، 10. بتصرّف.
- ↑ عبد الحكيم كرام (2004 – 2005)، محاضرات في فلسفة التربية، الجزائر: المدرسة العليا للأساتذة في الآداب والعلوم الإنسانية – قسنطينة، صفحة 20، 21، 33، 34، 41. بتصرّف.