رسل و أنبياء

ما هي معجزات الأنبياء والرسل

ما هي معجزات الأنبياء والرسل

أيّدَ الله -تعالى- أنبياءه بالعديد مِنَ المُعجزات، وجاء ذِكرُها في بعضِ نُصوص الكِتاب والسُّنّة، وهي كما يأتي.

مُعجِزة نوح عليه السّلام

أيّدَ الله -تعالى- نبيّه نوح -عليه السلام- بِمُعجزةِ السفينة، فكان يقوم ببنائِها على الرِّمال، وكان قومه يسخرون منه، وويتّهمونه بالجنون لأنه السفينة على اليابسة، حتى جاء الأمرُ من الله -تعالى- بِهُطول المطر مِنَ السماء، وانفجار الينابيع من الأرض، فقال -تعالى-: (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)،[١] فأُغرقت الأرض ومن فيها إلاّ من ركب في المُعجزة الخفيّة وهي السفينة.[٢]

معجزة سيدنا إبراهيم عليه السلام

أيّدَ الله -تعالى- نبيّه إبراهيم -عليه السلام- بالعديد مِنَ المُعجزات، وهي:[٣][٤]

  • تحويل النار التي ألقاها بها قومه إلى بردٍ وسلامٍ، لقوله -تعالى-: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ* قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ* وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)،[٥] وكان ذلك بعد أن قام بتكسير أصنامهم، وإقناعِهِم بأنّها لا تَضرُّ ولا تَنفع، فألقوه في النّار؛ نُصرةً لأصنامِهِم.
  • فِداؤه لابنه إسماعيل -عليه السلام- بِكَبشٍ عظيم، وكان ذلك بعد أن رأى رؤيا في المنام أنّه يذبحُ ابنه الذي جاءه وهو في السادسة والثمانين مِن عُمره، وأصبح شاباً، فاختبره الله -تعالى- بِذبحِه، فاستجاب لأمره، وأراد ذبحَه، فأوحى الله -تعالى- إليه بِنجاحه في الاختبار، وفداه الله -تعالى- بِذبحٍ عظيم، لقوله -تعالى-: (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).[٦]

مُعجِزة صالح عليه السّلام

اشتُهر قومُ صالحٍ -عليه السلام- بِالنّحت في الصخر، فكانوا ينحتون مِنَ الصُّخور بُيوتاً بزخارف ونقوش، فطلبوا مِن نبيّهم أنْ يُخرج لهم مِن الصخرة ناقةً حيّةً تأكُلُ وتشرب؛ ليؤمنوا به، فدعا ربه أن يُخرج له ناقةً بنفس الصفات التي ذكروها، فاستجاب الله -تعالى- له، وأخرج لهم من الصخر ناقةً ذاتَ روح وحياة، قال -تعالى- عن هذه المُعجزة: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)،[٧] فكانت مُعجزته مِن جنس ما اشتُهر به قومه وهو النّحت.[٨][٩]

مُعجِزات سيّدنا موسى عليه السّلام

أيّدَ الله -تعالى- نبيّه موسى -عليه السلام- بِتِسعٍ مُعجزاتٍ واضِحات، لقوله -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ)،[١٠] وكانت مِن جِنس ما اشتهر به قومه مِن السِحِر، كالعصا التي تتحول إلى حيّةٍ كبيرةٍ بعد أن يُلقيَها على الأرض، لقوله -تعالى-: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى* قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى* فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى* قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى)،[١١] وبعد أن ابتلعت الأفعى حيّات السَّحرة آمنوا جميعاً؛ لما أدركوه مِن إعجازِها وأنّها ليست مِن صُنع البَشر، ومِنَ مُعجزاته أيضاً يَده البيضاء، فقد كانت تتلألأ كالقمر بعد أن يُدخلها في جيبه ثُمّ يُخرِجُها، لقوله -تعالى-: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى).[١٢][١٣][١٤]

وأمّا الآيات السبع الأُخرى فقد جاء ذِكرُها في قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ* وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ* فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ)،[١٥] وذكرها فيما يأتي:[١٣][١٤]

  • السِّنين، وهي انحباس المطر عن أهل مصر، وقِلّة المياه عنهم، وقحط أرضهم وجدبها.
  • نقص الثمرات، من خلال منع الله -تعالى- الثمر مِنَ الخُروج، وما يخرُج منها تأكُله الطيور.
  • الطوفان، ما تسبَّب في تَلَف مزارِعِهِم ومُدِنِهم.
  • الجراد، الذي كان يأكُل كُلَّ شيءٍ.
  • القُمّل، وهي حشرةٌ تُؤذيهم في أجسامِهِم.
  • الضفادع، فأرسلها الله -تعالى- عليهم بأعدادٍ كثيرة، نغّصت عليهم حياتهم.
  • الدم الذي يكون في جميع طعامِهِم وشرابِهِم.

معجزة داود عليه السلام

سخّر الله -تعالى- لنبيّه داود -عليه السلام- الجبال والطَير، وكانت تُسبّح معه، لقوله -تعالى-: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ).[١٦][١٧]

معجزات سليمان عليه السلام

أيَّدَ الله -تعالى- نبيَّهُ سُليمان -عليه السلام- بالعديد مِنَ المُعجزات، وذلك بعد أن طلب مِنَ الله -تعالى- أن يُعطيه مُلكاً لا يُعطى لإنسانٍ بَعده، لِقوله -تعالى-: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)،[١٨] فاستجاب الله -تعالى- له، وأعطاه مُلكاً وحضارةً تقوم على الإعجاز، وكانت هذه المُعجزات لم ولن تظهر لأُمّةٍ قبلهم أو بعدهم، واستمرت مع سُليمان -عليه السلام- وهو حيٌ، وجاءت هذه المُعجزات كما يأتي:[١٩]

  • تسخير الريح له، لِقوله -تعالى-: (وَلِسُلَيمانَ الرّيحَ عاصِفَةً تَجري بِأَمرِهِ إِلَى الأَرضِ الَّتي بارَكنا فيها وَكُنّا بِكُلِّ شَيءٍ عالِمينَ)،[٢٠] ووصف الله -تعالى- هذه الريح بِالرَّخاء؛ أي أنّها تنفعُ ولا تضُر، وكانت هذه الريح تقطعُ في اليوم الواحد ما يقطعه الناس في شهرين، وتتحرّك بأمره، وتتّجه حيث شاء، وتذهب في جميعِ مُلكه، وتُمطر، وتوجّه السُفن، بإرادة سُليمان -عليه السلام-، كما استعملها في الدفاع عن الدِين، وكُلِّ من يُحاربه، وكان يركب عليها ويمُرُّ بها على مُلكه، كما أنّها كانت تنقل له أخبار الناس.
  • تسخير الجنّ له، لِقوله -تعالى-: (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ)،[٢١] فكان يَتحكّمُ بهم، ويستعملهم في نفع مملكته، وإقامة المحاريب له؛ لاستعمالها في العِبادة والطاعة، ويأمُرهم بالغَوص في البِحار واستخراج اللؤلؤ والمَرجان منه، وكُلُّ من يُخالف أمره كان يسجُنه ويُكَبّله بالسلاسل.
  • تسييل النُّحاس له، وذلك لِصُنع السِلاح، فأيدهُ الله -تعالى- بِعينٍ تسيلُ منها النُّحاس الأصفر كالماء، لِقوله -تعالى-: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)،[٢١] وكان يأمُر الجِنّ بتشكيله على الشّكل الذي يُريد.
  • التكلُّم مع ما لا ينطق، كالطُيور، وفهمهِ لِكلامِها، لِقوله -تعالى-: (وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ)،[٢٢] كما أنّه كان يعرفُ لُغة الحشرات والنباتات وغيرها، وكانت مِن جُنده، وتأتيه بالأخبار التي تكون في المناطق البعيدةِ عنه.

مُعجِزات عيسى عليه السّلام

أمدَّ الله -تعالى- نبيّه عيسى -عليه السلام- بِعَدَدٍ مِنَ المُعجزات، وجاءَ ذِكرُ بَعضِها في قولهِ -تعالى-: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)،[٢٣] وهي كما يأتي:[٢٤][٢٥]

  • ولادته مِن غير أب، وبَيّن الله -تعالى- أنّها مِن الأمور السهلة الهيّنة عليه، لِقوله تعالى: (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا)،[٢٦] فهو روحٌ مِنَ الله -تعالى-، وكلمته ألقاها إلى أُمّهِ مريم، لِقوله -تعالى-: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ).[٢٧]
  • تَكلّمهِ في الصِغر كما يتكلمُ الرجل الكبير، حيثُ تكلّم وهو طفلٌ بأنّه عبدٌ لله آتاه الكتاب وجعله نبياً.
  • نفْخهِ في الطين الذي على هيئة الطير، فيُصبحُ طيراً حقيقيّاً.
  • شِفاؤه للأعمى والأبرص، وإحياؤه للموتى، وإخبار أصحابه بما عندهم مِن الطعامِ والشراب وما يدّخرونه.
  • تنزيل الله -تعالى- له مائدةً مِن السماء، بِناءً على طلب قومهِ له.
  • تنزيل الإنجيل عليه، وجعلهُ مُباركاً أينما وُجد.

مُعجِزات سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام

أيّدَ الله -تعالى- نبيّه مُحمدًا -عليه الصلاة والسلام- بِالكثير مِنَ المُعجزات، منها ما هو مُشابِهٌ لِمُعجزات الأنبياءِ السابقين، ومنها ما هو خاصٌّ بِه، ومِن هذه المُعجزات ما يأتي:[٢٨][٢٩]

  • اطّلاعه على بعض الغَيب الذي أخبره الله -تعالى- به، وهذا الغَيب قد يكون في زمنه أو بعده بِقليل، أو بِزمنٍ بعيد في آخِر الزمان؛ كإخباره بِهزيمة كِسرى الفُرس، وعُلوّ الروم عليهم، ووعده بِفتح فارس والمدائن، وكان ذلك في زمن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وكذلك انتِشار الجهل، وقلّة العِلم، والسنوات الخدّاعات، وإخباره بِعلامات الساعة الكُبرى، وغير ذلك مِن الغيبيّات، وهذه المُعجزة مما اختصّه الله -تعالى- بِها.
  • إعطاؤه المُعجزاتِ المعنويّة؛ ومِن أعظمها القُرآن الكريم، حيثُ تحدّى بها العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة على الإتيان بِمثله، أو بِعشرِ سور مِثله، أو بِسورة واحدة، فلم يأتوا بمثله، وهي المُعجزةِ الوحيدة الباقية إلى قيام الساعة.[٣٠]
  • تأييده بِالمُعجزات الحسّيّة، وهي كثيرةٌ، كالإسراءِ والمِعراج؛ لِتكونَ دليلاً على صِدقه، لِقوله -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)،[٣١] وَمِنَ المُعجِزاتِ الحسّيّة أيضاً، خُروج الماء ونبعهِ مِن بين أصابِعِه في صُلح الحُديبيّة، وكذلك بركة الطعام وزيادته، واستجابة الله -تعالى- لِدُعائه، فما كان يرفعُ يدهُ إلا استجاب الله -تعالى- له، بإلإضافة إلى إتيان النّخل والشجر إليه؛ لِتكونَ وِقايةً له مِن الشمس وحَرِّها، أو عند قضائه لِحاجته.
  • معجزة انشقاق القمر له، لِقوله -تعالى-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ)،[٣٢] وذلك بعد أن طلب مِنه المُشركون أن يُريهم آية ومعجزة.[٣٣]
  • مُعجزة شَقِّ صدره وهو صغير، حيثُ قام جبريل -عليه السلام- بِشقِّ صدره وإخراجُ حظِّ الشيطان مِنه، ثُمّ غسله بِماءِ زمزم، وإرجاعهِ إلى مكانه، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول إنه كان يرى أثر المخيط في صدره.
  • تسليم الحجر عليه، لِقوله: (إنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بمَكَّةَ كانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أُبْعَثَ إنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ)،[٣٤] بالإضافة إلى حنين الجِذعِ له، وذلك بعد أن صنع له الصحابةُ الكِرام مِنبراً جديداً، فبكى الجِذع الذي يتّكئ عليه، فمسح النبيّ عليه.

الحكمة من تأييد الرسل بالمعجزات

أيّدَ الله -تعالى- أنبياءه بِالمُعجزات الباهرات للعديد مِنِ الحِكَم، ومنها ما يأتي:[٣٥][٣٦]

  • تميُّزهم عن غيرهم مِنَ البشر، وفهي لا توجدُ إلا للأنبياء والرّسل، وهي مِن سُننِ الله -تعالى- لأنبيائه.
  • دليل ٌعلى صدق دعوتهم، وبُرهاناً على من يُحاجِجُهم فيها، وعادةً ما تكون المعجزة من جنس ما بَرَع َبه القوم .[٣٧]

المراجع

  1. سورة القمر، آية: 12.
  2. محمد حسن عبد الغفار ، أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، صفحة 6، جزء 37. بتصرّف.
  3. نخبة من العلماء (1421 هـ )، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 200. بتصرّف.
  4. سيد مبارك (2002)، معجزات الأنبياء والمرسلين، القاهرة: المكتبة المحمودية، صفحة 31-36. بتصرّف.
  5. سورة الأنبياء، آية: 68-70.
  6. سورة الصافات، آية: 104-107.
  7. سورة الأعراف، آية: 73.
  8. نخبة من العلماء (1421هـ)، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 199-200. بتصرّف.
  9. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي (2003)، دراسات في علوم القرآن الكريم (الطبعة الثانية عشر)، صفحة 10. بتصرّف.
  10. سورة الإسراء، آية: 101.
  11. سورة طه، آية: 17-21.
  12. سورة طه، آية: 22.
  13. ^ أ ب فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي (2003)، دراسات في علوم القرآن الكريم (الطبعة الثانية عشر)، صفحة 256. بتصرّف.
  14. ^ أ ب عمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر (1989)، الرسل والرسالات (الطبعة الرابعة)، الكويت: مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، صفحة 128-129. بتصرّف.
  15. سورة الأعراف، آية: 130-133.
  16. سورة الأنبياء، آية: 79.
  17. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي (1986)، اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (الطبعة الأولى)، السعودية: رئاسة إدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد ، صفحة 1083، جزء 3. بتصرّف.
  18. سورة ص، آية: 35.
  19. أحمد أحمد غلوش (2002)، دعوة الرسل عليهم السلام (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 422-427. بتصرّف.
  20. سورة الأنبياء، آية: 81.
  21. ^ أ ب سورة سبأ، آية: 12.
  22. سورة النمل، آية: 16.
  23. سورة المائدة، آية: 110.
  24. أحمد أحمد غلوش (2002)، دعوة الرسل عليهم السلام (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 470-471. بتصرّف.
  25. جمال الدين السُّرَّمَرِّي (2015)، خصائص سيد العالمين وما له من المناقب العجائب على جميع الأنبياء عليهم السلام (الطبعة الأولى)، صفحة 405. بتصرّف.
  26. سورة مريم، آية: 21.
  27. سورة آل عمران، آية: 45.
  28. محمد حسن عبد الغفار ، أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، صفحة 11-13، جزء 37. بتصرّف.
  29. سيد مبارك (2002)، معجزات الأنبياء والمرسلين، القاهرة: المكتبة المحمودية ، صفحة 107-110. بتصرّف.
  30. محمد أحمد محمد معبد (2005)، نفحات من علوم القرآن (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام، صفحة 101. بتصرّف.
  31. سورة الإسراء، آية: 1.
  32. سورة القمر، آية: 1.
  33. نخبة من العلماء (1421 هـ )، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 201. بتصرّف.
  34. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم: 2277، صحيح.
  35. أحمد بن علي الزاملي عسيري (1431 هـ)، منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين، السعودية: كلية أصول الدين – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، صفحة 470، جزء 1. بتصرّف.
  36. عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن عثمان آل معمر، منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب، صفحة 421، جزء 2. بتصرّف.
  37. محمد حسن عبد الغفار ، أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، صفحة 3، جزء 37. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

ما هي معجزات الأنبياء والرسل

أيّدَ الله -تعالى- أنبياءه بالعديد مِنَ المُعجزات، وجاء ذِكرُها في بعضِ نُصوص الكِتاب والسُّنّة، وهي كما يأتي.

مُعجِزة نوح عليه السّلام

أيّدَ الله -تعالى- نبيّه نوح -عليه السلام- بِمُعجزةِ السفينة، فكان يقوم ببنائِها على الرِّمال، وكان قومه يسخرون منه، وويتّهمونه بالجنون لأنه السفينة على اليابسة، حتى جاء الأمرُ من الله -تعالى- بِهُطول المطر مِنَ السماء، وانفجار الينابيع من الأرض، فقال -تعالى-: (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)،[١] فأُغرقت الأرض ومن فيها إلاّ من ركب في المُعجزة الخفيّة وهي السفينة.[٢]

معجزة سيدنا إبراهيم عليه السلام

أيّدَ الله -تعالى- نبيّه إبراهيم -عليه السلام- بالعديد مِنَ المُعجزات، وهي:[٣][٤]

  • تحويل النار التي ألقاها بها قومه إلى بردٍ وسلامٍ، لقوله -تعالى-: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ* قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ* وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)،[٥] وكان ذلك بعد أن قام بتكسير أصنامهم، وإقناعِهِم بأنّها لا تَضرُّ ولا تَنفع، فألقوه في النّار؛ نُصرةً لأصنامِهِم.
  • فِداؤه لابنه إسماعيل -عليه السلام- بِكَبشٍ عظيم، وكان ذلك بعد أن رأى رؤيا في المنام أنّه يذبحُ ابنه الذي جاءه وهو في السادسة والثمانين مِن عُمره، وأصبح شاباً، فاختبره الله -تعالى- بِذبحِه، فاستجاب لأمره، وأراد ذبحَه، فأوحى الله -تعالى- إليه بِنجاحه في الاختبار، وفداه الله -تعالى- بِذبحٍ عظيم، لقوله -تعالى-: (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).[٦]

مُعجِزة صالح عليه السّلام

اشتُهر قومُ صالحٍ -عليه السلام- بِالنّحت في الصخر، فكانوا ينحتون مِنَ الصُّخور بُيوتاً بزخارف ونقوش، فطلبوا مِن نبيّهم أنْ يُخرج لهم مِن الصخرة ناقةً حيّةً تأكُلُ وتشرب؛ ليؤمنوا به، فدعا ربه أن يُخرج له ناقةً بنفس الصفات التي ذكروها، فاستجاب الله -تعالى- له، وأخرج لهم من الصخر ناقةً ذاتَ روح وحياة، قال -تعالى- عن هذه المُعجزة: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)،[٧] فكانت مُعجزته مِن جنس ما اشتُهر به قومه وهو النّحت.[٨][٩]

مُعجِزات سيّدنا موسى عليه السّلام

أيّدَ الله -تعالى- نبيّه موسى -عليه السلام- بِتِسعٍ مُعجزاتٍ واضِحات، لقوله -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ)،[١٠] وكانت مِن جِنس ما اشتهر به قومه مِن السِحِر، كالعصا التي تتحول إلى حيّةٍ كبيرةٍ بعد أن يُلقيَها على الأرض، لقوله -تعالى-: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى* قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى* فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى* قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى)،[١١] وبعد أن ابتلعت الأفعى حيّات السَّحرة آمنوا جميعاً؛ لما أدركوه مِن إعجازِها وأنّها ليست مِن صُنع البَشر، ومِنَ مُعجزاته أيضاً يَده البيضاء، فقد كانت تتلألأ كالقمر بعد أن يُدخلها في جيبه ثُمّ يُخرِجُها، لقوله -تعالى-: (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى).[١٢][١٣][١٤]

وأمّا الآيات السبع الأُخرى فقد جاء ذِكرُها في قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ* وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ* فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ)،[١٥] وذكرها فيما يأتي:[١٣][١٤]

  • السِّنين، وهي انحباس المطر عن أهل مصر، وقِلّة المياه عنهم، وقحط أرضهم وجدبها.
  • نقص الثمرات، من خلال منع الله -تعالى- الثمر مِنَ الخُروج، وما يخرُج منها تأكُله الطيور.
  • الطوفان، ما تسبَّب في تَلَف مزارِعِهِم ومُدِنِهم.
  • الجراد، الذي كان يأكُل كُلَّ شيءٍ.
  • القُمّل، وهي حشرةٌ تُؤذيهم في أجسامِهِم.
  • الضفادع، فأرسلها الله -تعالى- عليهم بأعدادٍ كثيرة، نغّصت عليهم حياتهم.
  • الدم الذي يكون في جميع طعامِهِم وشرابِهِم.

معجزة داود عليه السلام

سخّر الله -تعالى- لنبيّه داود -عليه السلام- الجبال والطَير، وكانت تُسبّح معه، لقوله -تعالى-: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ).[١٦][١٧]

معجزات سليمان عليه السلام

أيَّدَ الله -تعالى- نبيَّهُ سُليمان -عليه السلام- بالعديد مِنَ المُعجزات، وذلك بعد أن طلب مِنَ الله -تعالى- أن يُعطيه مُلكاً لا يُعطى لإنسانٍ بَعده، لِقوله -تعالى-: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)،[١٨] فاستجاب الله -تعالى- له، وأعطاه مُلكاً وحضارةً تقوم على الإعجاز، وكانت هذه المُعجزات لم ولن تظهر لأُمّةٍ قبلهم أو بعدهم، واستمرت مع سُليمان -عليه السلام- وهو حيٌ، وجاءت هذه المُعجزات كما يأتي:[١٩]

  • تسخير الريح له، لِقوله -تعالى-: (وَلِسُلَيمانَ الرّيحَ عاصِفَةً تَجري بِأَمرِهِ إِلَى الأَرضِ الَّتي بارَكنا فيها وَكُنّا بِكُلِّ شَيءٍ عالِمينَ)،[٢٠] ووصف الله -تعالى- هذه الريح بِالرَّخاء؛ أي أنّها تنفعُ ولا تضُر، وكانت هذه الريح تقطعُ في اليوم الواحد ما يقطعه الناس في شهرين، وتتحرّك بأمره، وتتّجه حيث شاء، وتذهب في جميعِ مُلكه، وتُمطر، وتوجّه السُفن، بإرادة سُليمان -عليه السلام-، كما استعملها في الدفاع عن الدِين، وكُلِّ من يُحاربه، وكان يركب عليها ويمُرُّ بها على مُلكه، كما أنّها كانت تنقل له أخبار الناس.
  • تسخير الجنّ له، لِقوله -تعالى-: (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ)،[٢١] فكان يَتحكّمُ بهم، ويستعملهم في نفع مملكته، وإقامة المحاريب له؛ لاستعمالها في العِبادة والطاعة، ويأمُرهم بالغَوص في البِحار واستخراج اللؤلؤ والمَرجان منه، وكُلُّ من يُخالف أمره كان يسجُنه ويُكَبّله بالسلاسل.
  • تسييل النُّحاس له، وذلك لِصُنع السِلاح، فأيدهُ الله -تعالى- بِعينٍ تسيلُ منها النُّحاس الأصفر كالماء، لِقوله -تعالى-: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)،[٢١] وكان يأمُر الجِنّ بتشكيله على الشّكل الذي يُريد.
  • التكلُّم مع ما لا ينطق، كالطُيور، وفهمهِ لِكلامِها، لِقوله -تعالى-: (وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ)،[٢٢] كما أنّه كان يعرفُ لُغة الحشرات والنباتات وغيرها، وكانت مِن جُنده، وتأتيه بالأخبار التي تكون في المناطق البعيدةِ عنه.

مُعجِزات عيسى عليه السّلام

أمدَّ الله -تعالى- نبيّه عيسى -عليه السلام- بِعَدَدٍ مِنَ المُعجزات، وجاءَ ذِكرُ بَعضِها في قولهِ -تعالى-: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)،[٢٣] وهي كما يأتي:[٢٤][٢٥]

  • ولادته مِن غير أب، وبَيّن الله -تعالى- أنّها مِن الأمور السهلة الهيّنة عليه، لِقوله تعالى: (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا)،[٢٦] فهو روحٌ مِنَ الله -تعالى-، وكلمته ألقاها إلى أُمّهِ مريم، لِقوله -تعالى-: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ).[٢٧]
  • تَكلّمهِ في الصِغر كما يتكلمُ الرجل الكبير، حيثُ تكلّم وهو طفلٌ بأنّه عبدٌ لله آتاه الكتاب وجعله نبياً.
  • نفْخهِ في الطين الذي على هيئة الطير، فيُصبحُ طيراً حقيقيّاً.
  • شِفاؤه للأعمى والأبرص، وإحياؤه للموتى، وإخبار أصحابه بما عندهم مِن الطعامِ والشراب وما يدّخرونه.
  • تنزيل الله -تعالى- له مائدةً مِن السماء، بِناءً على طلب قومهِ له.
  • تنزيل الإنجيل عليه، وجعلهُ مُباركاً أينما وُجد.

مُعجِزات سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام

أيّدَ الله -تعالى- نبيّه مُحمدًا -عليه الصلاة والسلام- بِالكثير مِنَ المُعجزات، منها ما هو مُشابِهٌ لِمُعجزات الأنبياءِ السابقين، ومنها ما هو خاصٌّ بِه، ومِن هذه المُعجزات ما يأتي:[٢٨][٢٩]

  • اطّلاعه على بعض الغَيب الذي أخبره الله -تعالى- به، وهذا الغَيب قد يكون في زمنه أو بعده بِقليل، أو بِزمنٍ بعيد في آخِر الزمان؛ كإخباره بِهزيمة كِسرى الفُرس، وعُلوّ الروم عليهم، ووعده بِفتح فارس والمدائن، وكان ذلك في زمن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وكذلك انتِشار الجهل، وقلّة العِلم، والسنوات الخدّاعات، وإخباره بِعلامات الساعة الكُبرى، وغير ذلك مِن الغيبيّات، وهذه المُعجزة مما اختصّه الله -تعالى- بِها.
  • إعطاؤه المُعجزاتِ المعنويّة؛ ومِن أعظمها القُرآن الكريم، حيثُ تحدّى بها العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة على الإتيان بِمثله، أو بِعشرِ سور مِثله، أو بِسورة واحدة، فلم يأتوا بمثله، وهي المُعجزةِ الوحيدة الباقية إلى قيام الساعة.[٣٠]
  • تأييده بِالمُعجزات الحسّيّة، وهي كثيرةٌ، كالإسراءِ والمِعراج؛ لِتكونَ دليلاً على صِدقه، لِقوله -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)،[٣١] وَمِنَ المُعجِزاتِ الحسّيّة أيضاً، خُروج الماء ونبعهِ مِن بين أصابِعِه في صُلح الحُديبيّة، وكذلك بركة الطعام وزيادته، واستجابة الله -تعالى- لِدُعائه، فما كان يرفعُ يدهُ إلا استجاب الله -تعالى- له، بإلإضافة إلى إتيان النّخل والشجر إليه؛ لِتكونَ وِقايةً له مِن الشمس وحَرِّها، أو عند قضائه لِحاجته.
  • معجزة انشقاق القمر له، لِقوله -تعالى-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ)،[٣٢] وذلك بعد أن طلب مِنه المُشركون أن يُريهم آية ومعجزة.[٣٣]
  • مُعجزة شَقِّ صدره وهو صغير، حيثُ قام جبريل -عليه السلام- بِشقِّ صدره وإخراجُ حظِّ الشيطان مِنه، ثُمّ غسله بِماءِ زمزم، وإرجاعهِ إلى مكانه، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول إنه كان يرى أثر المخيط في صدره.
  • تسليم الحجر عليه، لِقوله: (إنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بمَكَّةَ كانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أُبْعَثَ إنِّي لأَعْرِفُهُ الآنَ)،[٣٤] بالإضافة إلى حنين الجِذعِ له، وذلك بعد أن صنع له الصحابةُ الكِرام مِنبراً جديداً، فبكى الجِذع الذي يتّكئ عليه، فمسح النبيّ عليه.

الحكمة من تأييد الرسل بالمعجزات

أيّدَ الله -تعالى- أنبياءه بِالمُعجزات الباهرات للعديد مِنِ الحِكَم، ومنها ما يأتي:[٣٥][٣٦]

  • تميُّزهم عن غيرهم مِنَ البشر، وفهي لا توجدُ إلا للأنبياء والرّسل، وهي مِن سُننِ الله -تعالى- لأنبيائه.
  • دليل ٌعلى صدق دعوتهم، وبُرهاناً على من يُحاجِجُهم فيها، وعادةً ما تكون المعجزة من جنس ما بَرَع َبه القوم .[٣٧]

المراجع

  1. سورة القمر، آية: 12.
  2. محمد حسن عبد الغفار ، أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، صفحة 6، جزء 37. بتصرّف.
  3. نخبة من العلماء (1421 هـ )، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 200. بتصرّف.
  4. سيد مبارك (2002)، معجزات الأنبياء والمرسلين، القاهرة: المكتبة المحمودية، صفحة 31-36. بتصرّف.
  5. سورة الأنبياء، آية: 68-70.
  6. سورة الصافات، آية: 104-107.
  7. سورة الأعراف، آية: 73.
  8. نخبة من العلماء (1421هـ)، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 199-200. بتصرّف.
  9. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي (2003)، دراسات في علوم القرآن الكريم (الطبعة الثانية عشر)، صفحة 10. بتصرّف.
  10. سورة الإسراء، آية: 101.
  11. سورة طه، آية: 17-21.
  12. سورة طه، آية: 22.
  13. ^ أ ب فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي (2003)، دراسات في علوم القرآن الكريم (الطبعة الثانية عشر)، صفحة 256. بتصرّف.
  14. ^ أ ب عمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر (1989)، الرسل والرسالات (الطبعة الرابعة)، الكويت: مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، صفحة 128-129. بتصرّف.
  15. سورة الأعراف، آية: 130-133.
  16. سورة الأنبياء، آية: 79.
  17. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي (1986)، اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (الطبعة الأولى)، السعودية: رئاسة إدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد ، صفحة 1083، جزء 3. بتصرّف.
  18. سورة ص، آية: 35.
  19. أحمد أحمد غلوش (2002)، دعوة الرسل عليهم السلام (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 422-427. بتصرّف.
  20. سورة الأنبياء، آية: 81.
  21. ^ أ ب سورة سبأ، آية: 12.
  22. سورة النمل، آية: 16.
  23. سورة المائدة، آية: 110.
  24. أحمد أحمد غلوش (2002)، دعوة الرسل عليهم السلام (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 470-471. بتصرّف.
  25. جمال الدين السُّرَّمَرِّي (2015)، خصائص سيد العالمين وما له من المناقب العجائب على جميع الأنبياء عليهم السلام (الطبعة الأولى)، صفحة 405. بتصرّف.
  26. سورة مريم، آية: 21.
  27. سورة آل عمران، آية: 45.
  28. محمد حسن عبد الغفار ، أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، صفحة 11-13، جزء 37. بتصرّف.
  29. سيد مبارك (2002)، معجزات الأنبياء والمرسلين، القاهرة: المكتبة المحمودية ، صفحة 107-110. بتصرّف.
  30. محمد أحمد محمد معبد (2005)، نفحات من علوم القرآن (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام، صفحة 101. بتصرّف.
  31. سورة الإسراء، آية: 1.
  32. سورة القمر، آية: 1.
  33. نخبة من العلماء (1421 هـ )، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 201. بتصرّف.
  34. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم: 2277، صحيح.
  35. أحمد بن علي الزاملي عسيري (1431 هـ)، منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين، السعودية: كلية أصول الدين – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، صفحة 470، جزء 1. بتصرّف.
  36. عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن عثمان آل معمر، منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب، صفحة 421، جزء 2. بتصرّف.
  37. محمد حسن عبد الغفار ، أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، صفحة 3، جزء 37. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

المُعجِزة

اقترن ذِكر الأنبياء عادةً مع بعض الأمور الخارقة للعادات والطبائع التي جرى العُرف على مثلها، وإنّما جاء تأييد الأنبياء والرُّسل بمثل تلك المُعجِزات من باب زيادة تصديق الناس لهم، واعتقادهم اليقينيّ بأنّهم مُرسَلون من الله -سبحانه وتعالى- خاصةً لمن آمن بهم من الناس، ولتكون حُجّةً على من لم يُصدّق ببعثهم من قبل الله، وغالباً ما تكون تلك المُعجِزات فيما اشتُهِر فيه قوم ذلك النبيّ، بحيث تكون مُعجِزة النبيّ أو الرسول خرقاً لما اعتاده قومٌ معيّنون مع بروزهم في ذلك المجال وخبرتهم فيه، ومثال ذلك مُعجِزة خاتم الأنبياء والمُرسَلين سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- التي هي القرآن الكريم، حيث كان أهل قريش يبرعون في البلاغة والفصاحة وإتقان اللغة، فكانت مُعجِزة النبيّ لهم كتاباً شديد الفصاحة والبلاغة على لسان أميٍّ منهم، ومع بلاغتهم وفصاحتهم إلا أنّهم عجزوا عن الإتيان بجزء من مثله، فما هي أهمُّ المُعجِزات التي أيَّد الله بها أنبياءه ورُسله؟

معنى المُعجِزة

المُعجزة لُغةً

المُعجِزة لُغةً مأخوذةٌ من العَجْز؛ وهو يعني التأخّر عن الشيء، والعَجْز ضدُّ القدرة، وعَجَزَت المرأة تعجِز عُجُوزاً إذا كَبُر سِنُّها، وعَجَز فلان عن فعل شيءٍ يعجز عَجْزاً وعَجَزاناً؛ أي أنّه ضعُف ولم يقدر على فعله، وقد سُمِّيت العجوز بذلك لعجزها وضعفها، وعدم قدرتها على فعل الكثير من الأفعال التي كانت تقوم بها في السابق، والعجز يدلُّ على معنيَين رئيسَين، هما: الضّعف، ومؤخّر الشيء أو آخره، والأمر المُعجِز: هو الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله، ومنه المُعجِزة، أمّا التاء في لفظ مُعجِزة فليست تأنيثاً لها، إنّما هي من باب المُبالغة في الإعجاز.[١]

المُعجزة اصطلاحاً

يمكن تعريف المُعجِزة في الاصطلاح بأنّها (أمر خارق للعادة، يظهره الله على يد مُدّعي النبوّة؛ تصديقاً له في دعواه، مقرونة بالتحدّي مع عدم المعارضة)، وتتميّز المُعجِزة عن باقي الأمور الخارقة بأنّها يجب أن تكون خارقةً للعادات، والقوانين الكونيّة الثابتة المُتعارف عليها بين الناس عموماً، ومن ذلك ما جاء على أيدي أنبياء الله عليهم السّلام، ومنها مثلاً عدم إحراق النار مع أنّها في العادة تحرق ما يصيبها، وإحياء الموتى الذين في العادة لا يحيون بعد الموت، وتحويل العصا إلى حيّة تتحرك، مع أنّ الجمادات والعصيّ في العادة لا تتحرّك.[١]

مُعجِزات الأنبياء والرُّسل

لكلّ نبيٍّ من أنبياء الله أو رسولٍ من رُسُله مُعجزة على الأقلّ يتميز بها، وقد جاء ذكر بعض مُعجِزات الأنبياء في كتاب الله، بينما ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعضها الآخر في أقواله التي صحّت نسبتها إليه، أمّا باقي مُعجِزات الأنبياء التي لم يأتِ لها ذكرٌ في كتاب الله وسنة رسوله، فقد نُقِلت إلينا عن أنبياء الله بالتناقل والرواية حتى بلغت حدّ الشهرة، أما أبرز المُعجِزات التي تفرَّد بها بعض الأنبياء فمنها ما سيأتي بيانه في الفقرات الآتية:

مُعجِزة نوح عليه السّلام

بعد أن دعا نوح -عليه السّلام- قومه إلى الإيمان بالله ولم يؤمنوا به -رغم أنّه أطال العهد فيهم- حينها أمره الله -سبحانه وتعالى- بصنع سفينةٍ ليحمل فيها مَن آمن معه، وقد كانت تلك السفينة من المُعجِزات التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لنوح عليه السّلام؛ حيث كانت في حينها سابقةً لم يشهد لها الناس مثيلاً، كما أنّ لها من الخصائص ما يميّزها عن غيرها من السُّفن التي جاءت بعدها، فكيف لسفينة مثلها أن تسير في البحر تتلاطمها الأمواج دون أن تتحطّم أو تغرق، وتنجو بمن عليها من البشر والدّواب! قال تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)،[٢] ومن إعجاز تلك السفينة كذلك أنّ جميع من لم يركب فيها أغرقه الطوفان حتّى لو التجأ إلى مكانٍ بعيد اعتقد أنه سُينجيه من الطوفان، فلم ينجُ إلا من ركب السفينة ممّن آمن من قوم نوح عليه السّلام، وذلك بحدِّ ذاته إعجازٌ منقطع النظير لا يمكن تخيُّله أو حتى تصوّر الميزات التي احتوتها تلك السفينة، حتّى جعلتها غير قابلة للتحطّم أو الغرق، مع أنّها مصنوعةٌ من الأخشاب.[٣]

مُعجِزة صالح عليه السّلام

تميّز نبي الله صالح -عليه السّلام- بمُعجِزةٍ لم يُعطَ أحدٌ غيره من الناس مثلها، كغيره من أنبياء الله الذين آتاهم الله ممّا عنده من الأمور الخارقة للعادات، فقد أيّد الله -سبحانه وتعالى- نبيّه صالحاً بناقة؛ أخرجها الله لقوم صالح من الصّخر، بعد أن طلبوا منه ذلك حتى يصدّق نبوّته وما جاءهم به من عند الله، ورغم أنّ مجرد إخراج الناقة من صخرة صمّاء يُعدّ مُعجِزةً بحدّ ذاتها إلا إن تلك الناقة كانت في جميع تفاصيلها مُعجزةً؛ حيث كان من إعجازها أن خُصِّص لها شرب يوم من النبع الذي يشرب منه قوم صالح، فتشرب بقدر ما يشرب قوم صالح جميعهم، بينما كان لقومه شرب يومٍ آخر غير يوم شرب الناقة، وكان من إعجازها كذلك أن تعطيهم يوم شربها لبناً ليشربوه بقدر ما أخذت من نبعهم فيكفيهم ذلك اليوم، حتّى عقرها أحدهم بعد مؤامرةٍ دبّرها القوم لأجل ذلك، فعذّبهم الله بفعلتهم.[٤]

مُعجِزة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام

بعد أن دعا سيّدنا إبراهيم -عليه السّلام- قومه إلى عبادة الله وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام، وحاجَجَهم لأجل ذلك بكل الوسائل والسُّبل، كذّبوه وآذوه، فحطّم أصنامهم ليُثبت لهم ضعفها وقلّة حيلتها، وأنها مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع، فلمّا عجز القوم عن دفع حجج إبراهيم الكثيرة والتي توافق جميعها المنطق وتخالف ما يعتقدون، حينها أجمعوا على حرقه بالنار حتى لا تتضرّر آلهتهم التي أصبح إبراهيم يُهدّدها بدعوته الحقة، قال تعالى في وصف حالهم: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ*قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ).[٥]

ولحرق سيّدنا إبراهيم عليه السّلام، جمع قوم إبراهيم حطباً كثيراً، ثمّ جعلوا ذلك الحطب في حفرة عميقةٍ من الأرض، وأشعلوا النار فيها، فكان لهيبها مرتفعاً جداً، وشررُها من عِظمه يتطاير، ثمّ وضعوا إبراهيم -عليه السّلام- في منجنيقٍ؛ مخافة أن يصيبهم شررها أو حرُّها الشديد، وألقوه في النار، فقال حينها: (حسبي الله ونعم الوكيل)، وقد أتاه جبريل وهو في الهواء، فقال له: (ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا، وأمّا من الله فبلى)، حينها جاءت المُعجِزة الإلهيّة لإبراهيم بقول الله تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)،[٥] فلم تحرقه تلك النار على عِظَمها وشدّة حرِّها، ولم تحرق سوى وَثاقِه الذي ربطوه به، فكانت تلك المُعجِزة خرقاً لجميع الأعراف والعادات؛ إذ إنّ من الطبيعي أن تحرق النار جميع ما تلمسه أو تقترب منه، لكنها لم تؤذِ إبراهيم مجرّد إيذاء.[٦]

مُعجِزات سيّدنا موسى عليه السّلام

مُعجِزات نبيّ الله موسى -عليه السّلام- كثيرةٌ متعددة، بل إنّها أكثر من أن تُذكر، وذلك لكونه اُرسل إلى قومٍ معروفين بقوّة سحرهم، والتَّحكم بالأبصار، والتلاعب بعقول الناس، لذلك كانت مُعجِزاته تتلاءم مع القوم الذين اُرسل إليهم، أمّا أهمُّ مُعجِزات موسى عليه السّلام، فمنها ما يأتي:[٧]

  • مُعجِزة العصا: هي أبرز مُعجِزاته على الإطلاق؛ حيث كان فيها العديد من الميزات، فقد تحوّلت إلى حيّة تسعى، فتوهّم من يراها أنّها كائنٌ حيّ، كما تحولت إلى حيّة ابتلعت عصيَّ قوم فرعون وحبالهم؛ لمّا جرى بينهم وبين موسى التنافس.
  • مُعجِزة يد موسى: كانت تنقلب يد موسى -عليه السّلام- إلى بيضاء لا سوء فيها بمجرد أن يدخلها في جيبه، وقد حصل ذلك عندما ذهب إلى فرعون يدعوه إلى الإيمان بالله.
  • مُعجِزة انفلاق البحر: لما فرَّ موسى ومن معه من فرعون وجنده، ضرب موسى بعصاه البحر فانفلق إلى فلقتين، وتشكّل لهم فيه طريقٌ، فاستطاعوا النجاة من فرعون وجنده.
  • مُعجِزة الرّجز(العذاب): أنزل الله -سبحانه وتعالى- الرجز والعذاب بشتّى الأصناف على قوم فرعون؛ ليؤمنوا بموسى، وقد تنوّعت مُعجِزات الرجز، فمرّةً يأخذهم بالقحط والجدب، ومرّة بالدّم، ومرة يبعث إليهم الجراد والقُمَّل والضفادع، وغير ذلك من الآيات والمُعجِزات.

مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه السّلام

مُعجِزات نبي الله عيسى كذلك كثيرة، ولعلَّ أظهرها وأهمَّها على الإطلاق مولده بلا أبٍ وكلامه في المهد ليُخبر الناس بصدق قول أمّه مريم، ويبلغهم أنّه نبيّ الله إليهم، ومن مُعجِزاته أنّه كان يصنع من الطين طيراً ثمّ ينفخ فيه فيطير بأمر الله، وأنه كان يُبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويُنبئ الناس بما يدّخرون في بيوتهم، كما كان عيسى -عليه السّلام- يُحيي الموتى بأمر الله.[٨]

مُعجِزات سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام

إنّ معحزات نبيّ الله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- تربو على الألف كما يقول الإمام ابن قيم الجوزيّة، أمّا أعظم تلك المُعجِزات على الإطلاق فهي القرآن الكريم، وهو كلام الله التي تحدى الله بها قريش وهم أهل الفصاحة والبلاغة، فعجزوا عن الإتيان ولو بسورةٍ من مثل القرآن أو أدنى من ذلك، ومن مُعجِزات رسول الله ما حصل وانتهى، ومنها ما حصل وما زال باقياً حتى يشاء الله، فالقرآن العظيم مُعجِزة الله الخالدة والآية الباقية الدائمة، فلا يمكن أن يتغير أو يتبدَّل، أما مُعجِزات رسول الله التي انتهت فمنها:[٩]

  • ما جرى في حادثة الإسراء والمعراج، وفي هذه الحادثة وحدها عددٌ من المُعجِزات.
  • انشقاق القمر.
  • تكثير القليل من الطعام بين يدي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
  • أن ينبع الماء من بين أصابعه؛ حتى يشرب منه الجيش.
  • حنين الجذع إليه بعد أن فارقه وانتقل إلى المنبر.
  • سلام الحجر عليه في مكة.
  • شفاء المرضى بإذن الله تعالى.

المراجع

  1. ^ أ ب مها بنت عبد الرحمن الليفان، “تعريف المُعجِزة”، www.faculty.mu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  2. سورة العنكبوت، آية: 15.
  3. “سفينة نوح آية ومُعجِزة لا يقاس أمرها بالعقل المجرد”، www.fatwa.islamweb.net، 24-9-2014، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  4. “الناقة مُعجِزة صالح عليه السّلام”، www.fatwa.islamweb.net، 29-3-2006، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة الأنبياء، آية: 68-69.
  6. كرم جمعة عبدالعزيز (22-10-2014)، “قصة إلقاء إبراهيم عليه السّلام في النار”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  7. محمّد راتب النابلسي (1987-04-26)، “مُعجِزة سيّدنا موسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  8. محمّد راتب النابلسي (1987-04-19)، “مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  9. محمّد صالح المنجد (3-10-2008)، “من مُعجِزات الرسول صلى الله عليه وسلم”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

المُعجِزة

اقترن ذِكر الأنبياء عادةً مع بعض الأمور الخارقة للعادات والطبائع التي جرى العُرف على مثلها، وإنّما جاء تأييد الأنبياء والرُّسل بمثل تلك المُعجِزات من باب زيادة تصديق الناس لهم، واعتقادهم اليقينيّ بأنّهم مُرسَلون من الله -سبحانه وتعالى- خاصةً لمن آمن بهم من الناس، ولتكون حُجّةً على من لم يُصدّق ببعثهم من قبل الله، وغالباً ما تكون تلك المُعجِزات فيما اشتُهِر فيه قوم ذلك النبيّ، بحيث تكون مُعجِزة النبيّ أو الرسول خرقاً لما اعتاده قومٌ معيّنون مع بروزهم في ذلك المجال وخبرتهم فيه، ومثال ذلك مُعجِزة خاتم الأنبياء والمُرسَلين سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- التي هي القرآن الكريم، حيث كان أهل قريش يبرعون في البلاغة والفصاحة وإتقان اللغة، فكانت مُعجِزة النبيّ لهم كتاباً شديد الفصاحة والبلاغة على لسان أميٍّ منهم، ومع بلاغتهم وفصاحتهم إلا أنّهم عجزوا عن الإتيان بجزء من مثله، فما هي أهمُّ المُعجِزات التي أيَّد الله بها أنبياءه ورُسله؟

معنى المُعجِزة

المُعجزة لُغةً

المُعجِزة لُغةً مأخوذةٌ من العَجْز؛ وهو يعني التأخّر عن الشيء، والعَجْز ضدُّ القدرة، وعَجَزَت المرأة تعجِز عُجُوزاً إذا كَبُر سِنُّها، وعَجَز فلان عن فعل شيءٍ يعجز عَجْزاً وعَجَزاناً؛ أي أنّه ضعُف ولم يقدر على فعله، وقد سُمِّيت العجوز بذلك لعجزها وضعفها، وعدم قدرتها على فعل الكثير من الأفعال التي كانت تقوم بها في السابق، والعجز يدلُّ على معنيَين رئيسَين، هما: الضّعف، ومؤخّر الشيء أو آخره، والأمر المُعجِز: هو الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله، ومنه المُعجِزة، أمّا التاء في لفظ مُعجِزة فليست تأنيثاً لها، إنّما هي من باب المُبالغة في الإعجاز.[١]

المُعجزة اصطلاحاً

يمكن تعريف المُعجِزة في الاصطلاح بأنّها (أمر خارق للعادة، يظهره الله على يد مُدّعي النبوّة؛ تصديقاً له في دعواه، مقرونة بالتحدّي مع عدم المعارضة)، وتتميّز المُعجِزة عن باقي الأمور الخارقة بأنّها يجب أن تكون خارقةً للعادات، والقوانين الكونيّة الثابتة المُتعارف عليها بين الناس عموماً، ومن ذلك ما جاء على أيدي أنبياء الله عليهم السّلام، ومنها مثلاً عدم إحراق النار مع أنّها في العادة تحرق ما يصيبها، وإحياء الموتى الذين في العادة لا يحيون بعد الموت، وتحويل العصا إلى حيّة تتحرك، مع أنّ الجمادات والعصيّ في العادة لا تتحرّك.[١]

مُعجِزات الأنبياء والرُّسل

لكلّ نبيٍّ من أنبياء الله أو رسولٍ من رُسُله مُعجزة على الأقلّ يتميز بها، وقد جاء ذكر بعض مُعجِزات الأنبياء في كتاب الله، بينما ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعضها الآخر في أقواله التي صحّت نسبتها إليه، أمّا باقي مُعجِزات الأنبياء التي لم يأتِ لها ذكرٌ في كتاب الله وسنة رسوله، فقد نُقِلت إلينا عن أنبياء الله بالتناقل والرواية حتى بلغت حدّ الشهرة، أما أبرز المُعجِزات التي تفرَّد بها بعض الأنبياء فمنها ما سيأتي بيانه في الفقرات الآتية:

مُعجِزة نوح عليه السّلام

بعد أن دعا نوح -عليه السّلام- قومه إلى الإيمان بالله ولم يؤمنوا به -رغم أنّه أطال العهد فيهم- حينها أمره الله -سبحانه وتعالى- بصنع سفينةٍ ليحمل فيها مَن آمن معه، وقد كانت تلك السفينة من المُعجِزات التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لنوح عليه السّلام؛ حيث كانت في حينها سابقةً لم يشهد لها الناس مثيلاً، كما أنّ لها من الخصائص ما يميّزها عن غيرها من السُّفن التي جاءت بعدها، فكيف لسفينة مثلها أن تسير في البحر تتلاطمها الأمواج دون أن تتحطّم أو تغرق، وتنجو بمن عليها من البشر والدّواب! قال تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)،[٢] ومن إعجاز تلك السفينة كذلك أنّ جميع من لم يركب فيها أغرقه الطوفان حتّى لو التجأ إلى مكانٍ بعيد اعتقد أنه سُينجيه من الطوفان، فلم ينجُ إلا من ركب السفينة ممّن آمن من قوم نوح عليه السّلام، وذلك بحدِّ ذاته إعجازٌ منقطع النظير لا يمكن تخيُّله أو حتى تصوّر الميزات التي احتوتها تلك السفينة، حتّى جعلتها غير قابلة للتحطّم أو الغرق، مع أنّها مصنوعةٌ من الأخشاب.[٣]

مُعجِزة صالح عليه السّلام

تميّز نبي الله صالح -عليه السّلام- بمُعجِزةٍ لم يُعطَ أحدٌ غيره من الناس مثلها، كغيره من أنبياء الله الذين آتاهم الله ممّا عنده من الأمور الخارقة للعادات، فقد أيّد الله -سبحانه وتعالى- نبيّه صالحاً بناقة؛ أخرجها الله لقوم صالح من الصّخر، بعد أن طلبوا منه ذلك حتى يصدّق نبوّته وما جاءهم به من عند الله، ورغم أنّ مجرد إخراج الناقة من صخرة صمّاء يُعدّ مُعجِزةً بحدّ ذاتها إلا إن تلك الناقة كانت في جميع تفاصيلها مُعجزةً؛ حيث كان من إعجازها أن خُصِّص لها شرب يوم من النبع الذي يشرب منه قوم صالح، فتشرب بقدر ما يشرب قوم صالح جميعهم، بينما كان لقومه شرب يومٍ آخر غير يوم شرب الناقة، وكان من إعجازها كذلك أن تعطيهم يوم شربها لبناً ليشربوه بقدر ما أخذت من نبعهم فيكفيهم ذلك اليوم، حتّى عقرها أحدهم بعد مؤامرةٍ دبّرها القوم لأجل ذلك، فعذّبهم الله بفعلتهم.[٤]

مُعجِزة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام

بعد أن دعا سيّدنا إبراهيم -عليه السّلام- قومه إلى عبادة الله وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام، وحاجَجَهم لأجل ذلك بكل الوسائل والسُّبل، كذّبوه وآذوه، فحطّم أصنامهم ليُثبت لهم ضعفها وقلّة حيلتها، وأنها مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع، فلمّا عجز القوم عن دفع حجج إبراهيم الكثيرة والتي توافق جميعها المنطق وتخالف ما يعتقدون، حينها أجمعوا على حرقه بالنار حتى لا تتضرّر آلهتهم التي أصبح إبراهيم يُهدّدها بدعوته الحقة، قال تعالى في وصف حالهم: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ*قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ).[٥]

ولحرق سيّدنا إبراهيم عليه السّلام، جمع قوم إبراهيم حطباً كثيراً، ثمّ جعلوا ذلك الحطب في حفرة عميقةٍ من الأرض، وأشعلوا النار فيها، فكان لهيبها مرتفعاً جداً، وشررُها من عِظمه يتطاير، ثمّ وضعوا إبراهيم -عليه السّلام- في منجنيقٍ؛ مخافة أن يصيبهم شررها أو حرُّها الشديد، وألقوه في النار، فقال حينها: (حسبي الله ونعم الوكيل)، وقد أتاه جبريل وهو في الهواء، فقال له: (ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا، وأمّا من الله فبلى)، حينها جاءت المُعجِزة الإلهيّة لإبراهيم بقول الله تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)،[٥] فلم تحرقه تلك النار على عِظَمها وشدّة حرِّها، ولم تحرق سوى وَثاقِه الذي ربطوه به، فكانت تلك المُعجِزة خرقاً لجميع الأعراف والعادات؛ إذ إنّ من الطبيعي أن تحرق النار جميع ما تلمسه أو تقترب منه، لكنها لم تؤذِ إبراهيم مجرّد إيذاء.[٦]

مُعجِزات سيّدنا موسى عليه السّلام

مُعجِزات نبيّ الله موسى -عليه السّلام- كثيرةٌ متعددة، بل إنّها أكثر من أن تُذكر، وذلك لكونه اُرسل إلى قومٍ معروفين بقوّة سحرهم، والتَّحكم بالأبصار، والتلاعب بعقول الناس، لذلك كانت مُعجِزاته تتلاءم مع القوم الذين اُرسل إليهم، أمّا أهمُّ مُعجِزات موسى عليه السّلام، فمنها ما يأتي:[٧]

  • مُعجِزة العصا: هي أبرز مُعجِزاته على الإطلاق؛ حيث كان فيها العديد من الميزات، فقد تحوّلت إلى حيّة تسعى، فتوهّم من يراها أنّها كائنٌ حيّ، كما تحولت إلى حيّة ابتلعت عصيَّ قوم فرعون وحبالهم؛ لمّا جرى بينهم وبين موسى التنافس.
  • مُعجِزة يد موسى: كانت تنقلب يد موسى -عليه السّلام- إلى بيضاء لا سوء فيها بمجرد أن يدخلها في جيبه، وقد حصل ذلك عندما ذهب إلى فرعون يدعوه إلى الإيمان بالله.
  • مُعجِزة انفلاق البحر: لما فرَّ موسى ومن معه من فرعون وجنده، ضرب موسى بعصاه البحر فانفلق إلى فلقتين، وتشكّل لهم فيه طريقٌ، فاستطاعوا النجاة من فرعون وجنده.
  • مُعجِزة الرّجز(العذاب): أنزل الله -سبحانه وتعالى- الرجز والعذاب بشتّى الأصناف على قوم فرعون؛ ليؤمنوا بموسى، وقد تنوّعت مُعجِزات الرجز، فمرّةً يأخذهم بالقحط والجدب، ومرّة بالدّم، ومرة يبعث إليهم الجراد والقُمَّل والضفادع، وغير ذلك من الآيات والمُعجِزات.

مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه السّلام

مُعجِزات نبي الله عيسى كذلك كثيرة، ولعلَّ أظهرها وأهمَّها على الإطلاق مولده بلا أبٍ وكلامه في المهد ليُخبر الناس بصدق قول أمّه مريم، ويبلغهم أنّه نبيّ الله إليهم، ومن مُعجِزاته أنّه كان يصنع من الطين طيراً ثمّ ينفخ فيه فيطير بأمر الله، وأنه كان يُبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويُنبئ الناس بما يدّخرون في بيوتهم، كما كان عيسى -عليه السّلام- يُحيي الموتى بأمر الله.[٨]

مُعجِزات سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام

إنّ معحزات نبيّ الله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- تربو على الألف كما يقول الإمام ابن قيم الجوزيّة، أمّا أعظم تلك المُعجِزات على الإطلاق فهي القرآن الكريم، وهو كلام الله التي تحدى الله بها قريش وهم أهل الفصاحة والبلاغة، فعجزوا عن الإتيان ولو بسورةٍ من مثل القرآن أو أدنى من ذلك، ومن مُعجِزات رسول الله ما حصل وانتهى، ومنها ما حصل وما زال باقياً حتى يشاء الله، فالقرآن العظيم مُعجِزة الله الخالدة والآية الباقية الدائمة، فلا يمكن أن يتغير أو يتبدَّل، أما مُعجِزات رسول الله التي انتهت فمنها:[٩]

  • ما جرى في حادثة الإسراء والمعراج، وفي هذه الحادثة وحدها عددٌ من المُعجِزات.
  • انشقاق القمر.
  • تكثير القليل من الطعام بين يدي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
  • أن ينبع الماء من بين أصابعه؛ حتى يشرب منه الجيش.
  • حنين الجذع إليه بعد أن فارقه وانتقل إلى المنبر.
  • سلام الحجر عليه في مكة.
  • شفاء المرضى بإذن الله تعالى.

المراجع

  1. ^ أ ب مها بنت عبد الرحمن الليفان، “تعريف المُعجِزة”، www.faculty.mu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  2. سورة العنكبوت، آية: 15.
  3. “سفينة نوح آية ومُعجِزة لا يقاس أمرها بالعقل المجرد”، www.fatwa.islamweb.net، 24-9-2014، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  4. “الناقة مُعجِزة صالح عليه السّلام”، www.fatwa.islamweb.net، 29-3-2006، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة الأنبياء، آية: 68-69.
  6. كرم جمعة عبدالعزيز (22-10-2014)، “قصة إلقاء إبراهيم عليه السّلام في النار”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  7. محمّد راتب النابلسي (1987-04-26)، “مُعجِزة سيّدنا موسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  8. محمّد راتب النابلسي (1987-04-19)، “مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  9. محمّد صالح المنجد (3-10-2008)، “من مُعجِزات الرسول صلى الله عليه وسلم”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

المُعجِزة

اقترن ذِكر الأنبياء عادةً مع بعض الأمور الخارقة للعادات والطبائع التي جرى العُرف على مثلها، وإنّما جاء تأييد الأنبياء والرُّسل بمثل تلك المُعجِزات من باب زيادة تصديق الناس لهم، واعتقادهم اليقينيّ بأنّهم مُرسَلون من الله -سبحانه وتعالى- خاصةً لمن آمن بهم من الناس، ولتكون حُجّةً على من لم يُصدّق ببعثهم من قبل الله، وغالباً ما تكون تلك المُعجِزات فيما اشتُهِر فيه قوم ذلك النبيّ، بحيث تكون مُعجِزة النبيّ أو الرسول خرقاً لما اعتاده قومٌ معيّنون مع بروزهم في ذلك المجال وخبرتهم فيه، ومثال ذلك مُعجِزة خاتم الأنبياء والمُرسَلين سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- التي هي القرآن الكريم، حيث كان أهل قريش يبرعون في البلاغة والفصاحة وإتقان اللغة، فكانت مُعجِزة النبيّ لهم كتاباً شديد الفصاحة والبلاغة على لسان أميٍّ منهم، ومع بلاغتهم وفصاحتهم إلا أنّهم عجزوا عن الإتيان بجزء من مثله، فما هي أهمُّ المُعجِزات التي أيَّد الله بها أنبياءه ورُسله؟

معنى المُعجِزة

المُعجزة لُغةً

المُعجِزة لُغةً مأخوذةٌ من العَجْز؛ وهو يعني التأخّر عن الشيء، والعَجْز ضدُّ القدرة، وعَجَزَت المرأة تعجِز عُجُوزاً إذا كَبُر سِنُّها، وعَجَز فلان عن فعل شيءٍ يعجز عَجْزاً وعَجَزاناً؛ أي أنّه ضعُف ولم يقدر على فعله، وقد سُمِّيت العجوز بذلك لعجزها وضعفها، وعدم قدرتها على فعل الكثير من الأفعال التي كانت تقوم بها في السابق، والعجز يدلُّ على معنيَين رئيسَين، هما: الضّعف، ومؤخّر الشيء أو آخره، والأمر المُعجِز: هو الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله، ومنه المُعجِزة، أمّا التاء في لفظ مُعجِزة فليست تأنيثاً لها، إنّما هي من باب المُبالغة في الإعجاز.[١]

المُعجزة اصطلاحاً

يمكن تعريف المُعجِزة في الاصطلاح بأنّها (أمر خارق للعادة، يظهره الله على يد مُدّعي النبوّة؛ تصديقاً له في دعواه، مقرونة بالتحدّي مع عدم المعارضة)، وتتميّز المُعجِزة عن باقي الأمور الخارقة بأنّها يجب أن تكون خارقةً للعادات، والقوانين الكونيّة الثابتة المُتعارف عليها بين الناس عموماً، ومن ذلك ما جاء على أيدي أنبياء الله عليهم السّلام، ومنها مثلاً عدم إحراق النار مع أنّها في العادة تحرق ما يصيبها، وإحياء الموتى الذين في العادة لا يحيون بعد الموت، وتحويل العصا إلى حيّة تتحرك، مع أنّ الجمادات والعصيّ في العادة لا تتحرّك.[١]

مُعجِزات الأنبياء والرُّسل

لكلّ نبيٍّ من أنبياء الله أو رسولٍ من رُسُله مُعجزة على الأقلّ يتميز بها، وقد جاء ذكر بعض مُعجِزات الأنبياء في كتاب الله، بينما ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعضها الآخر في أقواله التي صحّت نسبتها إليه، أمّا باقي مُعجِزات الأنبياء التي لم يأتِ لها ذكرٌ في كتاب الله وسنة رسوله، فقد نُقِلت إلينا عن أنبياء الله بالتناقل والرواية حتى بلغت حدّ الشهرة، أما أبرز المُعجِزات التي تفرَّد بها بعض الأنبياء فمنها ما سيأتي بيانه في الفقرات الآتية:

مُعجِزة نوح عليه السّلام

بعد أن دعا نوح -عليه السّلام- قومه إلى الإيمان بالله ولم يؤمنوا به -رغم أنّه أطال العهد فيهم- حينها أمره الله -سبحانه وتعالى- بصنع سفينةٍ ليحمل فيها مَن آمن معه، وقد كانت تلك السفينة من المُعجِزات التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لنوح عليه السّلام؛ حيث كانت في حينها سابقةً لم يشهد لها الناس مثيلاً، كما أنّ لها من الخصائص ما يميّزها عن غيرها من السُّفن التي جاءت بعدها، فكيف لسفينة مثلها أن تسير في البحر تتلاطمها الأمواج دون أن تتحطّم أو تغرق، وتنجو بمن عليها من البشر والدّواب! قال تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)،[٢] ومن إعجاز تلك السفينة كذلك أنّ جميع من لم يركب فيها أغرقه الطوفان حتّى لو التجأ إلى مكانٍ بعيد اعتقد أنه سُينجيه من الطوفان، فلم ينجُ إلا من ركب السفينة ممّن آمن من قوم نوح عليه السّلام، وذلك بحدِّ ذاته إعجازٌ منقطع النظير لا يمكن تخيُّله أو حتى تصوّر الميزات التي احتوتها تلك السفينة، حتّى جعلتها غير قابلة للتحطّم أو الغرق، مع أنّها مصنوعةٌ من الأخشاب.[٣]

مُعجِزة صالح عليه السّلام

تميّز نبي الله صالح -عليه السّلام- بمُعجِزةٍ لم يُعطَ أحدٌ غيره من الناس مثلها، كغيره من أنبياء الله الذين آتاهم الله ممّا عنده من الأمور الخارقة للعادات، فقد أيّد الله -سبحانه وتعالى- نبيّه صالحاً بناقة؛ أخرجها الله لقوم صالح من الصّخر، بعد أن طلبوا منه ذلك حتى يصدّق نبوّته وما جاءهم به من عند الله، ورغم أنّ مجرد إخراج الناقة من صخرة صمّاء يُعدّ مُعجِزةً بحدّ ذاتها إلا إن تلك الناقة كانت في جميع تفاصيلها مُعجزةً؛ حيث كان من إعجازها أن خُصِّص لها شرب يوم من النبع الذي يشرب منه قوم صالح، فتشرب بقدر ما يشرب قوم صالح جميعهم، بينما كان لقومه شرب يومٍ آخر غير يوم شرب الناقة، وكان من إعجازها كذلك أن تعطيهم يوم شربها لبناً ليشربوه بقدر ما أخذت من نبعهم فيكفيهم ذلك اليوم، حتّى عقرها أحدهم بعد مؤامرةٍ دبّرها القوم لأجل ذلك، فعذّبهم الله بفعلتهم.[٤]

مُعجِزة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام

بعد أن دعا سيّدنا إبراهيم -عليه السّلام- قومه إلى عبادة الله وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام، وحاجَجَهم لأجل ذلك بكل الوسائل والسُّبل، كذّبوه وآذوه، فحطّم أصنامهم ليُثبت لهم ضعفها وقلّة حيلتها، وأنها مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع، فلمّا عجز القوم عن دفع حجج إبراهيم الكثيرة والتي توافق جميعها المنطق وتخالف ما يعتقدون، حينها أجمعوا على حرقه بالنار حتى لا تتضرّر آلهتهم التي أصبح إبراهيم يُهدّدها بدعوته الحقة، قال تعالى في وصف حالهم: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ*قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ).[٥]

ولحرق سيّدنا إبراهيم عليه السّلام، جمع قوم إبراهيم حطباً كثيراً، ثمّ جعلوا ذلك الحطب في حفرة عميقةٍ من الأرض، وأشعلوا النار فيها، فكان لهيبها مرتفعاً جداً، وشررُها من عِظمه يتطاير، ثمّ وضعوا إبراهيم -عليه السّلام- في منجنيقٍ؛ مخافة أن يصيبهم شررها أو حرُّها الشديد، وألقوه في النار، فقال حينها: (حسبي الله ونعم الوكيل)، وقد أتاه جبريل وهو في الهواء، فقال له: (ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا، وأمّا من الله فبلى)، حينها جاءت المُعجِزة الإلهيّة لإبراهيم بقول الله تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)،[٥] فلم تحرقه تلك النار على عِظَمها وشدّة حرِّها، ولم تحرق سوى وَثاقِه الذي ربطوه به، فكانت تلك المُعجِزة خرقاً لجميع الأعراف والعادات؛ إذ إنّ من الطبيعي أن تحرق النار جميع ما تلمسه أو تقترب منه، لكنها لم تؤذِ إبراهيم مجرّد إيذاء.[٦]

مُعجِزات سيّدنا موسى عليه السّلام

مُعجِزات نبيّ الله موسى -عليه السّلام- كثيرةٌ متعددة، بل إنّها أكثر من أن تُذكر، وذلك لكونه اُرسل إلى قومٍ معروفين بقوّة سحرهم، والتَّحكم بالأبصار، والتلاعب بعقول الناس، لذلك كانت مُعجِزاته تتلاءم مع القوم الذين اُرسل إليهم، أمّا أهمُّ مُعجِزات موسى عليه السّلام، فمنها ما يأتي:[٧]

  • مُعجِزة العصا: هي أبرز مُعجِزاته على الإطلاق؛ حيث كان فيها العديد من الميزات، فقد تحوّلت إلى حيّة تسعى، فتوهّم من يراها أنّها كائنٌ حيّ، كما تحولت إلى حيّة ابتلعت عصيَّ قوم فرعون وحبالهم؛ لمّا جرى بينهم وبين موسى التنافس.
  • مُعجِزة يد موسى: كانت تنقلب يد موسى -عليه السّلام- إلى بيضاء لا سوء فيها بمجرد أن يدخلها في جيبه، وقد حصل ذلك عندما ذهب إلى فرعون يدعوه إلى الإيمان بالله.
  • مُعجِزة انفلاق البحر: لما فرَّ موسى ومن معه من فرعون وجنده، ضرب موسى بعصاه البحر فانفلق إلى فلقتين، وتشكّل لهم فيه طريقٌ، فاستطاعوا النجاة من فرعون وجنده.
  • مُعجِزة الرّجز(العذاب): أنزل الله -سبحانه وتعالى- الرجز والعذاب بشتّى الأصناف على قوم فرعون؛ ليؤمنوا بموسى، وقد تنوّعت مُعجِزات الرجز، فمرّةً يأخذهم بالقحط والجدب، ومرّة بالدّم، ومرة يبعث إليهم الجراد والقُمَّل والضفادع، وغير ذلك من الآيات والمُعجِزات.

مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه السّلام

مُعجِزات نبي الله عيسى كذلك كثيرة، ولعلَّ أظهرها وأهمَّها على الإطلاق مولده بلا أبٍ وكلامه في المهد ليُخبر الناس بصدق قول أمّه مريم، ويبلغهم أنّه نبيّ الله إليهم، ومن مُعجِزاته أنّه كان يصنع من الطين طيراً ثمّ ينفخ فيه فيطير بأمر الله، وأنه كان يُبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويُنبئ الناس بما يدّخرون في بيوتهم، كما كان عيسى -عليه السّلام- يُحيي الموتى بأمر الله.[٨]

مُعجِزات سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام

إنّ معحزات نبيّ الله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- تربو على الألف كما يقول الإمام ابن قيم الجوزيّة، أمّا أعظم تلك المُعجِزات على الإطلاق فهي القرآن الكريم، وهو كلام الله التي تحدى الله بها قريش وهم أهل الفصاحة والبلاغة، فعجزوا عن الإتيان ولو بسورةٍ من مثل القرآن أو أدنى من ذلك، ومن مُعجِزات رسول الله ما حصل وانتهى، ومنها ما حصل وما زال باقياً حتى يشاء الله، فالقرآن العظيم مُعجِزة الله الخالدة والآية الباقية الدائمة، فلا يمكن أن يتغير أو يتبدَّل، أما مُعجِزات رسول الله التي انتهت فمنها:[٩]

  • ما جرى في حادثة الإسراء والمعراج، وفي هذه الحادثة وحدها عددٌ من المُعجِزات.
  • انشقاق القمر.
  • تكثير القليل من الطعام بين يدي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
  • أن ينبع الماء من بين أصابعه؛ حتى يشرب منه الجيش.
  • حنين الجذع إليه بعد أن فارقه وانتقل إلى المنبر.
  • سلام الحجر عليه في مكة.
  • شفاء المرضى بإذن الله تعالى.

المراجع

  1. ^ أ ب مها بنت عبد الرحمن الليفان، “تعريف المُعجِزة”، www.faculty.mu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  2. سورة العنكبوت، آية: 15.
  3. “سفينة نوح آية ومُعجِزة لا يقاس أمرها بالعقل المجرد”، www.fatwa.islamweb.net، 24-9-2014، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  4. “الناقة مُعجِزة صالح عليه السّلام”، www.fatwa.islamweb.net، 29-3-2006، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة الأنبياء، آية: 68-69.
  6. كرم جمعة عبدالعزيز (22-10-2014)، “قصة إلقاء إبراهيم عليه السّلام في النار”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  7. محمّد راتب النابلسي (1987-04-26)، “مُعجِزة سيّدنا موسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  8. محمّد راتب النابلسي (1987-04-19)، “مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  9. محمّد صالح المنجد (3-10-2008)، “من مُعجِزات الرسول صلى الله عليه وسلم”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

المُعجِزة

اقترن ذِكر الأنبياء عادةً مع بعض الأمور الخارقة للعادات والطبائع التي جرى العُرف على مثلها، وإنّما جاء تأييد الأنبياء والرُّسل بمثل تلك المُعجِزات من باب زيادة تصديق الناس لهم، واعتقادهم اليقينيّ بأنّهم مُرسَلون من الله -سبحانه وتعالى- خاصةً لمن آمن بهم من الناس، ولتكون حُجّةً على من لم يُصدّق ببعثهم من قبل الله، وغالباً ما تكون تلك المُعجِزات فيما اشتُهِر فيه قوم ذلك النبيّ، بحيث تكون مُعجِزة النبيّ أو الرسول خرقاً لما اعتاده قومٌ معيّنون مع بروزهم في ذلك المجال وخبرتهم فيه، ومثال ذلك مُعجِزة خاتم الأنبياء والمُرسَلين سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- التي هي القرآن الكريم، حيث كان أهل قريش يبرعون في البلاغة والفصاحة وإتقان اللغة، فكانت مُعجِزة النبيّ لهم كتاباً شديد الفصاحة والبلاغة على لسان أميٍّ منهم، ومع بلاغتهم وفصاحتهم إلا أنّهم عجزوا عن الإتيان بجزء من مثله، فما هي أهمُّ المُعجِزات التي أيَّد الله بها أنبياءه ورُسله؟

معنى المُعجِزة

المُعجزة لُغةً

المُعجِزة لُغةً مأخوذةٌ من العَجْز؛ وهو يعني التأخّر عن الشيء، والعَجْز ضدُّ القدرة، وعَجَزَت المرأة تعجِز عُجُوزاً إذا كَبُر سِنُّها، وعَجَز فلان عن فعل شيءٍ يعجز عَجْزاً وعَجَزاناً؛ أي أنّه ضعُف ولم يقدر على فعله، وقد سُمِّيت العجوز بذلك لعجزها وضعفها، وعدم قدرتها على فعل الكثير من الأفعال التي كانت تقوم بها في السابق، والعجز يدلُّ على معنيَين رئيسَين، هما: الضّعف، ومؤخّر الشيء أو آخره، والأمر المُعجِز: هو الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله، ومنه المُعجِزة، أمّا التاء في لفظ مُعجِزة فليست تأنيثاً لها، إنّما هي من باب المُبالغة في الإعجاز.[١]

المُعجزة اصطلاحاً

يمكن تعريف المُعجِزة في الاصطلاح بأنّها (أمر خارق للعادة، يظهره الله على يد مُدّعي النبوّة؛ تصديقاً له في دعواه، مقرونة بالتحدّي مع عدم المعارضة)، وتتميّز المُعجِزة عن باقي الأمور الخارقة بأنّها يجب أن تكون خارقةً للعادات، والقوانين الكونيّة الثابتة المُتعارف عليها بين الناس عموماً، ومن ذلك ما جاء على أيدي أنبياء الله عليهم السّلام، ومنها مثلاً عدم إحراق النار مع أنّها في العادة تحرق ما يصيبها، وإحياء الموتى الذين في العادة لا يحيون بعد الموت، وتحويل العصا إلى حيّة تتحرك، مع أنّ الجمادات والعصيّ في العادة لا تتحرّك.[١]

مُعجِزات الأنبياء والرُّسل

لكلّ نبيٍّ من أنبياء الله أو رسولٍ من رُسُله مُعجزة على الأقلّ يتميز بها، وقد جاء ذكر بعض مُعجِزات الأنبياء في كتاب الله، بينما ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعضها الآخر في أقواله التي صحّت نسبتها إليه، أمّا باقي مُعجِزات الأنبياء التي لم يأتِ لها ذكرٌ في كتاب الله وسنة رسوله، فقد نُقِلت إلينا عن أنبياء الله بالتناقل والرواية حتى بلغت حدّ الشهرة، أما أبرز المُعجِزات التي تفرَّد بها بعض الأنبياء فمنها ما سيأتي بيانه في الفقرات الآتية:

مُعجِزة نوح عليه السّلام

بعد أن دعا نوح -عليه السّلام- قومه إلى الإيمان بالله ولم يؤمنوا به -رغم أنّه أطال العهد فيهم- حينها أمره الله -سبحانه وتعالى- بصنع سفينةٍ ليحمل فيها مَن آمن معه، وقد كانت تلك السفينة من المُعجِزات التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لنوح عليه السّلام؛ حيث كانت في حينها سابقةً لم يشهد لها الناس مثيلاً، كما أنّ لها من الخصائص ما يميّزها عن غيرها من السُّفن التي جاءت بعدها، فكيف لسفينة مثلها أن تسير في البحر تتلاطمها الأمواج دون أن تتحطّم أو تغرق، وتنجو بمن عليها من البشر والدّواب! قال تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)،[٢] ومن إعجاز تلك السفينة كذلك أنّ جميع من لم يركب فيها أغرقه الطوفان حتّى لو التجأ إلى مكانٍ بعيد اعتقد أنه سُينجيه من الطوفان، فلم ينجُ إلا من ركب السفينة ممّن آمن من قوم نوح عليه السّلام، وذلك بحدِّ ذاته إعجازٌ منقطع النظير لا يمكن تخيُّله أو حتى تصوّر الميزات التي احتوتها تلك السفينة، حتّى جعلتها غير قابلة للتحطّم أو الغرق، مع أنّها مصنوعةٌ من الأخشاب.[٣]

مُعجِزة صالح عليه السّلام

تميّز نبي الله صالح -عليه السّلام- بمُعجِزةٍ لم يُعطَ أحدٌ غيره من الناس مثلها، كغيره من أنبياء الله الذين آتاهم الله ممّا عنده من الأمور الخارقة للعادات، فقد أيّد الله -سبحانه وتعالى- نبيّه صالحاً بناقة؛ أخرجها الله لقوم صالح من الصّخر، بعد أن طلبوا منه ذلك حتى يصدّق نبوّته وما جاءهم به من عند الله، ورغم أنّ مجرد إخراج الناقة من صخرة صمّاء يُعدّ مُعجِزةً بحدّ ذاتها إلا إن تلك الناقة كانت في جميع تفاصيلها مُعجزةً؛ حيث كان من إعجازها أن خُصِّص لها شرب يوم من النبع الذي يشرب منه قوم صالح، فتشرب بقدر ما يشرب قوم صالح جميعهم، بينما كان لقومه شرب يومٍ آخر غير يوم شرب الناقة، وكان من إعجازها كذلك أن تعطيهم يوم شربها لبناً ليشربوه بقدر ما أخذت من نبعهم فيكفيهم ذلك اليوم، حتّى عقرها أحدهم بعد مؤامرةٍ دبّرها القوم لأجل ذلك، فعذّبهم الله بفعلتهم.[٤]

مُعجِزة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام

بعد أن دعا سيّدنا إبراهيم -عليه السّلام- قومه إلى عبادة الله وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام، وحاجَجَهم لأجل ذلك بكل الوسائل والسُّبل، كذّبوه وآذوه، فحطّم أصنامهم ليُثبت لهم ضعفها وقلّة حيلتها، وأنها مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع، فلمّا عجز القوم عن دفع حجج إبراهيم الكثيرة والتي توافق جميعها المنطق وتخالف ما يعتقدون، حينها أجمعوا على حرقه بالنار حتى لا تتضرّر آلهتهم التي أصبح إبراهيم يُهدّدها بدعوته الحقة، قال تعالى في وصف حالهم: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ*قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ).[٥]

ولحرق سيّدنا إبراهيم عليه السّلام، جمع قوم إبراهيم حطباً كثيراً، ثمّ جعلوا ذلك الحطب في حفرة عميقةٍ من الأرض، وأشعلوا النار فيها، فكان لهيبها مرتفعاً جداً، وشررُها من عِظمه يتطاير، ثمّ وضعوا إبراهيم -عليه السّلام- في منجنيقٍ؛ مخافة أن يصيبهم شررها أو حرُّها الشديد، وألقوه في النار، فقال حينها: (حسبي الله ونعم الوكيل)، وقد أتاه جبريل وهو في الهواء، فقال له: (ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا، وأمّا من الله فبلى)، حينها جاءت المُعجِزة الإلهيّة لإبراهيم بقول الله تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)،[٥] فلم تحرقه تلك النار على عِظَمها وشدّة حرِّها، ولم تحرق سوى وَثاقِه الذي ربطوه به، فكانت تلك المُعجِزة خرقاً لجميع الأعراف والعادات؛ إذ إنّ من الطبيعي أن تحرق النار جميع ما تلمسه أو تقترب منه، لكنها لم تؤذِ إبراهيم مجرّد إيذاء.[٦]

مُعجِزات سيّدنا موسى عليه السّلام

مُعجِزات نبيّ الله موسى -عليه السّلام- كثيرةٌ متعددة، بل إنّها أكثر من أن تُذكر، وذلك لكونه اُرسل إلى قومٍ معروفين بقوّة سحرهم، والتَّحكم بالأبصار، والتلاعب بعقول الناس، لذلك كانت مُعجِزاته تتلاءم مع القوم الذين اُرسل إليهم، أمّا أهمُّ مُعجِزات موسى عليه السّلام، فمنها ما يأتي:[٧]

  • مُعجِزة العصا: هي أبرز مُعجِزاته على الإطلاق؛ حيث كان فيها العديد من الميزات، فقد تحوّلت إلى حيّة تسعى، فتوهّم من يراها أنّها كائنٌ حيّ، كما تحولت إلى حيّة ابتلعت عصيَّ قوم فرعون وحبالهم؛ لمّا جرى بينهم وبين موسى التنافس.
  • مُعجِزة يد موسى: كانت تنقلب يد موسى -عليه السّلام- إلى بيضاء لا سوء فيها بمجرد أن يدخلها في جيبه، وقد حصل ذلك عندما ذهب إلى فرعون يدعوه إلى الإيمان بالله.
  • مُعجِزة انفلاق البحر: لما فرَّ موسى ومن معه من فرعون وجنده، ضرب موسى بعصاه البحر فانفلق إلى فلقتين، وتشكّل لهم فيه طريقٌ، فاستطاعوا النجاة من فرعون وجنده.
  • مُعجِزة الرّجز(العذاب): أنزل الله -سبحانه وتعالى- الرجز والعذاب بشتّى الأصناف على قوم فرعون؛ ليؤمنوا بموسى، وقد تنوّعت مُعجِزات الرجز، فمرّةً يأخذهم بالقحط والجدب، ومرّة بالدّم، ومرة يبعث إليهم الجراد والقُمَّل والضفادع، وغير ذلك من الآيات والمُعجِزات.

مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه السّلام

مُعجِزات نبي الله عيسى كذلك كثيرة، ولعلَّ أظهرها وأهمَّها على الإطلاق مولده بلا أبٍ وكلامه في المهد ليُخبر الناس بصدق قول أمّه مريم، ويبلغهم أنّه نبيّ الله إليهم، ومن مُعجِزاته أنّه كان يصنع من الطين طيراً ثمّ ينفخ فيه فيطير بأمر الله، وأنه كان يُبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويُنبئ الناس بما يدّخرون في بيوتهم، كما كان عيسى -عليه السّلام- يُحيي الموتى بأمر الله.[٨]

مُعجِزات سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام

إنّ معحزات نبيّ الله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- تربو على الألف كما يقول الإمام ابن قيم الجوزيّة، أمّا أعظم تلك المُعجِزات على الإطلاق فهي القرآن الكريم، وهو كلام الله التي تحدى الله بها قريش وهم أهل الفصاحة والبلاغة، فعجزوا عن الإتيان ولو بسورةٍ من مثل القرآن أو أدنى من ذلك، ومن مُعجِزات رسول الله ما حصل وانتهى، ومنها ما حصل وما زال باقياً حتى يشاء الله، فالقرآن العظيم مُعجِزة الله الخالدة والآية الباقية الدائمة، فلا يمكن أن يتغير أو يتبدَّل، أما مُعجِزات رسول الله التي انتهت فمنها:[٩]

  • ما جرى في حادثة الإسراء والمعراج، وفي هذه الحادثة وحدها عددٌ من المُعجِزات.
  • انشقاق القمر.
  • تكثير القليل من الطعام بين يدي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
  • أن ينبع الماء من بين أصابعه؛ حتى يشرب منه الجيش.
  • حنين الجذع إليه بعد أن فارقه وانتقل إلى المنبر.
  • سلام الحجر عليه في مكة.
  • شفاء المرضى بإذن الله تعالى.

المراجع

  1. ^ أ ب مها بنت عبد الرحمن الليفان، “تعريف المُعجِزة”، www.faculty.mu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  2. سورة العنكبوت، آية: 15.
  3. “سفينة نوح آية ومُعجِزة لا يقاس أمرها بالعقل المجرد”، www.fatwa.islamweb.net، 24-9-2014، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  4. “الناقة مُعجِزة صالح عليه السّلام”، www.fatwa.islamweb.net، 29-3-2006، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة الأنبياء، آية: 68-69.
  6. كرم جمعة عبدالعزيز (22-10-2014)، “قصة إلقاء إبراهيم عليه السّلام في النار”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  7. محمّد راتب النابلسي (1987-04-26)، “مُعجِزة سيّدنا موسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  8. محمّد راتب النابلسي (1987-04-19)، “مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  9. محمّد صالح المنجد (3-10-2008)، “من مُعجِزات الرسول صلى الله عليه وسلم”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

المُعجِزة

اقترن ذِكر الأنبياء عادةً مع بعض الأمور الخارقة للعادات والطبائع التي جرى العُرف على مثلها، وإنّما جاء تأييد الأنبياء والرُّسل بمثل تلك المُعجِزات من باب زيادة تصديق الناس لهم، واعتقادهم اليقينيّ بأنّهم مُرسَلون من الله -سبحانه وتعالى- خاصةً لمن آمن بهم من الناس، ولتكون حُجّةً على من لم يُصدّق ببعثهم من قبل الله، وغالباً ما تكون تلك المُعجِزات فيما اشتُهِر فيه قوم ذلك النبيّ، بحيث تكون مُعجِزة النبيّ أو الرسول خرقاً لما اعتاده قومٌ معيّنون مع بروزهم في ذلك المجال وخبرتهم فيه، ومثال ذلك مُعجِزة خاتم الأنبياء والمُرسَلين سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- التي هي القرآن الكريم، حيث كان أهل قريش يبرعون في البلاغة والفصاحة وإتقان اللغة، فكانت مُعجِزة النبيّ لهم كتاباً شديد الفصاحة والبلاغة على لسان أميٍّ منهم، ومع بلاغتهم وفصاحتهم إلا أنّهم عجزوا عن الإتيان بجزء من مثله، فما هي أهمُّ المُعجِزات التي أيَّد الله بها أنبياءه ورُسله؟

معنى المُعجِزة

المُعجزة لُغةً

المُعجِزة لُغةً مأخوذةٌ من العَجْز؛ وهو يعني التأخّر عن الشيء، والعَجْز ضدُّ القدرة، وعَجَزَت المرأة تعجِز عُجُوزاً إذا كَبُر سِنُّها، وعَجَز فلان عن فعل شيءٍ يعجز عَجْزاً وعَجَزاناً؛ أي أنّه ضعُف ولم يقدر على فعله، وقد سُمِّيت العجوز بذلك لعجزها وضعفها، وعدم قدرتها على فعل الكثير من الأفعال التي كانت تقوم بها في السابق، والعجز يدلُّ على معنيَين رئيسَين، هما: الضّعف، ومؤخّر الشيء أو آخره، والأمر المُعجِز: هو الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله، ومنه المُعجِزة، أمّا التاء في لفظ مُعجِزة فليست تأنيثاً لها، إنّما هي من باب المُبالغة في الإعجاز.[١]

المُعجزة اصطلاحاً

يمكن تعريف المُعجِزة في الاصطلاح بأنّها (أمر خارق للعادة، يظهره الله على يد مُدّعي النبوّة؛ تصديقاً له في دعواه، مقرونة بالتحدّي مع عدم المعارضة)، وتتميّز المُعجِزة عن باقي الأمور الخارقة بأنّها يجب أن تكون خارقةً للعادات، والقوانين الكونيّة الثابتة المُتعارف عليها بين الناس عموماً، ومن ذلك ما جاء على أيدي أنبياء الله عليهم السّلام، ومنها مثلاً عدم إحراق النار مع أنّها في العادة تحرق ما يصيبها، وإحياء الموتى الذين في العادة لا يحيون بعد الموت، وتحويل العصا إلى حيّة تتحرك، مع أنّ الجمادات والعصيّ في العادة لا تتحرّك.[١]

مُعجِزات الأنبياء والرُّسل

لكلّ نبيٍّ من أنبياء الله أو رسولٍ من رُسُله مُعجزة على الأقلّ يتميز بها، وقد جاء ذكر بعض مُعجِزات الأنبياء في كتاب الله، بينما ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعضها الآخر في أقواله التي صحّت نسبتها إليه، أمّا باقي مُعجِزات الأنبياء التي لم يأتِ لها ذكرٌ في كتاب الله وسنة رسوله، فقد نُقِلت إلينا عن أنبياء الله بالتناقل والرواية حتى بلغت حدّ الشهرة، أما أبرز المُعجِزات التي تفرَّد بها بعض الأنبياء فمنها ما سيأتي بيانه في الفقرات الآتية:

مُعجِزة نوح عليه السّلام

بعد أن دعا نوح -عليه السّلام- قومه إلى الإيمان بالله ولم يؤمنوا به -رغم أنّه أطال العهد فيهم- حينها أمره الله -سبحانه وتعالى- بصنع سفينةٍ ليحمل فيها مَن آمن معه، وقد كانت تلك السفينة من المُعجِزات التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لنوح عليه السّلام؛ حيث كانت في حينها سابقةً لم يشهد لها الناس مثيلاً، كما أنّ لها من الخصائص ما يميّزها عن غيرها من السُّفن التي جاءت بعدها، فكيف لسفينة مثلها أن تسير في البحر تتلاطمها الأمواج دون أن تتحطّم أو تغرق، وتنجو بمن عليها من البشر والدّواب! قال تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)،[٢] ومن إعجاز تلك السفينة كذلك أنّ جميع من لم يركب فيها أغرقه الطوفان حتّى لو التجأ إلى مكانٍ بعيد اعتقد أنه سُينجيه من الطوفان، فلم ينجُ إلا من ركب السفينة ممّن آمن من قوم نوح عليه السّلام، وذلك بحدِّ ذاته إعجازٌ منقطع النظير لا يمكن تخيُّله أو حتى تصوّر الميزات التي احتوتها تلك السفينة، حتّى جعلتها غير قابلة للتحطّم أو الغرق، مع أنّها مصنوعةٌ من الأخشاب.[٣]

مُعجِزة صالح عليه السّلام

تميّز نبي الله صالح -عليه السّلام- بمُعجِزةٍ لم يُعطَ أحدٌ غيره من الناس مثلها، كغيره من أنبياء الله الذين آتاهم الله ممّا عنده من الأمور الخارقة للعادات، فقد أيّد الله -سبحانه وتعالى- نبيّه صالحاً بناقة؛ أخرجها الله لقوم صالح من الصّخر، بعد أن طلبوا منه ذلك حتى يصدّق نبوّته وما جاءهم به من عند الله، ورغم أنّ مجرد إخراج الناقة من صخرة صمّاء يُعدّ مُعجِزةً بحدّ ذاتها إلا إن تلك الناقة كانت في جميع تفاصيلها مُعجزةً؛ حيث كان من إعجازها أن خُصِّص لها شرب يوم من النبع الذي يشرب منه قوم صالح، فتشرب بقدر ما يشرب قوم صالح جميعهم، بينما كان لقومه شرب يومٍ آخر غير يوم شرب الناقة، وكان من إعجازها كذلك أن تعطيهم يوم شربها لبناً ليشربوه بقدر ما أخذت من نبعهم فيكفيهم ذلك اليوم، حتّى عقرها أحدهم بعد مؤامرةٍ دبّرها القوم لأجل ذلك، فعذّبهم الله بفعلتهم.[٤]

مُعجِزة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام

بعد أن دعا سيّدنا إبراهيم -عليه السّلام- قومه إلى عبادة الله وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام، وحاجَجَهم لأجل ذلك بكل الوسائل والسُّبل، كذّبوه وآذوه، فحطّم أصنامهم ليُثبت لهم ضعفها وقلّة حيلتها، وأنها مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع، فلمّا عجز القوم عن دفع حجج إبراهيم الكثيرة والتي توافق جميعها المنطق وتخالف ما يعتقدون، حينها أجمعوا على حرقه بالنار حتى لا تتضرّر آلهتهم التي أصبح إبراهيم يُهدّدها بدعوته الحقة، قال تعالى في وصف حالهم: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ*قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ).[٥]

ولحرق سيّدنا إبراهيم عليه السّلام، جمع قوم إبراهيم حطباً كثيراً، ثمّ جعلوا ذلك الحطب في حفرة عميقةٍ من الأرض، وأشعلوا النار فيها، فكان لهيبها مرتفعاً جداً، وشررُها من عِظمه يتطاير، ثمّ وضعوا إبراهيم -عليه السّلام- في منجنيقٍ؛ مخافة أن يصيبهم شررها أو حرُّها الشديد، وألقوه في النار، فقال حينها: (حسبي الله ونعم الوكيل)، وقد أتاه جبريل وهو في الهواء، فقال له: (ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا، وأمّا من الله فبلى)، حينها جاءت المُعجِزة الإلهيّة لإبراهيم بقول الله تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)،[٥] فلم تحرقه تلك النار على عِظَمها وشدّة حرِّها، ولم تحرق سوى وَثاقِه الذي ربطوه به، فكانت تلك المُعجِزة خرقاً لجميع الأعراف والعادات؛ إذ إنّ من الطبيعي أن تحرق النار جميع ما تلمسه أو تقترب منه، لكنها لم تؤذِ إبراهيم مجرّد إيذاء.[٦]

مُعجِزات سيّدنا موسى عليه السّلام

مُعجِزات نبيّ الله موسى -عليه السّلام- كثيرةٌ متعددة، بل إنّها أكثر من أن تُذكر، وذلك لكونه اُرسل إلى قومٍ معروفين بقوّة سحرهم، والتَّحكم بالأبصار، والتلاعب بعقول الناس، لذلك كانت مُعجِزاته تتلاءم مع القوم الذين اُرسل إليهم، أمّا أهمُّ مُعجِزات موسى عليه السّلام، فمنها ما يأتي:[٧]

  • مُعجِزة العصا: هي أبرز مُعجِزاته على الإطلاق؛ حيث كان فيها العديد من الميزات، فقد تحوّلت إلى حيّة تسعى، فتوهّم من يراها أنّها كائنٌ حيّ، كما تحولت إلى حيّة ابتلعت عصيَّ قوم فرعون وحبالهم؛ لمّا جرى بينهم وبين موسى التنافس.
  • مُعجِزة يد موسى: كانت تنقلب يد موسى -عليه السّلام- إلى بيضاء لا سوء فيها بمجرد أن يدخلها في جيبه، وقد حصل ذلك عندما ذهب إلى فرعون يدعوه إلى الإيمان بالله.
  • مُعجِزة انفلاق البحر: لما فرَّ موسى ومن معه من فرعون وجنده، ضرب موسى بعصاه البحر فانفلق إلى فلقتين، وتشكّل لهم فيه طريقٌ، فاستطاعوا النجاة من فرعون وجنده.
  • مُعجِزة الرّجز(العذاب): أنزل الله -سبحانه وتعالى- الرجز والعذاب بشتّى الأصناف على قوم فرعون؛ ليؤمنوا بموسى، وقد تنوّعت مُعجِزات الرجز، فمرّةً يأخذهم بالقحط والجدب، ومرّة بالدّم، ومرة يبعث إليهم الجراد والقُمَّل والضفادع، وغير ذلك من الآيات والمُعجِزات.

مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه السّلام

مُعجِزات نبي الله عيسى كذلك كثيرة، ولعلَّ أظهرها وأهمَّها على الإطلاق مولده بلا أبٍ وكلامه في المهد ليُخبر الناس بصدق قول أمّه مريم، ويبلغهم أنّه نبيّ الله إليهم، ومن مُعجِزاته أنّه كان يصنع من الطين طيراً ثمّ ينفخ فيه فيطير بأمر الله، وأنه كان يُبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويُنبئ الناس بما يدّخرون في بيوتهم، كما كان عيسى -عليه السّلام- يُحيي الموتى بأمر الله.[٨]

مُعجِزات سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام

إنّ معحزات نبيّ الله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- تربو على الألف كما يقول الإمام ابن قيم الجوزيّة، أمّا أعظم تلك المُعجِزات على الإطلاق فهي القرآن الكريم، وهو كلام الله التي تحدى الله بها قريش وهم أهل الفصاحة والبلاغة، فعجزوا عن الإتيان ولو بسورةٍ من مثل القرآن أو أدنى من ذلك، ومن مُعجِزات رسول الله ما حصل وانتهى، ومنها ما حصل وما زال باقياً حتى يشاء الله، فالقرآن العظيم مُعجِزة الله الخالدة والآية الباقية الدائمة، فلا يمكن أن يتغير أو يتبدَّل، أما مُعجِزات رسول الله التي انتهت فمنها:[٩]

  • ما جرى في حادثة الإسراء والمعراج، وفي هذه الحادثة وحدها عددٌ من المُعجِزات.
  • انشقاق القمر.
  • تكثير القليل من الطعام بين يدي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
  • أن ينبع الماء من بين أصابعه؛ حتى يشرب منه الجيش.
  • حنين الجذع إليه بعد أن فارقه وانتقل إلى المنبر.
  • سلام الحجر عليه في مكة.
  • شفاء المرضى بإذن الله تعالى.

المراجع

  1. ^ أ ب مها بنت عبد الرحمن الليفان، “تعريف المُعجِزة”، www.faculty.mu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  2. سورة العنكبوت، آية: 15.
  3. “سفينة نوح آية ومُعجِزة لا يقاس أمرها بالعقل المجرد”، www.fatwa.islamweb.net، 24-9-2014، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  4. “الناقة مُعجِزة صالح عليه السّلام”، www.fatwa.islamweb.net، 29-3-2006، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة الأنبياء، آية: 68-69.
  6. كرم جمعة عبدالعزيز (22-10-2014)، “قصة إلقاء إبراهيم عليه السّلام في النار”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  7. محمّد راتب النابلسي (1987-04-26)، “مُعجِزة سيّدنا موسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  8. محمّد راتب النابلسي (1987-04-19)، “مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  9. محمّد صالح المنجد (3-10-2008)، “من مُعجِزات الرسول صلى الله عليه وسلم”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

المُعجِزة

اقترن ذِكر الأنبياء عادةً مع بعض الأمور الخارقة للعادات والطبائع التي جرى العُرف على مثلها، وإنّما جاء تأييد الأنبياء والرُّسل بمثل تلك المُعجِزات من باب زيادة تصديق الناس لهم، واعتقادهم اليقينيّ بأنّهم مُرسَلون من الله -سبحانه وتعالى- خاصةً لمن آمن بهم من الناس، ولتكون حُجّةً على من لم يُصدّق ببعثهم من قبل الله، وغالباً ما تكون تلك المُعجِزات فيما اشتُهِر فيه قوم ذلك النبيّ، بحيث تكون مُعجِزة النبيّ أو الرسول خرقاً لما اعتاده قومٌ معيّنون مع بروزهم في ذلك المجال وخبرتهم فيه، ومثال ذلك مُعجِزة خاتم الأنبياء والمُرسَلين سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- التي هي القرآن الكريم، حيث كان أهل قريش يبرعون في البلاغة والفصاحة وإتقان اللغة، فكانت مُعجِزة النبيّ لهم كتاباً شديد الفصاحة والبلاغة على لسان أميٍّ منهم، ومع بلاغتهم وفصاحتهم إلا أنّهم عجزوا عن الإتيان بجزء من مثله، فما هي أهمُّ المُعجِزات التي أيَّد الله بها أنبياءه ورُسله؟

معنى المُعجِزة

المُعجزة لُغةً

المُعجِزة لُغةً مأخوذةٌ من العَجْز؛ وهو يعني التأخّر عن الشيء، والعَجْز ضدُّ القدرة، وعَجَزَت المرأة تعجِز عُجُوزاً إذا كَبُر سِنُّها، وعَجَز فلان عن فعل شيءٍ يعجز عَجْزاً وعَجَزاناً؛ أي أنّه ضعُف ولم يقدر على فعله، وقد سُمِّيت العجوز بذلك لعجزها وضعفها، وعدم قدرتها على فعل الكثير من الأفعال التي كانت تقوم بها في السابق، والعجز يدلُّ على معنيَين رئيسَين، هما: الضّعف، ومؤخّر الشيء أو آخره، والأمر المُعجِز: هو الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله، ومنه المُعجِزة، أمّا التاء في لفظ مُعجِزة فليست تأنيثاً لها، إنّما هي من باب المُبالغة في الإعجاز.[١]

المُعجزة اصطلاحاً

يمكن تعريف المُعجِزة في الاصطلاح بأنّها (أمر خارق للعادة، يظهره الله على يد مُدّعي النبوّة؛ تصديقاً له في دعواه، مقرونة بالتحدّي مع عدم المعارضة)، وتتميّز المُعجِزة عن باقي الأمور الخارقة بأنّها يجب أن تكون خارقةً للعادات، والقوانين الكونيّة الثابتة المُتعارف عليها بين الناس عموماً، ومن ذلك ما جاء على أيدي أنبياء الله عليهم السّلام، ومنها مثلاً عدم إحراق النار مع أنّها في العادة تحرق ما يصيبها، وإحياء الموتى الذين في العادة لا يحيون بعد الموت، وتحويل العصا إلى حيّة تتحرك، مع أنّ الجمادات والعصيّ في العادة لا تتحرّك.[١]

مُعجِزات الأنبياء والرُّسل

لكلّ نبيٍّ من أنبياء الله أو رسولٍ من رُسُله مُعجزة على الأقلّ يتميز بها، وقد جاء ذكر بعض مُعجِزات الأنبياء في كتاب الله، بينما ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعضها الآخر في أقواله التي صحّت نسبتها إليه، أمّا باقي مُعجِزات الأنبياء التي لم يأتِ لها ذكرٌ في كتاب الله وسنة رسوله، فقد نُقِلت إلينا عن أنبياء الله بالتناقل والرواية حتى بلغت حدّ الشهرة، أما أبرز المُعجِزات التي تفرَّد بها بعض الأنبياء فمنها ما سيأتي بيانه في الفقرات الآتية:

مُعجِزة نوح عليه السّلام

بعد أن دعا نوح -عليه السّلام- قومه إلى الإيمان بالله ولم يؤمنوا به -رغم أنّه أطال العهد فيهم- حينها أمره الله -سبحانه وتعالى- بصنع سفينةٍ ليحمل فيها مَن آمن معه، وقد كانت تلك السفينة من المُعجِزات التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لنوح عليه السّلام؛ حيث كانت في حينها سابقةً لم يشهد لها الناس مثيلاً، كما أنّ لها من الخصائص ما يميّزها عن غيرها من السُّفن التي جاءت بعدها، فكيف لسفينة مثلها أن تسير في البحر تتلاطمها الأمواج دون أن تتحطّم أو تغرق، وتنجو بمن عليها من البشر والدّواب! قال تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)،[٢] ومن إعجاز تلك السفينة كذلك أنّ جميع من لم يركب فيها أغرقه الطوفان حتّى لو التجأ إلى مكانٍ بعيد اعتقد أنه سُينجيه من الطوفان، فلم ينجُ إلا من ركب السفينة ممّن آمن من قوم نوح عليه السّلام، وذلك بحدِّ ذاته إعجازٌ منقطع النظير لا يمكن تخيُّله أو حتى تصوّر الميزات التي احتوتها تلك السفينة، حتّى جعلتها غير قابلة للتحطّم أو الغرق، مع أنّها مصنوعةٌ من الأخشاب.[٣]

مُعجِزة صالح عليه السّلام

تميّز نبي الله صالح -عليه السّلام- بمُعجِزةٍ لم يُعطَ أحدٌ غيره من الناس مثلها، كغيره من أنبياء الله الذين آتاهم الله ممّا عنده من الأمور الخارقة للعادات، فقد أيّد الله -سبحانه وتعالى- نبيّه صالحاً بناقة؛ أخرجها الله لقوم صالح من الصّخر، بعد أن طلبوا منه ذلك حتى يصدّق نبوّته وما جاءهم به من عند الله، ورغم أنّ مجرد إخراج الناقة من صخرة صمّاء يُعدّ مُعجِزةً بحدّ ذاتها إلا إن تلك الناقة كانت في جميع تفاصيلها مُعجزةً؛ حيث كان من إعجازها أن خُصِّص لها شرب يوم من النبع الذي يشرب منه قوم صالح، فتشرب بقدر ما يشرب قوم صالح جميعهم، بينما كان لقومه شرب يومٍ آخر غير يوم شرب الناقة، وكان من إعجازها كذلك أن تعطيهم يوم شربها لبناً ليشربوه بقدر ما أخذت من نبعهم فيكفيهم ذلك اليوم، حتّى عقرها أحدهم بعد مؤامرةٍ دبّرها القوم لأجل ذلك، فعذّبهم الله بفعلتهم.[٤]

مُعجِزة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام

بعد أن دعا سيّدنا إبراهيم -عليه السّلام- قومه إلى عبادة الله وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام، وحاجَجَهم لأجل ذلك بكل الوسائل والسُّبل، كذّبوه وآذوه، فحطّم أصنامهم ليُثبت لهم ضعفها وقلّة حيلتها، وأنها مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع، فلمّا عجز القوم عن دفع حجج إبراهيم الكثيرة والتي توافق جميعها المنطق وتخالف ما يعتقدون، حينها أجمعوا على حرقه بالنار حتى لا تتضرّر آلهتهم التي أصبح إبراهيم يُهدّدها بدعوته الحقة، قال تعالى في وصف حالهم: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ*قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ).[٥]

ولحرق سيّدنا إبراهيم عليه السّلام، جمع قوم إبراهيم حطباً كثيراً، ثمّ جعلوا ذلك الحطب في حفرة عميقةٍ من الأرض، وأشعلوا النار فيها، فكان لهيبها مرتفعاً جداً، وشررُها من عِظمه يتطاير، ثمّ وضعوا إبراهيم -عليه السّلام- في منجنيقٍ؛ مخافة أن يصيبهم شررها أو حرُّها الشديد، وألقوه في النار، فقال حينها: (حسبي الله ونعم الوكيل)، وقد أتاه جبريل وهو في الهواء، فقال له: (ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا، وأمّا من الله فبلى)، حينها جاءت المُعجِزة الإلهيّة لإبراهيم بقول الله تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)،[٥] فلم تحرقه تلك النار على عِظَمها وشدّة حرِّها، ولم تحرق سوى وَثاقِه الذي ربطوه به، فكانت تلك المُعجِزة خرقاً لجميع الأعراف والعادات؛ إذ إنّ من الطبيعي أن تحرق النار جميع ما تلمسه أو تقترب منه، لكنها لم تؤذِ إبراهيم مجرّد إيذاء.[٦]

مُعجِزات سيّدنا موسى عليه السّلام

مُعجِزات نبيّ الله موسى -عليه السّلام- كثيرةٌ متعددة، بل إنّها أكثر من أن تُذكر، وذلك لكونه اُرسل إلى قومٍ معروفين بقوّة سحرهم، والتَّحكم بالأبصار، والتلاعب بعقول الناس، لذلك كانت مُعجِزاته تتلاءم مع القوم الذين اُرسل إليهم، أمّا أهمُّ مُعجِزات موسى عليه السّلام، فمنها ما يأتي:[٧]

  • مُعجِزة العصا: هي أبرز مُعجِزاته على الإطلاق؛ حيث كان فيها العديد من الميزات، فقد تحوّلت إلى حيّة تسعى، فتوهّم من يراها أنّها كائنٌ حيّ، كما تحولت إلى حيّة ابتلعت عصيَّ قوم فرعون وحبالهم؛ لمّا جرى بينهم وبين موسى التنافس.
  • مُعجِزة يد موسى: كانت تنقلب يد موسى -عليه السّلام- إلى بيضاء لا سوء فيها بمجرد أن يدخلها في جيبه، وقد حصل ذلك عندما ذهب إلى فرعون يدعوه إلى الإيمان بالله.
  • مُعجِزة انفلاق البحر: لما فرَّ موسى ومن معه من فرعون وجنده، ضرب موسى بعصاه البحر فانفلق إلى فلقتين، وتشكّل لهم فيه طريقٌ، فاستطاعوا النجاة من فرعون وجنده.
  • مُعجِزة الرّجز(العذاب): أنزل الله -سبحانه وتعالى- الرجز والعذاب بشتّى الأصناف على قوم فرعون؛ ليؤمنوا بموسى، وقد تنوّعت مُعجِزات الرجز، فمرّةً يأخذهم بالقحط والجدب، ومرّة بالدّم، ومرة يبعث إليهم الجراد والقُمَّل والضفادع، وغير ذلك من الآيات والمُعجِزات.

مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه السّلام

مُعجِزات نبي الله عيسى كذلك كثيرة، ولعلَّ أظهرها وأهمَّها على الإطلاق مولده بلا أبٍ وكلامه في المهد ليُخبر الناس بصدق قول أمّه مريم، ويبلغهم أنّه نبيّ الله إليهم، ومن مُعجِزاته أنّه كان يصنع من الطين طيراً ثمّ ينفخ فيه فيطير بأمر الله، وأنه كان يُبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويُنبئ الناس بما يدّخرون في بيوتهم، كما كان عيسى -عليه السّلام- يُحيي الموتى بأمر الله.[٨]

مُعجِزات سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام

إنّ معحزات نبيّ الله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- تربو على الألف كما يقول الإمام ابن قيم الجوزيّة، أمّا أعظم تلك المُعجِزات على الإطلاق فهي القرآن الكريم، وهو كلام الله التي تحدى الله بها قريش وهم أهل الفصاحة والبلاغة، فعجزوا عن الإتيان ولو بسورةٍ من مثل القرآن أو أدنى من ذلك، ومن مُعجِزات رسول الله ما حصل وانتهى، ومنها ما حصل وما زال باقياً حتى يشاء الله، فالقرآن العظيم مُعجِزة الله الخالدة والآية الباقية الدائمة، فلا يمكن أن يتغير أو يتبدَّل، أما مُعجِزات رسول الله التي انتهت فمنها:[٩]

  • ما جرى في حادثة الإسراء والمعراج، وفي هذه الحادثة وحدها عددٌ من المُعجِزات.
  • انشقاق القمر.
  • تكثير القليل من الطعام بين يدي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
  • أن ينبع الماء من بين أصابعه؛ حتى يشرب منه الجيش.
  • حنين الجذع إليه بعد أن فارقه وانتقل إلى المنبر.
  • سلام الحجر عليه في مكة.
  • شفاء المرضى بإذن الله تعالى.

المراجع

  1. ^ أ ب مها بنت عبد الرحمن الليفان، “تعريف المُعجِزة”، www.faculty.mu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  2. سورة العنكبوت، آية: 15.
  3. “سفينة نوح آية ومُعجِزة لا يقاس أمرها بالعقل المجرد”، www.fatwa.islamweb.net، 24-9-2014، اطّلع عليه بتاريخ 10-11-2017. بتصرّف.
  4. “الناقة مُعجِزة صالح عليه السّلام”، www.fatwa.islamweb.net، 29-3-2006، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة الأنبياء، آية: 68-69.
  6. كرم جمعة عبدالعزيز (22-10-2014)، “قصة إلقاء إبراهيم عليه السّلام في النار”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  7. محمّد راتب النابلسي (1987-04-26)، “مُعجِزة سيّدنا موسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  8. محمّد راتب النابلسي (1987-04-19)، “مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه الصّلاة والسّلام”، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.
  9. محمّد صالح المنجد (3-10-2008)، “من مُعجِزات الرسول صلى الله عليه وسلم”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2017. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى