الأنبياء والرسل
يمكن القول إنّ لكلمة نبيّ أكثر من تعريف لغويّ؛ حيث إنّ البعض قال إنّها مشتقة من النبوّة، وهي العَلَم من الأرض المرتفعة التي يُهتدى بها لعلّوها وشرفها، وقال آخرون إنّ أصلها النبأ؛ أي الخبر، وسُمّي النبي بهذا الاسم لأنّه يُنبّأ من الله -تعالى- عن طريق الوحي، ويمكن الجمع بين التعريفين والقول بإنّ النبي هو صاحب الرفعة والشرف في قومه، والذي يُنبّأ من الله -تعالى- عن طريق الوحي ليُخبر قومه ويذكّرهم بما أمرهم الله تعالى، ومن الجدير بالذكر أنّ النبيّ يُبعث إلى قومه ليذكّرهم ما نسوا من دينهم، ويُصوّب انحرافاتهم عن شريعة الرسول الذي بُعث قبله، حيث إنّهم كانوا مؤمنين بها ولكنّهم انحرفوا عنها، فهو لا يأتي بشريعةٍ جديدةٍ لقوم كفّار، ولكنّه يأتي ليُصحّح مسار قومه، أمّا الرسول فهو الذي اصطفاه الله -تعالى- وأنزل عليه كتاباً، وأرسله إلى قومٍ كفّار، ليدعوهم إلى الحقّ، وعبادة الله -تعالى- وحده لا شريك له، واتّباع شرع الله -تعالى- المُنزل في كتابه، حيث قال الله تعالى: (وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ فَمِنهُم مَن هَدَى اللَّهُ وَمِنهُم مَن حَقَّت عَلَيهِ الضَّلالَةُ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ)،[١] فكان الأنبياء والرّسل -عليهم الصلاة والسلام- نجوم الحقّ التي يُهتدى بها في ظلام الشرك والظلم، كما أنّهم أدّوا الأمانة ونصحوا العباد، فعليهم سلام الله تتراً إلى يوم القيامة، وكانوا أكثر الناس تضحيةً وبذلاً في سبيل الله، وبالأخصّ أولوا العزم من الرّسل؛ ومنهم: عيسى عليه السلام.[٢]
البشارة بعيسى عليه السلام
ذكر الله -تعالى- عيسى -عليه السلام- في عدّة من القرآن الكريم، إذ إنّ ولادته من غير أبٍ كانت معجزةً، ودليلاً على صدق نبوّته، حيث بدأت القصة عندما بشّرت الملائكة أمّه مريم العذراء باصطفاء الله لها بسبب عبادتها، وزهدها، وطُهْر قلبها من وساوس الشيطان، وتكريمها على نساء العالمين، حيث قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)،[٣] ثمّ بشرت الملائكة مريم العذراء بولادتها عيسى -عليه السلام- ونبوّته وعظيم شأنه في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)،[٤] فتعجّبت مريم من ذلك لأنّها عذراء لم تتزوّج، ولم يمسّها إي إنسان من قبل، فكان الجواب من الله -تعالى- أنّ ذلك من أمره، حيث إنّه خالق كلّ شيء، كما أنّ إرادته لا تخضع لقوانين ولا نواميس الطبيعة فهو الذي خلق الطبيعة، ووضع قوانينها، حيث قال: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)،[٥] وتمّت البشارةُ بعيسى عليه السلام.[٦]
ولادة عيسى عليه السلام
بينما كانت مريم -عليها السلام- معتزلةً قومها في مكان شرقيّ بيت المقدس، واستترت منهم بستارٍ، جاءها جبريل -عليه السلام- بأحسنِ صورةٍ لآدميّ، فتفاجأت بوجوده واستعاذت بالله منه، فطمأنها جبريل -عليه السلام- وبيّن لها أنّه رسول من الله تعالى، وجاء بأمرٍ منه حتى ينفخ فيها الروح لتحمل بعيسى عليه السلام، فتعجّبت من أن يكون لها ولد ولم يسبق لها الزواج من بشر، فأخبرها أنّ إرادة الله لخلق عيسى -عليه السلام- تكمن في جعله آية ورحمة للناس، فلمّا علمت أنّه رسول الله اطمأنت، فنفخ في درعها فوصلت النفخة إلى بطنها فحملت، وقيل: استمرت فترة حملها ستة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: سبعة أشهر، وقيل: ثلاث ساعات، وعندما أحسّت بقرب ولادتها ذهبت إلى مكانٍ بعيدٍ عن أهلها، وجلست عند نخلة في الصحراء، وعندما حانت الولادة تمنّت مريم العذراء الموت، ولم يكن ذلك بسبب كره الاصطفاء والتكليف ولا عنائه، ولكن مخافة افتراء قومها عليها، وتحمّلهم إثم قذفها، حيث قال الله تعالى: (فَحَمَلَتهُ فَانتَبَذَت بِهِ مَكانًا قَصِيًّا *فَأَجاءَهَا المَخاضُ إِلى جِذعِ النَّخلَةِ قالَت يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هـذا وَكُنتُ نَسيًا مَنسِيًّا)،[٧] وبعد أن اشتدّ الأمر على مريم وبلغ الهمّ والحزن مبلغه منها، تكلّم الطفل بأمر الله -تعالى- ليزيل عن أمّه الآلام، وليكون معجزةً ورحمةً للناس، وقال لها بألّا تحزن، حيث إنّ الله -تعالى- فجّر نهراً تحتكِ ليعلم النّاس أنّك من أهل العصمة والولاية من الله، ووقال لها بأن تهزّ النخلة لتسقط عليها الثمار، فتأكل وتشرب، ثمّ تنام قريرة العين، كما قال لها بأن تصوم عن الكلام.[٨]
عندما اطمأنت مريم -عليها السلام- عادت إلى قومها وهي تحمل عيسى عليه السلام، فتعجّب قومها وعاتبوها فلم تُكلّمهم، ولكنّها أشارت إليه، فتعجّبوا وقالوا: لها كيف نكلّمه وهو لا يزال في المهد، ثمّ همّوا بها، فتكلّم عيسى -عليه السلام- مُدافعاً عن أمّه، ومبيّناً لهم أنّه عبد لله -تعالى- ورسول منه، فتجلّت معجزة عيسى -عليه السلام- واضحةً وكاشفةً كلّ شكّ وريب، حيث قال الله تعالى: (فَأَتَت بِهِ قَومَها تَحمِلُهُ قالوا يا مَريَمُ لَقَد جِئتِ شَيئًا فَرِيًّا*يا أُختَ هارونَ ما كانَ أَبوكِ امرَأَ سَوءٍ وَما كانَت أُمُّكِ بَغِيًّا*فَأَشارَت إِلَيهِ قالوا كَيفَ نُكَلِّمُ مَن كانَ فِي المَهدِ صَبِيًّا*قالَ إِنّي عَبدُ اللَّهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبِيًّا).[٩][٨]
المراجع
- ↑ سورة النحل، آية: 36.
- ↑ “تعريف الانبياء والرسل”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 42.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 45.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 47.
- ↑ “تفسير القرآن العظيم – ابن كثير من آية 42 إلى آية 47”، www.altafsir.com، اطّلع عليه بتاريخ 1-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 22-23.
- ^ أ ب الزمخشري، الكشاف، سورة مريم من آية 16 إلى آية 30، اطّلع عليه بتاريخ 1-5-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 27-30.