إسلام

هل جزاء الإحسان إلا الإحسان

مقالات ذات صلة

الإحسان

خلق الله تبارك وتعالى الإنسان بطبيعةٍ خاصةٍ به تُميّزُه عن بقية الخلق، فالإنسانُ مجبولٌ على القابليّة لسلوك دربين مختلفين، وكل طريقٍ منهما نَقيض الآخر، وجعل الله سبحانه وتعالى الخَيار للإنسان يسلك أيّهما شاء، فله أن يسلك درب الخير، وباستطاعته أن يسلك درب الشر، فالخيار في هذا الأمر للإنسان نفسه، وبالرغم من ذلك فلم يترك الخالق تبارك وتعالى عباده بدون توجيه، بل جعل الخير منازل ومراتب، وحتى درجة القرب من الله، تبدأُ بالإسلام وهي الدائرة الأولى في تحقيق القرب من الله، ثم إذا اقترب أكثر دخل دائرة الإيمان، فإن تعمّق في العبادة والخضوع وصل إلى أقرب المراتب إلى الله وهي مرتبة الإحسان.

جزاء الإحسان

ورد الكلام عن جزاء الإحسان والمُحسنين في القرآن الكريم، فقد رتَّب الله سبحانه وتعالى أحسنُ الجزاء على الإحسان، على النحو الآتي:

  • إحسانُ الله تعالى للمحسنين مقابل إحسانهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[١]
  • معيَّةُ الله تعالى للمحسنين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[٢]
  • محبَّة الله تعالى للمُحسنين، قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[٣]
  • حُسنُ الثواب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٤]
  • أجزلُ جزاءٍ للمحسنين الجنةُ والأمانُ من عذاب الله وزيادةٌ كما جاء بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[٥]

حقيقة الإحسان

  • الإحسان لغةً: مصدر من حَسُنَ، والمعنى الذي يفيده لفظ الإحسان هو ضد الإساءة، فإذا قيل رجلٌ مُحسنٌ ومِحسانٌ؛ فمعنى قولهم أنَّه كثير الإحسان، وفسّر الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- الإحسان من خلال الحديث الشريف الذي يرويه الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمَّا سأله جبريل عن الإحسان فأجاب: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)،[٦] والمقصود بالإحسان هنا الإخلاص.
  • الإحسان اصطلاحاً: أن يَعبد المسلم اللهَ تبارك وتعالى وأن تكون هذه العبادة مع حضور القلب واستشعار مُراقبة الله تبارك وتعالى، فتسمو العبادة مع الشعور بمراقبة الله، وتسمو الروح مع الشعور بالقرب من الله فالله مُطّلعٌ عليه والله ناظرٌ إليه، ممّا يُشَكل الدافعية التامّة لدى المسلم لدوام طاعة الله تبارك وتعالى ودافعيةٌ عظيمةٌ لمداومة التقرّب إلى الله، ودافعيةٌ لترك المعاصي وعدم اقترافها بل وهجرها والشعور بالخطأ لمجرد التفكير فيها.[٧]

إنّ الإنسان لا يبلغ درجة ومنزلة الإحسان إلّا بعد أن يَسلك درب العزة والكرامة في صفوف الإسلام، ثم يتدّرج بعد ذلك ويطمئن بالإيمان فيَبذل الرُوح والمُهج، حتى يصل إلى الدرجة التي يشعر فيها أنّه مع الله، وأنّ الله معه، وأنّ الله مُطّلعٌ عليه في كل ما يصدر عنه من فعلٍ وقول، فيرتقي بذلك فكراً، ويسمو رُوحاً، ويُقبل على الله بكل جوارحه،[٨] ولعلّ بعض العلماء قد تجاوز هذا الحد عندما اعتبر أنّ الإحسان هو جميع العبادات، وجميع ما يصدر عن المسلم المحسن من القول، والعمل، التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، وليست من الفرائض، وإنّما نوافل اجتهد بها تقرُّباً إلى الله محبةً وطاعةً، وطمعاً في القرب منه تبارك وتعالى.[٩]

أنواع الإحسان

إنّ الإحسان ليس نوعاً واحداً بل هو أنواعٌ ثلاثةٌ، وهي على النحو الآتي:[١٠]

  • عبادة خوفٍ وطمع: والإحسان هنا هو الإحسانُ المُتعلّق بالعبادة؛ أي عبادةُ الله تعالى، فيَعبدُ المؤمنُ ربَه خوفاً وطمعاً وهرباً إليه سبحانه وتعالى، ولاتكون هذه العبادة إلاَّ بأن يَجتنب نواهيه سبحانه ويُقبلُ على طاعته ويَلتزم أوامره تعالى وما يرضيه، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ).[١١]
  • عبادة شوقٍ وطلب: والإحسان هنا يَتعلّق بعبادة الله أيضاً إلا أنّهُ أعلى مرتبةً في العبادة من النوع الأول، فالإحسان في النوع الثاني يَتعلقُ بِعبادة الله عبادةَ شوقٍ وطلبٍ؛ حيث يأنسُ المؤمنُ بالقرب من الله سبحانه وتعالى، وتتحقق عبادةُ الشوق عندما يَصل المؤمن لدرجة الاشتياق إلى عبادة الله سبحانه وتعالى؛ بحيث يكونُ حريصاً على العبادة وأدائها على أتَمِّ وجهٍ؛ لما يشعر به من اللذةِ بمناجاة ربه والقُربِ منه سبحانه وتعالى والأنسِ به، وقد رُوي عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنَّه قال:(سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ)،[١٢] فإشارته -عليه الصلاة والسلام- إلى الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد تدلّ على هذا النوع من أنواع الإحسان.
  • الإحسان إلى الآخرين: بل الإحسانُ إلى جميع المخلوقات، ويتحقّق هذا الإحسان من خلال الإحسان إلى الوالدين، وكذلك صلة الأرحام، والإحسانُ إلى الضيف، وإكرامه، والإحسانُ إلى الفقير، ومنه الإحسانُ إلى الحيوانات، فقد رُوي عن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئراً، فنزلَ فيها فشرِبَ ثمَّ خرجَ، فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ، فقالَ الرَّجُلُ: لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي، فنزلَ البئرَ، فملأ خفَّهُ، ثم أمسَكهُ بفيهِ، فسقى الكلبَ، فشكرَ اللَّهُ لهُ، فغفرَ لهُ، قالوا يا رسولَ اللَّهِ: وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا فقالَ في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ)[١٣]

المراجع

  1. سورة الرحمن، آية: 60.
  2. سورة النحل، آية: 128.
  3. سورة البقرة، آية: 195.
  4. سورة آل عمران، آية: 148.
  5. سورة يونس، آية: 26.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8.
  7. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور الإسلام وظلمات الكفر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 10. بتصرّف.
  8. محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (1414)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 117، جزء 13. بتصرّف.
  9. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2001)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، السعودية: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 665، جزء 8. بتصرّف.
  10. هشام المحجوبي، ووديع الراضي (27-4-2013م)، “الإحسان في الإسلام”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017م.
  11. سورة الرعد، آية: 21.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1423، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6009، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

الإحسان

خلق الله تبارك وتعالى الإنسان بطبيعةٍ خاصةٍ به تُميّزُه عن بقية الخلق، فالإنسانُ مجبولٌ على القابليّة لسلوك دربين مختلفين، وكل طريقٍ منهما نَقيض الآخر، وجعل الله سبحانه وتعالى الخَيار للإنسان يسلك أيّهما شاء، فله أن يسلك درب الخير، وباستطاعته أن يسلك درب الشر، فالخيار في هذا الأمر للإنسان نفسه، وبالرغم من ذلك فلم يترك الخالق تبارك وتعالى عباده بدون توجيه، بل جعل الخير منازل ومراتب، وحتى درجة القرب من الله، تبدأُ بالإسلام وهي الدائرة الأولى في تحقيق القرب من الله، ثم إذا اقترب أكثر دخل دائرة الإيمان، فإن تعمّق في العبادة والخضوع وصل إلى أقرب المراتب إلى الله وهي مرتبة الإحسان.

جزاء الإحسان

ورد الكلام عن جزاء الإحسان والمُحسنين في القرآن الكريم، فقد رتَّب الله سبحانه وتعالى أحسنُ الجزاء على الإحسان، على النحو الآتي:

  • إحسانُ الله تعالى للمحسنين مقابل إحسانهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[١]
  • معيَّةُ الله تعالى للمحسنين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[٢]
  • محبَّة الله تعالى للمُحسنين، قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[٣]
  • حُسنُ الثواب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٤]
  • أجزلُ جزاءٍ للمحسنين الجنةُ والأمانُ من عذاب الله وزيادةٌ كما جاء بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[٥]

حقيقة الإحسان

  • الإحسان لغةً: مصدر من حَسُنَ، والمعنى الذي يفيده لفظ الإحسان هو ضد الإساءة، فإذا قيل رجلٌ مُحسنٌ ومِحسانٌ؛ فمعنى قولهم أنَّه كثير الإحسان، وفسّر الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- الإحسان من خلال الحديث الشريف الذي يرويه الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمَّا سأله جبريل عن الإحسان فأجاب: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)،[٦] والمقصود بالإحسان هنا الإخلاص.
  • الإحسان اصطلاحاً: أن يَعبد المسلم اللهَ تبارك وتعالى وأن تكون هذه العبادة مع حضور القلب واستشعار مُراقبة الله تبارك وتعالى، فتسمو العبادة مع الشعور بمراقبة الله، وتسمو الروح مع الشعور بالقرب من الله فالله مُطّلعٌ عليه والله ناظرٌ إليه، ممّا يُشَكل الدافعية التامّة لدى المسلم لدوام طاعة الله تبارك وتعالى ودافعيةٌ عظيمةٌ لمداومة التقرّب إلى الله، ودافعيةٌ لترك المعاصي وعدم اقترافها بل وهجرها والشعور بالخطأ لمجرد التفكير فيها.[٧]

إنّ الإنسان لا يبلغ درجة ومنزلة الإحسان إلّا بعد أن يَسلك درب العزة والكرامة في صفوف الإسلام، ثم يتدّرج بعد ذلك ويطمئن بالإيمان فيَبذل الرُوح والمُهج، حتى يصل إلى الدرجة التي يشعر فيها أنّه مع الله، وأنّ الله معه، وأنّ الله مُطّلعٌ عليه في كل ما يصدر عنه من فعلٍ وقول، فيرتقي بذلك فكراً، ويسمو رُوحاً، ويُقبل على الله بكل جوارحه،[٨] ولعلّ بعض العلماء قد تجاوز هذا الحد عندما اعتبر أنّ الإحسان هو جميع العبادات، وجميع ما يصدر عن المسلم المحسن من القول، والعمل، التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، وليست من الفرائض، وإنّما نوافل اجتهد بها تقرُّباً إلى الله محبةً وطاعةً، وطمعاً في القرب منه تبارك وتعالى.[٩]

أنواع الإحسان

إنّ الإحسان ليس نوعاً واحداً بل هو أنواعٌ ثلاثةٌ، وهي على النحو الآتي:[١٠]

  • عبادة خوفٍ وطمع: والإحسان هنا هو الإحسانُ المُتعلّق بالعبادة؛ أي عبادةُ الله تعالى، فيَعبدُ المؤمنُ ربَه خوفاً وطمعاً وهرباً إليه سبحانه وتعالى، ولاتكون هذه العبادة إلاَّ بأن يَجتنب نواهيه سبحانه ويُقبلُ على طاعته ويَلتزم أوامره تعالى وما يرضيه، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ).[١١]
  • عبادة شوقٍ وطلب: والإحسان هنا يَتعلّق بعبادة الله أيضاً إلا أنّهُ أعلى مرتبةً في العبادة من النوع الأول، فالإحسان في النوع الثاني يَتعلقُ بِعبادة الله عبادةَ شوقٍ وطلبٍ؛ حيث يأنسُ المؤمنُ بالقرب من الله سبحانه وتعالى، وتتحقق عبادةُ الشوق عندما يَصل المؤمن لدرجة الاشتياق إلى عبادة الله سبحانه وتعالى؛ بحيث يكونُ حريصاً على العبادة وأدائها على أتَمِّ وجهٍ؛ لما يشعر به من اللذةِ بمناجاة ربه والقُربِ منه سبحانه وتعالى والأنسِ به، وقد رُوي عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنَّه قال:(سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ)،[١٢] فإشارته -عليه الصلاة والسلام- إلى الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد تدلّ على هذا النوع من أنواع الإحسان.
  • الإحسان إلى الآخرين: بل الإحسانُ إلى جميع المخلوقات، ويتحقّق هذا الإحسان من خلال الإحسان إلى الوالدين، وكذلك صلة الأرحام، والإحسانُ إلى الضيف، وإكرامه، والإحسانُ إلى الفقير، ومنه الإحسانُ إلى الحيوانات، فقد رُوي عن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئراً، فنزلَ فيها فشرِبَ ثمَّ خرجَ، فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ، فقالَ الرَّجُلُ: لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي، فنزلَ البئرَ، فملأ خفَّهُ، ثم أمسَكهُ بفيهِ، فسقى الكلبَ، فشكرَ اللَّهُ لهُ، فغفرَ لهُ، قالوا يا رسولَ اللَّهِ: وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا فقالَ في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ)[١٣]

المراجع

  1. سورة الرحمن، آية: 60.
  2. سورة النحل، آية: 128.
  3. سورة البقرة، آية: 195.
  4. سورة آل عمران، آية: 148.
  5. سورة يونس، آية: 26.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8.
  7. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور الإسلام وظلمات الكفر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 10. بتصرّف.
  8. محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (1414)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 117، جزء 13. بتصرّف.
  9. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2001)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، السعودية: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 665، جزء 8. بتصرّف.
  10. هشام المحجوبي، ووديع الراضي (27-4-2013م)، “الإحسان في الإسلام”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017م.
  11. سورة الرعد، آية: 21.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1423، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6009، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

الإحسان

خلق الله تبارك وتعالى الإنسان بطبيعةٍ خاصةٍ به تُميّزُه عن بقية الخلق، فالإنسانُ مجبولٌ على القابليّة لسلوك دربين مختلفين، وكل طريقٍ منهما نَقيض الآخر، وجعل الله سبحانه وتعالى الخَيار للإنسان يسلك أيّهما شاء، فله أن يسلك درب الخير، وباستطاعته أن يسلك درب الشر، فالخيار في هذا الأمر للإنسان نفسه، وبالرغم من ذلك فلم يترك الخالق تبارك وتعالى عباده بدون توجيه، بل جعل الخير منازل ومراتب، وحتى درجة القرب من الله، تبدأُ بالإسلام وهي الدائرة الأولى في تحقيق القرب من الله، ثم إذا اقترب أكثر دخل دائرة الإيمان، فإن تعمّق في العبادة والخضوع وصل إلى أقرب المراتب إلى الله وهي مرتبة الإحسان.

جزاء الإحسان

ورد الكلام عن جزاء الإحسان والمُحسنين في القرآن الكريم، فقد رتَّب الله سبحانه وتعالى أحسنُ الجزاء على الإحسان، على النحو الآتي:

  • إحسانُ الله تعالى للمحسنين مقابل إحسانهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[١]
  • معيَّةُ الله تعالى للمحسنين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[٢]
  • محبَّة الله تعالى للمُحسنين، قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[٣]
  • حُسنُ الثواب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٤]
  • أجزلُ جزاءٍ للمحسنين الجنةُ والأمانُ من عذاب الله وزيادةٌ كما جاء بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[٥]

حقيقة الإحسان

  • الإحسان لغةً: مصدر من حَسُنَ، والمعنى الذي يفيده لفظ الإحسان هو ضد الإساءة، فإذا قيل رجلٌ مُحسنٌ ومِحسانٌ؛ فمعنى قولهم أنَّه كثير الإحسان، وفسّر الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- الإحسان من خلال الحديث الشريف الذي يرويه الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمَّا سأله جبريل عن الإحسان فأجاب: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)،[٦] والمقصود بالإحسان هنا الإخلاص.
  • الإحسان اصطلاحاً: أن يَعبد المسلم اللهَ تبارك وتعالى وأن تكون هذه العبادة مع حضور القلب واستشعار مُراقبة الله تبارك وتعالى، فتسمو العبادة مع الشعور بمراقبة الله، وتسمو الروح مع الشعور بالقرب من الله فالله مُطّلعٌ عليه والله ناظرٌ إليه، ممّا يُشَكل الدافعية التامّة لدى المسلم لدوام طاعة الله تبارك وتعالى ودافعيةٌ عظيمةٌ لمداومة التقرّب إلى الله، ودافعيةٌ لترك المعاصي وعدم اقترافها بل وهجرها والشعور بالخطأ لمجرد التفكير فيها.[٧]

إنّ الإنسان لا يبلغ درجة ومنزلة الإحسان إلّا بعد أن يَسلك درب العزة والكرامة في صفوف الإسلام، ثم يتدّرج بعد ذلك ويطمئن بالإيمان فيَبذل الرُوح والمُهج، حتى يصل إلى الدرجة التي يشعر فيها أنّه مع الله، وأنّ الله معه، وأنّ الله مُطّلعٌ عليه في كل ما يصدر عنه من فعلٍ وقول، فيرتقي بذلك فكراً، ويسمو رُوحاً، ويُقبل على الله بكل جوارحه،[٨] ولعلّ بعض العلماء قد تجاوز هذا الحد عندما اعتبر أنّ الإحسان هو جميع العبادات، وجميع ما يصدر عن المسلم المحسن من القول، والعمل، التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، وليست من الفرائض، وإنّما نوافل اجتهد بها تقرُّباً إلى الله محبةً وطاعةً، وطمعاً في القرب منه تبارك وتعالى.[٩]

أنواع الإحسان

إنّ الإحسان ليس نوعاً واحداً بل هو أنواعٌ ثلاثةٌ، وهي على النحو الآتي:[١٠]

  • عبادة خوفٍ وطمع: والإحسان هنا هو الإحسانُ المُتعلّق بالعبادة؛ أي عبادةُ الله تعالى، فيَعبدُ المؤمنُ ربَه خوفاً وطمعاً وهرباً إليه سبحانه وتعالى، ولاتكون هذه العبادة إلاَّ بأن يَجتنب نواهيه سبحانه ويُقبلُ على طاعته ويَلتزم أوامره تعالى وما يرضيه، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ).[١١]
  • عبادة شوقٍ وطلب: والإحسان هنا يَتعلّق بعبادة الله أيضاً إلا أنّهُ أعلى مرتبةً في العبادة من النوع الأول، فالإحسان في النوع الثاني يَتعلقُ بِعبادة الله عبادةَ شوقٍ وطلبٍ؛ حيث يأنسُ المؤمنُ بالقرب من الله سبحانه وتعالى، وتتحقق عبادةُ الشوق عندما يَصل المؤمن لدرجة الاشتياق إلى عبادة الله سبحانه وتعالى؛ بحيث يكونُ حريصاً على العبادة وأدائها على أتَمِّ وجهٍ؛ لما يشعر به من اللذةِ بمناجاة ربه والقُربِ منه سبحانه وتعالى والأنسِ به، وقد رُوي عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنَّه قال:(سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ)،[١٢] فإشارته -عليه الصلاة والسلام- إلى الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد تدلّ على هذا النوع من أنواع الإحسان.
  • الإحسان إلى الآخرين: بل الإحسانُ إلى جميع المخلوقات، ويتحقّق هذا الإحسان من خلال الإحسان إلى الوالدين، وكذلك صلة الأرحام، والإحسانُ إلى الضيف، وإكرامه، والإحسانُ إلى الفقير، ومنه الإحسانُ إلى الحيوانات، فقد رُوي عن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئراً، فنزلَ فيها فشرِبَ ثمَّ خرجَ، فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ، فقالَ الرَّجُلُ: لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي، فنزلَ البئرَ، فملأ خفَّهُ، ثم أمسَكهُ بفيهِ، فسقى الكلبَ، فشكرَ اللَّهُ لهُ، فغفرَ لهُ، قالوا يا رسولَ اللَّهِ: وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا فقالَ في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ)[١٣]

المراجع

  1. سورة الرحمن، آية: 60.
  2. سورة النحل، آية: 128.
  3. سورة البقرة، آية: 195.
  4. سورة آل عمران، آية: 148.
  5. سورة يونس، آية: 26.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8.
  7. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور الإسلام وظلمات الكفر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 10. بتصرّف.
  8. محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (1414)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 117، جزء 13. بتصرّف.
  9. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2001)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، السعودية: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 665، جزء 8. بتصرّف.
  10. هشام المحجوبي، ووديع الراضي (27-4-2013م)، “الإحسان في الإسلام”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017م.
  11. سورة الرعد، آية: 21.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1423، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6009، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

الإحسان

خلق الله تبارك وتعالى الإنسان بطبيعةٍ خاصةٍ به تُميّزُه عن بقية الخلق، فالإنسانُ مجبولٌ على القابليّة لسلوك دربين مختلفين، وكل طريقٍ منهما نَقيض الآخر، وجعل الله سبحانه وتعالى الخَيار للإنسان يسلك أيّهما شاء، فله أن يسلك درب الخير، وباستطاعته أن يسلك درب الشر، فالخيار في هذا الأمر للإنسان نفسه، وبالرغم من ذلك فلم يترك الخالق تبارك وتعالى عباده بدون توجيه، بل جعل الخير منازل ومراتب، وحتى درجة القرب من الله، تبدأُ بالإسلام وهي الدائرة الأولى في تحقيق القرب من الله، ثم إذا اقترب أكثر دخل دائرة الإيمان، فإن تعمّق في العبادة والخضوع وصل إلى أقرب المراتب إلى الله وهي مرتبة الإحسان.

جزاء الإحسان

ورد الكلام عن جزاء الإحسان والمُحسنين في القرآن الكريم، فقد رتَّب الله سبحانه وتعالى أحسنُ الجزاء على الإحسان، على النحو الآتي:

  • إحسانُ الله تعالى للمحسنين مقابل إحسانهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[١]
  • معيَّةُ الله تعالى للمحسنين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[٢]
  • محبَّة الله تعالى للمُحسنين، قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[٣]
  • حُسنُ الثواب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٤]
  • أجزلُ جزاءٍ للمحسنين الجنةُ والأمانُ من عذاب الله وزيادةٌ كما جاء بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[٥]

حقيقة الإحسان

  • الإحسان لغةً: مصدر من حَسُنَ، والمعنى الذي يفيده لفظ الإحسان هو ضد الإساءة، فإذا قيل رجلٌ مُحسنٌ ومِحسانٌ؛ فمعنى قولهم أنَّه كثير الإحسان، وفسّر الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- الإحسان من خلال الحديث الشريف الذي يرويه الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمَّا سأله جبريل عن الإحسان فأجاب: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)،[٦] والمقصود بالإحسان هنا الإخلاص.
  • الإحسان اصطلاحاً: أن يَعبد المسلم اللهَ تبارك وتعالى وأن تكون هذه العبادة مع حضور القلب واستشعار مُراقبة الله تبارك وتعالى، فتسمو العبادة مع الشعور بمراقبة الله، وتسمو الروح مع الشعور بالقرب من الله فالله مُطّلعٌ عليه والله ناظرٌ إليه، ممّا يُشَكل الدافعية التامّة لدى المسلم لدوام طاعة الله تبارك وتعالى ودافعيةٌ عظيمةٌ لمداومة التقرّب إلى الله، ودافعيةٌ لترك المعاصي وعدم اقترافها بل وهجرها والشعور بالخطأ لمجرد التفكير فيها.[٧]

إنّ الإنسان لا يبلغ درجة ومنزلة الإحسان إلّا بعد أن يَسلك درب العزة والكرامة في صفوف الإسلام، ثم يتدّرج بعد ذلك ويطمئن بالإيمان فيَبذل الرُوح والمُهج، حتى يصل إلى الدرجة التي يشعر فيها أنّه مع الله، وأنّ الله معه، وأنّ الله مُطّلعٌ عليه في كل ما يصدر عنه من فعلٍ وقول، فيرتقي بذلك فكراً، ويسمو رُوحاً، ويُقبل على الله بكل جوارحه،[٨] ولعلّ بعض العلماء قد تجاوز هذا الحد عندما اعتبر أنّ الإحسان هو جميع العبادات، وجميع ما يصدر عن المسلم المحسن من القول، والعمل، التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، وليست من الفرائض، وإنّما نوافل اجتهد بها تقرُّباً إلى الله محبةً وطاعةً، وطمعاً في القرب منه تبارك وتعالى.[٩]

أنواع الإحسان

إنّ الإحسان ليس نوعاً واحداً بل هو أنواعٌ ثلاثةٌ، وهي على النحو الآتي:[١٠]

  • عبادة خوفٍ وطمع: والإحسان هنا هو الإحسانُ المُتعلّق بالعبادة؛ أي عبادةُ الله تعالى، فيَعبدُ المؤمنُ ربَه خوفاً وطمعاً وهرباً إليه سبحانه وتعالى، ولاتكون هذه العبادة إلاَّ بأن يَجتنب نواهيه سبحانه ويُقبلُ على طاعته ويَلتزم أوامره تعالى وما يرضيه، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ).[١١]
  • عبادة شوقٍ وطلب: والإحسان هنا يَتعلّق بعبادة الله أيضاً إلا أنّهُ أعلى مرتبةً في العبادة من النوع الأول، فالإحسان في النوع الثاني يَتعلقُ بِعبادة الله عبادةَ شوقٍ وطلبٍ؛ حيث يأنسُ المؤمنُ بالقرب من الله سبحانه وتعالى، وتتحقق عبادةُ الشوق عندما يَصل المؤمن لدرجة الاشتياق إلى عبادة الله سبحانه وتعالى؛ بحيث يكونُ حريصاً على العبادة وأدائها على أتَمِّ وجهٍ؛ لما يشعر به من اللذةِ بمناجاة ربه والقُربِ منه سبحانه وتعالى والأنسِ به، وقد رُوي عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنَّه قال:(سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ)،[١٢] فإشارته -عليه الصلاة والسلام- إلى الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد تدلّ على هذا النوع من أنواع الإحسان.
  • الإحسان إلى الآخرين: بل الإحسانُ إلى جميع المخلوقات، ويتحقّق هذا الإحسان من خلال الإحسان إلى الوالدين، وكذلك صلة الأرحام، والإحسانُ إلى الضيف، وإكرامه، والإحسانُ إلى الفقير، ومنه الإحسانُ إلى الحيوانات، فقد رُوي عن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئراً، فنزلَ فيها فشرِبَ ثمَّ خرجَ، فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ، فقالَ الرَّجُلُ: لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي، فنزلَ البئرَ، فملأ خفَّهُ، ثم أمسَكهُ بفيهِ، فسقى الكلبَ، فشكرَ اللَّهُ لهُ، فغفرَ لهُ، قالوا يا رسولَ اللَّهِ: وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا فقالَ في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ)[١٣]

المراجع

  1. سورة الرحمن، آية: 60.
  2. سورة النحل، آية: 128.
  3. سورة البقرة، آية: 195.
  4. سورة آل عمران، آية: 148.
  5. سورة يونس، آية: 26.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8.
  7. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور الإسلام وظلمات الكفر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 10. بتصرّف.
  8. محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (1414)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 117، جزء 13. بتصرّف.
  9. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2001)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، السعودية: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 665، جزء 8. بتصرّف.
  10. هشام المحجوبي، ووديع الراضي (27-4-2013م)، “الإحسان في الإسلام”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017م.
  11. سورة الرعد، آية: 21.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1423، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6009، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

الإحسان

خلق الله تبارك وتعالى الإنسان بطبيعةٍ خاصةٍ به تُميّزُه عن بقية الخلق، فالإنسانُ مجبولٌ على القابليّة لسلوك دربين مختلفين، وكل طريقٍ منهما نَقيض الآخر، وجعل الله سبحانه وتعالى الخَيار للإنسان يسلك أيّهما شاء، فله أن يسلك درب الخير، وباستطاعته أن يسلك درب الشر، فالخيار في هذا الأمر للإنسان نفسه، وبالرغم من ذلك فلم يترك الخالق تبارك وتعالى عباده بدون توجيه، بل جعل الخير منازل ومراتب، وحتى درجة القرب من الله، تبدأُ بالإسلام وهي الدائرة الأولى في تحقيق القرب من الله، ثم إذا اقترب أكثر دخل دائرة الإيمان، فإن تعمّق في العبادة والخضوع وصل إلى أقرب المراتب إلى الله وهي مرتبة الإحسان.

جزاء الإحسان

ورد الكلام عن جزاء الإحسان والمُحسنين في القرآن الكريم، فقد رتَّب الله سبحانه وتعالى أحسنُ الجزاء على الإحسان، على النحو الآتي:

  • إحسانُ الله تعالى للمحسنين مقابل إحسانهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[١]
  • معيَّةُ الله تعالى للمحسنين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[٢]
  • محبَّة الله تعالى للمُحسنين، قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[٣]
  • حُسنُ الثواب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٤]
  • أجزلُ جزاءٍ للمحسنين الجنةُ والأمانُ من عذاب الله وزيادةٌ كما جاء بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[٥]

حقيقة الإحسان

  • الإحسان لغةً: مصدر من حَسُنَ، والمعنى الذي يفيده لفظ الإحسان هو ضد الإساءة، فإذا قيل رجلٌ مُحسنٌ ومِحسانٌ؛ فمعنى قولهم أنَّه كثير الإحسان، وفسّر الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- الإحسان من خلال الحديث الشريف الذي يرويه الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمَّا سأله جبريل عن الإحسان فأجاب: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)،[٦] والمقصود بالإحسان هنا الإخلاص.
  • الإحسان اصطلاحاً: أن يَعبد المسلم اللهَ تبارك وتعالى وأن تكون هذه العبادة مع حضور القلب واستشعار مُراقبة الله تبارك وتعالى، فتسمو العبادة مع الشعور بمراقبة الله، وتسمو الروح مع الشعور بالقرب من الله فالله مُطّلعٌ عليه والله ناظرٌ إليه، ممّا يُشَكل الدافعية التامّة لدى المسلم لدوام طاعة الله تبارك وتعالى ودافعيةٌ عظيمةٌ لمداومة التقرّب إلى الله، ودافعيةٌ لترك المعاصي وعدم اقترافها بل وهجرها والشعور بالخطأ لمجرد التفكير فيها.[٧]

إنّ الإنسان لا يبلغ درجة ومنزلة الإحسان إلّا بعد أن يَسلك درب العزة والكرامة في صفوف الإسلام، ثم يتدّرج بعد ذلك ويطمئن بالإيمان فيَبذل الرُوح والمُهج، حتى يصل إلى الدرجة التي يشعر فيها أنّه مع الله، وأنّ الله معه، وأنّ الله مُطّلعٌ عليه في كل ما يصدر عنه من فعلٍ وقول، فيرتقي بذلك فكراً، ويسمو رُوحاً، ويُقبل على الله بكل جوارحه،[٨] ولعلّ بعض العلماء قد تجاوز هذا الحد عندما اعتبر أنّ الإحسان هو جميع العبادات، وجميع ما يصدر عن المسلم المحسن من القول، والعمل، التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، وليست من الفرائض، وإنّما نوافل اجتهد بها تقرُّباً إلى الله محبةً وطاعةً، وطمعاً في القرب منه تبارك وتعالى.[٩]

أنواع الإحسان

إنّ الإحسان ليس نوعاً واحداً بل هو أنواعٌ ثلاثةٌ، وهي على النحو الآتي:[١٠]

  • عبادة خوفٍ وطمع: والإحسان هنا هو الإحسانُ المُتعلّق بالعبادة؛ أي عبادةُ الله تعالى، فيَعبدُ المؤمنُ ربَه خوفاً وطمعاً وهرباً إليه سبحانه وتعالى، ولاتكون هذه العبادة إلاَّ بأن يَجتنب نواهيه سبحانه ويُقبلُ على طاعته ويَلتزم أوامره تعالى وما يرضيه، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ).[١١]
  • عبادة شوقٍ وطلب: والإحسان هنا يَتعلّق بعبادة الله أيضاً إلا أنّهُ أعلى مرتبةً في العبادة من النوع الأول، فالإحسان في النوع الثاني يَتعلقُ بِعبادة الله عبادةَ شوقٍ وطلبٍ؛ حيث يأنسُ المؤمنُ بالقرب من الله سبحانه وتعالى، وتتحقق عبادةُ الشوق عندما يَصل المؤمن لدرجة الاشتياق إلى عبادة الله سبحانه وتعالى؛ بحيث يكونُ حريصاً على العبادة وأدائها على أتَمِّ وجهٍ؛ لما يشعر به من اللذةِ بمناجاة ربه والقُربِ منه سبحانه وتعالى والأنسِ به، وقد رُوي عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنَّه قال:(سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ)،[١٢] فإشارته -عليه الصلاة والسلام- إلى الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد تدلّ على هذا النوع من أنواع الإحسان.
  • الإحسان إلى الآخرين: بل الإحسانُ إلى جميع المخلوقات، ويتحقّق هذا الإحسان من خلال الإحسان إلى الوالدين، وكذلك صلة الأرحام، والإحسانُ إلى الضيف، وإكرامه، والإحسانُ إلى الفقير، ومنه الإحسانُ إلى الحيوانات، فقد رُوي عن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئراً، فنزلَ فيها فشرِبَ ثمَّ خرجَ، فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ، فقالَ الرَّجُلُ: لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي، فنزلَ البئرَ، فملأ خفَّهُ، ثم أمسَكهُ بفيهِ، فسقى الكلبَ، فشكرَ اللَّهُ لهُ، فغفرَ لهُ، قالوا يا رسولَ اللَّهِ: وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا فقالَ في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ)[١٣]

المراجع

  1. سورة الرحمن، آية: 60.
  2. سورة النحل، آية: 128.
  3. سورة البقرة، آية: 195.
  4. سورة آل عمران، آية: 148.
  5. سورة يونس، آية: 26.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8.
  7. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور الإسلام وظلمات الكفر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 10. بتصرّف.
  8. محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (1414)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 117، جزء 13. بتصرّف.
  9. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2001)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، السعودية: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 665، جزء 8. بتصرّف.
  10. هشام المحجوبي، ووديع الراضي (27-4-2013م)، “الإحسان في الإسلام”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017م.
  11. سورة الرعد، آية: 21.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1423، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6009، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

الإحسان

خلق الله تبارك وتعالى الإنسان بطبيعةٍ خاصةٍ به تُميّزُه عن بقية الخلق، فالإنسانُ مجبولٌ على القابليّة لسلوك دربين مختلفين، وكل طريقٍ منهما نَقيض الآخر، وجعل الله سبحانه وتعالى الخَيار للإنسان يسلك أيّهما شاء، فله أن يسلك درب الخير، وباستطاعته أن يسلك درب الشر، فالخيار في هذا الأمر للإنسان نفسه، وبالرغم من ذلك فلم يترك الخالق تبارك وتعالى عباده بدون توجيه، بل جعل الخير منازل ومراتب، وحتى درجة القرب من الله، تبدأُ بالإسلام وهي الدائرة الأولى في تحقيق القرب من الله، ثم إذا اقترب أكثر دخل دائرة الإيمان، فإن تعمّق في العبادة والخضوع وصل إلى أقرب المراتب إلى الله وهي مرتبة الإحسان.

جزاء الإحسان

ورد الكلام عن جزاء الإحسان والمُحسنين في القرآن الكريم، فقد رتَّب الله سبحانه وتعالى أحسنُ الجزاء على الإحسان، على النحو الآتي:

  • إحسانُ الله تعالى للمحسنين مقابل إحسانهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[١]
  • معيَّةُ الله تعالى للمحسنين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[٢]
  • محبَّة الله تعالى للمُحسنين، قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[٣]
  • حُسنُ الثواب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٤]
  • أجزلُ جزاءٍ للمحسنين الجنةُ والأمانُ من عذاب الله وزيادةٌ كما جاء بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[٥]

حقيقة الإحسان

  • الإحسان لغةً: مصدر من حَسُنَ، والمعنى الذي يفيده لفظ الإحسان هو ضد الإساءة، فإذا قيل رجلٌ مُحسنٌ ومِحسانٌ؛ فمعنى قولهم أنَّه كثير الإحسان، وفسّر الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- الإحسان من خلال الحديث الشريف الذي يرويه الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمَّا سأله جبريل عن الإحسان فأجاب: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)،[٦] والمقصود بالإحسان هنا الإخلاص.
  • الإحسان اصطلاحاً: أن يَعبد المسلم اللهَ تبارك وتعالى وأن تكون هذه العبادة مع حضور القلب واستشعار مُراقبة الله تبارك وتعالى، فتسمو العبادة مع الشعور بمراقبة الله، وتسمو الروح مع الشعور بالقرب من الله فالله مُطّلعٌ عليه والله ناظرٌ إليه، ممّا يُشَكل الدافعية التامّة لدى المسلم لدوام طاعة الله تبارك وتعالى ودافعيةٌ عظيمةٌ لمداومة التقرّب إلى الله، ودافعيةٌ لترك المعاصي وعدم اقترافها بل وهجرها والشعور بالخطأ لمجرد التفكير فيها.[٧]

إنّ الإنسان لا يبلغ درجة ومنزلة الإحسان إلّا بعد أن يَسلك درب العزة والكرامة في صفوف الإسلام، ثم يتدّرج بعد ذلك ويطمئن بالإيمان فيَبذل الرُوح والمُهج، حتى يصل إلى الدرجة التي يشعر فيها أنّه مع الله، وأنّ الله معه، وأنّ الله مُطّلعٌ عليه في كل ما يصدر عنه من فعلٍ وقول، فيرتقي بذلك فكراً، ويسمو رُوحاً، ويُقبل على الله بكل جوارحه،[٨] ولعلّ بعض العلماء قد تجاوز هذا الحد عندما اعتبر أنّ الإحسان هو جميع العبادات، وجميع ما يصدر عن المسلم المحسن من القول، والعمل، التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، وليست من الفرائض، وإنّما نوافل اجتهد بها تقرُّباً إلى الله محبةً وطاعةً، وطمعاً في القرب منه تبارك وتعالى.[٩]

أنواع الإحسان

إنّ الإحسان ليس نوعاً واحداً بل هو أنواعٌ ثلاثةٌ، وهي على النحو الآتي:[١٠]

  • عبادة خوفٍ وطمع: والإحسان هنا هو الإحسانُ المُتعلّق بالعبادة؛ أي عبادةُ الله تعالى، فيَعبدُ المؤمنُ ربَه خوفاً وطمعاً وهرباً إليه سبحانه وتعالى، ولاتكون هذه العبادة إلاَّ بأن يَجتنب نواهيه سبحانه ويُقبلُ على طاعته ويَلتزم أوامره تعالى وما يرضيه، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ).[١١]
  • عبادة شوقٍ وطلب: والإحسان هنا يَتعلّق بعبادة الله أيضاً إلا أنّهُ أعلى مرتبةً في العبادة من النوع الأول، فالإحسان في النوع الثاني يَتعلقُ بِعبادة الله عبادةَ شوقٍ وطلبٍ؛ حيث يأنسُ المؤمنُ بالقرب من الله سبحانه وتعالى، وتتحقق عبادةُ الشوق عندما يَصل المؤمن لدرجة الاشتياق إلى عبادة الله سبحانه وتعالى؛ بحيث يكونُ حريصاً على العبادة وأدائها على أتَمِّ وجهٍ؛ لما يشعر به من اللذةِ بمناجاة ربه والقُربِ منه سبحانه وتعالى والأنسِ به، وقد رُوي عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنَّه قال:(سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ)،[١٢] فإشارته -عليه الصلاة والسلام- إلى الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد تدلّ على هذا النوع من أنواع الإحسان.
  • الإحسان إلى الآخرين: بل الإحسانُ إلى جميع المخلوقات، ويتحقّق هذا الإحسان من خلال الإحسان إلى الوالدين، وكذلك صلة الأرحام، والإحسانُ إلى الضيف، وإكرامه، والإحسانُ إلى الفقير، ومنه الإحسانُ إلى الحيوانات، فقد رُوي عن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئراً، فنزلَ فيها فشرِبَ ثمَّ خرجَ، فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ، فقالَ الرَّجُلُ: لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي، فنزلَ البئرَ، فملأ خفَّهُ، ثم أمسَكهُ بفيهِ، فسقى الكلبَ، فشكرَ اللَّهُ لهُ، فغفرَ لهُ، قالوا يا رسولَ اللَّهِ: وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا فقالَ في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ)[١٣]

المراجع

  1. سورة الرحمن، آية: 60.
  2. سورة النحل، آية: 128.
  3. سورة البقرة، آية: 195.
  4. سورة آل عمران، آية: 148.
  5. سورة يونس، آية: 26.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8.
  7. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور الإسلام وظلمات الكفر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 10. بتصرّف.
  8. محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (1414)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 117، جزء 13. بتصرّف.
  9. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2001)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، السعودية: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 665، جزء 8. بتصرّف.
  10. هشام المحجوبي، ووديع الراضي (27-4-2013م)، “الإحسان في الإسلام”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017م.
  11. سورة الرعد، آية: 21.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1423، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6009، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

الإحسان

خلق الله تبارك وتعالى الإنسان بطبيعةٍ خاصةٍ به تُميّزُه عن بقية الخلق، فالإنسانُ مجبولٌ على القابليّة لسلوك دربين مختلفين، وكل طريقٍ منهما نَقيض الآخر، وجعل الله سبحانه وتعالى الخَيار للإنسان يسلك أيّهما شاء، فله أن يسلك درب الخير، وباستطاعته أن يسلك درب الشر، فالخيار في هذا الأمر للإنسان نفسه، وبالرغم من ذلك فلم يترك الخالق تبارك وتعالى عباده بدون توجيه، بل جعل الخير منازل ومراتب، وحتى درجة القرب من الله، تبدأُ بالإسلام وهي الدائرة الأولى في تحقيق القرب من الله، ثم إذا اقترب أكثر دخل دائرة الإيمان، فإن تعمّق في العبادة والخضوع وصل إلى أقرب المراتب إلى الله وهي مرتبة الإحسان.

جزاء الإحسان

ورد الكلام عن جزاء الإحسان والمُحسنين في القرآن الكريم، فقد رتَّب الله سبحانه وتعالى أحسنُ الجزاء على الإحسان، على النحو الآتي:

  • إحسانُ الله تعالى للمحسنين مقابل إحسانهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[١]
  • معيَّةُ الله تعالى للمحسنين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[٢]
  • محبَّة الله تعالى للمُحسنين، قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[٣]
  • حُسنُ الثواب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[٤]
  • أجزلُ جزاءٍ للمحسنين الجنةُ والأمانُ من عذاب الله وزيادةٌ كما جاء بنص القرآن الكريم في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[٥]

حقيقة الإحسان

  • الإحسان لغةً: مصدر من حَسُنَ، والمعنى الذي يفيده لفظ الإحسان هو ضد الإساءة، فإذا قيل رجلٌ مُحسنٌ ومِحسانٌ؛ فمعنى قولهم أنَّه كثير الإحسان، وفسّر الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- الإحسان من خلال الحديث الشريف الذي يرويه الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمَّا سأله جبريل عن الإحسان فأجاب: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)،[٦] والمقصود بالإحسان هنا الإخلاص.
  • الإحسان اصطلاحاً: أن يَعبد المسلم اللهَ تبارك وتعالى وأن تكون هذه العبادة مع حضور القلب واستشعار مُراقبة الله تبارك وتعالى، فتسمو العبادة مع الشعور بمراقبة الله، وتسمو الروح مع الشعور بالقرب من الله فالله مُطّلعٌ عليه والله ناظرٌ إليه، ممّا يُشَكل الدافعية التامّة لدى المسلم لدوام طاعة الله تبارك وتعالى ودافعيةٌ عظيمةٌ لمداومة التقرّب إلى الله، ودافعيةٌ لترك المعاصي وعدم اقترافها بل وهجرها والشعور بالخطأ لمجرد التفكير فيها.[٧]

إنّ الإنسان لا يبلغ درجة ومنزلة الإحسان إلّا بعد أن يَسلك درب العزة والكرامة في صفوف الإسلام، ثم يتدّرج بعد ذلك ويطمئن بالإيمان فيَبذل الرُوح والمُهج، حتى يصل إلى الدرجة التي يشعر فيها أنّه مع الله، وأنّ الله معه، وأنّ الله مُطّلعٌ عليه في كل ما يصدر عنه من فعلٍ وقول، فيرتقي بذلك فكراً، ويسمو رُوحاً، ويُقبل على الله بكل جوارحه،[٨] ولعلّ بعض العلماء قد تجاوز هذا الحد عندما اعتبر أنّ الإحسان هو جميع العبادات، وجميع ما يصدر عن المسلم المحسن من القول، والعمل، التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى، وليست من الفرائض، وإنّما نوافل اجتهد بها تقرُّباً إلى الله محبةً وطاعةً، وطمعاً في القرب منه تبارك وتعالى.[٩]

أنواع الإحسان

إنّ الإحسان ليس نوعاً واحداً بل هو أنواعٌ ثلاثةٌ، وهي على النحو الآتي:[١٠]

  • عبادة خوفٍ وطمع: والإحسان هنا هو الإحسانُ المُتعلّق بالعبادة؛ أي عبادةُ الله تعالى، فيَعبدُ المؤمنُ ربَه خوفاً وطمعاً وهرباً إليه سبحانه وتعالى، ولاتكون هذه العبادة إلاَّ بأن يَجتنب نواهيه سبحانه ويُقبلُ على طاعته ويَلتزم أوامره تعالى وما يرضيه، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ).[١١]
  • عبادة شوقٍ وطلب: والإحسان هنا يَتعلّق بعبادة الله أيضاً إلا أنّهُ أعلى مرتبةً في العبادة من النوع الأول، فالإحسان في النوع الثاني يَتعلقُ بِعبادة الله عبادةَ شوقٍ وطلبٍ؛ حيث يأنسُ المؤمنُ بالقرب من الله سبحانه وتعالى، وتتحقق عبادةُ الشوق عندما يَصل المؤمن لدرجة الاشتياق إلى عبادة الله سبحانه وتعالى؛ بحيث يكونُ حريصاً على العبادة وأدائها على أتَمِّ وجهٍ؛ لما يشعر به من اللذةِ بمناجاة ربه والقُربِ منه سبحانه وتعالى والأنسِ به، وقد رُوي عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنَّه قال:(سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ)،[١٢] فإشارته -عليه الصلاة والسلام- إلى الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد تدلّ على هذا النوع من أنواع الإحسان.
  • الإحسان إلى الآخرين: بل الإحسانُ إلى جميع المخلوقات، ويتحقّق هذا الإحسان من خلال الإحسان إلى الوالدين، وكذلك صلة الأرحام، والإحسانُ إلى الضيف، وإكرامه، والإحسانُ إلى الفقير، ومنه الإحسانُ إلى الحيوانات، فقد رُوي عن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليهِ العطَشُ فوجدَ بئراً، فنزلَ فيها فشرِبَ ثمَّ خرجَ، فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكلُ الثَّرَى منَ العطَشِ، فقالَ الرَّجُلُ: لقد بلغَ هذا الكلبَ منَ العطشِ مثلُ الَّذي كانَ بلغَ بِي، فنزلَ البئرَ، فملأ خفَّهُ، ثم أمسَكهُ بفيهِ، فسقى الكلبَ، فشكرَ اللَّهُ لهُ، فغفرَ لهُ، قالوا يا رسولَ اللَّهِ: وإنَّ لنا في البهائمِ أجرًا فقالَ في كلِّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجرٌ)[١٣]

المراجع

  1. سورة الرحمن، آية: 60.
  2. سورة النحل، آية: 128.
  3. سورة البقرة، آية: 195.
  4. سورة آل عمران، آية: 148.
  5. سورة يونس، آية: 26.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8.
  7. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور الإسلام وظلمات الكفر في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 10. بتصرّف.
  8. محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (1414)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 117، جزء 13. بتصرّف.
  9. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2001)، جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري) (الطبعة الأولى)، السعودية: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 665، جزء 8. بتصرّف.
  10. هشام المحجوبي، ووديع الراضي (27-4-2013م)، “الإحسان في الإسلام”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 28-2-2017م.
  11. سورة الرعد، آية: 21.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1423، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6009، صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى