محتويات
الحُب في الإسلام
الحُب أمرٌ جِبِلّي فُطِر عليه النّاس ونشأ معهم، وقد دعا الإسلام إلى المَحبّة والحُبّ بشتى صوره، وجعل له ضوابطَ وقواعدَ وأُسس، وجعل منه المُباح والواجب والمُحرَّم، وذلك مَبْنِيٌ على الوسائل المُستخدَمة في استغلال الحُبّ؛ فإن كانت تلك الوسائل صحيحة شرعيّة كان الحُبّ مُباحاً وإن كانت غير ذلك كان مُحرماً منبوذاً، وقد صَحّ عن رسول -عليه الصّلاة والسّلام- قوله في الحديث الذي يرويه عبد الله بن عباس: (لم يُرَ للمُتحابّين مثل النّكاح)،[١] فالسَّبيل الوحيد للحُبّ في الإسلام الزّواج، وأمّا ما عدا ذلك من حبٍ بين الرِّجال والنّساء فسيأتي بيانه تفصيلاً في هذا المقال.
الحُب – تعريفه وأنواعه
معنى الحب
الحُبُّ لُغةً: الوداد، وَكَذَلِكَ الحِبُّ. حكى عَن خَالِد بن نَضْلَة: مَا هَذَا الحِبُّ الطَّارِقُ، وَالحِبابُ كالحُبّ، واحَبَّه فَهُوَ محبوبٌ، على غير قِيَاس، هَذَا الْأَكْثَر وَقد قيل مُحَبُّ على الْقيَاس. وحَكَى سِيبَوَيْهٍ: حَبَبْتهُ واحْبَبْتُه بِمَعْنى، وَحكى اللحيانيّ عَن بني سليم مَا أحَبْتُ ذَاك: أَي مَا احببتُ. والحِبُّ: المحبوب، وَكَانَ زيد بن حَارِثَة يُدْعَى حِبّ رَسُول الله صلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم، وجمعُ الحِبّ أحبابٌ وحِبَّانٌ وحُبُوبٌ وحِبَبَةٌ وحُبٌّ، والحَبيبُ والحُبابُ: الحِبُّ، وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ.[٢] الحُب اصطلاحاً: مَيلُ النّفس مع العقل؛ فإذا تجاوز العقل فهو العشق.[٣]
أنواع الحبّ
تتعدّدت أنواع الحُب بحسب المُحِب والمحبوب وسبب المَحبّة، وذلك على التّفصيل الآتي:[٤]
- حبّ الله ورسوله: فمحبّة الله ورسوله فرض على كل مُسلم ومسلمة، بل إنّ تلك المَحبّة شرط من شروط الإيمان. قال -عليه الصّلاة والسّلام-: (لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحب إليه من والده وولده والنّاس أجمعين)،[٥] وهذه المَحبّة تستلزم طاعة المحبوب، فمن يُحبّ أحداً يُطعيه فيما يطلب منه، وإن زعم شخصٌ أنّه يُحبّ أحداً ولم يُطعه فقد أقام الحُجّة على نفسه بعدم صدقه في ادعائه.
- حب المُؤمنين والعلماء والصّالحين: وذلك من أفضل القُرَب وأجَلّ العبادات التي يتقرّب بها إلى الله عزّ وجلّ، قال صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثة من كُنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممّا سواهما، وأن يُحبّ المرء لا يُحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النّار).[٦] وعنه صلّى الله عليه وسلّم قال: (أوثق عُرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله عز وجل)،[٧] وكما يُحبّ العبد المُؤمنين الصّالحين من عباد الله لا بد له أن يبغض كلّ من يُعادي الله ويُعادي دينه وأولياءه، فإنّ ذلك من مُستلزمات الإيمان وضروراته.
- مَحبّة الزّوجة والأولاد: فُحبّ الزّوجة أمر جبليّ مُكتسب؛ إذ يميل المرء إلى زوجته بالفِطرة ويسكن إليها، وكذا مَحبّة الولد أمر فطريّ. ولا يؤاخذ المرء إذا أحبّ أحد أولاده أكثر من الآخر، ولا إحدى زوجتيه ـ إن كان له زوجتان- أكثر من الزّوجة الأُخرى، وإنّما يحرم أن يُفضّل المحبوب على غيره بالعطايا أو بغيرها ممّا يملك من غير مُسوّغ، فعنه صلّى الله عليه وسلّم قال: (من كان له امرأتان يميل لإحداهما جاء يوم القيامة وأحد شِقّيه مائل).[٨] وعن النّعمان بن بشير قال: (تصدَّق عليَّ أبي ببعضِ مالِه. فقالت أميّ عَمرةُ بنتُ رواحةَ: لا أرضى حتّى تُشهدَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فانطلق أبي إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليشهدَه على صدقتي. فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ (أفعلْتَ بولدِك هذا كلِّهم؟) قال: لا قال: اتَّقوا اللهَ واعدِلوا في أولادِكم، فرجع أبي فردَّ تلك الصّدقةَ).[٩]
- مَحبّة الوالدين وسائر الأقارب: فكل إنسان مَفطور على حبّ أبويه حيث إنّهما كانا السّبب في وجوده، ناهيك عن تعبهما وسهرهما على راحته، ومُراعاة مصلحته. ومن الجدير بالذّكر أنّ أنواع الحبّ سالفة الذّكر كلها تتنقل بين الجواز والوجوب والاستحباب، وليس هذا موضعاً لإيراد حكمها تفصيلاً.
- الحبّ بين الفتيان والفتيات: وهو ما سيُبحث في حكمه بالتّحديد.
الحب في الإسلام – حلالٌ أم حرام؟!
ذُكِرَ سالفاً عدة أنواعٍ للحب، لكن الذي تتوارد إليه الأذهان فور ذكر الحبّ هو الحبّ الذي يكون بين الشّباب والفتيات، في المدارس والجامعات والمعاهد ومواقع التّواصل الاجتماعيّ وأماكن العمل، وغيرها من الأحوال التي تكثر فيها قصص الحُب بين الشّباب والفتيات، ويتلخّص ذلك فيما يأتي:
علامات الحُب
عدَّ ابن حزم الظاهريّ في رسائله بضع علامات للحب يُعرف المُحِبُّ بها، منها:[١٠][١٠]
- إدمان النّظر إلى المحبوب وإقبال العين عليه: فإنّ العين باب القلب، وهي الكاشفة عن بواطنه وأسراره، لذلك فإنّ عين المُحبّ تكشف ما يدور في قلبه، إذ يتنقل بنظره تلقاء من يُحبّ أنّى انتقل وإلى أيّ مكان توجّه.
- اضطراب يبدو على المُحبّ عند رؤية من يُشبه محبوبه أو عند سماع اسمه فجأة.
- الإقبال على حديث المحبوب وإلقاء سمعه كلّه إليه يُفرّغُ لحديثه سمعه وقلبه، وإن ظهر منه إقبال على غيره فهو إقبال مُستعار يستبين فيه التكلّف لمن يرمقه، ومنها البهت والرّوعة التي تحصل عند مواجهة الحبيب أو عند سماع ذكره، ولا سيّما إذا رآه فجأة أو طلع عليه بغتةً.
- بذل المُحِبّ في رضا محبوبه ما يَقدر عليه.
- حبّ الوحدة والأُنس بالخلوة والتفرّد عن النّاس، وقد استنكر الإمام ابن قيم الجوزيّة هذا النّوع من الحب الذي يحمل هذه العلامات، واعتبره حُبّاً حيوانيّاً.
الحكم الشرعيّ للحب
يمكن القول في التّأصيل الفقهيّ للحب أنّه لا بأس بتاتاً أن يميل قلب رجل إلى امرأة يسمع عن صفاتها وأخلاقها وشمائلها، وكذلك أن تُحب امرأة رجلاً شاهدت وعلمت من صفاته وشمائله ما يدعوها إلى الزّواج منه، ولكن لا يجوز بتاتاً أن تكون هناك ثمّة علاقة أو تواصل بين رجل وامرأة؛[١١] سواءً باتّصال، أو نظرة، أو همسة، أو كلمة، أو لقاءٍ أو غير ذلك، وكلّ ما يتمّ من تواصل بخلاف ذلك يكون مُحرّماً، فالحُرمة ليست في ذات الحبّ، إنّما فيما يصدر عن المُتاحبّين من أفعالٍ، أو أقوال، أو كنظرٍ، أو تغازلٍ أو غير ذلك.
وبناءً على ذلك يمكن تقسيم الحب إلى قسمين:[١٢]
- ما لا يستطيع القلب ردّه وهذا يُعرض على القلب: ولا دخل للإنسان فيه -وهو تَمّ ذكره آنفاً- وهذا النّوع من الحب لا يأثم به المُسلم لأنّه خارج عن إرادته، وقد كان النّبي -صلّى الله عليه وسلّم – يطلب من ربّه أن يُسامحه على ميل القلب الذي لا يملكه الإنسان، فقد رُوِي عن السّيدة عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: كان رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- يُقسّم فيعدل، ويقول: (اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ).[١٣]
- ما كان القلب فيه مُختاراً مُريداً لفعل الحُب: وهو ما تنطلق فيه الجوارح بما تشاء من كلامٍ وغزل ومُراسلات مُحرّمة، وأحياناً اختلاط وخُلوة، ممّا يُدمّر البيوت ويُفسد المُجتمعات، ويُسبّب العداوة والبغضاء فيما بين النّاس. ولعل هذا الذي يقصده أكثر الشّباب في أسئلتهم، وحكم هذا الحب حرامٌ آثمٌ فاعله، سواءً كان باللّقاء المباشر، أم بالاتّصال عبر الهاتف، أم بوسائل التّواصل المُعاصرة كالفيسبوك والواتساب وغيرها من مواقع التّواصل الاجتماعيّ.
أدلة تحريم النّوع الثّاني من الحُب
- قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).[١٤]
- قول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ).[١٥]
- قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان).[١٦]
- قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه النّاس)،[١٧] فالإثم لا يتماشى مع النّفس، بل النّفس المؤمنة تُنكِرُه وتَكرَهُه، ومن البدهيّ أنّ الذي يُحبّ أو تُحبّ أجنبيّاً فإنّه لا يُحبذ أن يطلع النّاس على ما يُضمر.
المراجع
- ↑ رواه الخليلي، في الإرشاد ، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2/653، إسناده جيد.
- ↑ أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده (2000)، المُحكم والمحيط الأعظم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 543، جزء 3.
- ↑ محمد رواس قلعجي، حامد صادق قنيبي (1988)، معجم لغة الفقهاء (الطبعة الثانية)، عمان: دار النفائس، صفحة 173.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (27/9/2001)، “حكم الحب في الإسلام”، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 31/10/2016. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 44.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 16.
- ↑ رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 4/85، حديث ضعيف.
- ↑ رواه ابن حزم، في المحلى، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 10/41، يُحتج به.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 1623.
- ^ أ ب أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (1980)، رسائل ابن حزم الأندلسي (الطبعة الأولى)، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، صفحة 103، جزء 1.
- ↑ عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف (1988)، الزواج في ظل الإسلام (الطبعة الثالثة)، الكويت: الدار السلفية، صفحة 38.
- ↑ غانم غالب غانم، منكرات الأفراح، صفحة 18-20-. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 2134، صحَّحه ابن حبان والحاكم.
- ↑ سورة النور، آية: 30.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 6243.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1171، حسن صحيح.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن النواس بن سمعان، الصفحة أو الرقم: 2553.