محتويات
مفهوم الإسراء والمعراج
جاءت حادثة الإسراء والمعراج تثبيتاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوته، وإكراماً له بعد جفاء المشركين، وفيما يأتي معنى الإسراء والمعراج:[١]
- الإسراء: يقال أسرى من السّرى، وهو السير ليلاً، والمقصود بقوله تعالى: (أَسرى بِعَبدِهِ)،[٢] أي جعل البراق يسري به، ويقصد بالإسراء: الرحلة التي أكرم الله -تعالى- نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- بها من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس.
- المعراج: هو ما أعقب رحلة الإسراء من العروج بالرسول -عليه السلام- إلى السماوات العلا، حتى الوصول إلى مستوى تنقطع عنده الخلائق.
وقد ورد ذكر الحادثة في القرآن الكريم، قال تعالى: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى)،[٢] وأما ذكر المعراج فقد ورد في سورة النجم، قال تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى).[٣][١]
زمن وقوع الإسراء والمعراج
بعد أن رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- مغموماً حزيناً من الطائف وما حصل له من الايذاء حتى سال الدم منه، وفي ظلّ هذه الظروف، لم يكن ينتظر بدلاً ولا مكافأة، لكن الله -تعالى- أعطاه هذه الرحلة السماوية تثبيتاً وتكريماً له،[٤] وقد اختُلف في وقت وقوعها فقيل: قبل الهجرة بسنة، وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين، ولا خلاف بين العلماء أن الحادثة كانت بعد عودة النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطائف.[١]
وقد شاع بين الناس أن ليلة الإسراء والمعراج هي في السابع والعشرين من شهر رجب بالتحديد، وهذا غير صحيح، والسبب أنه لم ترد في ذلك أحاديث نبوية صحيحة، أو أقوال عن الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك أهل التأريخ والسير لم يتفّقوا على ذلك، بل ولا ذهب أكثرهم إليه، فالأقوال ما بين وقوعها قبل الهجرة بسنة، وقيل قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل قبل الهجرة بشهر، والخلاصة أنه لم يرد حديث صحيح في تحديد وتعيين الشهر والسنة التي أُسري فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.[٥]
الإسراء والمعراج يقظة بالروح والجسد
إن حادثة الإسراء والمعراج ثابتة بإجماع المسلمين بالقرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة المتواترة، وقد اختلف العلماء هل كان الإسراء والمعراج ببدن وروح النبي، أم بروحه فقط؟ والراجح أنه أُسرِي ببدنه وروحه يقظةً لا مناماً، والدليل على ذلك أن قريشاً أنكرت الموضوع، ولو كان مناماً لما أنكرته.[٦][٧]
أحداث الإسراء
انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رحلة الإسراء والمعراج بعد أن صلّى العتمة، فركب البراق؛ وهو وسيلة الانتقال، وسمّيت هذه الدابة بالبراق من البريق، وهو اللون الأبيض أو من البرق؛ لأنه شديد السرعة في سيره، وقد بدأت الرحلة باتّجاه بيت المقدس تتخلّلها أماكن في الطريق يصلّي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كما ورد في الحديث، قال رسول الله: (فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتى بلغنا أرضا ذات نخل فأنزلني)،[٨] وحينها وصل رسول لله إلى بيت المقدس، ثم ربط البراق، حيث قال رسول الله: (فَرَبَطْتُهُ بالحَلْقَةِ الَّتي يَرْبِطُ به الأنْبِياءُ، قالَ ثُمَّ دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فيه رَكْعَتَيْنِ)،[٩] وفي هذا تأكيد أنه صلّى منفرداً، ولم يكن يعرف شكل الأنبياء حين قابلهم في السماء، والأغلب أنه صلّى بهم عند عودته، وبعد ذلك جاءه جبريل بقدحين كما ورد في الحديث حيث قيل: (أُتِيَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ به بإيلِيَاءَ بقَدَحَيْنِ مِن خَمْرٍ، ولَبَنٍ فَنَظَرَ إلَيْهِما فأخَذَ اللَّبَنَ، قالَ جِبْرِيلُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لو أخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ).[١٠][١١]
أحداث المعراج
أُسري بالنبي من مكة إلى بيت المقدس، وهو يركب دابّة البراق، وما أن وصل إلى باب المسجد، ربط الدابة، ودخل وصلّى، ثم أتى المعراج، وهو كالسّلم، فصعد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء الدنيا، ومنه إلى السماوات العلى، ومرّ بمجموعةٍ من الأنبياء، ووصل إلى سدرة المنتهى، ورأى جبريل على هيئته وله ستمئة جناح، ورأى رفرفاً أخضراً، ورأى البيت المعمور، ورأى الجنة والنار، وفي هذه الرحلة العظيمة فُرضت الصلوات خمسين، ثمّ خفّفها الله -سبحانه- إلى خمس، ثمّ هبط -عليه السلام- إلى بيت المقدس ومعه الأنبياء، فصلّى بهم جميعاً.[١٢]
ومن المشاهد التي رآها رسول الله في السماء الدنيا: حال أكلة أموال اليتامى ظلماً، وحال النساء اللاتي يُدخلن على الأزواج ما ليس منهم؛ أي يدخلن عليهم ما ليس من أولادهم، وحال المغتابين، وحال الزناة، وحال أكلة الربا.[١]
أهداف الإسراء والمعراج
لقد كرّم الله عز وجل رسوله صلى الالله عليه وسلم بهذه المعجزة العظيمة، وكانت وسيلة لتثبيت قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ما لقيه من البلاء، ولهذه الرحلة دروس وأهداف عظيمة أهمها ما يأتي:[١٣]
- امتلاء قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- باليقين والراحة والثقة بالله سبحانه وتعالى، وذلك بعدما رأى مظاهر قدرة الله -عز وجل- العظيمة وآثار رحمته سبحانه.
- توطئة لرحلة الهجرة.
- رؤية النبي لشيءٍ من الغيب الذي بلّغه للناس، حيث رأى الجنة والنار، ورأى النعيم والعذاب فيهما.
- رحلة الإسراء والمعراج تثبيتٌ لمن آمن بالله، واختبار وتمحيص لمن كان إيمانه ضعيف، وبالتالي يدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- المتردّد في إيمانه الضعيف فيه، والمؤمن الحق القوي المخلص، فتخلص صفوف المؤمنين من ضعاف الإيمان ويبقى فيه الثابتون الأقوياء لبدء رحلة الهجرة الجديدة.
- شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواجهته للمشركين، حيث جهر بالحق وواجههم بما تنكره عقولهم ولا تدركه تصوّراتهم.
- تسلية الرسول -صلى الله عليه وسلّم- وتثبيته؛ فقد بيّن الله -عز وجل- أنه ناصره، وجاعل رسالته تمتدّ حتى تصل إلى بيت المقدس، ومسخّرا له الجند من السماء، فكلّ محنة منحة، وكان ذلك تكريماً عظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
المراجع
- ^ أ ب ت ث موسى العازمي (2011)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، الكويت: المكتبة العامرية، صفحة 457-483، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة الإسراء، آية: 1.
- ↑ سورة النجم، آية: 13-18.
- ↑ الدكتور أحمد الحسنات (3-4-2019)، “نفحات من ذكرى الإسراء والمعراج”، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 7-6-2019. بتصرّف.
- ↑ “متى كان الإسراء والمعراج؟”، www.ar.islamway.net، 2014-5-25، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2019. بتصرّف.
- ↑ يحيى الزهراني، “الإسراء والمعراج”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-6-2019. بتصرّف.
- ↑ “الإسراء كان بالجسد والروح يقظة لا مناما”، www.islamweb.net، 2003-11-3، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البيهقي، في دلائل النبوة، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم: 2/355، إسناده صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 162، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4709، صحيح.
- ↑ د. راغب السرجاني (5-5-2016)، “رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى”، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 7-6-2019. بتصرّف.
- ↑ أحمد غلّوش (2004)، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي (الطبعة الأولى)، لبنان: مؤسسة الرسالة، صفحة 390، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عادل أبو الهيثم (23-10-2016)، “الإسراء والمعراج: آيات باهرات وعبر وعظات”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2019. بتصرّف.