يوم العيد
ها قد تناولت إفطار آخر يومٍ من أيّام رمضان، ويا له من يومٍ جميلٍ أختتم فيه أروع ثلاثين يومٍ من أيّام حياتي، قضيتها وأنا أرجو أن أكون قد قمت بواجبي تجاه ربي، وقضيتها وأنا أنتظر بلهفةٍ يوم غد، يوم غدٍ سيكون أجمل، ستكون فيه الشمس مبتسمةً تشعّ بنورها اللامتناهي على كلّ من قام وفي قلبه فرحةٌ لا توصف، وكيف لا يفرحون وقد أنعمهم الله بيوم عيدٍ لنفرح فيه، أيحبّنا الله إلى هذ الحد؟ يأمرنا بالفرحة؟ من يفعل ذلك؟ من يحبّ أن يرى شخصاً آخر فرحاً بل ويأمره بذلك؟ إنّه الله جلّ علاه.
أنهيت إفطاري وعقلي مليءٌ بالأفكار والمخطّطات ليوم غد، فأنا لا أحتسبه يوم فرحةٍ وتزاورٍ فحسب، بل يومَ شكرٍ لله، لأنّه قدّرني على أن أصوم، وأقوم، وأجتهد، وأتصدّق في أفضل الأيّام، يوم شكرٍ على كلّ لقمةٍ تناولتها بعد جوعٍ وعطشٍ صبرت عليهما بحبٍّ لوجه الله، يوم شكرٍ على أهلي وأصدقائي وجيراني الذين شاركونا أحلى الأيّام، يوم شكرٍ على الثياب الجميلة المعلّقة في خزانتي التي رزقني إيّاها الله، فشكراً يا الله.
جاء يوم العيد وجاءت قبله رائحة الكعك المفعمة باليانسون ورائحة القهوة والهال، أيقظتني من نومي لأبدأ يومي كما يريد ربّي، ارتديت ثيابي الجميلة وذهبت بفوري إلى والدايّ لأقبّل يديهما الطاهرتين، ففرحتي هذه كلّها مرتبطةٌ بهما، فرحتي تكتمل برؤية ابتسامتهما، وبسماع عبارة (الله يرضى عليك) تخرج بصوتهما العذب، والداي الذان لا يوفي حقّهما أيّ شعرٍ أو نثرٍ على الإطلاق، هم من زرعوا بقلبي حبّي لربّي وقوّيا إيماني، هما من صنعا للعيد بهجةً منذ ولدت، قبّلت يديهما وعايدت إخوتي وإذا بباب المنزل يدقّ ففتحته لأجد أعمامي وعمّاتي قد أتوا ليشاركونا فرحة العيد.
جلست في زاوية الصالة مبتسماً أنظر إلى ضحكة عمّي وأستمع لحديث عمّتي وأستشعر طعم القهوة التي يتناولها أبناء عمّي، وفكّرت في نفسي كم أنّي محظوظٌ بعائلتي، عائلتي الّتي لا يكتمل للعيد بهجةٌ من دونها، عائلتي التي لا يكون للكعك مذاقٌ إن لم يشاركونا إيّاه، عائلتي الّتي تحثّنا دوماً على صلة الرحم، فحمداً لله على هذ النّعمة.
تناولت في ذلك اليوم الكثير من الكعك والقهوة وكنت في كلّ مرّةٍ آكل فيها كعكةً أشعر بأنّها أوّل مرّةٍ من طيب طعمها ورائحتها، كيف لا وقد صنعته أمّي وخالاتي، كيف لا وقد وضعن به كلّ حبّهنّ لنا وليوم العيد، كيف لا وقد نوين أن يطعمنه للضّيف ليكرمنه به، وأمّا القهوة فهي حكايةٌ ثانية، فطعمها ينبّه كلّ حواسي.
ها قد انتهى أوّل يومٍ من أيّام العيد، وبقي له يومان من الفرح والسرور وصلة الرّحم، وأدعو الله راجياً أن أكون قد قمت بواجبي وأدّيت كلّ ما عليّ من أمورٍ أمرني الله بها في يوم العيد، وكلّي يقينٌ بأنّ فرحتي بهذا اليوم لا تشبه فرحة أيّ مناسبةٍ أو عيدٍ آخر.