محتويات
وقت الفراغ
يُعتبَر مصطلح وقت الفراغ من المفاهيم مُتعدِّدة الجوانب، وذات الأبعاد الاجتماعيّة، والترويحيّة، والنفسيّة، ويمكن تعريفه بأنّه: الوقت الذي يتميَّز بجملة من الخصائص الأساسيّة؛ فهو الوقت الذي يتحرَّر فيه الفرد من الالتزامات، والعمل، والمسؤوليّات الأساسيّة التي يحرص عليها خلال حياته اليوميّة، كما أنّه الوقت الذي ليس له هدف عمليّ، أو نَفعيّ مُباشر، وهو بذلك يرتبطُ بالجانب الذي يرى بأنّ النشاط القائم في وقت الفراغ يهدف بشكل أساسيّ إلى المرح، واللهو، والمُتعة، ويرى جانب آخر أنّه إذا أحسنَ الفرد قضاء وقت الفراغ، واستثماره، بما هو هادف، وفاعل، فإنّه بذلك يُحقِّق وظائف نفسيّة مُهمّة، كتحقيق التوافُق الاجتماعيّ، والتوازُن النفسيّ، أمّا إذا أساء استغلاله، فإنّ ذلك يعود عليه بالضَّرر، ويُؤثِّر في شخصيّته.[١]
لا يمكن اعتبار وقت الفراغ مسألةً أو ظاهرة ثانويّة، وغير مُهمّة، كما أنّه لا يمكن إنكار مدى قيمته، وأهمّيته بالنسبة إلى أفراد المجتمع، والمجتمع نفسه؛ فقد أصبح وقت الفراغ حقيقة ملموسة وظاهرة تحتاج إلى البحث، والدراسة، والفَهْم العميق، وإجراء وسائل المُعالَجات الموضوعيّة، وفي الآونة الأخيرة، ومع ظهور التقدُّم التكنولوجيّ، والتقنيّ، تزايدَ وجود وقت الفراغ لدى أفراد المجتمع، وظهرت العديد من المشكلات الجديدة التي تتعلَّق باستغلاله واستثماره بما هو مفيد، ويزداد الأمر أهمّية فيما يتعلَّق بفئة الشباب؛ فالشباب هم أساس الحياة الاجتماعيّة، وبناء المجتمع.[٢]
أهمّية استثمار أوقات الفراغ
تُؤدّي مُمارَسة الهوايات، والأنشطة الهادفة في أوقات الفراغ، إلى سَدّ العديد من الحاجات لدى الشباب، سواء كانت حاجات عقليّة، أو جسميّة، أو اجتماعيّة، أو انفعاليّة، أو عمليّة، وفيما يلي نبيِّن هذه الحاجات بالتفصيل:[٣]
- الحاجات الجسميّة: تُساهم ممارسة الأنشطة المُثمِرة، كالرياضة، في تنشيط الدورة الدمويّة، إضافة إلى إزالة التوتُّرات العَضَليّة التي تنشأ؛ بسبب الجلوس لساعات طويلة في المدرسة، أو العمل.
- الحاجات الاجتماعيّة: تُؤدّي ممارسة الهوايات، والأنشطة الفعّالة مع الآخرين، إلى الشعور بالمرح، والمُتعة، والراحة النفسيّة بشكل أكبر مقارنة بممارسة الأنشطة بشكل فرديّ، وتُؤدّي هذه المشاركة إلى نُموّ الجانب الاجتماعيّ للفرد، وتطوير علاقاته مع الآخرين.
- الحاجات العمليّة والعقليّة: فممارسة الهوايات، والأنشطة الهادفة لاستثمار أوقات الفراغ يُساهم بشكل كبير في الحصول على الخبرة، والتدريب، والمعرفة، والمهارة، فقد تُصبح الهواية حِرفة يُمارسُها الفرد، ويُحقِّق من خلالها أهدافه العمليّة في الحياة.
- الحاجات الانفعاليّة: قد تنشأ عند بعض الشباب دوافع نفسيّة غير واضحة، تُعرَف بالدوافع اللاشعوريّة، أو المكبوتة، وقد تتطوّر عند بعض الشباب بحيث تُجبرُهم هذه الدوافع على أن يسلك سلوكاً شاذّاً، ومُضطرباً، حيث تُسمَّى حينها بالحاجات الانفعاليّة، كالحاجة إلى الإنجاز، والإبداع، والتكوين، وهذه الحاجات الانفعاليّة لا تُشبَعُ، ولا تأخذ حقَّها ضمن أُطُر التعليمات، والتنظيمات، والقوانين، والأوامر، والنواهي؛ وذلك لشعور الشباب بالقيود، وعدم الحرّية، وبذلك يكون وقت الفراغ هو الوقت المناسب؛ لممارسة النشاط الإبداعيّ بحرّية، ودون قيود.
أنشطة لمَلء أوقات الفراغ
تَكمُن أهمّية تصنيف النشاطات المُتوفِّرة في مراكز الخدمة الاجتماعيّة، ومراكز الشباب، والمُؤسَّسات التربويّة، والتعليميّة، في مساعدة الشباب على ممارسة الأنشطة، والفعاليّات التي تُناسب قدراتهم، وميولهم، والفروق الفرديّة فيما بينهم، ولا يُشترَط وجود كافّة الأنشطة ضمن مكان واحد؛ فانتشارها في أماكن مختلفة يُساعد الشباب على تحقيق التقارُب الاجتماعيّ؛ وذلك بسبب الانتقال بكثرة بين المناطق، والأحياء السكنيّة، وفيما يلي نذكرُ أهمّ هذه الأنشطة:[٣]
- النشاط الابتكاريّ والإبداعيّ: ويتضمَّن الأعمال التي تتطلَّب الإبداع، والابتكار؛ كالرَّسْم، والنَّحْت، والديكور، والزخرفة، والحِرَف اليدويّة، وإعداد نماذج السيّارات، والطائرات، والميكانيكا، ويمكن للفتيات -بالإضافة إلى الأنشطة السابقة- أن يمارسنَ عمليّة الطهي، وتنسيق الورود، والنسيج، وغيرها من الأنشطة.
- النشاطات التربويّة والتعليميّة: كإجراء التجارب الكيميائيّة، ودراسة عوالم النبات، والحيوان، والطيور، وإصلاح الأجهزة الإلكترونيّة، والكهربائيّة، والساعات، وقراءة القصص التاريخيّة، والروايات العالَميّة، وكُتُب التاريخ العربيّ، والإسلاميّ، إضافة إلى الدخول في مسابقات دينيّة؛ لحفظ القرآن الكريم، وفَهْم العقيدة الإسلاميّة.
- أنشطة جَمْع المُقتنَيات: كجَمْع الطوابع، والكُتُب، والعملات العالَميّة، والخَزَف، والحشرات، والأصداف البحريّة، والخرائط الجغرافيّة، وصُوَر الحيوانات المختلفة، واللوحات الفنّية.
- الألعاب التنافُسيّة: كلعب كرة القدم، وكرة السلّة، والكرة الطائرة، وكرة المضرب، والسباحة، والرماية، والمُصارعة، وسباق الخيول، والدرّاجات، والعَزْف على الآلات الموسيقيّة، وألعاب الحواجز، والصَّيد، والتجديف، والتمثيل النزيه.
- نشاطات الاستماع أو المشاهدة: كمشاهدة برامج التلفاز الهادفة، وحضور الحفلات المفيدة، والتمثيل المسرحيّ، وسماع المذياع، والتسجيلات الصوتيّة.
- نشاطات المشاركة في الخدمات الاجتماعيّة: كالمشاركة في خدمة البيئة، والالتحاق بالكشَّافة، والمشاركة في الخدمات التطوُّعية، كالإنقاذ، والتمريض، والإسعاف.
- التدريب المهنيّ: وهو واحد من أفضل الطُّرُق لاستثمار وقت الفراغ بشكل هادف وفعّال، حيث يُشجَّع الشباب على الالتحاق بمجالات الحِرَف، والأعمال الزراعيّة، والصناعيّة، والمهنيّة، والوصول إلى إتقان حرفة، أو مهنة مُعيَّنة تُنمِّي دَخْله المادّي، وتُغنيه عن الوظائف الحكوميّة، أو الإداريّة، ومن المِهَن والحِرَف التي يتضمَّنها التدريب المهنيّ: النجارة، والسباكة، وأعمال البناء، والحِدادة، وإصلاح الأجهزة الإلكترونيّة، والكهربائيّة، والسيّارات، وتنسيق الحدائق، وأعمال الفنادق، والخدمات الطبّية، والطباعة على الآلات الكاتبة، وصناعة المياه الغازيّة.
- الحَاسُوب (بالإنجليزيّة: computer): يُعتبَر تدريب أفراد المجتمع على استخدام الحاسوب ضرورةً لا غنى عنها في هذا العصر؛ ووسيلة مُهمّة لاستثمار أوقات الفراغ بشكل إيجابيّ، وهادف، ونظراً لارتفاع تكاليف مَعدّات التشغيل، والأجهزة، فإنّ الشباب يجدون صعوبة في اقتنائها؛ لذا لا بُدَّ أن تحرص المُؤسَّسات التربويّة، والتعليميّة، والوسائل الإعلاميّة على شراء الأجهزة، وبرامجها؛ حتى يتعلَّم الشباب لغة العصر، ممّا يُمكِّنهم من استثمار أوقاتهم بشكل إيجابيّ.
العلاقة بين المشكلات الاجتماعيّة ووقت الفراغ
تمّ إجراء بعض الإحصائيّات على عيِّنات من بعض المجتمعات؛ لتوضيح العلاقة بين حجم وقت الفراغ، والمشكلات النفسيّة، والاجتماعية عند الذكور، والإناث، وقد أظهرت هذه الإحصائيّات أنّ الذكور الذين لديهم مستوى أكبر في المشكلات الاجتماعيّة يملكون وقت فراغ كبير؛ حيث وصل وقت الفراغ لديهم إلى حوالي 45 ساعة في الأسبوع تقريباً، أمّا الأفراد الذين لديهم مشكلات اجتماعيّة أقلّ، فإنّهم يملكون وقت فراغ يُقدَّر ب 18 ساعة في الأسبوع تقريباً، وفي الإحصائيّة ذاتها، تَبيَّن أنّ النساء ذوات المشاكل الاجتماعيّة الأقلّ، يملكن وقت فراغ يصل إلى 38 ساعة أسبوعيّاً تقريباً، أمّا من يملكن مشكلات اجتماعيّة أكبر، فإنّ وقت الفراغ لديهنّ يُقاربُ 39 ساعة أسبوعيّاً، ويتبيَّن من خلال هذه النتائج أنّ هناك علاقة طرديّة بين المشكلات الاجتماعيّة، وحجم الفراغ لدى الأفراد؛ فكلّما زاد وقت الفراغ، زادت المشكلات الاجتماعيّة عند الأفراد، والعكس صحيح، ومن المشكلات الاجتماعيّة: الاغتراب، والوحدة، والشعور بالحُزن، وعدم الرغبة في الاختلاط بالمجتمع.[٤]
المراجع
- ↑ -، الصحة النفسية، صفحة 1. بتصرّف.
- ↑ د.فاتن مبارك، وقت الفراغ والتنمية الثقافي: أية علاقة؟، صفحة 8. بتصرّف.
- ^ أ ب د. عثمان سيد أحمد محمد خليل، الشباب وأوقات الفراغ، صفحة 120-124. بتصرّف.
- ↑ أ. م . د محمد عطية المقروش، أ. م . د فــرج مـحـمـد بـنسـلـيـم، 1 المشكلات النفسية والاجتماعية وعلاقتها بوقت الفراغ لدى طلاب المرحلة الثانوية، صفحة 11،13. بتصرّف.