لم تكن جانيت ذات السبعة أعوام تدري أنه سيأتي يومٌ تُشرق فيه الشمس عليها، وجسمها ليس ككل البنات، حيثُ تنمو أذناها عند الصباح، وتعودان لحجمها الطبيعي عند المساء، أما عن شعرها ففيه خُصلٌ ضوئية تعمل عند دخولها مناطق مُظلمة، لم تُفشي جانيت سرها لأمها، ولا لصديقاتها في المدرسة اللواتي غالباً ما سيبادرنها بوابلٍ من السُخرية، لذا فضلت أن تحتفظ بسرها، لكنها لم تستطع أن تتكيف مع الأمر بعد فترة.
بدأت حكاية جانيت عندما قصدت مع والديها نهر الخوف الذي يخترق قريتها النائية من جهة الغرب، كانت الجدات في تلك القرية تقص الحكايا المرعبة حول النهر، مفادها أنه إذا غابت الشمس على أحدٍ بجانب النهر، فسيحصل له العجب العجاب، وهذا ما حصل لجانيت، فلم تكن تنصاع لأمر والدتها حين أقبل الغروب على استعجالٍ ذات مساء، وأصرت جانيت على اختبار قصص العجائز، وظلت بجانب النهر لساعات ما بعد الغروب، وما كان منها إلا أن تقهقه ضاحكةً حتى صار النهر كائناً أزرق غير مُخيفٍ بالقدر الذي يدفع طفلةً بعمر جانيت للهرب، فقد كانت عيني الكائن الأزرق تفيضان بالكثير من الحنو والرأفة، فيما صارت جانيت تُحدق مشدوهةً لما يحصل، وعندما اقترب الكائن ليُحيط جانيت من كل ناحية، ثم يرفعها بيديه المئتين لمسافة عشرين متراً عن الأرض، بدأت دقات قلب جانيت تتسارع خوفاً، لكن هذا الشعور لم يدم طويلاً.
عادت جانيت لتقهقه ذات الضحكة التي أطلقتها عند جلوسها قرب النهر، فقد صار الكائن يُدغدغها من كل ناحية لتضحك، ويخلق بذيله نافورةً من الماء ويُجلسها فوقها، شعرت الطفلة أنها تود البقاء مع ذلك الكائن النهري الذي لم يسبق لأحدٍ رؤيته أو اللعب معه، لكنه أومأ لها قبل أن يعود لوضعه الطبيعي بضرورة المغادرة إلى المنزل، والعودة في اليوم التالي بعد الغروب، لكنها غادرت دون أن تعود في اليوم التالي.
شعرت جانيت في طريق عودتها إلى المنزل مساءً أن الفرحة العارمة تغمر قلبها الصغير، فيما راحت تُقلد حركات الكائن الأزرق بكثيرٍ من الدُعابة والمرح، وقبل أن تكمل دندنتها وخلوها المجنون مع نفسها، كان صوت أمها سارباً من المنزل مُحاسباً ولائماً تأخرها، ظناً منها أن طفلتها الفضولية سلكت طريقاً آخر للذهاب إلى صديقتها قبل أن تعود إلى النهر.
منذ ذلك اليوم تصحو جانيت من نومها على صوت أذنيها وهي تزداد حجماً، فيما تتعمد الذهاب إلى السرداب لتتمتع بإضاءة خصلات شعرها، فتؤرجحها يُمنةً ويُسرة، ثم تدخل في موجة ضحك هستيرية تمتد لعدة دقائق متواصلة، وفي إحدى الأيام قررت جانيت العودة إلى النهر بعد غياب الشمس، وذلك بعد أن بذلت جُهداً كبيراً لإقناع والدتها بالذهاب إلى حفلة عيد ميلاد صديقة لها تسكن قرب النهر.
جلست جانيت ساندةً جسمها على إحدى الأشجار المجاورة للنهر تنتظر انسحاب الشمس وراء التلال البعيدة، وحين غربت اختفى ركود الماء في النهر، لتبدأ بعدها بالتجمع كالمرة الماضية، بعدها خرج الكائن مُداعباً لجانيت مرة أخرى، ولم يقطع انسجامهما سوى صوت خطى عجوزٍ يمشي بحزم رغم تقدمه في العمر، عاد الكائن إلى وضعه الطبيعي سريعاً، فيما أسرعت جانيت للاختباء وراء إحدى الأشجار، أطل بعدها العجوز بملامح لم تكن باديةً بسبب الظلام، لكن انعكاس ضوء القمر والنجوم على سطح النهر، أظهرت ملامح العجوز التي تحمل الكثير من الأسى، ظلت جانيت ترقب العجوز الذي بادر بالجلوس على حافة النهر، ثم شرع بالبكاء مُنادياً على أرواح من فقدهم غرقاً في النهر كما بدا لها.
أحست جانيت بحزنٍ شديد، وخافت أن تكون قصة الرجل حقيقية، كما خافت أن يسحبه النهر إلى جانب الأرواح التي أخذها في السابق، بعدها بقليل حصل ما كان متوقعاً، فقد خرج الكائن النهري وابتلع الرجل، شهقت جانيت لتكتم أنفاسها بعد ثوانٍ، فلم يكن بمقدورها تحمل فظاعة المشهد، فيما اقترب الكائن النهري منها، وذلك بعدما سحب الرجل إليه، ولم يختلف قبل مجيء العجوز، فقد حاول أن يُداعبها ثانيةً، الأمر الذي لم تتقبله جانيت، وفرت باكيةً إلى المنزل، ولم تعد إلى النهر منذ ذلك الوقت، لكنها ظلت تتساءل يومياً بكثير من الحزن والعجب والخوف: لماذا أنا بالتحديد؟
في إحدى المرات هرعت أم جانيت إليها بعد أن شاهدت أذنيها تكبران، وأعلمت جانيت أمها عن السبب الذي ظل حبيس صدرها لأيام، مما دفعها إلى اصطحاب صغيرتها إلى أحد المبروكين في القرية حتى يُخلصها من لعنة النهر، وهذا ما حصل بالفعل، فقد نامت جانيت منذ ذلك الحين لثلاثة أيامٍ متواصلة، وبعدما استيقظت عادت لطبيعتها السابقة، ومُحي من ذاكرتها أنها ذهبت في يوم من الأيام إلى النهر، وأصابها ما أصابها.
فيديو الخيال العلمي
هل ما نراه في التلفاز والقصص المصورة من اختراعات سيبقى “خيالاً”؟ شاهد هذا الفيديو لتعرف كيف أصبحت العديد من الخيالات العلمية حقيقة واقعية :