قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء: آية30)
يُطل فصل المطر والخصب بعد طول انتظار؛ ليختم فصول السنة الأربعة، فتحيى الأرض بماء السماء المنهمر بعد أن جفت وتفطّر قلبها من الحر والعطش، وتتهيأ لتكتسي ثوبها الأخضر المطرز بكل ألوان الحياة وأشكالها، إنّه فصل النمو والعطاء، والرحمة والخير، إنّه فصل الدهشة والمغامرة والفرح، فيه ترتوي الأرض بالمطر لتفوح منها رائحة التراب الزكية، وتتغطى الأرض بجزيئات الثلج الناصعة لينطلق الصغار والكبار للمرح واللعب، في مظاهره تُدهش العقول فلمعان السماء بالبرق تارة وصوت الرعد الذي يرهب الأسماع تارة أخرى، وحركة الغيوم السوداء المثقلة بالمطر مظاهر تدل على عظمة الخالق، وفي الشتاء تنكسف الشمس مختبئة خلف الغيوم لترسل أشعتها الناعمة على خجل فتحي بها الأرض، وترسم معالم الحياة في سمائها بألوان الطيف ليحمل كل لون بشرى الربيع.
يأتي فصل الشتاء محملاً بالبركات والخيرات؛ فيستمر توازن الأرض بمياها فلا تنضب ثروتها، وترتوي البحار والمحيطات بالماء بعد تبخر قطراتها، وتستمر خضرة الأرض بغطائها فلا تصفر، وتولد الأشجار من جديد ببراعمها وأوراقها بعد أن ذبلت وتساقطت، وتخرج أزهار النرجس الجميلة برائحتها العطرة في الشتاء، وتهطل الأمطار لتملء القلوب رحمةً وتآلفاً، فتجتمع العائلة وتتآلف القلوب، وتلتف حول بعضها لتجد الدفء والحنين بسرد القصص والحكايات الجميلة، في الشتاء تسكن الكائنات وتبيت في جحورها وتتهيأ لقدوم الربيع، والشتاء فصل ليله طويل يريح المتعبين، ويؤنس المحبين، ويتيح فرصة أكبر للعبادة للعابدين، به تغنّى الشعراء فما أجمله!
يا له من فصلٍ جميلٍ رسم في عقولنا أجمل اللوحات بقطرات الماء المنزلقة على النوافذ، وألوان قوسه الطيفية، ليؤذن بالرحيل مبكراً، ويبشر بقدوم فصل التجدد والنشاط، ولكن سنظل في شوق للشتاء بما أودعه في ضلوعنا من حياة، وفي قلوبنا من رحمة، وفي نفوسنا من عطاء، فمن أجل قدومه تصلى الصلوات، وتُدعى الدعوات، لتعم الرحمات والبركات من رب الأرض والسموات.