عيد الأم
الأم كلمة صغيرة، لكنها تحوي العالم بأكمله، هي الدنيا المليئة بالفرح والأمل والحنان، وهي سرٌّ من أسرارِ السرور في الدنيا، ورضا الله سبحانه وتعالى في الآخرة، ولأنّ الأم هي العيد، كان لا بّد من تَخصيص عيدٍ لها وحدها، ليحتفل العالم أجمع بها؛ ويختلف تاريخ هذا اليوم بين دول العالم، إلا أنه في الحادي والعشرين من شهر آذار تحتفل الدول العربية بهذه المناسبة الغالية جداً وهي عيد الأم، ويُعتبر هذا اليوم رمزاً للاحتفال بالأم وتكريمها، ولا يعني هذا أنّ الاحتفال بالأم يَنحصر في هذا التاريخ فقط، وإنّما يعني أنَّ الأم تَستحق أن تَنفردَ بيومٍ يحتفل فيه الكون بها.
بدأ الاحتفال بعيد الأم في بدايات القرن الماضي، رغم أنّ الاحتفال الحقيقي بها بدأ منذ الخليقة فقد كرّمتها كل الدّيانات والشرائع والأعراف، وخصّها الإسلام بالتكريمٍ والتبجيل، وأوصى بها أبناءها، وجعلهم قرة عينٍ لها سواءً في حياتها أو مماتها؛ ففي الحديث الشريف عن الأم، خص الرّسول – عليه الصلاة والسلام – الأم بالرّعاية والعناية والتبجيل ثلاثة أضعافِ ما خص به الأب، وهذا دليلٌ على كثرةِ ما تُعانية من ألمٍ وسهرٍ ومشقةِ في الحمل والولادة والتربية، حتى ترى أبناءها بأفضل حال.
أصبح الاحتفال بعيد الأم يتّخذ طابعاً عالمياً، حتى إنّ بعض الدّول تُعلنه يومَ عطلةٍ رسمية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كي يكون الاحتفال بها متاحاً من قِبَل جميع أفراد الأسرة، حيث يتم تقديم الهدايا والزهور للأمهات احتفالاً به، فالأمهات يَنتظرن احتفال أبنائهنّ بهنّ ويفرحنَ به كثيراً، ويتباهين فيما بينهن برؤية بر أبنائهن وبناتهن بهنّ.
ربّما جاء الاحتفال بعيد الأم متوافقاً مع بداية فصل الرّبيع صدفةً، لكنّها أجمل صدفة؛ لأنّ الأم هي الرّبيع، وهي بداية الخير والنمو، وقلبها الأخضر يختصر كل فصل الرّبيع، وعينيها تختصر الحياة، فمن رحم الأم تبدأ الحياة، وفي داخلها تكتمل مرحلة عمرٍ كاملة، حين ينمو جنينها في بطنها، فيأخذ من جسمها وصحتها وراحتها كلّ ما يحتاج، وتمنحه كل هذا وأكثر وهي في قمة سعادتها، لأنّ فلسفة العطاء هي في الأصل من قاموس الأم.
تعتبر الأم مدرسةً لإعداد الأبناء والبنات، فهي الأساس في تعليمهم كلّ أمور حياتهم، كما أنّها النور الذي ينير لهم طريقهم، فمن لا أم له هو اليتيم حقاً، فلا شيء يكسر القلب أكثر من بيتٍ بلا أم، لكنّ البرّ بالأم لم ينقطع عند هذا الحد، ولم يَقتصر على برها في حياتها؛ لذلك فإنّ الاحتفال بعيد الأم يَمتدّ حتى عند التحاقها بالرفيق الأعلى، وذلك من خلال برها والتصدّق عنها، وإيفاء عهدها حتى بعد مماتها، وصلةِ الرّحم التي لا توصل إلا بها.