محتويات
'); }
محمد الفاتح
وُلد محمّد الفاتح عام 1429م، لأبيه السلطان مراد الثاني، في مدينة أردنة التي كانت عاصمة الدولة العثمانيّة آنذاك، وعندما بلغ الحادية عشرة من عمره، بعثه والده إلى أماسيا ليحكمها في عهده، كما كانت العادة في الدولة العثمانيّة،[١] حتى يتعلّم محمد الفاتح الحكم طفلاً، ويتربّى على تعاليم الإسلام، والقرآن الكريم عن طريق المعلّمين الذين بعثه إليهم والده، فتعلّم على يدي الشيخ آق شمس الدين، حتى إنّ شيخه استطاع أن يزرع فيه قناعةً أنّه هو المقصود بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما يروي بشر الغنوي فيقول: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (لتُفتحنّ القسطنطينية، ولنِعم الأمير أميرها، ولنِعم الجيش ذلك الجيش)،[٢] وكان لذلك أثر كبير في تكوين وصقل شخصيّة محمّد الفاتح.[٣]
محاولات فتح القسطنطينية
لا يخفى على أي باحثٍ في التاريخ أنّ القسطنطينية عاصمة بيزنطة، كانت من أكثر المدن حصانةً ومنعةً، وقوّة وإبهاراً في مختلف أشكال القوّة العسكرية والاقتصادية، فقد كانت السفن تحطّ على المراسي بأثمن السّلع وأغلاها وأجملها، وكان موقعها الجغرافي والذي تلتقي فيه آسيا وأوروبا، مركزاً طبيعياً يلتفّ حوله العالم الشرقي.[٤]
'); }
ولهذه الأسباب كانت القسطنطينية طموح كلّ إمبراطوريات العالم، ويذكر المؤرّخ النمساويّ فون هامر أنّ القسطنطينية قد تعرّضت وصمدت لتسعةٍ وعشرين مرة أمام الحصار، وكان أول من حاصرها من العرب هو يزيد بن معاوية، في عهد والده معاوية بن أبي سفيان عام 654 م، ثمّ حاصرها من بعده سليمان بن عبد الملك، وعلى الرغم من كلّ الإعدادات والتجهيزات من العدد والعُدّة البريّة والبحريّة، إلّا أنّ القسطنطينية ظلّت صامدةً، وردّت هذه المحاولات بجدرانها العالية، ونيرانها الفتّاكة التي كانت سلاحاً سريّاً، ولم تستخدمه بيزنطة إلّا في الوقت المناسب والحالات الطارئة، وكان هذا السلاح أيضاً هو العامل الذي حسم معركة الحصار التي خاضها القائد المسلم مسلمة بن عبد الملك، والذي أدام حصارها سبع سنين، وكما ذكرنا سابقاً فإنّ محاولات الأسطول الإسلامي المتكررة والكثيرة، لم تستطع فتح القسطنطينية حتى مجيء جيش محمّد الفاتح.[٥]
تجهيزات محمد الفاتح لفتح القسطنطينية
اهتمّ محمد الفاتح اهتماماً كبيراً بالجيش، وأمدّه بالقوى البشريّة، حتى وصل تعداد الجيش آنذاك إلى ربع مليون مجاهد تدرّبوا على مختلف فنون القتال، فكان يزرع فيهم الهمّة، والروح المعنوية العالية، فيذكّرهم دوماً بحديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عن فتح القسطنطينية، ويُذكر أنّ وجود ثلّة من العلماء بين المُجاهدين أسهم إسهاماً كبيراً في الإعداد المعنوي للجيش.[٦]
كما بنى السلطان محمد الفاتح قلعة روملي حصار على مضيق البسفور، فكانت مطلّةً ومقابلةً لقلعة البيزنطيين هناك، وذلك تمهيداً لفرض الحصار على القسطنطينية، وفي ذلك الوقت أيضاً بدأ المهندسون في جيش السلطان بصناعة المدافع، وأنجزوا في هذا المجال إنجازاً كبيراً، كما أمر السلطان المهندسين ببناء السفن، إذ إنّ القسطنطينية مدينة تطلّ على البحر، فلا ينفع حصارها دون حصار بحري، فأعدّوا لذلك أسطولاً ضخماً تجاوز عدد سفنه أربعمئة سفينة حربيّة.[٦]
لقد كان السلطان محمد الفاتح حريصاً على مواجهة عدوٍ واحدٍ؛ فأبرم المعاهدات والاتفاقيات مع المدن المجاورة كالبندقية، والمجر، وغلطة، لكن هذه المعاهدات لم تلبث أن نُقِضَت، فمع بداية تحرك الجيش الإسلامي بدأ المدد يتدفّق إلى القسطنطينية من كل المدن التي كانت قد اتّفقت مع السلطان والتي لم تتفق معه.[٦]
انطلاق فتح القسطنطينية
بدأ الجيش الإسلامي بقيادة السلطان محمد الفاتح بالتحرك نحو القسطنطينية برّاً وبحراً، وبدأ الحصار الفعليّ للقسطنطينية بتاريخ 6/4/1453 م، في ذلك الوقت طلب السلطان من قسطنطين الحادي عشر، تسليم المدينة للمسلمين، على أن يحفظ على سكّانها أرواحهم ومعتقداتهم وممتلكاتهم، لكن قسطنطين رفض ذلك.[٧]
حاول قسطنطين ثني السلطان عن نيّته بفتح القسطنطينية مقابل العهد بعدم التعرّض لجيشه لأيٍ من المسلمين، لكن السلطان رفض رفضاً قاطعاً، ولما اشتدّ الأمر وأيقن قسطنطين بأنّ نهايته قد حانت، أغلق أبواب المدينة، وتحصّن فيها هو وجنوده، وكانوا أربعين ألفاً كما تذكر الروايات التركية، فبدأت مدفعيات الجيش الإسلامي تدكّ حصون القلعة، وتُحدث فيها دماراً هائلاً، وبدأت السفن تتقدّم نحو الموانئ لاختراق الحصون، لكنّهم لم يفلحوا في اجتيازها وصارت هناك ملحمةٌ عظيمةٌ هي معركة غَلَطة البحرية، فهُزم فيها الجيش الإسلامي، وخسر جزءاً من أسطوله البحريّ.[٧]
كان التحدي الأكبر الذي واجه الجيش الإسلامي هو نقل السفن من ميناء البسفور إلى ميناء القرن الذهبي؛ لتمكين الحصار على القلعة، فابتكر المسلمون وقتها طريقة عبقريّة تقضي بجرّ السفن على اليابسة عن طريق جبل مجاور لإيصالها إلى ميناء القرن الذهبي، واستطاع الجيش تحقيق هذه الخطة المذهلة، فوصلت سبعون سفينة إسلامية إلى الميناء، وعلى الرغم من كلّ المحاولات من جيش القسطنطينية للهجوم على الأسطول الإسلامي، إلّا أنّ القيادة العثمانية وبفعل العمل الاستخباراتي القوي الذي تمكنت من إنجازه داخل القسطنطينية، استطاعت إحباط كلّ المحاولات، ثمّ توالى ضرب المدفعيّة أياماً، واستطاع الجند المسلمون أن يدخلوا ويتدفّقوا إلى داخل الحصون ويقاتلوا ببسالة حتى أتمّ الله عليهم الفتح.[٧]
وفاة محمد الفاتح
توفي القائد السلطان محمد الفاتح بين جيشه في الخامس من ربيع الأول، عام 886 للهجرة، وكانت وفاته ليلة جمعة، ويُذكر أنّ وفاة هذا القائد العظيم تدلّ على علو همته وحبه للجهاد، فقد وافته المنيّة بين جنده أثناء خروجه بالجيش، على الرغم من المرض الذي كان قد ألمّ به قبل خروجه بأيّام، والذي بقي يشتدّ عليه حتى توفي، كما يُعتقد أنّه كان يستعد للخروج بالجيش إلى إيطاليا ليفتحها.[٨]
المراجع
- ↑ د.محمد صفوت (1948)، السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية، مصر: دار الفكر العربي، صفحة 12-13. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن عبد البر، في الاستيعاب، عن بشر الغنوي، الصفحة أو الرقم: 1/250، إسناده حسن.
- ↑ د.علي الصلابي (2006)، فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، صفحة 114. بتصرّف.
- ↑ د.عبد السلام فهمي (1993)، السلطان محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية وقاهر الروم (الطبعة الخامسة)، دمشق: دار القلم، صفحة 44-48. بتصرّف.
- ↑ د.عبد السلام فهمي (1993)، السلطان محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية وقاهر الروم (الطبعة الخامسة)، دمشق: دار القلم، صفحة 65-66. بتصرّف.
- ^ أ ب ت د.علي الصلابي (2006)، فاتح القسطنطينية، السلطان محمد الفاتح (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، صفحة 88-89. بتصرّف.
- ^ أ ب ت د.محمد صفوت (1948)، السلطان محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية، مصر: دار الفكر العربي، صفحة 58-105. بتصرّف.
- ↑ عبد السلام عبد العزيز فهمي (1993)، السلطان محمد الفاتح (الطبعة الخامسة)، دمشق: دار القلم، صفحة 167. بتصرّف.