'); }
الشهيد
يُعرف الشهيد لغةً على أنه الحاضر، أو الشاهد وهو العالم الذي يبين ما علمه، كما في قول الله تعالى: (كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)،[١] وأما اصطلاحاً فالشهيد هو من مات من المسلمين في سبيل الله، لا في سبيل غرض من الدنيا، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتلَ، لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا، فهوَ في سبيلِ اللهِ)،[٢] ويمكن القول إن كلمة الشهيد تطلق على من قُتل في معركة مع الأعداء، سواءً كان الجهاد فيها جهاد طلب، أي لنشر الإسلام وفتح البلاد، أو جهاد دفع أي لدفع العدو المعتدي على بلاد المسلمين، وأما سبب تسمية الشهيد بهذا الاسم فقد اختلف العلماء فيه فمنهم من قال لأنه حي وروحه شاهدة أي حاضرة، ومنهم من قال لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة، وتشهده عند موته، وقيل لأنه يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل، وقيل لأنه يشهد الملائكة عند احتضاره، وقيل لأن الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والملائكة عليهم السلام يشهدون له بالجنة.
والشهداء ثلاثة أقسام وهم، شهيد الدنيا، وشهيد الآخرة، وشهيد الدنيا والآخرة، وأما شهيد الدنيا فهو كل مقاتل في المعركة ونيته ليست خالصة لله تعالى، كالذي قاتل ليُقال عنه شجاع، أو قاتل وهدفه الغنيمة فقط، أو غل من الغنيمة شيئاً، وهذا القسم من الشهداء لا يُحرم من الأجر فقط، بل يتعرض للعذاب أيضاً، وأما شهداء الآخرة فهم الذين لم تجري عليهم أحكام الشهداء في الدنيا، فيغسّل، ويكفّن، فهم من الشهداء بسبب خصلة خير اتصفوا بها، أو بسبب مصيبة أصابتهم فقدوا على إثرها حياتهم، وقد ذكر العلماء الكثير من صور شهادة الآخرة، ومنها المقتول دون ماله، والمقتول دون مظلمته، والمقتول دون أهله، وماله، وقائل كلمة الحق عند السلطان الجائر، وطالب العلم، وأما شهيد الدنيا والآخرة وهو المسلم المكلف الذي قُتل في معركة مُخلصاً لله تعالى، مُقبلاً غير مدبر، وهو أعلى مراتب الشهادة، وأفضلها في مراتب الجنة.[٣]
'); }
أول شهيد في الإسلام
اقتضت حكمة الله تعالى ألّا يكون أول شهيد في الإسلام رجلاً، بل كانت امرأة، وهي سمية بنت الخياط رضي الله عنها، كما قال ابن حجر: أخرج ابن سعد بسند صحيح عن مجاهد قال: (أول شهيدة في الإسلام سمية أم عمار بن ياسر)، حيث كانت من أوئل المسلمين في مكة، كما قال مجاهد: (أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمّار، وأمه سمية) رضي الله عنهم أجمعين، وبعد إعلان الثلة القليلة إسلامهم في مكة بدأ الصراع بين الحق والباطل، بين الكفر والإيمان، فابتُلي أهل الإيمان في مكة بلاءً عظيماً، واجتهدت قريش في إيذائهم وتعذيبهم، وكل ذلك بأمر الله تعالى وليعلم الصادق من الكاذب، مصداقاً لقوله عز وجل:(أحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)،[٤] ولم يقتصر عذاب قريش على الرجال دون النساء بل شمل النساء أيضاً أمثال: فاطمة بنت الخطاب، وسمية بنت الخياط، وزنيرة الرومية، وحمامة أم بلال، والنهدية وابنتها -رضي الله عنهن جميعاً- فلم ينجحوا في ردهن عن الإسلام، بل ضربن أروع الأمثلة في الثبات، وكانت سمية بنت الخياط مثالاً يقتدى به في الثبات على الإيمان، حيث إن آل ياسر نالوا القسط الأكبر من الاضطهاد، والتعذيب، وذلك بعد أن وصل خبر إسلامهم إلى مواليهم من بني مخزوم فاستشاطوا غضباً، وعزموا على أن يعذبوهم حتى يرتدوا عن الإسلام، ويكفروا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فأذاقوهم ألواناً من العذاب، كما قال ابن اسحاق: (وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر، وبأبيه وأمه ـ وكانوا أهل بيت إسلام ـ إذا حميت الظهيرة، يعذبونهم برمضاء مكة، فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (صبرًا آل ياسرٍ، فإنَّ موعدَكم الجنةُ)،[٥] فأما أمه فقتلوها، وهي تأبى إلا الإسلام، وكان أبو جهل يتولى تعذيب سمية رضي الله عنها بيده، وكان مما أغاظه ثباتها على الإسلام رغم ضعفها، وكبر سنها، وشدة ما ذاقته من التعذيب، وفي أحد الأيام أغلظت له بالقول، فطعنها بحربة في قُبلها، فاستشهدت -رحمها الله- أمام زوجها وابنها وهي ثابتةٌ على دينها لم تتنازل لطاغية قريش بكلمة واحدة، ثم مضت الأيام، وتغيرت الأحوال، وكان مقتل أبي جهل في يوم بدر على يد الصحابة رضي الله عنهم، يومها قال النَّبيًّ صَلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ لعمَّارٍ: (قتل اللَّهُ قاتلَ أمِّكَ).[٦][٧]
فضل الشهادة في سبيل الله
إن الشهادة في سبيل الله من أعلى المراتب في الإسلام، وومما يدل على عظم فضلها تمني رسول الله صلى الله عليه وسلم لمنزلة الشهداء ثلاث مرات، حيث قال: (والَّذي نَفسِي بيدِهِ لولا أنَّ رِجالًا مِن المؤمنينَ لا تَطيبُ أنفسُهُم أن يتخلَّفُوا عنِّي، ولا أجِدُ ما أحملُهُم عليهِ ما تخلَّفتُ عَن سرِيَّةٍ تغزُو في سَبيلِ اللهِ، والَّذي نَفسِي بيدِه لوَدِدتُ أنِّي أُقتَلُ في سبيلِ اللهِ ثمَّ أُحيَا، ثمَّ أُقتَلُ ثمَّ أُحيَا، ثمَّ أُقتَلُ ثمَّ أُحيَا، ثمَّ أُقتَلُ)،[٨] ومن الجدير بالذكر أن الله تعالى يصطفي من عباده من يستحق مرتبة الشهادة، فهي منحة من رب العالمين للصفوة من البشر ليعيشوا مع الملأ الأعلى، ويكونوا في صحبة الأنبياء والمرسلين، حيث قال تعالى: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ).[٩][١٠]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 143.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس، الصفحة أو الرقم: 3126 ، صحيح.
- ↑ “الشهيد في الإسلام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 2،3.
- ↑ رواه الألباني، في فقه السيرة، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 103 ، حسن صحيح.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في الإصابة، عن مجاهد بن جبر المكي، الصفحة أو الرقم: 4/335، إسناده صحيح.
- ↑ “سُمَيّة أول شهيد في الإسلام”، articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-10-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7075 ، صحيح.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 140.
- ↑ “فضل الشهادة في سبيل الله”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-10-2018. بتصرّف.