لكلّ زمن رجال، ولكلّ أمّة رجالها الّذين قامت أمّتهم بجهودهم وبجدّهم، وربّما قامت على دمائهم التي استدعت أن تُراق لأجل إرساء منظومة القِيم والمبادىء التي يسعون لتحقيقها وتطبيقها، وما رأيتُ ولا رأى التاريخُ رِجالاً أخلصوا في دعوتهم من صحابة رسول الله مُحمّد صلّى الله عليه وسلّم، فقد أرسل الله النبيّ الخاتم عليه أفضل الصلاة والسلام ليكونَ نبيّاً للعالمين وليس لقومٍ دونَ قوم، وأحاطَ النبيَّ الكريم برجالٍ أشدّاء كانوا من خيرَة الرجال وأتقاهم وأزهدهم في الدنيا وأرغبهم بِما عندَ الله، فصانوا العقيدة، وأحسنوا صُحبة الرسول، وحَموا حياضَ السُنّة.
وهؤلاء الرجال هُم الّذين نعرفهم باسم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويُطلق لفظُ الصحابيّ على من آمَنَ في وقت حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم وصاحَبَه قليلاً أو كثيراً، وربّما ما جلَسَ معهُ إلّا مرّةً واحدة، أمّا ما سنتطرّق إليه في هذا الموضوع هو التابعيّ، فكثيراً نسمعُ عن التابعين ومكانتهم في الأمّة الإسلاميّة فمن هُم التابعين.
التابعون
مصطلح التابعين هو مصطلحٌ تاريخيّ إسلاميّ، يكون فيه تصنيف الرجال في الدولة الإسلاميّة الراشدة على عدّة طبقات، فعلم طبقات الرجال هو عِلمٌ قائمٌ بحدِّ ذاته، وأكثر ما يُستفاد من هذا العِلم هو في باب تدوين الحديث النبويّ الشريف؛ فالحديث النبويّ لا يتأتّى لهُ أن يكونَ بين أيدينا إلاّ من خلال الرجال الذين كانوا حولَ الرّسول صلّى الله عليهِ وسلّم، وهُم الصحابة الكِرام، وهؤلاء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أسندوا حَملَ رسالة السُنّة المُطهّرة إلى من خلفهم من أصحابهم وهُم التابعين.
إذن، التابعون هُم من أصحاب صحابةِ رسول الله صلّى الله عليهِ وسلّم، وهُم الطبقة الثانية من الرجال الّذين جاؤوا بعد الصحابة رضوان الله عليهم، وقد وصَفَ النبيّ صلّى الله عليهِ وسلّم هاتان الطبقتين بأنّهما من خير القرون ورجالهما من خير الرجال. والتابعيّ كما تقول عنهُ كُتب الحديث هوَ من روى عن الصحابيّ، وليسَ كُلُّ شخص عاش في عصر الصحابيّ، كَما أنّ التابعيّ من المُحتمل أن يكون قد عاصَرَ النبيّ صلّى الله عليهِ وسلّم وما آمن بهِ إلاّ بعدَ موته، وعندها لا يكون قد صاحَبَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإنّما صاحَب الصحابة الكرام، ومن أشهر التابعين: الإمام سعيد بن المسيّب، ويعدّه البعض من أفضل التابعين، وكذلك من كِبار التابعين الإمام الحسن البصريّ، وكذلك الإمام عروة بن الزُبير، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وغيرهم، وهم من كِبار أئمة الحديث والفقهاء.
فائدة معرفة التابعين
تُفيد معرفة التابعين وتمييزهم عن الصحابة الكِرام رضوان الله عليهم في معرفة عِلم الحديث، وبمعرفتهم تستطيع التفريق بين الحديث المُرسل والمتّصل؛ فالحديث الّذي رواه التابعي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو حديثٌ مُرسل لم يتّصل إسناده إليه عن طريق الصحابيّ، ولولا معرفتنا بأنَّ فُلان من الصحابة وفُلان من التابعين لَمَا عرفنا مُتّصل الحديث من مُرسَلِه.