محتويات
مفهوم حضارة بلاد الرافدين
حضارة بلاد الرافدين (Mesopotamia) هي حضارة كانت موجودة في أراضي العراق، وتتميّزُ بأنّها من الحضارات التي ظهرت بشكلٍ أصيل؛ أي تأسّست وشهدت الكثير من التطوّرات دون الاعتماد على أي حضارة أُخرى من الحضارات، حيث إنها وُجدت منذ عصور ما قبل التاريخ (prehistoric)، وتعد من أقدم الحضارات الإنسانية.[١] وشكّلت الزراعة أهم المهن التي انتشرت بين سُكّان حضارة بلاد الرافدين، فساهم التفاعل الذي ظهر بين النّاس والطبيعة في تطوّر هذه الحضارة مع مرور الوقت،[٢] أمّا اسم بلاد الرافدين (Mesopotamia) فهو مشتق من الأصل اليونانيّ والذي يعني (Between Rivers)؛ أي بين الأنهار بهدف الإشارة إلى الأراضي الموجودة بين نهري دجلة والفرات.[٣]
اكتشاف وتاريخ حضارة بلاد الرافدين
إن تاريخ حضارة بلاد الرافدين ظهر خلال الفترة الزمنيّة الممتدة من حقبة ما قبل التاريخ وصولاً إلى سنة 539 قبل الميلاد، وخلال هذه السنة احتل الفُرس بقيادة قورش الثاني مدينة بابل، وظهرت العديد من المصادر التاريخيّة التي احتوت على معلومات حول تاريخ هذه الحضارة، ومن أهمها الكتابات الخاصة بالرومان والإغريق، وشجعت بدورها المستكشفين من أوروبا على السفر إلى أطلال الأماكن التي بقيت من حضارة بلاد الرافدين للتعرف عليها بشكلٍ أدق.[٤]
ساهم فكّ الرّموز الخاصة باللغة المسماريّة في التعرف بشكلٍ أوضح على تاريخ حضارة بلاد الرافدين، ودفع ذلك مجموعةً من دول أوروبا في القرن التاسع عشر الميلادي إلى التوجّه إلى أراضي حضارة بلاد الرافدين؛ من أجل تنفيذ حفريات وتنقيبات أثريّة فيها، وساهم ذلك في انتشار معرفة عالميّة حول الآثار الخاصة بهذه الحضارة، وشملت التحف، والتماثيل، والمعابد، والرسومات، والقصور، وغيرها، ونُقِلت العديد من الآثار إلى إنجلترا وفرنسا، كما نتج عن الاكتشافات التي وصل إليها الباحثون ظهور عدّة علوم، مثل علم السومريّات الذي يهتمّ بدراسة التاريخ، والنصوص، واللغة السومريّة، وعلم الآشوريات الذي يدرس تاريخ الرافدين، والنصوص، واللغة الأكادية.[٤]
أثر الجغرافيا في حضارة بلاد الرافدين
امتلكت حضارة بلاد الرافدين مجموعةً من الخصائص الجغرافيّة التي أثّرت فيها بشكل ملحوظ، فكان لموقعها الأثر الأكبر في طبيعتها الجغرافيّة؛ حيث ظهرت تأثيراته في المناخ والسكان، وفيما يأتي معلومات عنها:[٥]
- التأثير في المناخ السائد: هو التأثّر الذي ظهر في بلاد الرافدين واستمر حتّى إنشاء العراق الحديث؛ حيث أثّر الموقع الجغرافيّ في العديد من النواحي المُتصلة بالمناخ، كالزراعة، والطقس، والبيئة الاقتصاديّة بشكل عام؛ حيث تميّز المناخ بالتدرج بين المعتدل الخاص بحوض البحر المتوسط، والحار ذو الطبيعة الصحراويّة. وأدّى ذلك إلى ظهور ثلاث فئاتٍ مناخيّة، وهي الرسوبيّة والصحراويّة والجبليّة.
- التأثير في السُكّان: هو التأثّر الذي ظهر في سُكّان أراضي بلاد الرافدين؛ بسبب طبيعة موقعها الجغرافيّ، فتحدّها من الشمال والشمال الشرقيّ الجبال، وتحدّها من الجهتين الغربيّة والجنوبية الغربيّة الصحراء، كما تشترك مع بادية الشام بحدودٍ من الشمال الغربيّ. وقد كانت أحواض النهرين الرسوبية الخصبة وسط هذه الصحاري المقفرة دافعاً قويّاً لاستقرار مختلف الأجناس في أرض الرافدين، وأدّى ذلك إلى ظهور تنوّعٍ في سُكّانها؛ ومن أشهرهم العرب الذي يُشكّلون نسبةً مرتفعةً من سُكّان العراق في الوقت الحالي، كما رحلت إلى أراضي هذه الحضارة شعوبٌ من الهنود -الأوروبييّن؛ ممّا أدّى إلى ظهور انصهارٍ حضاريٍّ بين الشعوب التي عاشت في بلاد الرافدين.
العلوم في حضارة بلاد الرافدين
يعود ظهور العلوم في حضارة بلاد الرافدين إلى الفترة الزمنيّة التي كانت قبل ظهور الكتابة؛ أي في نهايات ومنتصف القرن الرابع قبل الميلاد. وبعد ظهور الكتابة المسماريّة استطاع سُكّان حضارة بلاد الرافدين أن ينقلوا علومهم ومعارفهم إلى الكثير من الأجيال اللاحقة، وكانت قبل ذلك تُنقل بطريقةٍ شفويّة؛ حتّى اكتشاف التدوين الذي ساهم في توثيق العلوم، وتوفيرها للأشخاص الذين يبحثون عن المعرفة، فيُعدّ تدوين التاريخ القديم لحضارة بلاد الرافدين من أهم الوسائل التي نقلت الكثير من القصص التاريخيّة الخاصة بهم. كما وصلت إلى النّاس الكثير من العلوم الأُخرى التي اشتهر بها أهل بلاد الرافدين، مثل علم الجغرافيا، وعلم الرياضيات، الذي أُلّفت حوله مجموعة من الكتابات، والمُؤلفات المكتوبة باللغة المسماريّة، كما اهتمّ سُكّان بلاد الرافدين بالعلوم الطبيّة المتنوّعة.[٦]
الدين في حضارة بلاد الرافدين
ارتبطت أركان حضارة بلاد الرافدين مع المعتقدات الدينيّة التي سادت في ذلك الوقت، وصارت جزءاً من الإنجازات الحضاريّة والنشاطات اليوميّة، وظهرت الكثير من المعبودات التي وصلت إلى عددٍ كبيرٍ في فترة القرن الثالث قبل الميلاد، ولكنها لم تتفق معاً في المكانة بل كانت لكلٍّ منها أهميةٌ خاصة بها، ويحكمها جميعاً آلهة أساسيّة تفوقها بجميع القدرات، كما سعت الشعوب في حضارة بلاد الرافدين خلال العديد من العصور المتعاقبة إلى تقليل عدد المعبودات؛ من خلال جمعها معاً من حيث التوافق في الخصائص أو المسؤوليّات أو التوقف عن عبادة مجموعة منها، وساهم هذا الشيء في تقليل عدد الآلهة بشكلٍ كبير.[٧]
سادت في أرض بلاد الرافدين العديد من المعتقدات الفكريّة والدينيّة، وأصبحت مع الوقت جُزءاً من الدين السائد عند السُكّان، ومن الأمثلة على هذه المعتقدات النظر إلى الإنسان بأنّه من أنواع الكائنات التي تشمل قسمين الأوّل الجسد وهو حسيّ، والآخر الروح وهي غير مرئيّة، كما انتشر بين النّاس استخدام المعابد التي عُرِفت باسم (بيت) في الأكادية ومن الجدير بالذكر تشابه هذه الكلمة تماماً بمقابلها في اللغة العربيّة؛ حيث اعتبر المعبد بيتاً للآلهة وفقاً للاعتقاد الذي ساد قديماً، كما لم يصل التوحيد كعقيدةٍ إلى النضج الكامل آنذاك إلّا أنه ظهرت ميول حقيقيّة للتخلص من الشرك؛ من خلال تطبيق التفريد الدينيّ الذي يدعو إلى الإيمان بآلهة واحدة، ولكن دون تجاهل العبادة الخاصة بالآلهة الأخرى.[٧]
المراجع
- ↑ عباس السعدي ، العراق وبلاد الرافدين والسكان الأوائل: دراسة في التاريخ والجغرافيا، صفحة 40. بتصرّف.
- ↑ رند سبتي (25-6-2011)، “حضارة وادي الرافدين”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 29-11-2017. بتصرّف.
- ↑ Richard N. Frye, Dietz O. Edzard, and Wolfram Th. von Soden, “History of Mesopotamia”، www.britannica.com, Retrieved 29-11-2017. Edited.
- ^ أ ب الدكتور عيد مرعي (1991)، تاريخ بلاد الرافدين منذ أقدم العصور حتى عام 539 ق.م (الطبعة الأولى)، دمشق – سوريا: الأبجدية للنشر، صفحة 15، 17. بتصرّف.
- ↑ طه باقر (2012)، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة (الطبعة الثانية)، بغداد – العراق: شركة دار الوراق للنشر المحدودة، صفحة 33 – 36. بتصرّف.
- ↑ د. قصي عبدالكريم (2014)، “شذرات من كنوز التراث العراقي القديم في جوانب من العلوم والمعارف الإنسانية”، مجلة عصور الجديدة، العدد 14 – 15، صفحة 9. بتصرّف.
- ^ أ ب أ.د. نائل حنون (2013م)، تطور الفكر الديني في حضارة بلاد الرافدين القديمة، العراق: جامعة القادسية، صفحة 368، 369، 370. بتصرّف.