محتويات
ظاهرة الغش
يُعدّ الغش من الظواهر القديمة والحديثة التي انتشرت بين الناس منذ أن وُجِدَت العلاقات الاجتماعية؛ إلّا أنّها بدأت تتزايد بشكلٍ كبير؛ حيث أخذت تتنوع مظاهرها وأشكالها، ويُعدّ سلوك الغش من السلوكيات غير السوية وغير الأخلاقية، فهي تُنافي جميع معاني الإنسانية التي تدعو إلى الصدق في الأمور كلها؛ ذلك أنّ الغش يعود على الفرد والمجتمع بأضرارٍ كبيرةٍ هم في غنىً عنها، وهو سلوكٌ غير مرغوبٌ به في المجتمع، ويسعى الجميع لمحاربتهِ، ومحاولة الحد من انتشارهِ، فما هو الغش الذي نهى الشرع عنه وحذّر من التعامل به؟ وما هي مظاهره والأسباب التي دعت إلى وجوده وانتشارهِ؟
مفهوم الغش
إنّ كلمة الغش تتضمن العديد من المعاني، فهي إظهارُ الإنسان خلاف ما يُضمِر، وقد ظهرت في الاصطلاح تعريفات متعددة تختلف عن بعضها البعض باختلاف المجال الذي وُجِدَ فيه الغش،[١] فعرّفه الاصطلاح الشرعي بأنّه ما يُخلَط من الردي والسيء بالجيد، أو بث السوءِ ونشرهِ على أنّه خير يُرجا، أما الغش في الاصطلاح التربوي فهي عملية تزييف النتائج المتعلقة بالتقويم، أو محاولة من الطالب لأخذ إجابة الأسئلة بطرق غير مشروعة، وعرّف علم الاجتماع الإسلامي الغش بأنّه ظاهرة اجتماعية منحرفة، خرجت عن العديد من المعايير والقيم الشرعية التي أقرّها الإسلام؛ وذلك لما تتركه في المجتمع من آثارٍ سلبيةٍ واضحةٍ تنعكس على مظاهر الحياة الاجتماعية، ورغم تجدُّد مفاهيم الغش وتنوعها؛ إلّا أنّها تتقارب وتتّفق في مضمونها، وإن لم تنطبق بشكلٍ كلّي، فجميعها يقرر أنّ الغش من حيث المفهوم يتضمن الخيانة، بِحُكم أنّ الغش هو نقضٌ للعهد، وتفريطٌ للأمانة، وبمفهومه أيضاً يقترب من النفاق العملي؛ لأنّ الغشّاش يُضمِر للطرف الآخر خِلاف ما يُظهِر.
وقد نهى الدين الإسلامي عن الغش بجميع صورهِ وأنواعهِ، وتوعّد لكلّ من يمارسه بالويل والخسران؛ حيث قال تعالى في كتابه العزيز: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينْ، الّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)،[٢] فهذه الآية من سورة المطففين هي الدليل على الحرمة في سلوكِ الغش الذي عرفه ابن حجر، فقال: (الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل)، وقال الكفوي في الغش هو: (سواد القلب، وعبوس الوجه، ولذا يُطلق الغش على الغل والحقد)، وقد أكّد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حرمةِ الغش وحذر أصحابه من التعامل به، وتوعّد من يفعله، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه : (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ على صُبرةِ طعامٍ، فأدخلَ يدَهُ فيها، فنالت أصابعُهُ بللًا، فقالَ ما هذا يا صاحبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتهُ السَّماءُ، يا رسولَ اللَّهِ ! قالَ أفلا جعلتَهُ فوقَ الطَّعامِ كي يراهُ النَّاسُ؟ من غَشَّ فليسَ منِّي)،[٣] فهذا الحديث يبيّن الغش المحرّم الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم.[٤]
وقد ورد الحديث الشريف الذي يدل على حُرمة الغش برواياتٍ أخرى، منها ما رواه مسلم في صحيحه: (مَن حمل علَينا السِّلاحَ فليسَ منَّا، ومَن غشَّنا فليس منَّا)،[٥] وقول النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس منا دلالة على الزجر الشديد منه عن الغش ، والردع عن فعلهِ والقيام به، وقال الخطابي أنّ معنى قول النبي هذا: أنّ من غش ليس على سيرتنا ولا على مذهبنا، وهذا المثال الذي ضربه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الغش في البيع قد أثبت حرمته باعتبار أنَّ الذي غش قد أكل أموال الناس بالباطل، وللغش أضرارٌ أخرى منها: أنّه دليلٌ على نقص الإيمان لدى الشخص، وهو طريقٌ موصلٌ للنار، وسببٌ في حرمان صاحبه من إجابة الدعاء، والبعد عن الله سبحانه وتعالى وعن الناس، كما أنّه سببٌ في ذهاب البركة في المال والعمر.[٦]
مظاهر الغش
تتعدد صور الغش التي يمارسها الناس في حياتهم، لتظهر بمظاهر عديدة، وسنتحدّث بالتفصيل عن مظاهر الغش في كل من: البيع والشراء، والزواج، والاختبارات، وهي كالآتي:[٧][٨]
الغش في البيع والشراء
يكثر هذه الأيام الغشُّ في البيع والشراء بين النّاس والذي يتمثّل بإخفاء العيوب الموجودة في السّلع، فيكون الغشُّ في نوع البضاعة أو وزنها أو في كميتها أو مصدرها، وتكون صور الغش في البيع والشراء على النّحو الآتي:
- يضع بعض بائعي الفاكهة في نهاية القفص المخصص للبيع أوراقاً كثيرة، ثمّ يضع فوقها الفاكهة المراد بيعها ليظنّ المشتري أنّ القفص مليءٌ بالفاكهة، وبذلك تحصل عمليّة الغش للمشتري.
- بعض تجّار العطور يخلط زيت الطعام مع بعض العطور، وتكون كميّة الزيت هي الأكثر، ويضعها في عبوةٍ زجاجيةٍ ويبيعها بثمنٍ قليلٍ.
- بعض التجّار يشتري بضاعةً في ظرفٍ خفيف الوزن، بعد ذلك يستبدل هذا الظرف الخفيف بآخر ثقيل، وزنه أضعاف وزن الظرف الأول، ويبيع المنتج بوزن الظرف والمادة الموضوعة داخله، فيكون الثّمن المدفوع في السلعة مقابلاً للظرف والمظروف.
- البعض من تجار الذهب يشتري ذهباً مستعملاً نظيفاً، ثمّ يعرضه للبيع على أنه جديد دون تنبيه المشتري على أنّه مستعمل.
- البعض من تجار السيارات يلجأ إلى حيلةٍ؛ بحيث يُنقِص من عدّاد الكيلو في السيّارة المراد بيعها ليوهم المشتري أنّ السيّارة لم تُستنزَف كثيراً، فيرفع بذلك سعرها.
- وبعضهم يعرف عيباً خفيّاً في سيارته التي يريد بيعها، ويُخفي هذا العيب عن المشتري بقولهِ: هذه السيّارة جربها إن أعجبتك فخذها.
- البعض من تجّار الأغنام والدّجاج يعمل على تغذية ما يريد بيعه بالملح ليظنّ المشتري أنها سمينة وفيها اللحم الكثير.
الغش في الزواج
ظهر الغش بين الناس في أجمل وأفضل العلاقات الاجتماعية التي تربط بين الناس بروابط عديدةٍ من المحبة والتواصل والتراحم، ألا وهو الزواج، ومن مظاهر الغش التي مارسها البعض في الزواج ما يلي:
- بعض أولياء الأمور يُظهِر للمتقدّم البنت الصغيرة البكر ليراها، وتتمّ الموافقة، وفي ليلة العرس يكتشف أنّ التي ارتبط بها هي الكبيرة الثيّب.
- البعض من الأولياء يري الخاطب الفتاة جميلة المظهر لتتم الخطبة، ويوم الزواج يرى الخاطب أنّ الفتاة التي تزوجها هي القبيحة، فيُضطَر لإتمام الزواج، ويكون سبباً في العديد من المشاكل الأسرية في ما بعد.
- أن يكون في الفتاة المراد تزويجها مرضاً أو عيباً، ويخفي وليُّ الأمر ذلك عن الخاطب.
- ومن مظاهر الغش التي يمارسها الخاطب على ولي أمر الزوجة أنّه يُظهر صفات يتميّز بها وهي ليست حقيقية، كأن يقول أنّه صاحب جاهٍ، ومالٍ، ومركزٍ، وغير ذلك، ليوهم ولي الأمر بأنّه الزوج المناسب لابنته، وأنّه ذو كفاءةٍ عاليةٍ.
الغش في الاختبارات
يُعتبر الغش في الاختبارات كما أشارت الدراسات التربوية من أكثر الأنواع انتشاراً، والسبب في ذلك يعود إلى غياب العقوبات الرادعة لهذه الظاهرة، وسعي الطالب إلى النجاح والتفوق، والتحصيل العالي للعلامات، دون بذل جهدٍ أو تعبٍ في ذلك، وله آثارٌ سلبيةٌ عديدة، منها أنّه يُقلل من احترام الطالب لذاته، وتقدير الآخرين له، وانعدام الثقة بين المدّرس والتلميذ، وضعف ثقة الطالب بنفسه، وزيادة اعتماده على الحِيَل للوصول لما يُريد، ومخالفتهِ للقوانين والأنظمة، وبُعده عن السلوكيات الأخلاقية الجميلة التي تدعو إلى الصدق والأمانةِ وتحمل المسؤولية.
المراجع
- ↑ فارس العزاوي (16 – 6 – 2010م)، “ظاهرة الغش في التعليم: رؤية شرعية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 11 – 10 – 2017م. بتصرّف.
- ↑ سورة المطففين، آية: 1 – 3.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 102، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
- ↑ بدر هميسة (14 – 6 – 2013م)، “إياك والغش”، طريق الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 18 – 9 – 2017م. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 101، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
- ↑ حسام الدين بن موسى محمد بن عفانه (2005م)، فقه التاجر المسلم (الطبعة الأولى)، بيت المقدس: المكتبة العلمية ودار الطيب للطباعة والنشر، صفحة 240 – 243، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ “الغش … تعريفه ، مظاهره و مضاره “، طريق الاسلام، 4 – 1 – 2004م، اطّلع عليه بتاريخ 17 – 9 – 2017م. بتصرّف.
- ↑ لطيفة حسين الكندري (2010م)، ظاهرة الغش في الاختبارات، أسبابها وأشكالها. (الطبعة الأولى)، الكويت: الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، صفحة 3 – 4، جزء 1. بتصرّف.