محتويات
الشخصية في الفلسفة
إنّ وعي الإنسان بذاته لا بدَّ أن يمر عبر مرحلة أولى تعتبر بدايةً للوعي الحقيقي، وتتجلّى في تمثّل الذات جسداً أو عضويّةً بيولوجيّة، لكنّ الاتّجاه الفلسفي اعتبر أنّ كل ما هو بيولوجي لا يكفي لتحديد حقيقة الإنسان أو الشخص، لذلك اعتنى أشد العناية بمفهوم الشخص بصفته ذاتاً حرّة ومسؤولة وواعية، لها كيانها وشخصها رغم التغيّرات التي قد تلحق بها.
وبشكلٍ عام فإنّ الفيلسوف ديكارت يشترك مع ابن سينا في تصوّر مفهوم الشخص، حيث يعتبر كلّ منهما أنّ النفس والذات المفكّرة هما اليقين الأوّل والجوهر الوحيد الذي لا يُمكن تسريب الشك إليه، وقد توصّل ديكارت إلى تلك النتيجة خلال سعيه المتواصل لتأسيس معرفة أكيدة لإثبات وجوده، بعد أن خاض تجربة الشك في كل ما يدور حوله، حتّى انتهى به تأمّله وحدسه العقلي إلى أوّل حقيقة أكيدة وطبيعيّة، ثمَّ عمّم ما توصّل إليه على الناس قائلاً ” أنا أشك، أنا أفكّر، إذن أنا موجود “.
مفهوم الشخصية في الفلسفة
إذا كان الخطاب الفلسفي يعتمد بشكلٍ أساسي في تحديد الشخصيّة على خطاب الشخص، فإنّ العلوم الإنسانيّة اعتبرت الشخصيّة هيكلاً وبناءً تجريديّاً، ونموذجاً لفهم سلوك أو ميّزة الشخص؛ بهدف التحكّم فيه وإرشاده وتوجيهه، وللتعرّف على مفهوم الشخصيّة يجب الانطلاق من اتّجاهين مهمّين ومختلفين هما:
الاتجاه السيكولوجي
يعتبر الاتجاه السيكولوجي ( النفسي ) أنّ النظام النفسي بكل ما يحتويه من مكوّنات شعوريّة ولاشعوريّة، وسلوكيّات وانفعالات في تفاعلها وحركتها، هو المحدّد الأساسي لمفهوم الشخصيّة، ولأنّ الظواهر النفسيّة متعدّدة، فإنّ المدارس السيكولوجيّة مختلفة باختلاف المناهج التي انطلقت منها، فمثلاً انطلق سيجموند فرويد من الممارسة العاديّة ليكشف أنّ الشخصيّة تخضع لمكوّنات اللاشعور الإنساني، أي أنَّ شخصيّة الإنسان الراشد ما هي إلا نتاج تاريخ أزلي يعود جذوره إلى مرحلة الطفولة وماضي الفرد نفسه.
الاتجاه السوسيولوجي
إذا كان الاتجاه السوسيولوجي (الاجتماعي ) في تصوّرها للشخصيّة تعتمد على النظام النفسي، فإنّ السوسيولوجيا تعتمد على النظام الاجتماعي، حيث اعتبرت أنّ شخصيّة الفرد يتمّ تحديدها وفقاً لجموعة من العوامل الاجتماعيّة، فالفرد لا يُمكن أن يعيش بمعزل عن الناس في نطاق مغلق، بل يتفاعل ويتشارك مع غيره ضمن محيط يُحدّد سلوكيّاته وثقافته التي ينتمي إليها.
دلالات الشخصية في الفلسفة
عندما نبحث عن دلالات مفهوم الشخصيّة، نحصل على نمطين من التعاريف هما : أن تتّخذ الشخصيّة معنى مجرّداً وعامّاً، يجعلها خاصيّة كائن، حتّى يكون الشخص أخلاقيّاً وقانونيّاً مسؤولاً، كأن نقول لكلّ شخص الحق في شيء معين، أمّا النمط الآخر فهو الذي يتّخذ المفهوم المحسوس الذي يُركّز على خصوصيّة الفرد باعتباره تنظيماً فريداً لمجموعة من الوظائف الجسميّة والنفسيّة والاجتماعيّة، حيث يظهر هذا النمط بشكلٍ واضح وجلي من خلال أسلوب الفرد في الحياة، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بسيرته وتاريخه، كقولنا شخصيّة ساجدة أو شخصيّة سارة.