محتويات
'); }
نشأة فريدريك نيتشة وحياته
وُلد نيتشه عام 1844م لعائلة دينية حيث كان والده رجل دين، لذلك ألحقوه في كلية اللاهوت لأنّهم حريصون على تخريج رجال دين من العائلة، وتوفي والده إثر سقوطه مما تسبب له بارتجاجٍ دماغيّ ونيتشه لم يبلغ الخامسة بعد فنشأ بين خمسة نساء هنّ: أمّه وشقيقته وعمتيه وجدته.[١]
ولوحظ عليه أنّه طفل يحب التأمل والشّعر والموسيقى، فبدأ مشواره في الحياة ما بين التعلّم والتدريس والتأمل والسفر والعزلة، عابرًا عدة محطات في حياته ما بين دراسته، والانضمام للجيش في الحرب، وتدريسه في الجامعة، وحبه للمرأة الروسية لو سالومي، وتركه التعليم وبداية العزلة والتأليف لينتهي به المطاف في مستشفى للأمراض العقلية[١].
والجدير بالذكر أنّ صحة نيتشه كانت عليلة منذ طفولته وما زادها سوءًا أنّه في عام 1867م بدأ بتأدية خدمته العسكرية على سلاح المدفعية وقد تسببت له هذه الفترة بأمراض وكانت تسوء حالته كلما تقدم بالعمر فلم يكن مشاركًا في القتال بل تطوّع ممرضًا وهذا ما سبب له أزمات صحية ناشئة عن عدوى نقلها له الجنود الذين رافقوه في حياته[٢].
'); }
وفي عام 1882م وقع نيتشه في حب امرأة روسية تُدعى (لو سالومي) والتي تقدّم لخطبتها بعد يومين من معرفتها لكنّ رفضها له زاده تعبًا، ثم اتجه بعدها إلى العزلة والهجران ليتفرغ للكتابة[٣].
نشأة فريدريك نيتشة العلمية
في سن الرّابعة عشر ظفر نيتشه بمنحة دراسية بمدرسة (بيفورتا) وهي مدرسة لوثرية اكتسب منها اهتمامه بالدّراسات الكلاسيكية فتخصص فيها بدراسة أفلاطون وأسخيليوس وتعلّم اليونانية واللاتينية، والتحقَ في سنّ العشرين بجامعة (بون) ليدرس اللاهوت والتحليل الأدبي للنصوص الكلاسيكية ومن هنا بدأ عداوته للاهوت والمسيح.
وفي فترة خدمته في الجيش 1867م كان نيتشه يقوم بنشر مقالاته في الفيلولوجيا والثقافة اليونانية الكلاسيكية مما سخّر له الطريق نحو العمل أستاذًا في جامعة (بازل) حيث درّس فيها لمدة عشر أعوام واستقال في سن الرابعة والثلاثين ليأخذ نقاهة طويلة كانت صحته خلالها تنتكس تدريجيًا، وقد كرّس وقته كاملًا للكتابة والتفكير[١].
كان نيتشه طالبًا في جامعة (لايبزغ) في عمر الحادية والعشرين، وعندما كان يمشي في مكتبة تبيع الكتب المستعملة في خريف 1865م في شارع بلومنغاسة في لايبزغ، وجد نسخة من كتاب” العالم كإرادة وتمثّل” لشوبنهاور.[٤].
وعندما وصل البيت كتب: “وضعتُ كتاب شوبنهاور في يدي وكان مجهولًا تمامًا بالنسبة إليّ، وبدأت تقليب صفحاته، لا أعلم أيّ روحٍ حارسة كانت تهمس لي: خذ هذا الكتاب إلى المنزل، في جميع الأحوال، هذا ما حدث، مع أنّه كان مناقضًا لعادتي بعدم التعجل بشراء كتاب أبدًا، في المنزل رميت بجسدي عند زاوية الصوفا مع كنزي الجديد، وبدأت بالسّماح لتلك العبقرية الكئيبة الديناميكية بالتأثير فيّ، كان كلّ سطر يصدح بالإنكار، والنفي، والتسليم”.[٤].
من هنا بدأ نيتشه يغير توجهه في الحياة فاعتقد أنّ هدف الحياة يجب أن يكون تجنب الشرور والألم لا الاتجاه نحو السّعادة وكلّ ما هو بهيج ومستساغ[٤].
وفي سن الرابعة والعشرين استلم كرسي الفيلولوجيا الكلاسيكية في جامعة (بال)، وبعد عقد من هذا في خريف 1876م سافر إلى إيطاليا وفيها بدأ تفكيره ينحى منحىً آخر، فقد بدأ يخالف شوبهاور حيث قدم أحد الأطروحات التي يعتقد فيها أنّ نصيحة شوبنهاور في تكريس الحكماء أنفسهم في الحياة نحو تجنب الألم لا السّعي خلف اللذة هي نصيحة ليست في مكانها، وازدراها إلى حد وصفها بأنّها دعوة للعيش “متخفيّا في الغابات كغزال خجول” بل إنّ الإنجاز يتحقق عندما يعرف الإنسان دوره بكونه طبيعيًا، وأنّه بذاته خطوة لا يمكن تجنبها للوصول إلى الغاية الجيدة[٥].
استقال من التدريس في جامعة (بال) في سن الخامسة والثلاثين ومن حينها بدأ في قضاء الشتاء على سواحل البحر المتوسط، في قرية تتبع مدينة (سِلس – ماريا) وأحبها جدا لدرجة قد كتب مرة لزميله السابق في الجامعة كارل فون غيرسدوف: “أحس بأن وطني الحقيقي وأرض نسبي هنا، لا في أي مكان آخر” حيث قضى هناك خمس سنوات كتب فيها الأجزاء الرئيسية لكتاب العلم المرح، وهكذا تكلم زرادشت، وما وراء الخير والشر، وأصل الأخلاق وفصلها، وأفول الأصنام[٦].
فلسفة فريدريك نيتشة
قامت فلسفة نيتشه على العديد من الأفكار كالعدمية، والإنسان الأعلى الناهض الراقي، والأخلاق، ونقد الدين، والسياسة والانحطاط محاولًا إعادة بناء المذاهب الأخلاقية والأسس الإنسانية والفكرية التي تقوم عليها الإنسانية، فقام بتوجيه نقده وذمه لكلّ ما يقف في وجه إنسانية الإنسان وإرادته وحريته وحياته، من أجل بناء مجتمع سليم معافى مليء بالأقوياء، ينهض بالإنسان إلى حياة تستحق أن تُحيا[٧]. وهذه بعض الأمثلة على أفكار نيتشه الفلسفية:
النساء في فلسفة نيتشه
لقد أدّت وفاة والده مبكرًا إلى خضوعه لنساء عائلته اللاتي كرّسن جهدهنّ في تربيته الدينية وتعليمه، في بعض كتابته نراه يمتدح المرأة فيقول: “للنساء ذكاء، وللرجال شخصية وأفعال طاغية”، ” العلاج الناجع لأمراض الذكر الخاصة بالاحتقار الذاتي هو حب امرأة رشيدة” لكنّه يهاجم المرأة في كتابات أخرى فيقول: ” المرأة في الأسس هي مخلوق مضطرب”.[١]
نقد العلم
انتقاد نيتشه للعلم لم يقلّ عن نقده للأخلاق والدّين، فهو ينقده بعنف بوصفه “قيمة مطلقة، ودينًا جديدًا” فالبحث لأجل المعرفة بذاتها هو بحث لا طائل منه ولا معنى له كالبحث لأجل الخير لذاته، فالسير نحو المعرفة لذاتها تحوّل البشر إلى خدم لها وعلى المعرفة أن تكون خادمة للبشر لا العكس[٨].
الأخلاق
يرى نيتشه أنّه بتفكيره قد استيقظ من حلم عميق وهذا الحلم هو جميع الأوهام الإنسانية المحتفل بها، هو هذه المذاهب الأخلاقية التي لم تعالج النّاس من مشاكلها، بل هي قيم صاغها العبيد والضعفاء ليحاولوا السيطرة على الأقوياء، وليختبئوا بها من عواصف الحياة التي يعجزون عن مواجهتها فهي قوانين صاغتها الجموع لأنها عاجزة عن النضال، فيدعوهم نيتشه إلى هدم هذه الأخلاق الماضية والثورة عليها، والبدء في إنشاء مذهب جديد يقوم على فهم الإنسان بغرائزه وقيمته وترك أوهام الماضي الموروثة، فعلى إنسان اليوم أن يترك الماضي الضعيف لأنّه أقوى من الذين سبقوه[٩].
مؤلفات فريدريك نيتشة
كتب نيتشه خلال فترة حياته في التدريس وفي عزلته العديد من المقالات والخطب الفلسفية والرسائل والكتب، ومن كتبه التالي:
إنساني مفرط في إنسانيته
يتكوّن هذا الكتاب من مقاطع وضعها نيتشه في جزئين، يتكلم فيهما عن تعاليم فلسفية تتعلق بالصحة وبناء الأجيال ولكنّه بناء تشاؤمي إذ إنه يوصي أصحاب العقول ببناء أجيال تمتثل لهم طوعا، وينبذ فيه التشاؤم الرومانسي على حد وصفه ذلك الذي ما إن يصيب المرء حتى يبدأ بالانهزام والإحباط والنقص، بل يشجع المتشائمين الأقوياء الذين يعرفون الحياة بسيئاتها ويجربونها فلا يعودون يخشون الأشياء المرعبة وتبدأ في نفوسهم إرادة القوة والأنفة والشجاعة[١٠].
هكذا تكلم زرادشت
يتحدث هذا الكتاب عن إنسان وجدَ نفسه الحقيقية بعد طول تأمل وتفكير منه فخرج من عزلته ليبشّر الناس بمنهج الفضيلة والسّمو الفكري الجديد ومناديًا بهدم الموروث المتخلف، فيستخف به الناس فيعود إلى عزلته، ومن أبرز القضايا والأفكار التي تناولها نيتشه على لسان زرادشت هي تحرير الإنسان من الذّلة والمسكنة مناديًا الناس بأن يتغلبوا على إنسانيتهم بالتغلب على العادات والتقاليد وما تم توريثه من عقائد، ليقوم مجتمع آخر يضج بالأفراد المتفوقين[١١].
ما وراء الخير والشر
يقوم هذا الكتاب في مضمونه على نقد الحداثة بما فيها من علوم وفنون وسياسة حديثة، إنّه انتقاد لاذع لقيم الحضارة المتمدنة الحديثة، ابتداءً من الموضوعية العلمية وصولًا للتقدم والمساواة متطرقًا إلى حقوق الإنسان والمواطنين في مجتمعاتهم، والمرأة وأخلاق الرحمة والعطف[١٢].
إرادة القوة
تم جمع هذا الكتاب بإشراف إليزابيث شقيقة نيتشه ونشرته بعد وفاته، ويتحدث الكتاب عن القوة لدى الإنسان والتي تتجلى في الاستقلالية والإبداع، ومغالبة الظروف، والتحكم في النفس وقهر الصعاب، والالتزام بالفضيلة والسّمو والرقي، هذه القوة تقاس من خلال التقدم الفكريّ لدى الأمم وتطورها ورقيها[١٣].
أصل الأخلاق وفصلها
يتكون هذا الكتاب من ثلاث مقالات تتحدث عن رأي نيتشه بالأخلاق: (الخير والشر، الطيّب والخبيث)، (الذنب، والضمير المتعب وما مشاكلهما)، (ماذا تعني المُثل الزهدية).[١٤]
فيبدأ نيتشه بانتقاد الأخلاق النفعية التي يمتدحها الناس أصحاب المصالح بقدر ما يستفيدون منها، فيثنون على الفضيلة عند الآخرين بقدر ما تنفعهم، ويطرح تساؤلات حول نشأت الأخلاق وما هو المقياس الذي اعتمد في صياغة المذهب الأخلاقي عند الإنسان، وهل الشقاء والضعف هو من وضع الأخلاق أم محاولة السيطرة والقوة.[١]
أقوال فريدريك نيتشة
- “أنا أعرف الحياة معرفةً جيدة لأنّني كنت على وشك فقدانها”.[١٥]
- “كلّ سعادة على الأرض، أيّها الأصحاب في الصّراع تكمُن”.[١٦]
- “أنتِ وطني أيتها العزلة، لقد طال اغترابي في بلاد المتوحشين، فها أنا ذا أعود إليك أيها الوطن وعينايَ تذرفان الدّموع”.[١٧]
- “إنّ الذي علّم النّاس أن يباركوا علّمهم أن يلعنوا، فما هي الأشياء الثلاثة المستحقة اللعنة على الأرض، إنّها الثلاثة التي أريد وزنها؛ الشهوة والتحكم والأنانية، وهي التي استحقت أشدّ لعنات النّاس حتى اليوم”.[١٨]
- “أمَرتُ الناس أن يهدموا كلّ قديم، وأن يقفوا أمام كلّ عقيدة هرِمة ضاحكين مستهزئين بمعلميهم وقديسيهم وشعرائهم ومخلّصي عالمهم، أمرتهم أن يهزموا بصرامة حكمائهم وحذّرتهم من المفزعات السّوداء المنصوبة على شجرة الحياة”.[١٩]
وفاة فريدريك نيتشة
بعد أن وصل نيتشه في فلسفته القمة كان قد بلغ أقصى الحدود بالتفكير التي من الممكن أن يبلغها عقله، فبدأت أعراض الجنون تظهر عليه ففي ديسمبر عام 1888 كان قد بعث خطابات لأصدقائه بتوقيع (نيتشه – قيصر)، كما أنّه كان قد بعث رسالة لزوجة فاجنر يقول فيها: (أريان، أحبكِ، ديونيزوس)، ليصاب بعدها عام 1889 بنوبة حادة من الشلل الجنوني العام، والتي كانت أشهر أعراضها هذيان العظمة، فقضى بعدها ما يقارب أحد عشرة عامًا في فيمار بعيدًا عن عالم العقلاء إلى أن مات في 25 أغسطس 1990م.[٢٠]
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج لورانس جين، كيتي شين، سلسة أقدم لك، نيتشه، صفحة 10-14. بتصرّف.
- ↑ مصطفى غالب، نيتشه، سلسلة في سبيل موسوعة فلسفية، صفحة 13. بتصرّف.
- ↑ لورانس جين، كيتي شين، سلسلة أقدم لك، نيتشه، صفحة 53. بتصرّف.
- ^ أ ب ت آلان بوتون، عزاءات الفلسفة، صفحة 257. بتصرّف.
- ↑ آلان بوتون، عزاءات الفلسفة، صفحة 261. بتصرّف.
- ↑ آلان بوتون، عزاءات الفلسفة، صفحة 273-274. بتصرّف.
- ↑ نيتشه، إرادة القوة، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ لورانس جين، كيتي شين، سلسلة أقدم لك، نيتشه، صفحة 62. بتصرّف.
- ↑ عبدالرحمن البدوي، خلاصة الفكر الأوروبي، صفحة 16. بتصرّف.
- ↑ نيتشه، انسان مفرط في الانسانية، صفحة 10. بتصرّف.
- ↑ نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ نيتشه، ماوراء الخير والشر، صفحة 2. بتصرّف.
- ↑ نيتشه، ارادة القوة، صفحة 6. بتصرّف.
- ↑ نيتشه، اصل الاخلاق وفصلها، صفحة 157. بتصرّف.
- ↑ نيتشه، ديوان نيتشه، صفحة 23. بتصرّف.
- ↑ نيتشه، ديوان نيتشه، صفحة 162. بتصرّف.
- ↑ نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، صفحة 213. بتصرّف.
- ↑ نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، صفحة 218. بتصرّف.
- ↑ نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، صفحة 228. بتصرّف.
- ↑ فؤتد زكريا، نيتشه، صفحة 23. بتصرّف.