مدينة الزَّهراء
مدينة الزَّهراء مدينة أنشأها الخليفة عبد الرَّحمن بن محمَّد بن عبد الله المُلقَّب بالنَّاصر ـ ثامن خلفاء الدَّولة الأمويَّة في الأندلس ـ في شمال غرب مدينة قرطبة في الأندلس، على بُعد ستَّة كيلومترات عنها، وقد بدأ بناؤها في محرَّم من سنة 325هـ على سفح جبل اسمه العروس على ثلاثة مستويات؛ لتكون مقرَّاً لخلافته الجديدة، ويبتعد عن ضجيج مدينة قرطبة العاصمة، وانتقل النَّاصر بخدمه وحاشيته إليها في عام 336هـ، وقد بُنِيت خلال خمس عشرة سنة.
ظلَّت مدينة الزَّهراء مقرّاً للخلافة ومركزاً للنُّفوذ السِّياسيِّ مدَّة أربعين سنة فقط (325هـ-366هـ)؛ وهي مدَّة حُكم عبد الرَّحمن النَّاصر وابنه الحكم المستنصر، وعندما تولَّى الحاجب المنصور بن أبي عامر الحُكم في الأندلس بنى مدينته المعروفة بالزَّاهرة شرقيّ قرطبة، ونقل مركز الخلافة إليها، ممَّا أفقد مدينة الزَّهراء أهمِّيَّتها، وفي أواخر القرن الرَّابع الهجريِّ تعرَّضت مدينة الزَّهراء إلى السَّلب والحرق والدَّمار وحُوِّلت إلى رُكام وطُمِرت، إلى أن أُعيد اكتشاف بقاياها حديثاً، وتقع أطلالها في عصرنا الحاليّ في غربيّ قرطبة، وتُسمَّى بقرطبة القديمة.
بناء مدينة الزَّهراء
أشرف الحَكم المستنصر بن عبد الرَّحمن النَّاصر ووليّ عهده في ذلك الوقت على بنائها، وجلب مواد البناء لبنائها من شتَّى نواحي الأندلس وأوروبا وأفريقيا، وجلب الرُّخام الأخضر والورديَّ إليها من مدينتي صفاقس وقرطاجة في المغرب العربيِّ، وقد عمل في بناء الزَّهراء عدد هائل من العمَّال والمُهندسين والمعماريّين، وكانت مساحة الأرض الَّتي قامت عليها مدينة الزَّهراء حوالي ألفين وسبعمئة ذراع من الشَّرق إلى الغرب، وما يُقدَّر بألف وخمسمئة ذراع من القبلة إلى الجنوب.
قصر الزَّهراء
بنى الخليفة عبد الرَّحمن النَّاصر قصراً في مدينة الزَّهراء أسماه قصر الزَّهراء، وكان هذا القصر مِثالاً في الرَّوعة و الجمال، حيث بنى الخليفة جدران هذا القصر من الرُّخام المزيَّن بالذَّهب، وزيّن القصر بالتَّماثيل والتُّحف النَّفيسة والصُّور، وكان في وسط هذا القصر صهريج مملوء بالزِّئبق إذا سطعت عليه الشَّمس فإنَّها تنعكس على جوانبه بأضواء ساحرة، وحول القصر حدائق غنّاء مليئة بالتَّماثيل المصنوعة من العنبر واللُّؤلؤ.
جلب الوزير أحمد بن حزم إلى قصر الزَّهراء من الشَّام حوضاً على جوانبه اثنا عشر تمثالاً من الطُّيور والحيوانات المصنوعة من الذَّهب الأحمر المرصَّعة بالجواهر، وتقذف هذه التَّماثيل الماء إلى الحوض من أفواهها. توجد في كلِّ جانب من جوانب القصر ثمانية أبواب حفرت في العاج والأبنوس، كما حوى القصر بهواً كبيراً مزيَّناً بالأقواس عند مدخله؛ لاستقبال الملوك والسُّفراء، إضافةً إلى بهو آخر يحوي مجلساً للوزراء، وبهوين آخرين.
مسجد الزَّهراء
بنى الخليفة عبد الرَّحمن النَّاصر إضافة إلى القصر مسجداً في مدينة الزَّهراء بطول ثلاثين ذراعاً من القبلة إلى الجوف، وبِبهوٍ عرضه ثلاثة عشر ذراعاً من الشَّرق إلى الغرب، وقد عمل في بنائه أكثر من ألف عامل، وبُني في ثمانية وأربعين يوماً، وزُوِّد بأعمدة وقبب فخمة ومنبر، ورُصِف صحنه بالرُّخام الأحمر، وكانت في وسطه نافورة.