محتويات
'); }
الحالات التي يجوز للمرأة فيها طلب الطلاق
جعل الله -سبحانه وتعالى- الزواج سبباً للسَّكَن، والأمان، وجعل المودّة، والرحمة من أسباب استمرار المَحبّة، والانسجام بين الزوجَين، قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)،[١] إلّا أنّ ذلك ليس حتميَّاً؛ فقد يصل الزوجان إلى مرحلة يتعذَّر معها استمرار الحياة الزوجيّة، فتكون معيشتهم مع بعضهم سبباً في تعاستهم وتنافرهم، ويتعذّر التوفيق بينهم؛ ولذلك شُرِع الطلاقُ، ومن ذلك أنّ الإسلام أعطى للزوجة الحقّ في طلب الطلاق في حالات معيّنة، وبيانها فيما يأتي:[٢]
العيب في الزوج
تُعَدّ العلاقة الزوجيّة علاقة خاصّة بين اثنَين تجمعهما المودّة والانسجام، ولكن قد يظهر لدى الزوج عَيب، أو عيوب تُؤدّي إلى نفور زوجته منه؛ ولذلك شُرِع للزوجة طلب الطلاق إذا تعذّر إكمال الحياة الزوجيّة بوجود العيب في الزوج؛ والعيب لغةً هو: النقيصة، وتأتي بمعنى: نقصان الشيء بعد تمامه، أمّا عيب النكاح، فهو: العيب الذي يترتّب عليه خلل في مقاصد النكاح الأصليّة، كالنفور من الوطء، وكَسر الشهوة، ممّا يعني نفور أحد الزوجَين من الآخر، فيمنع تحقُّق أهداف الزواج، وقد يكون هذا العيب عقليّاً، أو بدنيّاً، أو نحوه، وللزوجة الحقّ في طلب التفريق؛ لعَيبٍ في زوجها باتِّفاق فقهاء المذاهب الأربعة؛ وقد استدلّوا بجواز ذلك على أدلّة، ومنها:[٣]
'); }
- القرآن الكريم: قال -تعالى-: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)؛[٤] فإن تعذّر على الزوج أن يُوفّي زوجته حقوقها، وجبَ عليه أن يُسّرحها بإحسان.
- السنّة النبويّة: لحديث: (لا ضررَ ولا ضِرارَ)؛[٥] إذ إنّ تقصير الزوج في حقّ زوجته، ومنعها من حقوقها ظُلمٌ لها، ويجب على القاضي أن يقبل طلب التفريق؛ رفعاً للضرر عن الزوجة إذا طلبت ذلك.
- الإجماع: ثبت عن الصحابة إجماعهم على جواز خيار التفريق للعيب، وفي حال ثبوت العيب كان للزوجة الحقّ في طلب الفسخ لكلِّ عَيب من شأنه أن يمنع الوطء، وقد روى الشافعيّ، والماورديّ هذا الإجماع عن الصحابة.
وفصّل العلماء في أنواع العيوب التي تُوجِب التفريق، ويُلاحَظ أنّ هذه العيوب بمجملها هي:[٦]
- الجبّ: وهو من فقد عضوه كلّه، أو بعضه.
- العُنّة: وتعني عدم قدرة الرجل على وطء زوجته، وقد اتّفق الفقهاء على هذا التعريف، إلا أنّ آرائهم اختلفت في تحديد أسباب هذا العجز؛ فيمكن أن يكون سببه مرضاً، أو صغراً في العضو، أو كبراً في السنّ.
- الخِصاء: وهو من نُزِعت خصيتاه، وبقي ذَكَره.
- الاعتراض: يتقاطع تعريف الاعتراض مع تعريف العنّة في بعض حالاته؛ فالاعتراض هو: عجز الرجل عن أن يطأ زوجته على الرغم من أنّ العضو الذكريّ سليم في الظاهر.
- الجنون: وهو ذهاب العقل الذي ينتج عنه عدم قدرة الشخص على التمييز، والإدراك، والجنون من أقوى الأسباب التي تُجيز للزوجة طلب التفريق.
- البرص: وهو من الأمراض الجلديّة التي لا يُعرَف سببها، ويُصيب البدن كلّه، فيُسبّب ظهور قشر أبيض يُؤدّي إلى الحكّة المؤلمة.
- الجُذام: ويُعرَف المُصاب به ب(الأجذم)؛ ويكون مقطوع اليد، أو أطراف الأصابع؛ إذ إنّ هذا المرض يُسبّب تآكل أطراف المريض حتى تتساقط.
- العذيطة: وهو أن يُخرِج الرجل حال جماع زوجته.[٧]
كما فصّل العلماء في العيوب التي يجوز للمرأة إن وجدتها في زوجها أن تطلب الطلاق منه، وهي على النحو الآتي:[٦]
- الحنفية: وقد ذهبوا إلى أنّ العيوب التي تجيز للمرأة طلب الطلاق بسببها، هي: الجبّ، والعنّة، والخصاء، وزِيدت على ذلك ثلاثة عيوب أخرى، هي: البرص، والجنون، والجُذام.
- المالكية: وذهبوا إلى أنّ العيوب هي: العنّة، والاعتراض، والخصاء، والجبّ.
- الحنابلة والشافعية: وقد ذهبوا إلى حصرها في عيبَين، هما: العنّة، والجبّ.
عدم الإنفاق
الإعسار هو: الضيق، والشدّة، والفقر، وقلّة ذات اليد، ولا يُوجَد حَدّ مُعيَّن يمكن به إطلاق لفظ المُعسِر على الرجل؛ إذ إنّ المُعسِر يعني عَجز المُعيل عن الإنفاق على من تجب عليه إعالتهم، والنفقة عليهم، ومن هنا فإنّ ضابط الإعسار يختلف تِبعاً للعُرف السائد، وبالتالي يختلف تِبعاً لاختلاف الأمكنة، والأزمنة،[٨] وتُعَدّ النفقة على الزوجة من واجبات الزوج، وقد يُقصّر الزوج، أو يمتنع عن تأدية حقّ الإنفاق على زوجته لسبب، أو بلا سبب؛ فإن كان امتناعه بلا سبب من جهة الزوجة، فللفقهاء هنا أقوال، على النحو الآتي:[٨]
- الحنفيّة: ذهبوا إلى أنّ الزوجة لا يحقّ لها أن تطلب الطلاق بسبب حالة زوجها المادّية إن كان فقيراً مُعسِراً؛ وقد استدلّوا على ذلك بقوله -تعالى-: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ)،[٩] ووجه الدلالة في الآية أنّها عامّة يدخل تحتها المُعسِرون جميعهم؛ فإن كان الزوج مُعسِراً، فإنّ نفقة زوجته تكون دَيناً عليه، وعلى الزوجة أن تنتظر حتى تتيسّر أموره، كما استدلّوا بقوله -تعالى-: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)،[١٠] ووجه الدلالة هنا أنّ الزوج إن كان مُعسِراً لا يستطيع الإنفاق فإنّه لم يُكلَّف بالنفقة، فلا يكون الإعسار هنا سبباً مشروعاً لطلب الطلاق.
- المالكيّة والشافعيّة والحنابلة: وقد ذهبوا إلى أنّ الزوجة لها الحقّ في طلب التفريق بينها وبين زوجها إن كان فقيراً لا يستطيع الإنفاق عليها؛ واستدلّوا على ذلك بقوله -تعالى-: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا)،[١١] فاعتبروا أنّ عدم إنفاق الزوج على زوجته اعتداءٌ على حقّها؛ لما فيه من ضرر عليها، وقد نهى -تعالى- في الآية الزوجَ عن الإضرار بزوجته، ومن الأدلّة على جواز ذلك ما ورد في السنّة النبويّة من قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ ما تَرَكَ غِنًى، واليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، وابْدَأْ بمَن تَعُولُ تَقُولُ المَرْأَةُ: إمَّا أنْ تُطْعِمَنِي، وإمَّا أنْ تُطَلِّقَنِي)،[١٢] ووجه الدلالة أنّ المرأة إذا اختارت فراق زوجها؛ بسبب إعساره، كان لها ذلك.
الغيبة
الغيبة (لغةً) هي: استتار الشيء عن العين، أمّا (اصطلاحاً)، فقد اختلفت التعريفات عند فقهاء المذاهب الأربعة، وهي:[١٣]
- الحنفية: ذهبوا إلى أنّها تعني من كان مكان وجوده بعيداً عن مجلس الحُكم.
- المالكية: ذهبوا إلى أنّها تعني من كانت زوجته تعلم مكانه، إلّا أنّه غائب عنها.
- الشافعية: ذهبوا إلى أنّها تعني من كانت تصل أخباره إلى أهله، ويُعلَم أنّه حَيّ، وعند زوجته عِلمٌ بمكانه.
- الحنابلة:: ذهبوا إلى أنّها تعني من كانت تصل رسائله إلى أهله، وتُعلَم منها أخباره.
حُكم التفريق للغيبة
اختلفت آراء الفقهاء في حُكم أحقّية الوطء؛ إن كان للزوج فقط، أم للزوجة أيضاً، وبناءً على هذا الاختلاف كانت لهم أقوال في جواز تفريق المغيبة عن زوجها الغائب، وهي:[١٤]
- الحنفية الشافعية: قالوا إنّه لا يحقّ للزوجة طلب التفريق بسبب غيبة زوجها عنها مهما طالت غيبته إن ترك لها ما يكفيها من النفقة.
- الحنابلة: قالوا بوجوب استدامة الوطء للزوجة كما هو واجب للزوج؛ فلها الحقّ في طلب الطلاق منه إن غاب عنها مدّة دون عُذر، أمّا إذا كانت غيبته بعُذر فليس لها أن تطلب التفريق منه.
- المالكية: قالوا إنّ للزوجة الحقّ في طلب التفريق من زوجها إذا غاب عنها مدّة بعُذر، أو بدون عذر؛ فالوطء حقّ لها مُطلقاً، وواجب عليه.
شروط الغيبة
يُحكَم للزوجة بالتفريق عن زوجها الغائب إذا توفّر عدد من الشروط، وهي:[١٤]
- طول مدّة الغيبة؛ وهي عند الحنابلة ستّة أشهر فأكثر، فيحقّ لها أن تطلب التفريق إن غاب عنها هذه المدّة، بالإضافة إلى تحقُّق الشروط الأخرى، أمّا المالكية فيرون أنّ المدّة هي سنة فأكثر.
- الخشية من الضرر؛ والمقصود بالضرر هنا: الوقوع في الزنا، وهذا قول المالكيّة، والحنابلة، ولا يعنون بالضرر هنا فقط اشتهاء الجماع، وإنّما الخشية من الوقوع في الزنا.
- الغيبة بلا عُذر، إلّا أنّه لا يجوز لها طلب التفريق إذا كان سفره بعُذر، كالحجّ، أو طلب العلم، أو نحوه، وهذا عند الحنابلة.
- الكتابة إلى الزوج الغائب بالعودة؛ وذلك بأن يبعث القاضي له أمراً بالعودة، أو إرسال الزوجة إليه، وإمهاله مدّة حتى يرجع، وذلك إن عُلِم مكان وجوده، فإن رفض، أو لم يستجب للمكتوب، وانتهت المُهلة، فللقاضي أن يُطلّقها.
التفريق للفقد والحبس
إذا غاب الزوج مدّة طويلة منقطعة، ولم يُعلَم مكانه، وكان يُجهَل ما إذا كان حيّاً، أم ميّتاً، فحُكمه عند الفقهاء حُكم الغائب وزيادة، وللزوجة أن تطلب التفريق عن زوجها، أمّا إن حُبِس الزوج فترةً عن زوجته، فلا يجوز لها طلب التفريق مُطلقاً مهما طالت مدّة حَبسه، وإلى ذلك ذهب الجمهور، في حين ذهب المالكية إلى جواز طلب التفريق بسبب الحبس في حال ادّعت الزوجة الضرر، على أنْ يتمّ ذلك بعد مضي سنة من حبس زوجها.[١٤]
الضرر
يُعَدّ الضرر ركيزة أساسيّة لجميع الأسباب التي تتيح للمرأة طلب الطلاق، وتُستثنى من ذلك المُخالعة، والضرر (لغةً)، هو: سوء الحال، والضيق، وهو ضدّ النفع، أمّا (اصطلاحاً)، فهو: إيقاع الضرر على الآخر، ويكون ضرراً مادّياً، كسَلب المال، أو إصابة الجسم، أو أكل الحقّ ونحو ذلك، والضرر مُحرَّم شرعاً؛ فلا يجوز لأحد أن يسبّب ضرراً لغيره في ماله، أو نفسه، أو عِرضه، ومن ذلك إضرار الزوج بزوجته؛ إذ اتّفق الفقهاء على حُرمة إضرار الرجل بامرأته، ولكن اختلفوا في كون الضرر سبباً للتفريق بينهما في حال طُلِب ذلك، وتوضيح ذلك في ما يأتي:[١٥]
- الحنفية والشافعية: ذهبوا إلى أنّ الزوجة إذا اتّجهت إلى القضاء، وطلبت تطليقها من زوجها؛ بسبب الضرر الذي وقع عليها منه، فإنّ القاضي يتّخذ عدداً من الإجراءات التي تبدأ بنَهيه، وتهديده، فإن لم يتوقّف عن إضراره بها، عاقَبَه حسب ما يراه مناسباً، إلّا أنّ الأمر لا يصل إلى تطليق الزوجة من زوجها.
- المالكية والحنابلة: قالوا إنّ للزوجة هنا الخيار في أن تبقى مع زوجها مع طلب إيقاف الظلم الواقع عليها من الزوج؛ فينهاه القاضي، ويَعِظُه، أو أن تطلب التطليق إذا ثبت عليه إضراره بها.
ومن صُور الضرر التي تُجيز للمرأة طلب التفريق عن زوجها ما يأتي:[١٦]
- سبّ الزوج لها، أو سَبّه والدَها.
- ضرب الزوج لها دون سبب غيرَ ضرب التأديب، أو ضربها ضرباً مُبرحاً بنيّة التأديب.
- ترك الكلام معها مدّة تتجاوز ثلاثة أيام.
- إجبارها وإكراهها على فعل المُحرَّمات، كالإفطار في نهار رمضان، أو شُرب الخمر، أو نحوه.
- وطؤها في غير المَحلّ الجائز شرعاً.
- الإساءة لها، ولأهلها؛ بسبب ممارسته الفاحشة.
- شُربه الخمر، أو تعاطيه المُخدِّرات.
الشقاق والنزاع
يُعبِّر الشقاق (لغةً) عن احتدام الخلاف والعداوة بين طرفَين، وغلبته، والشقاوة ضدّ السعادة، أمّا النزاع (لغةً)، فهو: التخاصم، ويُعرَّفان في اصطلاح الفقهاء بأنّهما: وقوع الخلاف، والتنازع، والكُره بين الزوجَين إلى الحدّ الذي تتشكّل فيه العداوة بينهما، ومن حالات هذا الخلاف: أن يعتدي الزوج على زوجته، أو يعتدي على حقوقها الشرعيّة وهي واجبة عليه، كالتقصير في النفقة، أو مَنعها، أو سوء العشرة، أو نحوها، والضرر الذي يوقعه الرجل على زوجته هو نوع من التعدّي والظلم، وهو مُحرَّم شرعاً،[١٧] ولا يلزم أن يكون التفريق هو الحلّ دائماً؛ فقد تُحَلّ النزاعات بين الزوجَين بالنصيحة، والجلسة الودّية التي يحضرها حَكَمٌ بنيّة الإصلاح بينهما، والتحكيم تشريع ربانيّ، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب التحكيم وجوباً حتميّاً؛ لأنّه أدعى إلى حلّ النزاع، ورفع الظلم، قال -تعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا )،[١٨] ومَهمّة الحكمَين الأساسيّة هي الوقوف على سبب الخلاف، وسبب النشوز؛ سواء كان من الزوج، أو الزوجة، وتذكيرهما بعواقب خلافهما على بيتهما، وأولادهما، ومحاولة ترقيق قلبَيهما، كما يُذكِّرانهما بوعيد الله للمُتسبِّب بالشقاق.[١٩]
للمزيد من التفاصيل عن فسخ النكاح والخلع الاطّلاع على المقالات الآتية:
- ((ما هو فسخ النكاح)).
- ((شروط طلب الخلع)).
عصمة النكاح
العصمة (لغةً)، هي: المَنع، وأصل الكلمة يدلّ على الإمساك، والملازمة، أمّا (اصطلاحاً)، فيُقصَد بها: عصمة النكاح؛ أي عقد النكاح، وسُمِّي بالعصمة؛ لأنّه يعصم المرأة عن المُتقدِّمين لخِطبتها.[٢٠]
حقّ الطلاق
جعلت الشريعة الطلاق حقّاً للرجل؛ فهو المالك له، ودلّ على ذلك قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)،[٢١] إلّا أنّ الشريعة جعلت المرأة تحتفظ بحقّها في الطلاق، كما يجوز للرجل أن يُملّك زوجته الحقّ في تطليق نفسها متى أرادت، فيتنازل عن حقّه في الطلاق، ويمكن للمرأة أن تُوكل غيرها وتفوّضه في تطليقها في حال تنازل الزوج عن هذا الحقّ؛ والتفويض (لغةً)، هو: رَدّ الأمر إلى طرف آخر، والاتِّكال عليه، و(اصطلاحاً)، هو: جعل أمر الطلاق باليد المُفوَّض لها، وهذا تعريف الحنفية، أمّا المالكية فيرون أنّه: جعل إيقاع الطلاق بيد الطرف الآخر، وعرَّفه الحنابلة بأنّه: توكيل، أمّا الشافعيّة فقد عرّفوه بأنّه: تمليك.[٢٢]
حُكم اشتراط العصمة للمرأة
يرى الفقهاء في حُكم اشتراط المرأة جَعل العصمة بيدها عدّة آراء، وذلك على النحو الآتي:[٢٣]
- الحنفية: يرون جواز اشتراط المرأة أن تكون عصمة النكاح بيدها، على أن تشترط هي، أو وليّها ذلك أثناء عقد النكاح، ويلزم الرجل الوفاء بهذا الشرط إذا تمّت الموافقة عليه، ويجوز للزوجة أن تتراجع عن هذا الشرط، وتُسقِط حقَّها فيه، ويعني وجود العصمة بيد الزوجة أن يكون لها الحقّ في تطليق نفسها فقط، ولا يعني إلغاء قِوامة الزوج عليها.
- المالكيّة والحنابلة: يرون أنّه لا يجوز اشتراط المرأة أن تكون عصمة النكاح بيدها أثناء العقد؛ فإن اشترطته ظلَّ العقد صحيحاً إلّا أنّ الشرط باطلٌ، ومن أدلّة هذا القول: قوله -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[٢٤]، وقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)[٢٥].
- الشافعيّة: يرون أنّه لا يجوز اشتراط المراة أن تكون عصمة النكاح بيدها أثناء العقد؛ فإن اشترطته فقد بطل العقد، والشرط باطل أيضاً؛ حيث رأوا أنّ هذا الشرط يُخالف نصوص الشرع، كما يُخالف المقصود من الزواج؛ وهو الاستدامة.
حُكم طلب الطلاق دون سبب
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق بلا سبب، ولا يلزم الزوج أن يُطلِّقها إن طلبت ذلك بلا سبب.[٢٦]
وللمزيد من التفاصيل عن الطلاق الاطّلاع على المقالات الآتية:
- ((تعريف الطلاق وأنواعه)).
- ((أنواع الطلاق)).
المراجع
- ↑ سورة الروم ، آية: 21.
- ↑ خالد بن سعود البليهد، “الحالات التي يجوز للمرأة طلب الطلاق فيها”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-1-2020. بتصرّف.
- ↑ آيت شاويش دليلة (2014م)، إنهاء الرابطة الزوجية بطلب الزوجة، صفحة 14-23. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 229.
- ↑ رواه النووي، في الأذكار، الصفحة أو الرقم: 502، حسن.
- ^ أ ب آيت شاويش دليلة، إنهاء الرابطة الزوجية بطلب الزوجة، صفحة 29-32. بتصرّف.
- ↑ “العذيطة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 9-2-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب د. طه جسام محمد (2008)، “حكم التفريق بين الزوجين لإعسار الزوج في الشريعة الإسلامية”، مجلة ديللي، العدد الثلاثون، صفحة 4-11. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 280.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 7.
- ↑ سورة البقرة، آية: 231.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 5355، صحيح.
- ↑ العربي باشا مصطفى، العيبة وأثرها في التطليق، صفحة 17-19. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ” الاستثناء في الطّلاق”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-1-2020. بتصرّف.
- ↑ آيت شاويش دليلة، إنهاء الرابطة الزوجية بطلب الزوجة، صفحة 199-204. بتصرّف.
- ↑ عدنان علي النجار (2004م)، التفريق القضائي بين الزوجين، غزة: الجامعة الإسلامية، صفحة 159-160. بتصرّف.
- ↑ سناء جميل علي الحنيطي (2010م)، “التحكيم في دعوى التفريق للشقاق والنزاع”، حولية كلية الدعوة الإسلامية، العدد الثلاثون، المجلد الثاني، صفحة 908-913. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 35.
- ↑ أيت شاوش دليلة، إنهاء الرابطة الزوجية طلب الزوجة، صفحة 228-234. بتصرّف.
- ↑ د.فهد بن عبد العزيز الداوود، اشتراط المراة جعل عصمة النكاح بيدها، صفحة 115،119. بتصرّف.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 1.
- ↑ أسماء عبد الله طباسي (2009م)، أحكام التفويض في الطلاق في الفقه الإسلامي، صفحة 19-39. بتصرّف.
- ↑ د. فهد بن عبد العزيز الداود، اشتراط المرأة جعل عصمة النكاح بيدها، صفحة 121-135. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 34.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 49.
- ↑ “حكم طلب الزوجة للطلاق بدون سبب”، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 18-1-2020. بتصرّف.
شاركنا برأيك عبر: قضية للنقاش🤔
ما هي الأسباب المقنعة برأيك والتي يجب على المرأة أن تنفصل عن زوجها لوقوعها؟