زيارة القبور
تُسنّ زيارة القبور للرجال، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (إِنَّي كنتُ نهيتكم عنْ زيارة القبور، فزوروها، لُتذكّركم زيارتُها خيراً)،[١] وسُنَّ أن يقف الزائر أمام القبر،[٢] أمَّا زيارة النّساء للمقابر؛ فذهب الجمهور إلى أنّه تُكره زيارة النساء للمقابر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوّارات القبور)؛[٣] لِما عند المرأة من رِقَّةٍ في القلب، وعدم تحمّلٍ للمصائب؛ وهذا مظنة البكاء، ورفع الصوت بالنحيب، وذهب الحنفية في الأصح عندهم إلى أنّ حكم زيارة القبور للنساء مندوبةً، كما يُندب زيارتها للرجال، وقال الخير الرَّملي: إذا كان قصد المرأة من زيارة القبور تجديد الأحزان، والبكاء، والنَّدب، فلا يجوز لها زيارة المقابر، أمَّا إذا كان الغرض من زيارة القبور الاتعاظ، والترحّم على الموتى من غير بكاءٍ فلا بأس.[٤]
ويُكره زيارة المقابر للشابّات من النساء، وقال الحنابلة: تُكره زيارة القبور للنساء، فإن عُلِم أنّه سيقع من المرأة مُحرَّم فإنّه يحرم زيارة القبور لها، وإن مرَّت المرأة في طريقها بقبرٍ فيحسُن لها أن تسلّم وتدعو، واستثنى أهل العلم من الكراهة زيارة قبر النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وغيره من الأنبياء، فإنّه يُندب زيارتها، أمَّا زيارة قبر الكافر فقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز زيارة قبر الكافر، ولكن قال الحنابلة: لا يجوز لمن زار قبر الكافر أن يُسلم عليه أو يدعو له، وقال الماوردي: تحرم زيارة قبر الكافر،[٤] حيث شرع الله -تعالى- زيارة القبور؛ لما فيها من الاتّعاظ، وتذكّر الآخرة، ويزور المسلم المقابر؛ حتى يدعو للموتى، ويُسلم عليهم، وتشتمل زيارة القبور على مجموعة من الأحكام التي لا بدّ للمسلم من امتثالها:[٥]
- اجتناب المسلم عند زيارة القبور المشي بينها في حذائه، عن بشير بن معبد بن الخصاصية قال: (فحانت من النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نظرةٌ، فرأى رجلاً يمشي في القبورِ، وعليه نعلان، فقال: يا صاحب السبتِيَّتين، ألق سبتِيَّتيك. فنظر الرجل، فلما رأى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خلع نعليه، فرمى بهما)،[٦] والأفضل للمسلم أن يخلع حذائه إذا مشى بين القبور، إلا لحاجة؛ كأن تكون أرض المقبرة فيها شوك، أو يكون الجو شديد البرودة أو الحر، أو تكون أرض المقبرة من الحصى ويتأذى بخلع حذائه.
- لا يُشرع عند زيارة القبور وضع جريد النخل، والرياحين، والزهور على القبور؛ لأنّ هذا الفعل لم يُنقل عن أحدٍ من الصحابة أو التابعين.
- لا يجوز للمسلم قراءة القرآن عند زيارة المقابر، فعن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابِر؛ فإنَّ الشيطان يفرُّ من البيت، أن يسمع سورة البقرة تُقرأُ فيه)،[٧] فدّل الحديث على أنّ المقابر لا يُقرأ فيها القرآن.
- يحرم على المسلم الذبح عند القبور، حتى لو نوى بذبحه وجه الله تعالى.
- يحرم على المسلم عند زيارة القبور الجلوس عليها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أن يجلِس أحدكُم على جمرةٍ فَتحرِق ثيابهُ، فتخلص إلى جلده، خيرٌ له من أن يجلِس على قبرٍ).[٨]
- يحرم على المسلم الصلاة إلى القبور، فعن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (لا تُصلُّوا إلى القُبور، ولا تجلسوا عليها).[٩]
- يحرم على المسلم أن يجعل للقبور أعياداً، وإن كانت للصالحين، ومواسم خاصةً يأتي إليها، لأنّ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تتَّخذوا قبري عيداً، ولا تجعلوا بُيوتكم قُبوراً، وحيثما كنتم فصلُّوا عليَّ؛ فإنَّ صلاتكم تبلغُني).[١٠]
ما يُقال عند زيارة القبور
جاء في سنة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بيانُ ما يُشرع للمسلم أن يقوله عند زيارة القبور، منها ما جاء في الحديث: (مرَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقبورٍ بالمدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال: السَّلام عليكم يا أهل القُبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثرِ)،[١١] أو يقول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنَّ جبرِيل أتاني، فقال: إنَّ ربَّك يأمرُك أن تأتي أَهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قُلتُ: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال قُولي: السَّلام على أهل الدِّيار من المؤْمنين والمسلمين، ويرحمُ اللَّهُ المُستقدمِين منَّا والمُستأخرِين، وإنَّا إن شاء اللَّهُ بكُم للاحقُونَ)،[١٢][١٣] وقيل يُندب أن يقول الزائر: “سلامٌ عليكُم دار قومٍ مُؤْمنِين وإِنَّا إن شاء اللَّهُ بكُم لاحقُون اللَّهمَّ لا تحرِمنا أجرهُم ولا تفتنَّا بعدهُم”.[١٤]
وأجمعت الأمة الإسلامية على جواز زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب جمهور العلماء إلى أنّها سنةٌ مستحبةٌ، وقال بعضهم: زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- سنةٌ مؤكدةٌ، وصفة زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- كالآتي:[٤]
- ينوي المسلم عند زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- زيارة المسجد النبوي كذلك؛ حتى ينال الأجر، والمثوبة على ذلك.
- يقول الزائر عند وصوله باب المسجد النبوي: “اللَّهُمَّ صلّ على محمَّدٍ، رب اغفر لي ذُنوبي وافتح لي أبواب رحمتك”.
- يصلي المسلم بعد دخوله المسجد ركعتين؛ تحيةً للمسجد، ثم يتوجه إلى الحُجرة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
- يستقبل المسلم عند وصوله إلى الحُجرة الشريفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويقف أمام النافذة الدائرية اليُسرى مبتعداً عنها مسافة أربعةِ أذرعٍ تأدباً وإجلالاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم يُسلّم الزائر على النبي- صلى الله عليه وسلم- بصوتٍ معتدل دون أن يرفع صوته، ويُسلّم على النبي -صلى الله عليه وسلم- بأي صيغةٍ تحضره من صيغ التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يُصلّي على النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
- يوصل الزائر سلام من أوصاه بالسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- من المسلمين، كأنّ يقول: السلام عليك يا رسول الله من فلانٍ أو فلانة.
- يُسلم الزائر بعد ذلك على صاحبي النبي -صلى الله عليه وسلم- أبي بكرٍ، وعمر رضي الله عنهما.
زيارة القبور يوم العيد
شرع الله -تعالى- زيارة القبور؛ لما فيها من الموعظة للزائر، وفيها دعاء للميّت بالرحمة، ولكن لم يرد في الشريعة الإسلامية تخصيص يومٍ من أيام السنة بزيارة المقابر؛ كأيام العيد، ويوم الجمعة، حيث إنّ المشروع في يوم العيدين إظهار الفرح، والسرور، والابتهاج فيهما؛ شُكراً لله -تعالى- على إتمام الطاعات من صيامٍ أو حجّ، أمَّأ زيارة المقابر في يوم العيد فيحصل بها تجديد الأحزان، وتذكر الأيام الماضية؛ مما يُثير الألم في نفس الزائر في يومٍ ينبغي أن يكون يوم فرحٍ وسرورٍ، وتخصيص زيارة الميّت في يوم العيد لم يرد فيه نفعٌ خاصٌ ينتفع به الميّت، فلا يُشرع للمسلم زيارة المقابر في يوم العيد.[١٥]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 2475، صحيح.
- ↑ منصور بن يونس البهوتي، الروض المربع شرح زاد المستقنع، بيروت: دار المؤيد- مؤسسة الرسالة، صفحة 193. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن حسان بن ثابت و أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7259، صحيح.
- ^ أ ب ت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1992)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 83-89، جزء 24. بتصرّف.
- ↑ عادل يوسف العزازي (3-6-2013)، “زيارة القبور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-3-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الأدب المفرد، عن بشير بن معبد بن الخصاصية، الصفحة أو الرقم: 596، صحيح.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 8443، إسناده صحيح على شرط مسلم.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 971، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي مرثد الغنوي، الصفحة أو الرقم: 972، صحيح.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 8804، إسناده حسن.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج رياض الصالحين، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 584، حسن.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 974، صحيح.
- ↑ مصطفى بن سعد الرحيباني (1994)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (الطبعة الثانية)، لبنان: المكتب الإسلامي، صفحة 933، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ زكريا بن محمد السنيكي، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، مصر: المطبعة الميمنية، صفحة 121، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ خالد بن سعود البليهد (15-8-1430)، “حكم زيارة الموتى يوم العيد”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-3-2019. بتصرّف.