علوم

ما هي نظرية التطور

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نظريّة التطوّر

يُعرَّف التَّطور (بالإنجليزية: Evolution) بأنَّه التغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة،[١]وقد تمَّت صياغة نظرية داروين للتطوّر عن طريق الانتقاء الطبيعي للمرة الأولى في كِتابه حول “أصل الأنواع” (بالإنجليزية: Origin of Species) والذي كتبه داروين في عام 1859م، وتنص هذه النظرية على أنَّ الكائنات الحية تتغير مع مرور الزمن نتيجة لِتغيرات في السِّمات الجسمية، أو السلوكيات الوراثية، مما يُتيح للكائن الحي التكيُّف مع بيئته بصورة أفضل ويساعده على البقاء والتكاثر.[٢]

يُعتقد أن نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي تعتبر مِن أفضل النظريات التي تم دعمها تاريخياً، إذ يُزعم وجود مجموعة مِن الأدلة العلمية التي تدعم هذه النظرية، مِثل: علم الحفريات، وعلم الوراثة، والجيولوجيا، وعلم الأحياء التطوري.[٢]

صاحب نظرية التطور

يُعتَبَر العَالِم الإِنجليزي تشارلز روبرت داروين صَاحِب أشهر نَظريَة للتَّطور والتي عُرفت باسمه، وَهو عالم فِي التَّاريخ الطَّبيعي، وُلد سنة 12 فبراير مِن عام 1809م، وتُوفي في 19 إبريل 1882م، وكان والده طبيباً معروفَاً، وتعتبر نظريته في التطور عبر الانتقاء الطبيعي الأساس للدراسات الحديثة المتعلقة بهذا المجال، وقد نَشر داروين كِتابه (أصل الأنواع) والذي وضح فيه نظرية التطور الشهيرة الخاصة به فِي عام 1859م، بعد عقدين من صياغتها أثناء رحلته البحرية حول العالم في الفترة بين عامي 1837-1839م،[٣] ويُعتقد أن السبب الحقيقي وراء شهرته هو ابتكار هذه النظرية، والمعروفة أيضًا باسم الداروينية (بالإنجليزية: Darwinism).[٤]

آلية التطور حسب رأي داروين

تفترض نظرية التطور وجود تغيير في التركيب الجيني للبشر على الأجيال المتعاقبة، وينتج هذا التغيير عن زواج الأقارب، أو الانتقاء الطبيعي، أو التهجين، أو الطفرات، وللتطور آليات رئيسية هي:[٥]

  • الانتقاء الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تفترض نجاح الأفراد الذين يمتلكون صفات مميزة في البقاء، وتمرير هذه الصفات إلى الأجيال التالية.
  • الطفرات الوراثية (بالإنجليزية: Mutations) في الجينات التي تؤدي إلى التأثير على تمرير الصفات الوراثية عبر الأجيال المختلفة.
  • الانحراف الجيني (بالإنجليزية: Genetic drift): وهي تغيرات عشوائية تحدث في الصفات التي تحملها المجموعة.
  • الهجرة الجينية (بالإنجليزية: Gene flow) وذلك عند تزاوج الأفراد من مجموعات مختلفة مع بعضها البعض.

يفترض العالم داروين كذلك امتلاك بعض الأفراد ضمن أي مجتمع في السابق للصفات التي تساعدهم على العيش والتكاثر، وهؤلاء الأفراد تركوا وراءهم عدداً أكبر من الأبناء مقارنة بنظرائهم، مما أدّى بالتالي إلى شيوع هذه الصفات في الجيل التالي بشكل أكبر مما سبق، ومع مرور الوقت وانتقال الصفات المرغوبة بهذه الطريقة من جيل لآخر أصبح المجتمع بأكمله أكثر تكيّفاً مع المجتمع المحيط به، وأكثر قدرة على العيش والتكاثر فيه.[٦]

نظرية الانتخاب الطبيعي

تعريف الانتخاب الطبيعي

يمكن تعريف عملية الإصفاء أو الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: natural selection) بأنها الآلية التي تتم من خلالها عملية التطور، ووفق عالمة الأنثروبولوجيا بريانا بوبينر فإن أفضل وصف لهذه العملية هو أن الصفات التي تبقى في الكائنات الحية هي الصفات التي تمكّنها من العيش والتكاثر في بيئتها، وفي المقابل تقل لديها الصّفات التي لا تحمل أية فوائد بقائية أو تكاثرية، أي يمكن التعبير عن ذلك بقانون البقاء للأصلح (بالإنجليزية: survivor for the fittest).[٧]

يمكن لهذه الآلية وفق نظرية التطور تغيير صفات النوع الواحد من الكائنات الحية بشكل بسيط؛ كتغيير اللون، أو الحجم فقط للنوع ذاته عبر الأجيال المختلفة، وهو ما يُعرف باسم التطور الدقيق أو المصغّر (بالإنجليزية: Microevolution)، وفي المقابل يمكن للتغيرات عبر مرور الكثير من الوقت وتراكم حدوث الكثير منها أن تنتج أنواعاً جديدة كلياً فيما يُعرف باسم التطور الكلي أو الكبير (بالإنجليزية: Macroevolution)؛ حيث يمكن للديناصورات وفقها أن تتحول إلى طيور، كما يمكن لأسلاف القرود أن تتحول إلى بشر، ويمكن كذلك للحيوانات البرمائية التحول إلى حيتان، وذلك عبر حدوث ما يُعرف باسم الطفرات (بالإنجليزية: Mutations) التي قد تنتج عن حدوث الأخطاء بشكل عشوائي أثناء تضاعف جزيئات الحمض النووي منقوص الأكسجين أو أثناء ترميمه، أو بسبب التأثيرات الإشعاعية أو الكيميائية.[٧]

أمثلة على عملية الانتخاب الطبيعي

يعتبر التطور الذي طرأ على الحيتان بسبب التغيرات البيولوجيّة العشوائية من الأمثلة على نظرية الانتخاب الطبيعي وفق ما تدعيه نظرية التطور حيث أصبحت هذه الحيوانات أكثر تكيّفاً مع نمط الحياة البحرية مع مرور الوقت، وظهور العديد من الأجيال المختلفة، وأكثر قدرة على العيش والتنفس في الماء؛ فمع المزيد من التغييرات الجينية العشوائية تحرّكت فتحة التنفس لمسافة أبعد في الرأس، كما تغيرت أجزاء الجسم الأخرى للنسل القديم من الحيتان؛ فتحولت الساقان الأماميتان إلى زعانف، واختفت الساقان الخلفيتان، وأصبحت أجسادها أكثر انسيابية، وتطوّر الذيل لديها لتصبح قادرة على دفع أنفسها بشكل أفضل في الماء.[٧]

من الجدير بالذكر هنا أنّ داروين وصف شكلاً آخر من أشكال الانتخاب الطبيعي، والذي يعتمد على تمكّن الكائن الحي من تطوير صفات معينّة في جسده لجذب الجنس الآخر من خلال عملية تُعرف باسم “الانتخاب الجنسي” (بالإنجليزية: sexual selection)، ومن الأمثلة عليها: تطوّر الريش الملوّن للطاووس، وقرون الغزلان الذكور.[٧]

الإنسان في نظرية التطور

أصل الإنسان في نظرية التطور

تفترض نظرية تطور الإنسان عبر التاريخ أن الإنسان مر عبر الزمن الطويل الذي تقدّره الأدلة العلمية بنحو ستة ملايين سنة بعملية طويلة ضمّت سلسلة كبيرة من التغيرات، وأن أصله هو من الأسلاف الشبيهين بالقرود، ويستدلون على ذلك من منطلق أن الأدلة تؤيد أن جميع الصفات السلوكية والمادية المشتركة بين البشر هي تنبع في الأصل من أسلافهم الشبيهين بالقرود.[٨]

أهمية نظرية التطور في فهم جسم الإنسان

كَانت لِنَظريَّة التَّطور أَهميَّة كَبيرَة فِي فَهم طَبيعَة الإِنسان؛ فقد مكَّنت الفلاسفة من فَهم النَّفس البشريَّة عن طريق معرفة كيفيَّة تَطوُّر الجهاز العصبي فِي جسم الإنسان، وعلاقته بِالكَائنات الأُخرى، وَالعوامل التي جعلته يتطوَّر فِي الوَقت الحاضِر، أَمَّا بالنسبة للطّب الحديث فقد مَكَّنَته النظريّة مِن دراسة كيفيَّة عِلاج الإِنسان بِالاعتِمَاد عَلى أَصلهِ؛ فَعَمد عَلى تَرك العِلاج بِالأَعشاب، والانتقال إِلى العلاج بخُلاصات الحَيوانات، مثل الهرمونات.[٩]

الأدلة التي تدعم نظرية التطور

هُناك العَديد مِنَ الأَدلة التي قد تَدعَم نَظَريَّة التَّطور، ومنِهَا:[١٠][١١]
  • الأحافير؛ حيث يمكن من خلال الأحافير معرفة الشكل الذي كانت عليه الحياة في السابق؛ فهي تُظهر تطور الكائنات عبر الأزمنة المختلفة، وتعطي أدلة كافية قد تدعم صحة نظرية أن الكائنات الحية المعقّدة في الوقت الحالي قد انحدرت من كائنات أخرى أكثر بساطة منها في السابق.
  • تماثل التركيب بين الكائنات المختلفة وهو الأمر الذي قد يدل على انحدار كل مجموعة من الأنواع من سلف مشترك، ومن الأمثلة على ذلك تشابه أذرع الإنسان، مع الأطراف الأمامية للقطط والكلاب، وأجنحة الطيور، وزعانف الحيتان وامتلاكها لنفس النوع من العظام.
  • تشابه أجنة النوع الواحد من الكائنات الحية، وهو الأمر الذي قد يعد دليلاً على تشاركها في السلف؛ فعلى سبيل المثال تمتلك جميع أجنة الفقاريات ذيلاً، وشقوقاً خيشومية، لتختفي هذه التراكيب مع مرور الوقت عند البعض منها، وفي المقابل فإنها تبقى عند البعض الآخر.
  • الأعضاء الضامرة؛ فقد يدل وجود بعض الأعضاء مثل عظم الذيل أو العصعص، والزائدة الدودية عند الإنسان على صحة نظرية التطور حيث أدّى التطور إلى تقليل حجمها بسبب انعدام الحاجة إليها في الوقت الحالي.
  • تماثل تسلسل الحمض النووي الريبوزي بين بعض المجموعات من الكائنات الحية.
  • توزيع الكائنات على سطح الأرض؛ حيث يمكن ملاحظة تشابه الكائنات الحية في مكانين ما على الأرض مع بعضها واختلافها عن الكائنات الحية الموجودة في مكان آخر منها على الرغم من تشابه المناخ في المنطقتين، وهو الأمر الذي قد يدل على أن هذه الكائنات المتشابهة قد هاجرت في الأصل من مكان إلى آخر وتطوّرت هناك لتكوّن أنواعاً جديدة أكثر تكيفاً على العيش في تلك المنطقة، وهو ما يفسّر تشابه الكائنات بين تلك المنطقتين.[١٢]

الأدلة التي تشكك في صحة نظرية التطور

من الأدلة العلمية التي تشكك في صحة نظرية التطور ما يلي:[١٣]

  • تعتمد نظرية التطور على حدوث الطفرات بشكل عشوائي وغير موجّه لحدوث التطور، وبناء على ذلك تقول عالمة الأحياء لين مارغوليس العضو في الأكاديمة الأمريكية الوطنية للعلوم إنّ الطفرات لا تسبب تطور أنواع جديدة من الكائنات الحية، وإنما تؤدي بدلاً من ذلك إلى إنتاج أفراد مصابين بعيوب خَلقية.
  • الكيمياء الحيوية لا تدعم وجود نظرية التطور؛ حيث يقول عالم الأحياء بروس ألبيرتس وهو الرئيس السابق للأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم إن الخلايا في جسم الإنسان تعمل كمصنع متكامل ومعقد، ولا يمكن للعمليات العشوائية وغير الموجّهة أن تنتج هذا النظام المعقّد من التنظيم الخلوي.
  • الافتقار لوجود الأحافير التي تُظهر المرحلة الوسطى من تطور الكائنات الحية؛ حيث يقول عالم الأحياء المختص بالتطور إرنست ماير إن معظم الاحافير تُظهر الأنواع الجديدة والمتطورة بشكل مفاجئ دون اتصال بأسلافهم عبر وجود أحافير تُظهر المرحلة الانتقالية بين النوعين.

آراء حول نظرية التطور

بالنِّسبة للدين الإسلامي فإنَّ العديد مِن العلماء المسلمين نفوا صِحة نظرية التطور، فمثلاً أكَّد الدكتور مصطفى أبو سمك أنَّ الإنسان لم يكن وجوده بسبب الانتقاء الطبيعي الذي حدث بين نوع مِن المخلوقات، بل إن الإِنسان خُلِق مُستقلاً بِنوعه وجنسه،[١٤]كما أن العلامة أغاسيز وضع في رسالته حول أصل الإنسان أن نظرية دارون خطأ علمي، وأكد على قوله العلامة هسلكي الذي لم يؤيد صحة هذه النظرية،[١٥]كما صرّح عالم الأحياء سكوت جيلبرت في تقرير تم نشره في مجلة نيتشر بأن التفسير الحديث لهذه النظرية يعتبر مفيداً بشكل رائع في تفسير نموذج البقاء للأصلح بين الكائنات الحية، لكنه ليس مفيداً في تفسير نموذج الوصول للأفضل والأصلح.[١٣]

في المقابل أكّد براين ريتشموند، المسؤول عن قسم أصل الأنسان في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك أن هذه النظرية قد تم تأييدها بالكثير من الأمثلة الدالة على حدوث التغييرات في الأنواع المختلفة، مما أدى بالتالي إلى حدوث التنوّع في الكائنات الحية كما هي عليه اليوم.[٢]

المراجع

  1. Biology Online Staff, “Evolution”، Biology Online, Retrieved 2016-11-24. Edited.
  2. ^ أ ب ت Ker Than (26-2-2018), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  3. Adrian J. Desmond (13-9-2019), “Charles Darwin”، www.britannica.com, Retrieved 6-10-2019. Edited.
  4. Heather Scoville (26-1-2019), ” Biography of Charles Darwin”، www.thoughtco.com, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  5. “Evolution”, biology-online.org, Retrieved 9-5-2018. Edited.
  6. “Darwin, evolution, & natural selection”, www.khanacademy.org, Retrieved 29-5-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث Ker Than (13-5-2015), “What is Darwin’s Theory of Evolution?”، www.livescience.com, Retrieved 30-12-2017. Edited.
  8. “Introduction to Human Evolution”، humanorigins.si.edu، اطّلع عليه بتاريخ 6-10-2019.
  9. سلامة موسى (2011)، نظرية التطور وأصل الإنسان (الطبعة الثالثة)، مدينة نصر : كلمات عربية للترجمة والنشر، صفحة 23. بتصرّف.
  10. Suzanne Wakim & Mandeep Grewal (19-5-2019), “Evidence for Evolution”، bio.libretexts.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  11. “Evidence of Evolution”, www2.palomar.edu, Retrieved 10-7-2019. Edited.
  12. “Evidence for Evolution: Paleontology, Biogeography, Embryology, Comparative Anatomy & Molecular Biology”, study.com، 7-10-2019. Edited.
  13. ^ أ ب “Why Is Darwinian Evolution Controversial?”, dissentfromdarwin.org, Retrieved 7-10-2019. Edited.
  14. د.أمين الدميري (7-5-2014)، “التدرج والتطور”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-5-2019.
  15. عباس محمود العقاد، الإنسان في القرآن، صفحة 20. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى