محتويات
الدولة الإسلامية
لقد وَصَلَت حدودُ الدولة الإسلامية من الصين شرقاً، وحتى حدود فرنسا غرباً في نهاية عهدِ العباسيين، واتّسعت أكثر لتشمل أجزاء من اليونان وأوروبا، ولمَّا ازداد انتشار الدولة الإسلامية، ازدادت الخلافات والانقسامات، فظهرت الدويلات الصغيرة، وأصبحَ البعضُ يستعين بأعداءِ الدين لكي يقضي على البعض الآخر، وسادت أجواء من الحقدِ والضغينة والتَّفَكُك، حتى باتت الدولة الإسلامية فريسةً سهلةً تحت أنياب الغزاة، ولمّا كان الأوروبيون يستشعرون خطر الدولة الإسلامية على مناطقهم وعلى ديانتهم السائدة آنذاك وهي الديانة المسيحية بسبب انتشارها واتساعها، علت بعضُ أصوات الباباوات والقسيسين تطالب بإنقاذ الأرض المقدسة من أيدي المسلمين، لتنطلق بذلك أول الحملات الصليبية، وفيما يلي نتحدثُ عن الحملات الصليبية على دولة الإسلام، لنعرف أسبابها، وأهدافها، ثم عددها وأثرها على بلاد المسلمين.
الحملات الصليبية
هي مصطلح يطلقُ على الحملاتِ العسكريةِ التي انطلقت من أوروبا إلى بلادِ المسلمين، بداعي تخليص الأرض المُقدَّسة (بيت المقدس) من أيدي المسلمين، وسُمِيَت بالصليبية؛ لأنَّ المقاتلين الأوروبيين كانوا يضعون شعار الصليب على ألبستهم، فانطلقت أولى الدعوات في شهر نوفمبر من العام 1905م، وكان أول من دعا إليها البابا أوربان الثاني، ثم كانت لكل حملة ظروف خاصة أدت إلى الدعوة إليها حسب الحاجة لها.
إنَّ الهدف البارز الذي أعلنَ عنه الصليبيون هو “تخليص الأرض المقدسة من أيدي المسلمين”، وبدعوى إرادة الرب والتكفير عن الخطايا.
أسباب ظهور فكرة الحملات الصليبية
إنّ كلّ الأبحاث والدراسات التي قرأتها عن هذه الحملات والحروب، وجدت إجماعاً من المؤرخين على أنَّ هناك أسباب ودوافع مباشرة معلنة لتلك الحملات، وهناك أسباب ودوافع غير مباشرة وغير مُعلنة، أدت إلى بروز فكرة احتلال الدولة الإسلامية وغزوِها، كما يُجمِع الباحثون والمؤرخون على أنَّ هذه الحروب دوافعها اقتصادية ولكنَّها أُلْبِسَتْ زِيَّاً دينياً لتبريرها، ونُلخِّصُ ذلك فيما يلي:
- الأسباب المباشرة للحملات الصليبية: تخليصُ الأرض المقدسة من خطرِ المسلمين، وقد تزيَّن هذا السبب بعد هدمِ كنيسة القيامة في السنةِ التاسعة بعد الألف، بأمر من الحاكم بأمر الله الفاطمي.
- الأسباب غير المباشرة للحملات الصليبية:
- أسباب اجتماعية: وهي الدافعُ الأبرز لهذه الحملات من وجهة نظر البعض، فقد كانت أوروبا تعيش في تلك الآونة نظاماً طبقياً إقطاعياً، فظهرت (طبقة النبلاء ورجال الكنيسة، وطبقة التجار، وأخيرا طبقة الفلاحين)، وكانت طبقة رجال الدين والنبلاء هي الطبقة الأبرز والمسيطرة على كل خيرات البلاد، فاستعبد الإقطاعِيّ الفلاحين الذين كانوا يعملون لديه بالسخرة، وفيما يلي نذكر مدى تأثير النظام الاجتماعي على الحروب والحملات الصليبية:
- أبناء النبلاء والإقطاعيين: كان نظام الإرث في أوروبا يقضي بأن يتم توريث الابن الأكبر دوناً عن غيره من الإخوة؛ حفاظاً على تَشَتُّتِ الأملاك وضياعها بعد نَيِّف من العمر، هذا النظام أوجدَ طبقة من أبناء النبلاء، الذين وجدوا أنفسهم لا يملكون أي أرض ولا مال، ووجدوا أنّ أخاهم الأكبر يتحكّم بهم، وبالتالي كان الحلُّ لهم هو البحث عن أراض جديدة يتملكونها، فكانت دعوة الباباوات خير حل لهم.
- الفُقراء: وهم الذين عانوا من ظلم الإقطاعِي، ومن شُحِّ الحياة، وشُحِّ الدخل، فوجدوا في الحملات الصليبية تلك قاربُ النجاةِ لهم، أولاً للتخلص من ظلم الإقطاعي، وثانياً للبحث عن خيرات ووسائل أخرى للدخل، وهذا ما وُعِدُوا به من قِبَل الباباوات.
- أسباب اقتصادية: حيث أراد الأوروبيون أن يسيطروا على خيرات الدولة الإسلامية، واقتصادها، وذلك عن طريق السيطرة على تجارتها وزراعتها، وممراتها المائية والبرية، وبالتالي إنعاش الاقتصاد الأوروبي.
- أسباب اجتماعية: وهي الدافعُ الأبرز لهذه الحملات من وجهة نظر البعض، فقد كانت أوروبا تعيش في تلك الآونة نظاماً طبقياً إقطاعياً، فظهرت (طبقة النبلاء ورجال الكنيسة، وطبقة التجار، وأخيرا طبقة الفلاحين)، وكانت طبقة رجال الدين والنبلاء هي الطبقة الأبرز والمسيطرة على كل خيرات البلاد، فاستعبد الإقطاعِيّ الفلاحين الذين كانوا يعملون لديه بالسخرة، وفيما يلي نذكر مدى تأثير النظام الاجتماعي على الحروب والحملات الصليبية:
عدد الحملات الصليبية
الحملات الصليبية الأساسية والمعروفة هي ثمانية حملات، ولكنّ البعض يرى أنّها عشرة، والبعض الآخر يرى أنَّها قائمة إلى يومنا هذا، ولكن بطابع فكري بحت، لا بطابع عسكري، حيث يطلقون على ذلك (الغزو الفكري)، وفيما يلي نُلَخِّصُ الحملات الثمانية، ونذكرُ مع كل حملة ظروفها وأهم أحداثها.
الحملة الصليبية الأولى
حملة الفقراء: هي حملة سبقت الحملة الرئيسية، فقد كان عدد المقاتلين فيها خمسة وعشرين ألفاً، وكان وعد الكنيسة بالخلاص، وبالحصول على الغنائم دافعاً قويا للفقراء وعامة الشعب للمشاركة بتلك الحملة، وقد سُميت بحملة الفقراء؛ لأنَّ الفرسان فيها كانوا قلة قليلة، ولم تكن هذه الحملة مُنظمة، بحيث قضى عليهم السلاجقة في شهر أكتوبر من العام 1096م.
تعتبر هذه الحملة من الحملات القليلة الناجحة، ويعود نجاح هذه الحملة إلى حالة الانقسام التي عاشها المسلمون في تلك الآونة، خصوصاً بين الفاطميين والسلاجقة، حيث انطلقت هذه الحملة في العام 1096م، فنتج عنها احتلال القدس في العام 1099م.
الحملة الصليبية الثانية
(حملة الملوك): هي أول حملة يشارك فيها الملوك، وقد بدأت في العام 1147م وانتهت في العام 1192م، وفيها أسّسَ الصليبيون إماراتهم الأربعة (أنطاكية، والرُها، وطرابلس، والقدس)، بعد أن هزموا السلاجقة في مواجهات عديدة، وفيها أيضاً قضى جيشُ الصليبين على جميع سكان القدس، ويُقال أنهم قتلوا في ساحات المسجد الأقصى سبعين ألف مسلم، وقد تغنّى الأوروبيون بهذه النجاحات، حيث استطاعوا أن يحقِّقُوا الهدف الأسمى، وهو السيطرة على بيت المقدس.
معركة حطين: في اليوم الرابع من شهر يوليو للعام الميلادي 1187، قامت معركة فاصلة وحاسمة في تاريخ المسلمين، بقيادة سلطان مصر والشام (السلطان صلاح الدين الأيوبي)، الذي استطاع أن يُحرّر بيت المقدس من أيدي الصليبيين.
الحملة الصليبية الثالثة
انطلقت الدعوة لتلك الحملة بعد الهزيمة الساحقة التي تلقاها الصليبيون على يدِ القائد صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين، والتي خسروا على أثرها السيطرة على مدينة القدس، وفي عام 1191م حاصرت هذه الحملة مدينة عكا، واستباحوها بعد أن استسلمت لهم، لتنتهي الحملة بعقد السلطان صلاح الدين الأيوبي الصلح مع الصليبين، وبموجب اتفاق الصلح سمح السلطان صلاح الدين الأيوبي للمسيحيين أن يزوروا بيت المقدس ويؤدوا مناسك الحج.
الحملة الصليبية الرابعة
قام الصليبيون بهذه الحملة بتدمير مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، الأمرَ الذي أثار الجدل حول الأهداف الدينية والأوامر الإلهية التي ادعتها الكنيسة، والتي كانت المبرر الأول لهذه الحملات والحروب، وبعد عشرة سنوات من تلك الحملة، انطلقت الحملة الطفولية، وهي تلك الحملة التي قام بها عامة الناس المستاءون من فشل الحملات السابقة، وقد مات معظم المشاركين في تلك الحملات من الجوع والظروف الصعبة، بحيث لم تصل هذه الحملة إلى الأراضي المقدسة.
الحملة الصليبية الخامسة
استولت هذه الحملة على مدينة دمياط في مصر، كان ذلك في العام 1219م، وانتهت بتوقيع معاهدة صلح بين المسلمين والصليبين لمدة ثمانية سنوات، كان ذلك في العام 1221م، وعلى إثر المعاهدة انسحب الصليبيون من دمياط، الأمر الذي أدى إلى فشل هذه الحملة.
الحملة الصليبية السادسة:
انطلقت في العام 1228م، وهي الحملة الوحيدة التي لم تباركها الكنيسة، وقد تمت معاهدة بين المسلمين والصليبين مُدتها عشرة سنوات، بحيث يتنازل المسلمون عن القدس باستثناء منطقة الحرم، والناصرة وبيت لحم.
الحملة الصليبية السابعة
انطلقت هذه الحملة في العام 1248م، واستمرت حتى عام 1254م، حيث كان سببها هو خسارة الصليبيين نهائياً لبيت المقدس في العام 1244م، فسيطرت هذه الحملة على دمياط والمنصورة، ولكن المسلمين تصدّوا لهذه الحملة بقيادة السلطان الصالح نجم الدين أيوب، فألحقوا بالصليبيين هزيمة فادحة، وأسروا الملك لويس التاسع (قائد الحملة)، لتحقق هذه الحملة فشلاً كبيراً.
الحملة الصليبية الثامنة
انطلقت في العام 1270م، ولم تلقى ترحيبا من النبلاء والبارونات والفرسان؛ وذلك بسبب انحطاط سمعة الحملات السابقة، لكن الملك لويس التاسع اشترى رضا النبلاء بالأموال، وأقنعهم بالمسير، فتوجهت الحملة نحو تونس، وانتهت بمعاهدة صلح بين الصليبين وحاكم تونس (المستنتصر)، بحيث تم إلزامه بدفع جزية لملك الصقليين، ثم غادر الصليبيون بعد توقيع المعاهدة.
انطلقت حملات صليبية كثيرة أخرى، لكنها لم تتخذ طابعا رئيسياً أو أساسياً، فكان عبارة عن حملات صغرى، مثل حملة نيقيا1396م، والحملة على الإسكندرية 1365م، والحملة على الهراطقة 1209م.