الطهارة في الإسلام
تعدّ الطهارة من الأمور المهمّة في الإسلام، فهي شرط لصحّة كثير من العبادات التي يتقرّب بها العبد إلى الله تعالى؛ فهي شرط لصحّة الصلاة، وصحّة الطواف عند كثير من العلماء، وممّا يدلّ على أنّّها شرط لصحة الصلاة ما رواه الصحابيّ أبو هريرة رضي الله عنه، حيث قال عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( لا تُقبَلُ صَلاةُ مَن أَحدَث حتَّى يَتوضَّأَ)،[١] ويتوجب على المسلم عدم التقصير في تطهّره من النجاسات؛ فذلك من أسباب تعذيب العبد في القبر؛ حيث روى الإمام البخاريّ في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحائطٍ مِن حيطانِ المدينةِ، أو مكةَ، فسمِع صوتَ إنسانَينِ يُعَذَّبانِ في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يُعَذَّبانِ وما يُعَذَّبانِ في كبيرٍ، ثم قال: بلَى، كان أحدُهما لا يَستَتِرُ من بوْلِه، وكان الآخَرُ يمشي بالنَّميمَةِ)،[٢] وممّا يدلّ على أهميّة الطهارة ومنزلتها في الدين الإسلامي مَدْح الله -تعالى- للمتطهّرين في القرآن الكريم، حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)،[٣] وممّا يدلّ أيضاً على أهميتها وَصْف النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لها بأنّها نصف الإيمان، فالطهارة موافقة للفطرة التي فطر الله -تعالى- الناس عليها، فالإنسان بطبيعته مجبول على حبّ النظافة والجمال والنفور من النجاسة، فدين الإسلام دين الفطرة، والطهارة والنظافة تحمي المرء من أمراض كثيرة، فالقذارة والنجاسة سبب في حصول كثير من الأمراض.[٤]
معنى الوضوء
يرتبط المعنى اللغوي للوضوء بالمعنى الاصطلاحي، وفيما يأتي بيان ذلك:
- الوضوء في اللغة: من الوضاءة، وهي النظافة، والوضوء بفتح الواو يُراد به: الماء الذي يتوضأ به، والوضوء شرعاً يطلق على الطهارة المخصوصة التي يُرفع بها الحدث الأصغر.[٥]
- الوضوء في الإصطلاح: بيّنت المذاهب الفقهيّة عدّة تعريفات للوضوء، وهي:[٦]
- الوضوء عند الحنفيّة: الغسل والمسح على أعضاء مخصوصة.
- الوضوء عند المالكيّة: طهارة مائية تتعلّق بأعضاء مخصوصة على وجه مخصوص.
- الوضوء عند الشافعيّة: أفعال مخصوصة يقوم بها العبد يفتتحها بالنيّة، أو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة افتتاحاً بالنيّة.
- الوضوء عند الحنابلة: استعمال ماء طاهر في الأعضاء الأربعة؛ وهي: الوجه واليدان والرأس والرجلان، على صفة مخصوصة في الشريعة الإسلاميّة، بأن يأتي بها مرتّبة ومتوالية مع باقي الفروض.
مفسدات الوضوء
يفسد الوضوء بعدّة أمور وبيان ذلك فيما يأتي:[٧]
- كلّ ما يخرج من أحد السبيلين ممّا هو معتاد؛ كالبول والغائط والريح والمذي والودي والمني، أو ممّا غير المعتاد؛ كدودة أو حصاة أو دم، سواءً كان الخارج قليلاً أو كثيراً، وذلك لقول الله -تعالى- في القرآن الكريم: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ)[٨]، ولقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (لا تُقبَلُ صَلاةُ مَن أَحدَث حتى يَتوضَّأ، وقال رَجلٌ مِن حَضْرَمَوتَ: ما الحدَثُ يا أبا هُريرَةَ؟ قال: فُساءٌ أو ضُراطٌ)،[٩] واستثنى فقهاء الحنفيّة في الأصحّ عندهم الريح الذي يخرج من القُبل واعتبروه غير ناقض؛ معلّلين ذلك بأنّه اختلاج وليس ريحاً، وإن كان ريحاً فلا نجاسة فيه، أمّا غيرهم من الفقهاء فلم يستثنوا ريح القُبُل، مستدلّين بما ورد في الحديث السابق؛ فالريح ورد عام فيدخل فيه الريح من القبل.
- الولادة من غير رؤية دم؛ ذهب الصاحبان من الحنفيّة إلى أنّ المرأة في هذه الحالة لا تكون نُفساء وعليها الوضوء من الرطوبة، أمّا الإمام أبو حنيفة فقال بأنّه على المرأة الغُسل من باب الاحتياط لعدم خلّوه عن قليل من الدم في الغالب.
- الخارج من غير السبيلين؛ كالدم والقيح والصديد، ذهب فقهاء الحنفيّة إلى أنّ ما يخرج من غير السبيلين كالدم والقيح والصديد ناقض للوضوء بشرط سيلانه إلى موضع يدخله حكم التطهير؛ أي يجب تطهيره من حيث الجملة، أو ندباً كسيلان الدم داخل الأنف، ويُقصد بالسيلان مجاوزة الخارج لموضع خروجه، وذلك بأن يعلو على رأس الجرح، ثمّ ينحدر منه إلى الأسفل، وليس في إذا كان الخارج نقطة أو نقطتين وضوء، وليس في أثر الدم بسبب عضّ شيء أو الاستياك، ولا وضوء أيضاً على ما يخرج من دم من موضع لا يدخله حكم التطهير؛ كالخارج من جرح في العين أو الأذن أو السرة أو الثدي، ثمّ يسيل إلى الجانب الآخر، ذهب فقهاء الحنابلة إلى اشتراط أن يكون الخارج كثيراً كثرة فاحشة، وذلك بحسب كلّ إنسان؛ فلو كان الشخص نحيفاً وخرج منه دم كثير مقارنة بنحافة جسده فإنّه ينقض وضوءه.
- غيبة العقل أو زواله بما يزيل العقل ويُذهبه؛ كالمخدرات والمسكرات، أو بحصول الإغماء أو الجنون، أو الصرع، أو النوم.
- لمس المرأة؛ ذهب فقهاء الحنفيّة إلى أنّ لمس الرجل للمرأة في حالة المباشرة الفاحشة ينقض الوضوء، أمّا فقهاء المالكيّة والحنابلة فقالوا بنقض الوضوء في حالة التقاء بشرتيّ الرجل والمرأة حالة اللذة والشّهوة، أمّا فقهاء الشافعيّة فقالوا بأنّ مجرّد التقاء البشرتين بين الرجل والمرأة ولو لم يكن بشهوة ينقض الوضوء.
- القيء؛ ذهب فقهاء الحنفية والحنابلة إلى أنّه ناقض للوضوء إذا كان خارج من المعدة، وكان ملء الفم أو كثيراً، وكان خروجه على دفعة واحدة، أمّا فقهاء المالكيّة والشافعيّة قالوا بعدم نقض القيء للوضوء.
- مسّ القُبُل أو الدبر، ذهب فقهاء الحنفيّة إلى أنّ الوضوء لا ينتقض بمجرّد مسّ الفرج أو مسّ الذكر، أمّا جمهور الفقهاء فقالوا بانتقاض الوضوء بمجرد اللمس؛ وقال فقهاء المالكيّة بانتقاض الوضوء بمسّ الذكر ولا ينتقض بمسّ الدُبُر، وقال فقهاء الشافعيّة والحنابلة بانتقاض الوضوء بمسّ فرج الآدميّ من نفسه أو من غيره، صغيراً أو كبيراً، حيّاً أو ميتاً.
- أكل لحم الإبل؛ ذهب فقهاء الحنابلة إلى أنّ أكل لحم الإبل ينقض الوضوء سواءً أكان نيئاً أو مطبوخاً، عالماً كان الشخص بذلك أو جاهلاً.
- غسل الميت؛ ذهب أكثر الحنابلة إلى أنّ غسل الميت ينقض الوضوء سواء أكان المغسول صغيراً أم كبيراً، ذكراً أم أنثى، مسلماً أم كافراً.
- القهقهة في الصلاة؛ ذهب فقهاء الحنفيّة إلى أنّ القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء إذا كان المصلّي بالغاً؛ زجراً وعقوبةً له، ويُراد بالقهقهة: الصوت المسموع لجيران المصلّي، أمّا الضحك الذي يسمعه الشخص دون جيرانه يُبطل الصلاة دون الوضوء، أمّا التبسّم فلا يبطل الصلاة ولا يُبطل الوضوء.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 135، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 216، صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 222.
- ↑ محمد رفيق الشوبكي (13-3-2015)، “أهمية الطهارة وتعريفها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-4-2018. بتصرّف.
- ↑ “معنى وضوء”، www.almaany.com، 9-4-2018. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: طبع الوزارة، صفحة 315، جزء 43. بتصرّف.
- ↑ د. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 418-436، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 43.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 135، صحيح.