محتويات
تعريف كفارة اليمين
الكفارة في اللّغة تأتي بِمعنى السِّتر، وتطلقُ اصطلاحاً: على أشياءٍ يفعلها المسلم عند إقدامه على ذنبٍ قام به؛ لتُطهّرَه منه وتمحو آثاره في الدّنيا والآخرة، ولا تُشرع بإطلاقٍ لكل الأخطاء، فقد شُرِعَت لتصحيح أخطاءٍ مُحدّدة في أمورٍ مُعينة نُصَّ عليها شرعاً؛ وكان منها كفارة اليمين المنعقدة عِندَ الحنث، وصورتها أن يحلف الحالف شيئاً قاصداً إياه ثم يفعلُ غيره، وهذا يسمى بالحنثِ عن اليمين، ويحتاج حينئذ إلى إخراج الكفارة ندماً على تركه ليمينه وردعاً له عن الحلف بما لا يستطيع إيفاؤه.[١][٢]
وجاء بيانُ ذلك في القرآن الكريم والسّنة النّبوية في أكثر من موضعٍ، كما أجمعَ العلماء على مشروعيتها عند الحنث، بدليلِ قوله -تعالى-: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ)،[٣] ويُستفادُ من الآية أن اليمين التي تجبُ فيها الكفارةُ هي اليمين المنعقدة دونَ يمينِ اللّغو، ويمينُ الّلغو: هي اليمينُ التي لا يقصدها صاحِبُها، كما تُبيِّنُ الآية كيفية إخراجها على خياراتٍ عدّة؛ فإما إطعامُ عشرةِ مساكين، أو كسوتهم، أو تحريرُ رقبةٍ، أمّا من لم يجد مالاً كافياً للقيام بذلك فعليه أن يصومَ ثلاثة أيام، وسيأتي تفصيل ذلك في المباحث القادمة.[٤]
وجاءَ في صحيح البُخاري عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا حَلَفْتَ علَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَها خَيْرًا مِنْها، فَأْتِ الذي هو خَيْرٌ، وكَفِّرْ عن يَمِينِكَ)،[٥] دلالةً مِنه -صلى الله عليه وسلم- على أن التّكفير عن اليمين والحنث بها يكونُ أفضلُ من البّرِ بها في أوضاعٍ مخصوصة، فلو حلَفَ المسلمُ على أمرٍ قاصداً إياه ثم وجدَ أن في الحنثِ به خيرٌ أكثر من البّرِ به كان الحنثُ له أفضل.[٤]
شروط وجوب كفارة اليمين
يَشترِطُ الفقهاءُ لِصحَةِ اليمينِ شروطاً عدّة، فإن تجتمع هذه الشّروط وحنث الحالفُ عن اليمين وجبت عليه الكفارة، وهذه الشروط هي:
- أولاً: أن يكونَ الحالف مُسلماً: فالإسلامُ هو الشّرطُ الأول لصحةِ كُلِّ العبادات، إذ لا تصحُ يمينُ غير المسلم لأنّه ليس أهلاً لها، إلّا أن من الفقهاء من أجازَ كفّارة غير المسلم عن يمينه لِما رواه ابن عمر -رضي الله عنه- (من أنّ أباه أنَّ عُمَرَ، قَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْتُ في الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً في المَسْجِدِ الحَرَامِ، قَالَ: أوْفِ بنَذْرِكَ)،[٦]والنّذرُ فَرعٌ عن اليمين وفيه كفّارته -على أن طبيعته تختلفُ بعضَ الشّيءِ، فالنّذرُ: إلزامُ المسلم نفسه بشيءٍ لم يلزمهُ به الشّرعُ، كأن يقول: نذراً علي إن شفا الله -تعالى- والدي أن أًطعِمَ خمسينَ مسكيناً، وهو مكروهٌ، ولكن تَجِبُ فيه كفارةُ اليمينِ عند الحنثِ به-.[٧]
- ثانياً: أن يكون الحالفُ بالغاً عاقلاً: إذ لا تصحُّ يمينُ الصّغير كما لا تصحُ يمينُ المجنونِ؛ لأنّ كليهما غير مُكلّفين بأداء العبادات.[٧]
- ثالثاً: أن يكونَ الحالفُ قاصداً الحلفَ بالله -تعالى-: والقصد شرطٌ أساسيٌ في اعتبار اليمين ووجوب الكفارة، ويكون هنا التَفريقُ بين اليمين المنعقدة واليمينُ الّلغو، فيمينُ اللغو لا تنعقدُ ولا يترتّبُ على الحنثِ بها كفارة، على عكسِ اليمين المنعقدة التي قصدها الحالف، ومِن أشكالِ اللغو قوله: “لا والله، وبلى والله”، وغيرها في سياقِ الحديث.[٨]
- رابعاً: أن يكونَ الحالفُ مُريداً للحلفِ مُختاراً غير مُكرَه: وذلكَ لأن أفعالَ المُكرَهِ غيرُ مؤاخذٍ بها شَرعاً فلا تنعقدُ يمينُ المُكرَه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ وضَعَ عن أمَّتي الخطَأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهوا عليهِ).[٩][١٠]
- خامساً: أن تنعَقِدَ اليمين: يضافُ إلى ما سبق لانعقاد اليمينِ أن يتوجّهَ بها الحالفُ على أمرٍ في المستقبلِ لا في الماضي؛ كأن يقول والله لا أدخل دار محمد، أو والله لا أشرب عصيراً.[١٠]
- سادساً: أن يحنثُ الحالف بيمينه: إذا توفرت الشّروطُ السابقةُ في الحالفِ كانَ أمامَ خيارينِ؛ إمّا أن يَبرّ ويفي بيمينه، وإمّا أن يحنث بها، فإذا حنثَ بِها وجبت عليهِ الكفارة وإلّا فلا،[٨] كما يَشترِطُ الحنفيةُ لتمامِ ذلكَ أن يكونَ المحلوفُ عليه مُتَصَوَّرُ الوجودِ، أي أن لا يكونَ مُستحيلاً، فاليمينِ على مُستحيلٍ لا ينعقد.[٧]
قيمة كفارة اليمين
إطعام عشرة مساكين
الخيارُ الأولُ في التكفيرِ هو الإطعامُ؛ أي إطعامُ عشرةِ مساكين، وقد نصّت الآيةُ أن شرطَ الإطعامِ أن يكونَ “مِن أوسط ما تطعمونَ أهليكم”، كما قال -تعالى-: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)،[١١] أي: مِن أوسطِ ما تأكلونَ، ويختلفُ هذا باختلافِ الأفرادِ، فمن كانَ غالبُ أكلهِ لحمٌ وخضروات، كانَ عليهِ أن يُخرِجَ منها ولا يُخرِجُ أدناها،[١٢] وقَد التفتَ بعض العلماءُ إلى ما جاءَ في السّنة النّبوية، وقد أسندوا الإطعام في الآيةِ إلى الأصنافِ التي أشارَ إليها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وهي: التّمرُ، أو الشّعيرُ، أو البُرِ.[١٣]
ولا شكّ أنّ الآية تضعُ الأصنافَ الثّلاثة الأولى المفصولُ بينها بـِ (أو) على التّخيير، ولكنّ ترتيبها هذا قد يُفهَمُ منه تفضيلُ الإطعامِ على غيره من الخيارات، وذلك بالنّظرِ إلى البيئة التي نزلت فيها هذه الآية، وهي بيئةُ الحجازِ، إذ كانَ الطعامُ فيها شحيحاً آنذاك، فكانت حاجةُ النّاسِ بالمجمل إلى الإطعامِ أكثر منها إلى غيرها، ومن العلماءِ من قال: إنّ الأفضليةَ ترجِعُ إلى حالِ المُحتاج وتكونُ بإعطائه ما يُناسِبُه، وقد منَع الكثير من الفقهاء إخراج قيمة الطعام مالاً إلّا أبو حنيفة والأوزاعي فقد أجازوه، إذ يرونَ في القيمةِ سَدٌّ لحاجةِ الفقيرِ أكثرَ مِنَ الطعامِ في كثيرٍ من الأحوالٍ،[١٤] كما تعدّدت آراء الفقهاءُ في تقديرِ كمّيةِ الإطعامِ الواجبُ إخراجها في كفارةِ اليمين، على النّحو الآتي:
- القول الأول: قول الحنفية: ويرون إخراجَ نِصفَ الصّاع إذا كان بُراً، يعني تقريباً مِلْء اليدين من البُرّ مَرتين، فالصّاع: هو أربعة أمداد، والمُدّ: ما يعادلُ امتلاءُ اليدينِ بالشّيءِ، وقد اختلفوا في تقديرِ وزنه بالغرام؛ فمنهم من قال هو 2040 غراماً، ومنهم من قال 2176 غراماً، ويختلف هذا التقدير باختلافُ نوعِ الطّعام.[١٥] وقالوا يُخرِجُ الصّاع كلّه إذا كانَ شَعيراً أو تَمراً.[١٦]
- القول الثاني: قولُ الجمهورِ من الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة: ويرونَ إخراجَ مُدٍ واحدٍ لكلِ شخصٍ مُحتاج، والمُدُّ كما قُلنا مقدار امتلاء اليدينِ من الشيءِ.[١٦]
ويرى الحنفيّة أن الإطعامَ يكون على سبيلِ التّمكينِ لا على سبيلِ التمليك، إذ يرونَ أنّ دعوةَ المُحتاجِ إلى الطّعامِ غداءً وعشاءً هو كافٍ لأداءِ الكفارة؛ لأنّ اللّفظ في الآيةِ كان على وجوبِ الإطعامِ بِخلافِ غيرها منَ الصّدقاتِ التي وَرَدَت غالباً بصيغةِ الإعطاء، ويخالفه الجمهور في ذلكَ فيرونَ أنّ الإطعامَ واجبٌ على التّمليكِ لا على التّمكينِ فقط، ويتحقّقُ ذلكَ بإعطاءِ الفقيرِ هذا الطعام مُقدّراً بالقدر الشّرعي، ولكن يتّفقُ الجميعُ على اشتراط سلامةِ الطّعامِ المُخرَج، فلا يجوزُ إخراجُ طعاماً تالفاً، أو يخالط وزنه تراباً أو غيره،[١٧] بالإضافةِ إلى أنّ الجمهور يشترطون توزيعَ الطّعام على عشرةِ محتاجين ولا يُجَوِّزُونَ حصرهُ على شخصٍ واحدٍ مدّة عشرةَ أيامٍ إلّا للضرورة؛ كأن لم يجدوا غيره، على خلافِ الحنفيّةِ الذينَ أجازوا إطعامَ فقيرٍ واحدٍ عشرة أيامٍ متتالية، ومن الجديرِ بالذّكر أنّ الجمهورَ يشترطُ في الإطعامِ أن يكون المُحتاج مسلماً، خلافاً للحنفيةِ الذينَ أجازوا إطعامَ أهل الذمّةِ إضافةً إلى المسلمين.[١٢]
كسوة عشرة مساكين
الكسوَةُ: لُغةً هي اللّباس، فكلّ ما يُلبَسُ يُسمى كسوةً،[١٨] وتَجِبُ في كفارةِ اليمينِ عِندَ الجميعِ على سبيلِ التّمليكِ،[١٩] وتعددت آراء الفقهاء في طبيعةِ اللّباسِ الواجبُ إخراجه على النّحو الآتي:
- القول الأول: قول الجمهور من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة: أن يكون الثّوبُ مما يجوزُ الصّلاة فيه، كالقميصِ الطويل الذي يسترُ العورةَ للرجل، وقميصٌ وخمارٌ للمرأةِ، ويَخرُجُ من ذلك الأمورُ التّبعيّة للّباسِ؛ كالحذاءِ و العمامةِ وغيرها مما لا يُسمّى لابِسُها وحدها مُكتَسِياً،[٢٠] ويذكُرُ الحنفيّةُ وجوبَ صلاحيةِ الثّوبِ أكثرَ مِن ثلاثةِ أشهر، إذ لا يَشتَرِطونَ أن يكونَ جَديداً، كما لا يجوز أن يكونَ رَديئاً.[٢١]
- القول الثاني: قول الشافعية: أن يكونَ أيَّ شيءٍ مما يُلبَسُ عادةً؛ قميصاً كان أو حذاءً أو رداءً أو عباءةً أو عمامةً أو غيرها.[٢٠]
- القول الثالث: قول ابنُ عباس: أن يُخرِجُ عباءةً لكلِ مُحتاجٍ ليس أقل من ذلك.[٢٢]
- القول الرابع: سعيد بن المسيب: أن يُخرج لكل مُحتاجٍ عباءةً وعمامة.[٢٢]
- القول الخامس: قولُ الحسنِ وابن سيرين: أن يُخرِجَ لكلِ مُحتاجٍ ثوبانِ اثنان.[٢٢]
ويُذكَرُ أنّ الآيةَ لم تُخصّص الكسوة بقيد الأوسطِ مما تلبسون، لذا يَجعَلُ البعضُ الكسوةُ مما يلبسُ الفقراء في العادة،[٢٢] كما أنّ الفقهاءَ لا يشترطونَ في لباسِ الكسوةِ في كفارةِ اليمينِ مناسبته للمُحتاجين، فلو كانَ لِباساً كبيراً أُعِطيَ لصغيرٍ كان مُجزءاً للكفارة، بالإضافةِ إلى أنّهم لا يمنعونَ إخراجَ الثّوبِ المُتنَجِّس، بشرطِ إخبارِ المدفوعِ إليه بنجاسته ليَتِمَ تنظيفه، ولكنّهم يمنعونَ إخراجَ الثّوب نجسُ العينِ الذي لا يَقبَلُ التّطهيرَ، كأن يكونَ جلدُ مَيْتةٍ لم يُدبَغ.[٢١]
عتق رقبة
العِتقُ: يعني التّحرير، ويُقصَدُ بالرّقبة العبدَ، وكانَ هذا معمولاً فيهِ سابقاً حينَ وُجِدَ العبيد، وكانَ الفقهاءُ يشترطونَ في العبدِ المُحَرَّرِ أن يكونَ مُؤمِنَاً حَمْلاً على كفارةِ القتلِ الخطأ في قولهِ -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ)،[٢٣] وخالفَ في ذلكَ الحنفيّةُ، إذ لم يشتَرِطوا ذلكَ ويُجزِئُ عندهم تَحريرُ العبدُ المؤمنِ أو غير المسلم عملاً بإطلاقِ آيةِ كفارةِ اليمينِ السابق ذكرها في قوله -تعالى-: (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)،[٢٤] إذ لَم تَضع الآيةُ قيدَ الإيمانِ للرقبةِ الواجبُ تحريرُها،[٢٥] ونوضِّحُ ما اشترطهُ الفقهاءُ في الرّقبة المُعتَقة فيما يأتي:
- أولاً: عند الحنفيّة: يَجِبُ على المُعتِق أن يتملّكَ العبد تملُّكاً كاملاً لا يُشارِكه فيه أحد حتى يُعتِقه للكفارة، كما يَجِبُ أن يكونَ العبدُ سالماً منَ العيوبِ رَجلاً كانَ أو امرأة، كبيراً كانَ أو صغيراً، مسلماً كانَ أم غير مسلم، وسالماً من العيوبِ؛ أيّ أن يكونَ سليماً في جَسَدِهِ وحواسهِ، فيخرجُ من ذلكَ: العبدُ الأعمى، والمشلولُ، ومقطوعُ اليدِ، أو القدمِ، أو الأصابع، و المعتوهُ، والمُقعد، والأخرس، وغيرهم.[٢٦]
- ثانياً: عند باقي أصحاب المذاهب الأربعة من المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة: لا يشترطونَ سِوى أن تكونَ رقبةً مؤمنةً،[٢٦] وقيلَ: إنّهم كالحنفيةِ في اشتراطِ السّلامةِ من العيوبِ.[٢٧]
الصيام ثلاثة أيام
يلجأُ الحانثُ إلى الصّيامُ في حال لم يتمكّن من الإطعامِ، أو الكسوة، أو تحرير رقبة، وهذا باتّفاقِ الفقهاءِ، وفي صيامِ الكفارةِ عدّة مسائل، حيث إن العاجز عن الإطعام، والكسوة، وتحرير الرّقبة، هو من لا يَجِدُ أكثرَ مِن قوتِهِ وقوت عيالهِ يومٌ وليلة ممّا يكفيهِ للإطعامِ أو الكسوة، وعند الشافعيّ: العاجزُ الذي يُسمَحُ له بالصّيامِ تكفيراً لليمين هو الفقيرُ الذي يجوزُ إعطاؤهُ الزّكاة،[٢٨] أمّا مسألةُ اشتراطِ التّتابُعِ في الأيامِ الثلاثة، نذكُرُ التفصيلَ فيها على النّحو الآتي:
- القول الأول: يُشترط التّتابع في صيام كفارة اليمين: وهو رأي الحنفيّة والحنابلة، ويستدلّون على ذلك بأن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- كانَ قد قرأَ هذهِ الآية مُضيفاً إليها شَرطَ التّتابع، ولا يوجد في ذلك روايةً صحيحةً، فيقولونَ إنّ هذه روايةٌ يُستأنسُ بها فقط، فلو لم تكنْ قرآناً كانت حديثَ آحادٍ عن واحد من أهم مُفسّري الصّحابة -رضوان الله عليهم-، وهو حُجّةٌ ويؤخذُ به في هذا الباب عندهم، ويَتَرَتَّبُ على اشتراطِ التّتابع أنّ نقض الصيامِ لأيّ عذر كان بضرورةٍ أو غيرها مُبطِلٌ للتتابع وموجِبٌ للإعادة من جديدٍ، وهذا عند الحنفية، أمّا الحنابلة فلا يعتبرونَ نقضَ التتّابع لضرورةٍ كطروءِ الحيضِ مثلاً مبطلٌ للتتابع، بل يتمّ إكمال العدّ على ما كانَ ولا يُعاد من البداية.[٢٩]
- القول الثاني: يُستَحبّ التّتابعُ ولا يشترط: وهو رأي المالكيّة والشافعيّة، ويستدلّون على ذلك بإطلاقِ الآية الكريمة، إذ لم تذكر آيةُ كفارة اليمينِ شيئاً عن وجوبِ الصّيام بالتتابع،[٣٠] كما يرونَ أنّ روايةَ ابنُ مسعودٍ -رضي الله عنه- شاذةٌ لا أصلَ لها مِن الصّحةِ،[٣١] وتسمى أيضاً قراءةٌ تفسيريةٌ، إذ يُفسّرُ الصّحابيّ الآيةَ بما يعتقدهُ صواباً أثناءَ تلاوَتِه للآية، وقد يَظُنُّ السّامع أنّها قرآناً وتَصِلُ إلينا بهذا الشّكل.[٣٢]
المراجع
- ↑ سيد سابق (1977م)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت، دار الكتاب العربي، صفحة 24، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1424ه)، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، المملكة العربية السعودية، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 388، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 89.
- ^ أ ب وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (الطبعة الرابعة)، سوريا، دار الفكر، صفحة 2574، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالرحمن بن سمرة، الصفحة أو الرقم: 6722، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 6697، صحيح.
- ^ أ ب ت وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (الطبعة الرابعة)، سوريا، دار الفكر، صفحة 2476-2478، جزء 4. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1433م)، الموسوعة الفقهية – الدرر السنية، dorar.net، صفحة 276، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1677، صحيح.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1424م)، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 389، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 89.
- ^ أ ب سيد سابق (1977م)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت، دار الكتاب العربي، صفحة 25-26، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، www.islamweb.net، صفحة 10، جزء 119. بتصرّف.
- ↑ محمد أبو فارس (1979م)، الأيمان والنذور (الطبعة الأولى)، عمان، دار الأرقم، صفحة 87-88. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (23-12-2002م)، “الصاع النبوي بالرطل وبالكيلو”، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 16-3-2021م. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1427م)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت، دار السلاسل، صفحة 116، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا، دار الفكر، صفحة 2577-2580، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ فخر الدين الرازي (1420م)، مفاتيح الغيب (الطبعة الثالثة)، بيروت، ار إحياء التراث العربي، صفحة 421، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (الطبعة الرابعة)، سوريا، دار الفكر، صفحة 2581، جزء 4. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد أبو فارس (1979م)، الأيمان والنذور (الطبعة الأولى)، عمان، دار الأرقم، صفحة 89. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1427م)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت، دار السلاسل، صفحة 255-256، جزء 34. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث سيد سابق (1977م)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت، دار الكتاب العربي، صفحة 27، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 92.
- ↑ سورة المائدة، آية: 89.
- ↑ وهبة الزحيلي (1422ه)، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، سوريا، دار الفكر، صفحة 494، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا، دار الفكر، صفحة 2583-2584، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ محمد أبو فارس (1979م)، الأيمان والنذور (الطبعة الأولى)، عمان، دار الأرقم، صفحة 89-90. بتصرّف.
- ↑ محمد أبو فارس (1979م)، الأيمان والنذور (الطبعة الأولى)، عمان، دار الأرقم، صفحة 90-91. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا، دار الفكر، صفحة 2584-2586، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1427م)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت، دار السلاسل، صفحة 92، جزء 13. بتصرّف.
- ↑ كمال ابن السيد سالم (2003م)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة، المكتبة التوفيقية، صفحة 313-314، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمد إسماعيل المقدم، تفسير القرآن الكريم، www.islamweb.net، صفحة 15، جزء 45. بتصرّف.