محتويات
'); }
الوضوء
من حكمة الله عزَّ وجلَّ أن فَرَض الوضوء لكل صلاة؛ طهارةً لأبدانهم وحفظاً لصحّتهم، لذلك كان لِزاماً على كلّ من أراد الصَّلاة أن يتوضّأ إن لم يكن على طهارة، وحتّى يقع الوُضوء صحيحاً وجب على المُتوضّئ أن يأتي بأركانه وشرائطه كاملةً، وقد اتّفق الفُقهاء على بعض أركانه واختلفوا في بعضها، وكان اختلافهم ناشئاً عن نصٍّ أو آخر، فربما ورد لبعضهم نصٌّ لم يصل للآخرين، وربما فهم بعضهم النَّص بطريقةٍ مُختلفةٍ كما فهمه غيره، وكان ذلك أساس اختلافهم وليس فقط مُجرّد الخلاف أو لوجود أكثر من صورةٍ للوضوء، وذلك إن دلَّ فإنّما يدلّ على اتساع الإسلام وسماحته، وفيما يأتي بيانٌ لأركان الوضوء وفروضه بحسب ما جاء في اتّفاقات الفقهاء واختلافاتهم.
معنى الوضوء
الوضوء لغةً من الوضاءة، أي: الحُسن والنَّظافة، والوَضوء (بالفتح ): الماء الذي يُتَوَضأ به، وقيل: المصدر (الوُضوء) بالضمّ.[١]
'); }
أما الوضوء في اصطلاح الفقهاء فقد عُرّف بعدّة تعريفات منها:
- عرّفه الشافعيّة بأنّه استعمال الماء في أعضاءٍ مخصوصة مُفتَتَحاً بالنِّيَة.[٢]
- عرَّفه الحنفيّة: الوضوء هو الغُسلُ والمَسْحُ على أعضاءٍ مَخصوصةٍ.[٣]
- عرّفه المالكيّة بأنَّه تطهير أعضاءٍ مَخصوصةٍ بالماء لتُنَظَّف وتُحَسَّن ويُرفع حكم الحدث عنها، لتُستَباحُ بها العبادة الممنوعة من قبل.[٤]
- عرّفه الحنابلة بأنَّه استِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ؛ وَهِيَ الْوَجْهُ، وَالْيَدَانِ، وَالرَّأْسُ، وَالرِّجْلَانِ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِي الشَّرْعِ، بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً مَعَ بَاقِي الْفُرُوضِ والشّروط.[٥]
فرائض الوضوء
اتّفق الفقهاء[٦] على أنَّ غسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح الرّأسِ، وغسلَ الرّجلين إلى الكعبين من فرائض الوضوء، وهذه الفرائض هي ما نصَّ عليه القرآن الكريم، قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)؛[٧] فالآية الكريمة تحدّثت عن ستّ فرائضَ للوضوء وهي التي اتّفق عليها الفقهاء، أمَّا الفرائض التي اختلف الفقهاء[٨] في عدَّها فهي النَّية، والموالاة، والتّرتيب، والدّلك.
الفرائض المُتّفق عليها
- غسل الوجه: اتّفق الفقهاء على أنّ غسل ظاهر الوجه بكامله مرّةً فرض من فروض الوضوء؛ لقول الله عزَّ وجلَّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )،[٧] ولِما رُويَ عن صفة وضوء النّبي عليه الصّلاة والسّلام، فقد روى حمران مولى عثمان، أخبره أنَّ عثمان بن عفان رضي الله عنه: (دعا بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم).[٩] والوجه: ما تحصل به المواجهة، وحَدُّه: من مُنحنى الجبهة من الرّأس – أو من منابت الشّعر المُعتادة – إلى ما انحدر من اللّحيين والذّقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً.[١٠]
- غسل اليدين إلى المِرفقين: اتّفق الفقهاء على أنّ غسل اليدين إلى المِرفقين ركنٌ من أركان الوضوء وفرضٌ من فروضه،[١١] واستدلّواعلى ذلك بالكتاب والسُنّة والإجماع، أمّا الكتاب فقوله عزَّ وجلَّ: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق).[١٢]
وأمّا السُنّة فبما رُوِي في صفة وضوء النّبي عليه الصّلاة والسّلام (أنه توضأ، فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم اليُسرى حتى أشرع في العضد).[١٣]
- مسح الرّأس: اتّفق الفقهاء على أنّ مسح الرّأس في الوضوء ركنٌ من أركانه وفرضٌ من فروضه؛ لقوله عزَّ وجلَّ: (وامسحوا برءوسكم)،[١٤] وللأحاديث الواردة في وصف وضوئه عليه الصّلاة والسّلام وخاصّة حديث عثمان وقوله: (ثم مسح برأسه)،[٩] والمقصود بالمسح هو تمرير اليد المُبتلّة بالماء على الرّأس بلا تسييل. وقد اختلف الفُقهاء في القدر الذي يُجزِئ من مسح الرّأس في الوضوء على أقوال: فذهب المالكيّة على المَشهور والحنابلة على الصّحيح من المذهب إلى أنّه يجب مسح الرّأس كله، وقال الشافعيّة: من فرائض الوضوء مُسمّى المسح؛ فيُجزِئ المسح لبعض بشرة الرّأس أو بعض شعر الرّأس، وقال الحنفيّة في المُعتمَد عندهم من المذهب أنّه يُجزِئ مسح ربع الرّأس.[٨]
- غسل الرّجلين إلى الكعبين: اختلف الفقهاء في غسل الرّجلين أو مسحهما على أربعة أقوال:[٨]
- القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء (الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة والحنابلة) إلى أنّ من أركان الوضوء غسل الرّجلين إلى الكعبين مرّةً واحدةً فقط إن كانت سليمةً غير مُصابةٍ بكسرٍ أو ملفوفةٍ بجبيرة؛ لقول الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)،[١٥] وللأحاديث الصّحيحة في صفة وضوء النّبي عليه الصّلاة والسّلام.
- القول الثّاني: ذهب فريق إلى أنّ الفرض في الرّجلين المسح دون الغسل، وهو قول الشّيعة الإماميّة، ورُوِيَ ذلك عن علي رضي الله عنه، فقد ورد أنّه مسح على نعليه وقدميه ثم دخل المسجد فخلع نعليه، وقد ثبت رجوعه عن ذلك.
- القول الثّالث: ذهب الحسن البصريّ والجبائيّ وابن جرير الطبريّ في رواية عنه إلى أنّ الشّخص الذي يُريد أن يتوضّأ مُخيّر بين أنّ يغسل رجليه أو أن يمسحهما.
- القول الرّابع: ذهب بعض أهل الظّاهر إلى وجوب الجمع بين الغُسل والمسح، وقد استدلّوا على قولهم بأنَّ الرّوايتين الواردتين في الآية تُعتبران بمثابة آيتين، فيجب العمل بهما جميعاً ما أمكن، وهنا يُمكن العمل بهما.
الفرائض المُختلف فيها
- النّية: ويُقصَد بها فعل العبادة تقرُّباً إلى الله عزَّ وجلَّ دون شيء سواه من المخلوقات، والنّية واجبة على العبد، وقد ذهب الشافعيّة والمالكيّة أنّ النَّية ركنٌ من أركان الوضوء في حين ذهب الحنابلة إلى أنّها شرطٌ لصحّة الوضوء وليست رُكناً، أمّا الحنفيّة فيرون أنّ النيّة سُنّةٌ في الوضوء وليست شرطاً ولا رُكناً.[١٦]
- التّرتيب: ذهب الشافعيّة والحنابلة والمالكيّة في قولٍ إلى أنّ التّرتيب في الوضوء ركن من أركانه، وهو قول عثمان بن عفان وابن عباس، ورواية عن علي رضي الله عنهم، وبه قال قتادة وأبو ثور وأبو عبيد وإسحاق بن راهويه، والمُراد بالتّرتيب أن يأتي بالطّهارة عضواً بعد عضو كما أمر الله تعالى بأن يغسل الوجه ثم اليدين، وذهب الحنفيّة والمالكيّة على المشهور وبعض علماء الشافعيّة، وهو رواية عن أحمد، إلى أنّ التّرتيب سُنّة من سنن الوضوء، وليس من أركانه ولا من واجباته.[٨]
- الموالاة: (هي مُتابعة أفعال الوضوء بحيث لا يقع بينها ما يُعَدُّ فاصلاً في العُرف)، وقد اختلف الفقهاء في حكم المُوالاة في الوضوء: فذهب الحنفيّة والشافعيّة في القول الصّحيح، والمالكيّة في قول، والحنابلة في روايةٍ إلى أنّ المُوالاة في الوضوء سُنّة، وبه قال من الصّحابة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ومن التّابعين الحسن وسعيد بن المسيب والثوريّ إلى أنّها سُنّةٌ.[٨] وقال المالكيّة على المشهور، والشافعيّة في القديم، والحنابلة في المذهب إنّها واجبةٌ. وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه والأوزاعيّ.
- التّدليك: هو تمرير اليد على العضو بعد صبّ الماء قبل جفافه، وقد اختلف الفُقهاء في حكم التّدليك في الوضوء، فذهب جمهور الفقهاء – الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة – إلى أنّ التّدليك سُنَّة من سنن الوضوء، وذهب المالكيّة إلى أنَّ التّدليك واجب، ويكون بباطن الكفّ لا بظاهر اليد، ويُندَب أن يكون خَفيفاً مرّةً واحدةً، ويُكرَه التّشديد والتّكرار لما فيه من التَعمُّق في الدّين المُؤدّي للوسوسة.[٨]
المراجع
- ↑ زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي (1999)، مختار الصحاح (الطبعة الخامسة)، بيروت: المكتبه العصرية، صفحة 340.
- ↑ محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا، نهاية الزين في إرشاد المبتدئين (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الفكر، صفحة 13.
- ↑ عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي البلدحي، مجد الدين أبو الفضل الحنفي (1937)، الاختيار لتعليل المختار، القاهرة: مطبعة الحلبي، صفحة 7، جزء 1.
- ↑ عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (2011)، التَّنْبيهَاتُ المُسْتَنْبَطةُ على الكُتُبِ المُدَوَّنَةِ والمُخْتَلَطَةِ (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ابن حزم، صفحة 188، جزء 1.
- ↑ منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى، كشاف القناع عن متن الإقناع، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 82، جزء 1.
- ↑ عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 51، جزء 1.
- ^ أ ب سورة المائدة، آية: 6.
- ^ أ ب ت ث ج ح د وهبة بن مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية: دار الفكر، صفحة 377، جزء 1.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 164، صحيح.
- ↑ أبو مالك كمال بن السيد سالم (2003)، صحيح فقه السنة، مصر: المكتبة التوقيفية، صفحة 113، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ وهبه بن مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، دمشق – سورية: دار الفكر، صفحة 366-389، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 6.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 246، صحيح.
- ↑ سورة المائدة، آية: 6.
- ↑ سورة المائدة، آية: 6.
- ↑ عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 51، جزء 1.