العدّة
العدّة في اللغة اسمٌ مفردٌ، والجمع منه: عِدَد، والعدّة تطلق على مقدار ومبلغ ما يُعدّ،[١] أمّا العدّة في الاصطلاح الشرعيّ؛ فهي تطلق على المدّة التي تتربصها المرأة في المنزل، على وجه العبادة لله عزّ وجلّ، وحزناً على زوجها، والتأكّد من براءة الرحم، وتعدّ العدّة أثراً من آثار الطلاق أو الوفاة، والعدّة واجبةٌ، كما دلّ على ذلك القرآن الكريم والسنّة النبويّة وإجماع العلماء، حيث قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ )،[٢] وكما ورد الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أنَّ سُبيعةَ الأسلميةَ نفِستْ بعد وفاةِ زوجِها بليال، فجاءتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فاستأذنتْه أن تنكِحَ، فأذن لها، فنُكحتْ)،[٣] وتجب العدّة على الأرملة والمطلّقة، وفيما يأتي بيان عدّة المرأة المتوفى عنها زوجها، والأحكام المتعلّقة بها.[٤]
عدّة المرأة المتوفى عنها زوجها
اتّفق الفقهاء على أنّ عدّة المرأة المتوفى عنها زوجها تبدأ من لحظة وفاة الزوج، وليس بعد اليوم الثالث من الوفاة؛ إذ إنّ يوم الوفاة يعدّ من أيام العدّة، أمّا مقدار العدّة للأرملة، فهو: أربعة أشهرٍ قمريّةٍ وعشرة أيّامٍ، وأمّا إن كانت الأرملة حاملاً؛ فعدّتها تنتهي بوضع حملها، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ)،[٥] والواجب على المرأة خلال مدّة العدّة اتّباع ثلاثة أمورٍ، هي: الاعتداد، والإحداد، ولزوم البيت، والمقصود بالاعتداد؛ التربّص بالنفس بعدم الزواج مدّة أربعة أشهرٍ وعشرة أيّامٍ في حال عدم وجود الحمل، وإن كانت المعتدة حاملاً؛ فعدّتها بوضع حملها، والمقصود بالإحداد؛ ترك الزينة ومظاهرها، وترك الإغراء، مثل: الكحل والصبغ والطيب والمساحيق، والحليّ والمجوهرات، والملابس المُزيّنة والمزركشة والمغرية، ودليل ذلك قول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ممّا روته عنه أمّ حبيبة رضي الله عنها، حيث قالت: (لا يَحِلُّ لامرأةٍ تُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، تُحِدَّ على ميتٍ فوق ثلاثٍ، إلَّا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا)،[٦] كما لا يجوز للمرأة المعتدة الخروج من منزلها إلّا لقضاء حاجةٍ، أو للعلاج، أو لشراء الضروريّات ممّا تحتاجه، أو لعملٍ ملتزمةٍ به إن كانت المعتدّة عاملةً؛ إذ إنّ لزوم البيت ممّا يناسب الحداد، كما أنّه يعمل على تسكين نفس أهل الزوج المتوفّى، ويبعد الزوجة عن الشبهات التي قد تُثار حولها، ومن الجدير بالذكر أنّ المعتدّة يجوز لها الخروج نهاراً، إلا أنّه لا يجوز لها الخروج ليلاً؛ لأنّ الليل موضع اتّهامٍ لها، فلا يجوز إلا في حالات الضرورة، ولا يجوز للمعتدة الخروج إلى المسجد لأداء الصلاة، ولا السفر لأداء الحجّ أو العمرة؛ لأنّ الحجّ والعمرة لهما متّسع وقتٍ لأدائهما، بينما العدّة محدّدةٌ بوقتٍ، ومن الأحكام المتعلّقة بالمعتدّة من وفاةٍ، أنّه يجوز للرجال التعريض والتلميح لخطبتها، كما يجوز إخفاء الرغبة في خطبتها في نفس الرجل، حيث قال الله تعالى في سورة البقرة: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ)،[٧] ويُمنع التصريح بالخطبة لها أو الالتقاء بها سراً؛ لأنّ ذلك ينشر الشائعات والفتن حولها، ولا بأس بالقول المعروف لها، ويندثر بانقضاء العدّة ما كانت ملتزمةً به من عدم الزواج وعدم التزيّن وعدم الخروج من البيت.[٨]
أنواع المعتدّات
تختلف العدّة باختلاف حال المعتدّة، وفيما يأتي بيان أنواع المعتدّات والأحكام المتعلقة بكلّ واحدةٍ منهنّ:[٩]
- المرأة الحامل؛ وتنتهي عدّة الحامل بوضع الحمل أياً كان سبب المفارقة بين الزوجين، والمعتبر بالحمل بيان خَلق الإنسان.
- المرأة المتوفّى عنها زوجها؛ وتنتهي عدّتها بوضع حملها إن كانت حاملاً، بينما تكون عدّتها أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ إن لم تكن حاملاً، سواءً أكانت الوفاة قبل الدخول أمّ بعده؛ للتأكد من براءة الرحم، ووفاءً للزوج.
- المرأة ذات القرء التي فارقت زوجها؛ فإن كان سبب المفارقة بينهما الطلاق؛ فعدّتها تتمثّل بثلاثة قروء، والقرء هو الحيض بعد الطهر، ولكن إن كان سبب الفراق بين الزوجين الخلع أو الفسخ؛ فعدّتها تتمثّل بحيضةٍ واحدةٍ فقط؛ للتأكد من براءة الرحم.
- المرأة الصغيرة أو الآيسة أو التي لم تحض إن فارقت زوجها؛ فتعتدّ مدّة ثلاثة أشهرٍ، حيث جُعل كلّ شهرٍ بحيضةٍ، وذلك ينطبق على كلّ من فارقها الحيض؛ بسبب كبر سنها، أو كانت صغيرةٍ بحيث لم يصبها الحيض، أو أنّها بالغة لكنّها لا يأتيها، كما أنّه ينطبّق على المرأة المستحاضة.
- المرأة التي انقطع حيضها دون سبب؛ المرأة التي فارقت زوجها وهي تحيض، ثمّ انقطع حيضها ولم تعلم سبب الانقطاع؛ تعتدّ سنةً كاملةً من تاريخ انقطاع الحيض؛ فتسعة أشهرٍ للتأكد من خلوّ الرحم، وثلاثة أشهر كالتي يأست من الحيض، ولكن إن عاد الحيض لها، فلا تعتدّ سنةً، بل تعتدّ بالحيضات.
- زوجة المفقود؛ حيث إنّها تعتدّ أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ إن حكم الحاكم بوفاة الزوج المفقود، بعد الانتظار مدّةً لقدوم الزوج المفقود أو بيان حقيقة أمره، فالمفقود؛ هو الذي لا يُعلم أيّ خبرٍ بشأنه، ولا تُعلم حقيقة حياته.
الحكمة من العدّة
لم تُشرع العدّة إلا لحِكمِ عظيمةٍ أرداها الله تعالى، وفيما يأتي بيان بعضها:[١٠]
- التقرّب إلى الله تعالى بالعبادة؛ بامتثال أوامره والالتزام بها، ومن الأوامر التي أمر بها النساء؛ العدّة.
- التأكد من براءة رحم المرأة من الحمل من زوجها الذي توفى؛ حتى لا تختلط وتتداخل الأنساب بين الناس.
- إظهار فضل الزوج وشكره والاعتراف بذلك؛ بالحزن على فراقه.
- إعطاء فرصةٍ للزوجين لأن تعود حياتهما الزوجية كما كانت؛ بعودتهما إلى بعضٍ، إن كان سبب العدّة الطلاق، كما لا بدّ من لفت أنظار الزوجين إلى أهميّة عقد النكاح.
المراجع
- ↑ “تعريف ومعنى عدة”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-6-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 234.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المسور بن مخرمة، الصفحة أو الرقم: 5320.
- ↑ “تعريف العدة ودليل مشروعيتها والحكمة منها”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-6-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 4.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم حبيبة، الصفحة أو الرقم: 1281، صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية: 235.
- ↑ “عدة الأرملة وما يجب عليها”، fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-6-2018. بتصرّف.
- ↑ “أنواع العدة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-6-2018. بتصرّف.
- ↑ “الحكمة من العدة”، www.al-eman.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-6-2018. بتصرّف.