عبر التاريخ عانت الجماعات البشرية من عصبيات متعددة ، والعصبية تعني أن الشخص يشعر بإنتماءه لشيء ما بنسبة تفوق انتماءه لوطنه أو لجنسه البشري أو أي مصلحة عامة ، وبناءً عليه فهو يتصرف تبعا لإملائات ما ينتمي إليه ويشعر بأنه منفصل عن أي شيء آخر ، من أهم سمات التعصب أنه يجعل الإنسان يرى كل ما حوله من زاوية واحدة فقط وتجعله يقوم بحساباته تبعا لمصلحة ما ينتمي إليه على حساب أي شيء آخر ، يتم وصف المتعصبين بأنهم قاصرين عقليا وذلك نظرا لعدم قياس الأمور بطريقة عقلية منطقية بل قياسها بحيث يبررون كل أفعالهم وقضاياهم صحيحة كانت أو خاطئة بحيث يحسمون نتائجها قبل البدء بالتفكير أصلا أو المناقشة ، عدا عن أنهم لا يكتفون بالانتصار لأفكارهم بل هم يروحون لتخطيء كل ما هو عداهم والتقليل من شأنه واعتباره غير موجود أو لا يستحق الوجود أصلاً ، حتى لو كان هذا الآخر لا يعنيهم ولا يكترث لهم .
للتعصب أشكال عديدة على الرغم من أنه يمتلك الصفات ذاتها والتجليات ذاتها ، ومنذ القدم عانت الأرض من أشكال عصبية كثيرة ، كان أهمها العصبية القبلية والعصبية الدينية ، والعصبية العرقية ، والعصبية القومية ، ودائماً ما كانت العصبية تؤدي إلى مذابح كثيرة يرزح تحت وطأتها وجنونها الكثير من البشر الأبرياء ، وأدت العصبية في كل منابعها وأسبابها إلى قيام حروب طاحنة بين بنو البشر ، وأحياناً تكون العصبية قائمة في البلاد إلّا أنها تتفشى وتصنع حروبها كنتيجة لحروب أخرى دولية وعلى جميع الأحوال فهي عبارة عن تدمير للجنس البشري ونوعه لأسباب نابعة من أخطاء معرفية وثقافية وتعليمية ، نعاني في الوطن العربي على سبيل المثال من عصبيات طائفية دينية وعصبيات قبلية لا زالت قائمة حتى وقتنا الحاضر ، وتعود العصبيات الطائفية الدينية لإختلافات بين المذاهب الدينية وأتباعها وتقوم هذه العصبيات على فكر طائفي يقول بأن كل من هو مختلف عني فدينه ليس صحيحاً وقد يصل هذا الإختلاف إلى التكفير ، وأخطر ما ينادي به هذا الإعتقاد هو القتل تبعاً للطائفة .
أما العصبيات القبلية التي يعاني منها الوطن فهي قائمة في البلدان ذات الطبيعة البدوية التي تكون مكونات المجتمع فيها عبرة عن قبائل وعشائر وعلى الرغم من تمدنها فهي حازت على هذا التمدن كمظاهر حياتية إنما لم تحوز عليه كفكر ، بل لا زالت حتى الآن كل قبيلة تعتبر نفسها ذات كيان مستقل عن القبيلة الأخرى ويجب عليها حماية هذا الكيان عن طريق حفظ إسم القبيلة