الشريعة الإسلامية
تعرّف الشريعة الإسلامية بأنّها الشريعة التي ختم الله -عزّ وجلّ- بها الأديان كلّها، فلا يقبل الله -سبحانه- من أحدٍ ديناً غير الإسلام، وفي هذا المعنى قال الله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)،[١] وإنّ أساس الإسلام هو توحيد الله تعالى، وعدم الإشراك به، وهو الدين القائم على المبادئ المُثلى والقيم العظمى، من عدالةٍ، ومساواةٍ، ورحمةٍ، ووحدةٍ، وهو الدين الذي يدعو إلى مكارم الأخلاق، من صدقٍ، وصبرٍ، وحلمٍ، وشجاعةٍ، وأمانةٍ، وينهى عن الرذائل بأشكالها، بما فيها الغشّ، والكذب، والخداع، وإنّ شريعة الإسلام صالحةً لكلّ زمانٍ ومكانٍ، ولم تأتِ هذه الشريعة لتخصّ أمّةً دون غيرها، وإنّما جاءت للأمم جميعها، والبشر كلّهم، وقد جاءت شريعة الإسلام كاملةً لتشمل شؤون الإنسان بكلّ ما فيها، على الصعيد الفرديّ، والصعيد الاجتماعيّ، والصعيد العمليّ، إذ إنّ الإسلام يعتني بشؤون الفرد، وشؤون علاقته الزوجيّة، ويُوضّح حقوق كلاً من الزوجين، وواجباتهما، وأوضح كذلك أحكام الطلاق، وكلّ ما يخصّ الزواج، ويتعلّق بتربية الأبناء، ومن جهة أخرى اهتم الإسلام بعلاقات الإنسان التجاريّة، من بيعٍ وشراءٍ، بالإضافة إلى اهتمام الشريعة الإسلامية الغرّاء بأحكام الميراث، وحقوق الناس، من صِلةٍ للرحم، وإحسانٍ للجار، وعيادةٍ للمريض، وقد ورد في ذلك العديد من الآيات الكريمة، منها قول الله عزّ وجلّ: (إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ).[٢][٣]
وفي ظلّ الحديث السابق لا بُدّ من بيان أنّ للشريعة أركان، وهي خمسة، وقد ورد بيانها في الحديث النبوي الذي قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ محمَّداً رسولُ اللَّهِ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصَومِ رمضانَ، وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلاً)،[٤] وأمّا أركان الإيمان فهي ستة، ووردت فيما رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (أن تُؤمِنَ باللهِ، وملائكتِه، وكُتبِه، ورُسلِه، واليومِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالقدَرِ خَيرِه وشَرِّه)،[٥] ثمّ يلي الإيمان مرتبةً يصل فيها العبد إلى أعلى درجات التصديق بوجود الله تعالى، وهي الإحسان، وإنّ بلوغ هذه الدرجة يعني أن يقوم العبد بالطاعة، والعبادة لله تعالى، كأنّه يرى الله عزّ وجلّ.[٣]
ميزات الشريعة الإسلامية
تتميز الشريعة الإسلامية بمجموعةٍ من المزايا، منها:[٦]
- الكمال: بمقارنة الشريعة الإسلامية بكلّ القوانين الوضعية يتضّح أنّها تميّزت عليها بالكمال؛ ويُقصد بالكمال شمولها لكلّ ما يهم الفرد والجماعات من قواعدٍ، ومبادئٍ، وقيمٍ في الوقت الراهن، وعلى المدى البعيد.
- الدوام: إنّ الشريعة الإسلامية ثابتة وصالحة لكلّ زمانٍ ومكانٍ بالرغم من عدم قابليتها أو خضوعها لأيّ شكلٍ من أشكال التبديل أو التعديل.
- السموّ: تمتاز الشريعة الإسلامية بقواعدها ومبادئها السامية، حيث إنّها فاقت بذلك كل المستويات.
مقاصد الشريعة الإسلامية
عرّف اهل العلم المقاصد على أنّها الأهداف، وبيّنوا أنّ للشريعة الإسلامية أهدافاً عامةً وأخرى خاصّةً، فأمّا العامة فهي الأهداف التي تهمّ المجتمع بأكمله، لتحقيق مصالحه في الدارَين، وأمّا الخاصّة فهي التي تختصّ بصعيدٍ معينٍ، كالجانب السياسيّ، أو الاقتصاديّ، وما إلى ذلك، وممّا يندرج تحت مفهوم مقاصد الشريعة الإسلاميّة ما يُعرف بالكليّات الخمس، وفيما يأتي بيانها:[٧]
- حفظ الدين: اعتبر الإسلام حفظ الدين أهمّ ضرورات الحياة، وعلى رأس الكليّات الخمس؛ وذلك لأنّ بالدين يحيا الإنسان، فهو الذي يُولّد الضمير لديه، ويزرع فيه بذور الخير والفضيلة، وممّا يدلّ على ذلك قول الله -تعالى- في محكم كتابه الكريم: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)،[٨] ومن أوجه محافظة الشريعة الإسلامية على الدين أنّها حفظته على صعيدين؛ أمّا الصعيد الأول فهو قائم على غرس الدين في النفوس، وتقويته في الصدور، وأمّا الثاني فهو الحرص على ديمومته واستمراريته، ومن الوسائل التي شرعتها لتحقيق الأهداف على الصعيدين ما يأتي:
- اعتماد العقل والحُجّة والبرهان الأساس الذي تنطلق منه أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها، وذلك دعت إلى التأمّل والتدبّر في كلّ آيات الله في كونه.
- تعزيز مفهوم اليقين بالإيمان، وأركانه.
- تشريع أركان الإسلام التي عُدّت أصول الدين وثوابته، فهي الوسيلة التي تربط العبد بالله عزّ وجلّ.
- الحرص على كفالة حرية الاعتقاد والتديّن، فلم يُكره الإسلام أحداً على دخوله.
- جعل الجهاد من شرائع هذا الدين؛ وذلك لحمايته وتمكينه.
- حفظ النفس: أوضح الإسلام أنّ الحياة حقّ أساسيّ لا يُمكن التنازل عنه، وقد شرع العديد من الطرق التي تساعد على حفظ حقّ الحياة، ومن ذلك تشريعه الزواج؛ لتحقيق التكاثر البشريّ، وقد خص الإسلام العلاقة الزوجية بقدسيّةٍ عظيمةٍ، وبيّن أنّها من أسمى العلاقات على الإطلاق، فقد قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)،[٩] ومن الأمور التي حفظ فيها الإسلام حقّ الحياة أنّه أوجب على الدولة توفير الأمن؛ لحماية المواطنين، وأوجب على الفرد تناول الطعام، والشراب، وارتداء الملابس، واتخاذه مسكناً له، وإضافة إلى ذلك حرّم الإسلام قتل النفس، وقتل الغير، وغير ذلك الكثير.
- حفظ العقل: كرّم الله -تعالى- الإنسان بالعقل على سائر المخلوقات، وشرع الكثير من الأمور التي تحفظ العقل، ومنها تحريم كلّ ما يُذهبه، مثل: الخمر، والحشيش، ووضع عقوبة رادعة لمن يرتكب هذه الآثام، فقد عزّز الله -تعالى- مكانة العقل فدعا الإنسان إلى استعماله للتفكّر في آياته وملكوته، وكذلك ترك الباب له مفتوحاً؛ لإيجاد تشريع لكلّ ما لم ينزل به نصّ.
- حفظ النّسل: ويُقصد به حفظ الوجود البشريّ على الأرض، وممّا شرعه الإسلام لتحقيق ذلك: تشريع الزواج والترغيب فيه، فقد حصر الإسلام العلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة في الزواج، وأمر بما يمنع العلاقات الفوضوية بين الجنسين، ومن ذلك تشريع غضّ البصر لكلّ جنس عن الجنس الآخر، والأمر بالحجاب الساتر منعاً لإثارة الفتن، تحريم الزّنا، والقذف، بالإضافة إلى ذلك عني الإسلام بالأسرة، وتربية الأبناء تربيةً صحيحةً.
- حفظ المال: عدّ الإسلام المال إحدى ضروريات الحياة، ووازن بين رغبة الإنسان في التملّك، والابتعاد عن الإسراف، وحصر المال في أيدي فئةٍ محدّدةٍ من الناس، ومن الوسائل التي شرعها لتحقيق ذلك:
- التشجيع على كسب الرزق، واعتبار السعي في طلب المال إذا تحقّق صلاح النية، وإباحة العمل عبادة يتقرّب بها المسلم إلى الله تعالى.
- إعلاء شأن العاملين الساعين لكسب الرزق، والرفع من شأن أعمالهم، وممّا يدلّ على ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيراً من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه).[١٠]
- تحريم الاعتداء على مال الآخرين، سواءً كان ذلك بالتحايل، أو الخداع، أو السرقة، أو غير ذلك من الأساليب المحرّمة.
- تحريم إنفاق المال في الطرق غير المباحة، والتحذير من الإسراف والطغيان في المال.
- وضع الضواط الشرعيّة في المحافظة على أموال القاصرين واليتامى.
- إقرار العقود المباحة التي لا يشوبها الاعتداء على أموال الآخرين أو ظلمهم.
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية: 85.
- ↑ سورة النحل، آية: 90.
- ^ أ ب “تعريف عام بشريعة الإسلام”، fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-6-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في مشكلة الفقر، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 57، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح.
- ↑ “ميزات الشريعة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-6-2018. بتصرّف.
- ↑ “مقاصد الشريعة الإسلامية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-6-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية: 30.
- ↑ سورة الروم، آية: 21.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المقدام بن معد يكرب الكندي، الصفحة أو الرقم: 2072، صحيح.