جديد ما هي السنة

السنة النبويّة

تُعدّ السنة النبويّة ثاني مصدرٍ من مَصادر التشريع الإسلامي؛ فهي كُلّ ما وَرد عن النبيّ محمد- صلى الله عليه وسلم – من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو سيرةٍ أو صفة خَلقية أو خُلقية، وقد نُقلت إلينا السيرة بطرقٍ صَحيحة واضحة؛ حيث تُعدّ سيرة المصطفى وسنته من أظهر السير بين الأنبياء والرّسل مُنذ بداية حياته وحتى مماته، وقد جاء في سيرته الإخبار عن مولده ومنشأه ووصفه خَلقاً وخُلُقاً ووصف أزواجه وأصحابه وصفاته النبوية، ومواقفه مع الآخرين، والحوادث والمَعارك التي خاضها قبل الإسلام وبعد الإسلام، والأحكام التي نقلها عن الله فيما يخصّ الشريعة وتفصيلاتها بكلامٍ نقل إلينا عن طريق سلسلة من الرجال خضعوا للتدقيق فيما يُعرف بعلم الجرح والتعديل لاحقاً.

إنّ سيرة وسنّة الرسول شاملة كاملة في جميع جوانب حياته – صلى الله عليه وسلم – وفي جميع ما يخص الأمة الإسلامية من أحكام وأسس وقواعد؛ فلا شيء يَخفى من حياته وسيرته، ومواقفه ومُعاملاته وحتى أكله وشربه، وطريقة معاملته مع أهله وأصحابه، وما يحب وما يكره؛ ليتسنّى لنا اتّباعه من بعده، والتمسّك بسنته الشريفة، قال تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)؛[١] لذا وجب علينا اتباعه – عليه الصلاة والسلام – بكل كبيرةٍ وصغيرة بأمر الله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)،[٢]

ممّا جَاءَ في ضَرورة اتّباع سنّة المصطفى – صلى الله عليه وسلم ما رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه: (أنَّ نَفَرًا مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، سألوا أزواجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن عَمَلِه في السِّرِّ؟ فقال بعضُهم: لا أتزوَّجُ النِّساءَ، وقال بعضُهم: لا آكُلُ اللَّحمَ، وقال بعضُهم: لا أنامُ على فِراشٍ، فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، فقال: ما بالُ أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟ لكِنِّي أُصَلِّي وأنامُ، وأصومُ وأُفطِرُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ؛ فمَن رَغِبَ عن سُنَّتِي فليس مِنِّي).[٣]

تعريف السنة النبوية

السنة لغةً

تُعرّف السُّنَّة لغةً بأنَّها المَنهَجُ والطّريقة والسبيل، ويستوي في ذلك الطّريقة المحمودة والمذمومة،[٤] وسُنَّةُ الله أحكامُه وأَمْرهُ ونَهْيُه، وسَنَّها اللهُ للناس أي بَيَّنَها وفصَّلها، والسُّنَّةُ: أي السِّيرةُ حَسَنَةً كانتْ أم قبيحةً، أما قوله تعالى: (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأوّلين)،[٥] قال الزجَّاجُ: المقصود بقوله تعالى: (سُنَّةُ الأَوَّلِينَ) أنهم شاهدوا العَذابَ وعاينوه فَطَلَبَ المشركونَ العذاب بأن قالوا (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء)،[٦] وسَنَنْتُها سَنّاً واسْتَنَنْتُها سِرْتُها، والسُّنةُ الطَّبيعَةُ، ويقصد بقولهم: امْضِ على سُنَّتِكَ: أي وجْهِك وقصْدِك، وسَنَنُ الطَّريقِ وسُنَنُهُ وسُنُنُه نَهْجُه الذي يسير عليه، ويقال: ترك فلانٌ لك سَنَنَ الطَّريقِ وسُنَنَهُ وسِنَنَه أي جِهَتَهُ، والمُسْتَسِنُّ الطريقُ المَسْلوكُ، وتَسَنَّنَ الرَّجُلُ في عَدْوِه واسْتَنَّ مضَى على وَجْهِه معينة دون سواها.[٧]

السنة اصطلاحاً

السنة في اصطلاح عُلماء الحديث فهي: كل ما فعلَهُ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – ولم يدلّ على وجوبهِ دليل.[٤]

عرًّف المحدثون السنّة بأنها: كلّ ما نُقِل عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أقوال وأفعال وتقرير، وصفات خَلْقية وخُلُقية، سواءً أكان ذلك قبل البعثة أم بعدها.[٨]

عرّف الفُقهاء السُّنة تعريفاً مُغايراً لتعريف أهل الحديث؛ حيث عَرّفوها بنظرةٍ خاصّةٍ بالأجر والثواب أو التوبيخ والعقاب فقالوا إنّ السُّنة هي: ما طُلِب من المُكلَّف فِعلُه طلباً غير جازم، أي ما كان مطلوباً من المسلمين فعله لكن دون إلزامٍ لهم على ذلك، وقيل: إنّ السنة هي ما يُثاب فاعله ولا يُعاقب تاركه. وبمعناه: ما كان في فعله ثواب لمن فعله، وليس في تركه عقاب على من تركه.[٨]

أقسام السنة النبوية

تنقسم السنة النبويّة حسب ورودها وطريقة إثباتها من النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى عدّة أقسام، منها: السنة القولية، والسنة الفعلية، والسنة التقريرية، وتختلف درجة الاحتجاج بالسنة بناءً على ذلك حسب قوّة ذلك القسم ودرجته، وبيان أقسام السنّة بناءً ما تم ذكره فيما يلي:[٩]

السنة القولية

هي كلّ ما نُقل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من أقوال، كقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربِكم منِّي مجلِسًا يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقًا، وإنَّ أبغضَكم إليَّ، وأبعدَكم منِّي مجلِسًا يومَ القيامةِ الثَّرْثارون والمُتشَدِّقون والمُتفَيْهِقون. قالوا: يا رسولَ اللهِ قد علِمنا الثَّرثارين والمُتشَدِّقين فما المُتفَيْهِقون؟ قال: المُتكبِّرون).[١٠] والسنة القولية أعلى درجات السنن من حيث الاحتجاج بها لثبوتها ووضوحها وقوة العبارة عن الفهم الناتج عن فعله صلى الله عليه وسلم.

السنة الفعليّة

هي كلّ ما وَرد إلينا من أفعال النبي – صلى الله عليه وسلم – التي تُشير إلى أحكامٍ شرعيّة، ومثال ذلك ما رواه أبو قتادة الأنصاري – رضي الله عنه – قال: (كان رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ – إذا كان في سفرٍ، فعرَّسَ بليلٍ، اضطجعَ على يمينِه، وإذا عرَّسَ قبيلَ الصبحِ، نصبَ ذراعَه، ووضع رأسَه على كفَّهِ)،[١١] والسنة الفعلية أقوى في الاستدلال من السنة التقريرية.

السنة التقريرية

هي أن يرى النبي – صلى الله عليه وسلم – من أحد الصحابة أو جماعةٍ منهم فعلاً يتعلق به حكمٌ شرعي، فيقرّهم عليه بأن يسكت ولا ينكر عليهم فعلهم، أو يسمع قول أحدهم ممّا يرد على الأحكام الشرعية تأثير فيه فيقرّه عليه، والسنة التقريريّة حجة، لكنها إذا تعارضت مع سنة فعلية أو قولية تكون أضعف منهما، وتتقدّم عليها السنة القولية ثم الفعلية، ومثال السنة التقريرية ما رواه عكرمة بن خالد – رضي الله عنه حيث قال: (إنَّ عِكرمةَ بنَ أبي جهلٍ فرَّ يومَ الفتحِ فكتبتْ إليه امرأتُه فردَّته فأسلمَ وكانت قد أسلمَت قبل ذلك فأقرَّهما النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على نكاحِهما).[١٢]

قال السبكي: التقرير فعل، غير أنّه مرجوح بالنسبة إلى الفعل المستقل؛ فالمراتب ثلاث: قولٌ، ثم فعلٌ غير تقرير، ثم تقرير، وإنّما لم يذكر الأصوليون التقرير في مسألة تُعارض الأقوال والأفعال لدخوله في الفعل، والفعل أرجح من التقرير.[٩]

المراجع

  1. سورة النجم، آية: 3-4.
  2. سورة الحشر، آية: 7.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1401.
  4. ^ أ ب مجموعة مؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 275، جزء 25. بتصرّف.
  5. سورة الكهف، آية: 55.
  6. سورة الأنفال، آية: 32.
  7. أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرس (2000)، المحكم والمحيط الأعظم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 417، جزء 8. بتصرّف.
  8. ^ أ ب أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي (2002)، روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (الطبعة الثانية)، بيروت: مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 274، جزء 1. بتصرّف.
  9. ^ أ ب “أقسام السنة وحجية كل قسم”، إسلام ويب، 9/1/2013، اطّلع عليه بتاريخ 17/1/2017. بتصرّف.
  10. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 4/36، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن أبي قتادة الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 683.
  12. رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن عكرمة بن خالد، الصفحة أو الرقم: 6/340، مرسل صحيح الإسناد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى