ما هي الحشرة التي تكلمت في القرآن

'); }

الحشرة التي تكلّمت في القرآن

تُعَدّ النملة الحشرة التي ذكر الله -تعالى- في كتابه العزيز نداءها في قومها؛ قال -تعالى- في الآية الثامنة عشرة من سورة النمل: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).[١][٢]

سبب تكلُّم النملة

كان سليمان -عليه السلام- يخرج مع جنوده من الإنس، والجنّ، والطير في موكبٍ مَهيبٍ مُنظَّمٍ؛ فقد كان لكلّ فئةٍ من الجُند قائدٌ يُنظّم صفوفهم، ويجعل آخرهم يجتمع مع أوّلهم؛ ليكونوا مَوكباً واحداً لا يتفرّق أفراده، وفي أثناء سَيْر مَوكب سليمان وجنوده حصل الموقف الذي ذكرَه الله في كتابه العزيز بين سليمان والنملة؛ حيث وقفت النملة تُنادي في قومها؛ مُحذِّرةً إيّاهم،[٣] وكان الله -تعالى- قد وَهبَ سليمان -عليه السلام- المقدرة على فَهْم مَنطق الطير، والحيوان، فاستمع إلى كلمات النملة، وأدرك مقصود كلامها، ومغزى رسالتها؛ فقد أرادت النملة تحذير غيرها من النمل؛ خشيةً عليهم، وإشفاقاً لضَعْف حالهم،[٤] وقابل سليمان -عليه السلام- كلام تلك النملة بالضحك المُعبِّر عن العجب بما وَهَبه الله من الفَضْل والمُلك الذي لم يُؤتِه أحداً من الناس، وكان من مظاهر ذلك الفَضْل مَنحه المقدرة على الاستماع إلى كلمات ذلك المخلوق بالرغم من صِغَر حَجمه، كما تبسَّم سليمان -عليه السلام-؛ لبلاغة كلام النملة حينما أظهرت إشفاقها على قومها مع التماس العُذر لسليمان وجنوده؛ بنَفْي العِلم والإدراك عنهم بوجود النمل في ذلك المكان.[٥]

'); }

وتجدر الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- عظّمَ في كتابه شأن النَّمل، وبيّن أحوالاً تُنبِىء عن فِطرة الهداية التي فطرَ الله ذلك المخلوق عليها؛ ويتّضح ذلك في موقف نبيّه سليمان -عليه السلام- مع ذلك المخلوق؛ باقترابه من وادٍ لهم، والذي نتج عنه تحذيرها لقومها أن يطأهم سليمان وجنوده بأقدامهم فيهلكون، وفي موقفها دلالات واضحة؛ فقد صاحت النملة في قومها حينما أدركت قُرْب وقوع الخطر بهم، واستهلّت نداءها بأسلوب النداء المُبهَم، ثمّ خصَّصَت جِنسها بالذِّكْر؛ لأنّ الخطر مُحدِقٌ بواديهم الخاصّ بهم دون سائر الحيوانات، ثمّ أمرتهم أن يدخلوا مساكنَهم؛ ليَقوا أنفسَهم شَرّ ذلك الخطر القادم إليهم، فلا يتعرّضون للتحطيم من أقدام سليمان وجنوده، كما أظهرت النملة العُذر لسليمان وجنوده -كما ذُكِر سابقاً-؛ بذِكر غياب الشعور عندهم، وأضمرَت في نفسها العتابَ لقومها؛ بسبب ظهورهم خارج مساكنَهم؛ دلالة على هداية ذلك المخلوق، وحُسْن تصرُّفه تجاه الأخطار والنوازل، ممّا جعل سليمان -عليه السلام- يتبسّم حينما سمع قولها النّملة؛ مُعجَباً بكلامها، وخِطابها؛ قال -تعالى-: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ*حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ*فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ).[٦][٧]

الأساليب التي اتّخذتها النملة لإيصال التحذير

يمكن تلخيص الأساليب التي اتّبعتها النملة في تحذير قومها فيما يأتي:[٨]

  • اتِّباع أسلوب نداء البعيد؛ بقَوْل النملة: “يا أيّها النّمل”؛ فهذا الأسلوب يستدعي آذان المُخاطَبين؛ للاستماع إلى المُنادي، باعتبار أنّ الأمر الذي يُريد إيصاله يتضمّن إنذاراً شديداً يتطلّب الإنصات، والانتباه.
  • ابتداء الخِطاب بالأمر؛ فقد أعقبت النملة نداءها بإصدار أمرٍ بدخول المساكن قبل بيان السبب؛ وقد أرادت من ذلك سرعة الاستجابة، والأداء.
  • تحديد سبب التحذير؛ فعندما استجاب النمل للتحذير والأمر؛ بتوجُّه كلّ نملةٍ إلى مسكنها، بيَّنَت النملة سبب تحذيرها المُتمثّل بخشيتها عليهم من التحطُّم والهلاك.
  • بيان حقيقة موقف سليمان وجنوده؛ إذ بيّنت النملة أنّهم لا يشعرون بوجود النمل، ولو عَلِموا بهم ما وَطِئَتهم أقدامُهم.

الحكمة من ذِكْر النمل في القرآن

ذكر الله -تعالى- في سورة النمل مخلوقاً من مخلوقاته؛ وهو النمل؛ وقد أراد الله -تعالى- من ذِكر ذلك المخلوق تنبيه الناس إلى ما أودعه في النمل من الآيات والأسرار بالرغم من صِغَر حجمه، وضآلة وَزنه، فبنظرةٍ مُتفحِّصةٍ إلى ذلك المخلوق، يُدرك الإنسان عظمةَ خالقه تعالَت أسماؤه، وصفاته، فقد تحدّى الله خَلْقَه بخَلْقه، وأفرد لذِكره آياتٍ من كتابه الحكيم؛ تنبيهاً للغافلين لسَبر أغوار خَلْق الله، واكتشاف ما فيها من الأسرار الدالّة على وجود الله، وقدرته.[٩]

المعاني المُستفادة من خطاب النملة

تُستفاد من خطاب النملة عدّة أمور، بيان البعض منها فيما يأتي:[١٠]

  • تقدير الجهود الفرديّة، وعدم الاستهانة بها؛ فقد أدركت النملة الخطر المُحدِق بقومها، فوقفت بمُفردها تُحذّرهم منه، دون أن تركن إلى القعود بعُذر ضعف الجهود الفرديّة، وفي ذلك درسٌ كبيرٌ لأفراد الأمّة الإسلاميّة؛ للتنبُّه إلى أثر الجهد الفرديّ في إحياء الأمّة، ونُصرة الدِّين، ودليل ذلك أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بدأ دعوته مُنفرِداً، وكذلك حال كثير من الدُّعاة على مَرّ العصور.
  • إيثار المصلحة العامّة على المصالح الفرديّة الخاصّة؛ فقد ضحّت النملة بنفسها حينما وقفت مُنفرِدةً؛ تُحذِّر قومها بالرغم من قُرب الخَطر منها، ولو كانت حريصةً على نفسها لَولَّت فِراراً؛ نجاةً بروحها من الخطر المُؤكَّد.
  • أهميّة التركيز على استنفاد الجهد، وبَذْل الوُسع دون انتظار النتائج بالضرورة؛ فلم تدَّخر تلك النملة جُهداً؛ لتحذير قومها، ونُصحهم، بالرغم من ضَعفها.
  • طرح الحلول العمليّة القابلة للتنفيذ؛ فقد وضعت النملة أمام قومها حلّاً سريعاً يَقيهم من الخَطر المُحدِق بهم؛ حينما أمرتهم بدخول مساكنهم، مُقدِّمةً بذلك حلّاً عمليّاً مُبتكَراً، بعيداً عن الفَزَع، وصيحات الإنذار التي لا تُجدي نَفْعاً، ولا تُقدِّم مَخرَجاً للأزمة.
  • إظهار حُسْن الظنّ بالآخرين؛ فقد أظهرت النملة بعباراتها حُسْن ظَنّها بسُليمان -عليه السلام-، وجنوده.

المراجع

  1. سورة النمل، آية: 18.
  2. د.حسن شحاتة، سؤال وجواب عن الإسلام ، صفحة 99. بتصرّف.
  3. اسعد حومد ، أيسر التفاسير ، صفحة 3058-3059. بتصرّف.
  4. محمد متولي الشعراوي (1997)، تفسير الشعراوي ، مصر: مطابع أخبار اليوم، صفحة 8424، جزء 14. بتصرّف.
  5. محيي الدين درويش (1415)، إعراب القرآن وبيانه (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الإرشاد، صفحة 187، جزء 7. بتصرّف.
  6. سورة النمل، آية: 17-19.
  7. ابن القيم الجوزية (1978)، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (الطبعة الأولى)، بيروت: دار المعرفة، صفحة 69. بتصرّف.
  8. حامد شاكر العاني (2015-2-16)، “المراحل التي سلكتها نملة سليمان عليه السلام في توصيل الخبر”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-11. بتصرّف.
  9. حامد شاكر العاني (2014-11-6)، “النمل في القرآن الكريم “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-11. بتصرّف.
  10. عادل مناع (2012-3-19)، “علمتني نملة “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-5-11. بتصرّف.
Exit mobile version