'); }
الجنّة
أكرم الله عباده المتّقين بأن جعل لهم جائزةً ثمينةً هي أعظم الجوائز وأكملها على الإطلاق، ألا وهي الجنّة، وقد ذُكرت لفظة الجنّة في القرآن الكريم في مائة وتسعاً وثلاثين موضع، وجاءت بصيغة المفرد والجمع والتّثنية.[١]
في الجنّة النّعيم المُطلَق الخالد؛ ففيها يحيا الإنسان فلا يموت، ويتمتّع بملذّاتها ولا يملّ، فهي تخلو من المُنغّصات والمُكدّرات، فلا تعب فيها ولا نَصَب، وبناؤها يكون لبنةً من فضة وأخرى من ذهب وما بينهما مسك جميل الرّائحة، وترابها الزعفران، أما حصباؤها فالياقوت والمَرجان لشدّة لمعانها، وقد أخبر بذلك المصطفى -عليه الصّلاة والسلام-: (الجنةُ بناؤها لَبِنَةٌ من فضةٍ، ولَبِنَةٌ من ذهبٍ، ومِلاطُها المسكُ الأذفرُ، وحصباؤها اللؤلؤُ والياقوتُ، وتربتُها الزَّعفرانُ، من يدخلُها ينعَمْ لا يبْأَسُ، ويخلدْ لا يموتُ، لا تَبلى ثيابُهم، ولا يَفنى شبابُهم).[٢]
وفيها أيضاً ما تشتهيه الأنفس وتلّذ به الأعين، وقد وصفها الله سبحانه عزّ وجلّ في كتابه العزيز بأوصاف كثيرة، وسمّاها أسماءً كنجوم السّماء مُنيرةً، فممّا جاء في وصفها في كتاب الله قوله سبحانه جلّ وعلا: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ )،[٣] في هذه الآية الكريمة وَصَف الله سبحانه أنهار الجنّة؛ فمنها من ماء لا يتغيّر طعمه كما هو الحال في ماء الدنيا، وأنهار من خمر، وأنهار من عسل مُصفّى، وفيها من كلّ الثّمرات التي تطلبها النّفس وتشتهيها، وقد أيّد ابن القيم في وصف الجنّة ونعيمها فنَسَق عدداً من الأبيات:[٤]
'); }
فاسمع إذا أوصافها وصفات
- هاتيك المنازل رَبّة الإحسان
هي جنّة طابت وطاب نعيمها
- فنعيمها باق وليس بفان
دار السلام وجنة المأوى و
- منـزل عسكر الإيمان والقرآن
فالدار دار سلامة وخطابهم
- فيها سلام واسم ذي الغفران
أسماء الجنّة
للجنّة عدد من الأسماء التي ذُكِرَت في القرآن الكريم، ومن هذه الأسماء:[٥][٦]
- الجنّة: يُعتبر هذا الاسم العام المُتداوَل لتلك الدار وما اشتملت عليه من أنواع النعيم، وأصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية، وسُمِّيَ الجنين بهذا لاستتاره في البطن، وسُمّي الجان لاستتاره عن العيون، وقد جاء هذا الاسم في قول الله عزَّ وجلّ: (ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).[٧]
- دار الخلد: وسُمِّيت بذلك لأنّ فيها الخلود الدّائم حيث لا موت فيها، وقد جاء هذا اللّفظ في قول الله عزَّ وجلّ: (ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ).[٨]
- جنة المأوى: والمأوى مصدرها أوى يأوي: إذا انضم إلى المكان وصار إليه واستقرّ به، وقيل: يأوي إليها جبريل والملائكة، وقيل: تأوي إليها أرواح الشّهداء، وقد جاء هذا اللّفظ في قول الله عزَّ وجلّ: (عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى).[٩]
- جنات عدن: أي مكان الإقامة الدائمة، وقد جاء اللفظ في قول الله سبحانه: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا).[١٠]
- جنّات النّعيم: سُمِّيت الجنة بذلك لما فيها من النّعم وما تشتهيه الأنفس من المأكل، والملبس، والمشرب، والمظهر الحسن، والمساكن الواسعة، وتشمل كلمة النعيم على النعيم الظاهر والباطن، وقد جاء هذا اللفظ في قول الله عزَّ وجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ).[١١]
- دار القرار[١٢]: أي الثبات فهي، ونعيمها ثابتٌ لأصحابها، وقد جاء هذا اللفظ في قول الله عزَّ وجلّ: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ).[١٣]
- دار المُتّقين[١٢]: فالجنة هي جائزة المُتّقين من عند ربّهم، استحقّوا بها الامتياز عن الضّالين والمشركين والمُنافقين، وقد جاء هذا اللفظ في قول الله عزَّ وجلّ: (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ).[١٤]
- الفردوس: الفردوس اسم يُطلَق على جميع الجنّة ويُطلَق على أفضلها وأعلاها، وأصل الفردوس البستان، والفردوس نُزُل المُؤمنين المُوحّدين، وقد جاءت في قول الله عزَّ وجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً).[١٥]
- الحُسنَى[١٢]: فالحُسنَى هي الجنّة التي وُعِدَ بها المتّقون، وقد جاءت في قوله سبحانه: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى).[١٦]
- دار السّلام: وسُمِّيت بهذا لأنّ فيها السلامة من كل بليّة وأذىً ومكروه ومرض، فالله عزَّ وجلّ سلّمها وسلّم أهلها، وقد جاءت في قوله سبحانه: (وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).[١٧]
- دار المُقامة: فهي دار الخلود والمقام الأبديّ، قال الله عزّ وجلّ: (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ).[١٨]
- المقام الأمين: المقام: مكان الإقامة، والأمين: الآمن من كلّ سوء ومن كل نقص ومكروه، قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ).[١٩]
- الغُُرفة[١٢]: والمقصود بها أعلى مساكن الجنّة جزاءً للمؤمنين على صبرهم، قال الله سبحانه عزّ وجلّ: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً).[٢٠]
- مقعد صدق: وسُمِّيت بهذا لحصول كلّ ما يُراد، ويُقصد من المقعد الحسن، قال الله سبحانه: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ).[٢١]
- دار الحيوان: أي دار الحياة الدّائمة التي لا موت فيها، قال الله سبحانه: (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ).[٢٢]
أسباب دخول الجنة
السبب الرئيسيّ في دخول العباد إلى الجنّة هو توفيق الله عزّ وجلّ، وهدايته، ورحمته بعباده للقيام بالأعمال التي يُحبّها ويرضاها وتدخلهم جنّته، ومن هذه الأعمال:[٢٣]
- طلب العلم النافع للعبد في الدنيا والأخرة.
- الإيمان والقيام بالأعمال الصالحة، مثل حسن الخلق وصلة الرّحم إلى غير ذلك من الأعمال.
- برّ الوالدين.
- الإكثار من ذكر الله تعالى.
- الرّحمة بالصّغير والرّفق بالحيوان.
- إفشاء السّلام على من يعرف العبد ومن لا يعرف.
- مُساعدة الناس في قضاء حوائجهم، إلى غير ذلك من الأعمال المُوجِبة لدخول الجنة.
المراجع
- ↑ “المرات التي ذكرت فيها الجنة في القرآن الكريم”، إسلام ويب، 27-4-2003، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2017.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 3116، صحيح.
- ↑ سورة محمد، آية: 15.
- ↑ ابن قيم الجوزية (1417هـ)، متن القصيدة النونية (الطبعة الثانية)، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، صفحة 309.
- ↑ عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني، الجنة والنار من الكتاب والسنة المطهرة (الطبعة الثالثة)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 95-96. بتصرّف.
- ↑ ابن قيم الجوزية، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، القاهرة: مكتبة المدني، صفحة 94-97. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 32.
- ↑ سورة ق، آية: 34.
- ↑ سورة النجم، آية: 15.
- ↑ سورة مريم، آية: 61.
- ↑ سورة لقمان، آية: 8.
- ^ أ ب ت ث “أسما الجنة”، إسلام ويب، 20-3-2002، اطّلع عليه بتاريخ 6-2-2017.
- ↑ سورة غافر، آية: 39.
- ↑ سورة النحل، آية: 30.
- ↑ سورة الكهف، آية: 107.
- ↑ سورة يونس، آية: 26.
- ↑ سورة يونس، آية: 25.
- ↑ سورة فاطر، آية: 35.
- ↑ سورة الدخان ، آية: 51.
- ↑ سورة الفرقان ، آية: 75.
- ↑ سورة القمر، آية: 55.
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 64.
- ↑ عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني، الجنة والنار من الكتاب والسنة المطهرة (الطبعة الثالثة)، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 120-122. بتصرّف.