'); }
الأخلاق
الأخلاق هي الطّبع والسجيّة التي تصدر من باطن الإنسان على هيئة سلوك أمام النّاس بتلقائيّة ودون تفكير، فتعكس نفسه وصفاتها وحالها، فإذا كانت الأفعال حسنة سُمّي صاحبها ذا خُلقٍ حسن، وإن كانت قبيحة سُميّ صاحبها ذا خلقٍ سيئ. وقد عرّف الإسلام الأخلاق بأنّها مجموعة مبادئ وقواعد أقرّها الوحي من خلال القرآن الكريم والسُنّة الشريفة، تهدف إلى ضبط وتنظيم سلوك الأفراد مع باقي أفراد المُجتمع بمختلف الظّروف والأماكن، حتى تُحقّق الهدف الذي خُلق من أجله الفرد بدون عراقيل، وقد حثّت جميع الأديان على حُسن الأخلاق واعتبرتها مِعياراً لتقدّم الشّعوب وحضاراتها،[١] قال الرّسول عليه السّلام في فضل الأخلاق: (إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ، وَأقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ، أحَاسِنَكُم أخْلاَقاً، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهقُونَ).[٢]
أخلاق الإسلام
حثّنا الرّسول عليه السّلام بالتحلّي بالأخلاق الحميدة والعظيمة التي كان هو خير قدوةٍ فيها، والتي جاء بها إلينا ليُبلّغنا إيّاها، ويحثّنا عليها كما قال بالحديث الشّريف: (إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)،[٣] وأيضاً وصف القرآن الكريم خُلْق الرّسول عليه السلام بالعظيم، كما ورد بالآية الكريمة: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[٤] وبيّن لنا الإسلام أنّ ثواب وجزاء من يتحلى بالأخلاق الحميدة المختلفة هو الفردوس الأعلى من الجنّة، كما ورد في الآية الكريمة: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،[٥] ورد في الآية الكريمة بعض الأخلاق التي حثنا عليها الإسلام.
'); }
دعونا نتعرّف على الأخلاق الإسلاميّة وفضلها على صاحبها، والتي نزلت من خلال منهج ربّاني مُتكامل لتحقيق التّكامل والتّكافل بين الناس.
- حُسن إيمان المرء: فهو أهم خُلق يجب التحلّي به، وهو السبيل إلى باقي الأخلاق الحميدة، فمتى صلُح إيمان الفرد صلُحت باقي أعماله، فالمؤمن يُراعي مخافة الله في أقواله وأفعاله، كما ورد في الحديث الشّريف: (ليس المؤمنُ بطعَّانٍ ولا لعَّان، ولا فاحشٍ ولا بذيء)،[٦] هذا الحديث يُبيّن أخلاق لسان المرء، ونلاحظ استخدام صيغة المُبالغة للتشديد على أهميّتها، فوصف لسان المؤمن أنّه لا يطعن الآخرين، أي لا يذكر عيوب الآخرين أمام النّاس، ولا يلعنهم أي يدعو عليهم باللّعنة، ولا يقول قولاً فيه معاصي وشتائم، ولا يتّسم كلامه بقلة الحياء.
- قول الكلمة الطيبة: فالكلمة الطيّبة صدقة، وأثرها كبير على نفوس الآخرين، وقد أمرنا الله بها كما ذكر في الآية الكريمة: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾.[٧]
- كظم الغيظ والعفو عن الناس: أي عندما يتعرضّ المسلم لغيظ وأذى من الآخرين يكتمه ولا يُعلم به النّاس بالرّغم من مقدرته على أخذ حقّه، وأيضاً يعفو عمَّن أساء له، كما جاء في الآية الكريمة: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ).[٨]
- الإصلاح بين الناس: فضيلة عظيمة ورد ذكرها في القرآن والسّنة في عدّة مواقع، وأثرها عظيم في المجتمع لما فيها من خيرٍ يعود على المجتمع، ويُزيل الضّغينة، والكره، والحقد بين الناس، قال تعالى: (وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ).[٩]
- حُسن الظنّ بالنّاس: يُعتبر سوء الظّن سهماً من سِهام إبليس يُفرّق به بين النّفوس وينشر الكراهية، وقد دعانا الإسلام إلى التماس الأعذار للنّاس، ونهانا الله عن سوء الظّن بهم، بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).[١٠]
- الصبر: هو من الأخلاق الفضيلة التي تعود بالنّفع العظيم على صاحبها في الدّنيا والآخرة، والصّبر أنواع: فهناك صبر على الابتلاء، وصبر على الطّاعة، وصبر على أذى النّاس، وكل أمر يصبر عليه المسلم دون تذمّر وشكوى يُثاب عليه صاحبه في الدّنيا والآخرة، قال تعالى: (إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).[١١]
- الإحسان للناس: دعا الله عزّ وجل إلى الإحسان في كل شيء، الإحسان يكون في العبادة، وفي العمل، وفي العلاقات بين النّاس وخاصة الوالديْن، حتى في وقت الحرب حثّنا الإسلام على الإحسان، قال تعالى: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ).[١٢]
- ترك الغيبة والنميمة : الغيبة هي رذيلة نهى الدّين عنها، وتعني ذكر النّاس بما يكرهون، وشبّه الرّسول عليه السّلام الذي يغتاب النّاس كأنّه يأكل لحومهم وهم أحياء، وأما النّميمة نقل الكلام بين النّاس بقصد الإفساد، قال تعالى: (ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).[١٠]
- العدل بين الناس: هو التوسّط والقصد بالأمور، وتقييم الأمور ووزنها دون تحيُّز إلى فئةٍ ما أو أمرٍ ما، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ).[١٣]
- تطبيق العُرف والإعراض عن الجاهلين: دعا الإسلام إلى الكفّ عن المجادَلة، والإعراض عن اللّغو والجهل، وتطبيق الأعراف السّائدة بالمجتمع والتي لا تتعارض مع الشّريعة الإسلاميّة، قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾.[١٤]
- السّخاء والكرم: ينشر المحبّة والود بين النّاس، ويُزيل الضّغينة والحقد في قلوبهم، ويُنسي العيوب، قال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).[١٥]
- الصّدق، هو مُطابقة الأفعال مع الأقوال، ويجب تحرّي الصّدق في كل شيء، الصّدق في الأقوال والأفعال، والصّدق في العمل، والصّدق في النيّة، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).[١٦]
- الرّفق واللّين: دعا الإسلام إلى الرّحمة والرّأفة في التّعامل، وبيّن أنها موجبة لمحبّة النّاس بخلاف لو كان الفرد غليظاً في التّعامل لنفر النّاس منه، قال تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).[١٧]
- التّواضع وعدم التكبّر: التّواضع أولاً يكون بالخضوع والاستسلام لله عزّ وجل وهذا بدوره يُحقّق التّواضع مع النّاس أي احترامهم بغض النّظر عن ظروفهم وأحوالهم، ومعرفة حقوقهم وتأديتها لهم، وقبول النّصيحة منهم، قال تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).[١٨]
بالإضافة إلى العديد من فضائل الأخلاق التي يجب التحلّي بها دائماً كالشّجاعة عند البأس، ومُجاهدة النّفس، وحُسن الجوار، والتّغافل عن أخطاء الآخرين، والرّضا، وتجنُّب الغضب، وتجنّب اللّوم والمُجادلة، ومُصاحبة الأخيار، وتهذيب النّفس، والحياء، والزّهد، وإفشاء السّلام، وصلة الرّحم، وكتمان أسرار النّاس، وعلو الهمّة، والعفّة، والابتعاد عن التّشاؤم واليأس، والتفكّر في أفعال الله.[١٩]
أمثلة على أخلاق السابقين
- مثال على الصّبر: يُقال قبل قطع رجل ابن القيّم عرض أهله والطّبيب عليه أن يسقوه شيئاً حتى لا يشعر بشدّة الألم، فردّ عليهم: إنّما ابتلاني الله ليرى صبري، فلن أعارض أمره، ورفض شُرب شيء.[٢٠]
- مثال على الحلم: يُقال إنّ رجلاً شتم بعض الأدباء فبقي ساكتاً ولم يرد، فاستثار له أحد المارِّين في الطريق، وقال له: (يرحمك الله ألا أنتصر لك؟ قال: لا، قال: ولِمَ؟ قال: لأني وجدتُ الحِلْمَ أَنْصَرَ لي من الرجال، وهل حاميت لي إلاَّ لحِلْمِي).[٢١]
- مثال على الصدق مع الله: كان المطرِّف بن عبد الله وهو أحد السّلف يدعو دائماً: (اللهم إني أستغفرك مما زعمت أني أريد به وجهك، فخالط قلبي منه ما قد علمت).[٢٢]
- مثال على الإحسان والصّدقة: مكث علي بن الحسين زين العابدين سنوات طويلة يعمد على توزع الطّعام والصّدقات في اللّيل وحده سراً على المحتاجين والفقراء والأرامل حتى لا يراه أحد، ولا يعلم هؤلاء من أين جاءهم الزّاد، حتى توفى، انقطعت صدقته عنهم، ووجدوا على ظهره علامات سوداء، فعلموا أنّ سببها ما كان يحمله على ظهره.[٢٢]
- مثال على التّواضع: كان سفيان الثوريّ وهو أحد علماء المسلمين يقول: (وجدت قلبي يصلح بمكة والمدينة مع قوم غرباء أصحاب عناء عليهم أكسية غليظة، غرباء لا يعرفونني فأعيش في وسطهم لا أُعرف كأنني رجل من فقراء المسلمين وعامتهم).[٢٢]
المراجع
- ↑ “معنى الأخلاق لغة واصطلاحًا”، الدرر السنيّة.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 791.
- ↑ رواه ابن رجب، في لطائف المعارف، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 305.
- ↑ سورة القلم، آية: 4.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 133-134.
- ↑ رواه ابن مفلح، في الآداب الشرعية، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 1/36.
- ↑ سورة البقرة، آية: 83.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 134.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 1.
- ^ أ ب سورة الحجرات، آية: 12.
- ↑ سورة الزّمر، آية: 10.
- ↑ سورة القصص، آية: 177.
- ↑ سورة النحل، آية: 90.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 199.
- ↑ سورة سبأ، آية: 39.
- ↑ سورة التّوبة، آية: 199.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 159.
- ↑ سورة الشّعراء، آية: 125.
- ↑ الشيخ نشأت كمال (31-12-2011)، “مكارم الأخلاق في ضوء الكتاب والسنة”، الألوكة. بتصرّف.
- ↑ د. راغب السرجاني، “الصبر .. روائع القصص”، قصة الإسلام. بتصرّف.
- ↑ د. راغب السرجاني، “الحلم .. روائع القصص”، قصة الإسلام. بتصرّف.
- ^ أ ب ت “50 قصة من قصص إخلاص السلف”، صيد الفوائد. بتصرّف.