محتويات
مقدمة
منذ وجد الإنسان على سطح الأرض وهو يعيش في جماعة، فمنذ لحظة ميلاده تتلقفه الأيدى بالرعاية والعناية، والأمهات فور ولادته. ويتكسب الطفل من خلال الجماعة اللغة، القيم، العادات، التقاليد، ويتعلم أنه له كياناً، ودوراً ومن ثم يتحول من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي، وتعتبر دراسة الجماعات ضرورة لدراسة السلوك الإنساني، حيث نعرف أن معظم السلوك يحدث في إطار الجماعات التي ينتمي أو ينضم إليها الفرد. يطلق نيو كومب على التنشئة الاجتماعية بعض المسميات التي تدل على مفهومها بشكل عام مثل التعلم الاجتماعي، والاندماج الاجتماعي، والتطبع الاجتماعي، وكلها تنظر لهذه العملية باعتبارها عملية النمو والارتقاء الاجتماعي والذي يتطور خلالها الأداء السلوكي للفرد من سلبية مجردة إلى إيجابية موجهة في المواقف الاجتماعية المختلفة التي يمر بها في حياته ووفقا لما يكتسبه من خبرات أثناء تفاعله مع المحيطين به، ومتأثراً بالعوامل الشخصية (الإمكانات البيولوجية الخاصة) ويمكن القول أن التنشئة الاجتماعية هي عملية تعلم، وتعليم، وتربية تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى إكساب الفرد سلوك، ومعايير، واتجاهات مناسبة لأداء أدوار اجتماعية معينة، تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها، وهي عملية تشكيل السلوك الاجتماعي للفرد واستدخال عملية التنشئة الاجتماعية التي لا تتم مرة واحدة وتنتهي، وإنّما هي عملة ملازمة للإنسان في مراحل حياته، والتنشئة الاجتماعية هي عملية تحويل الكائن الحيوي إلى كائن اجتماعي يتأثر بالجماعة ويؤثر فيها، وتحقق عملية التنشئة الاجتماعية أو التطبيع الاجتماعي عملية امتصاص الفرد لقيم الجماعة وتعلم أسباب ومعايير السلوك التي تتبناها الجماعة بما يتيح التفاعل الناجح بين الفرد، والجماعة ممّا يسهم في تماسكها.
مراحل التنشئة الاجتماعية
يمر الوليد البشري بمراحل معينة ليتحول من كائن حيوي إلى كائن اجتماعي ويمكن إيجاز مراحل التنشئة الاجتماعية كما عرضها عبد العزيز الشخص لعام 1993، على النحو التالي:
- المرحلة الأولى: يتعلم الطفل في هذه المرحلة التوافق مع متطلبات جسمه وحاجاته الطبيعية والظروف البيئية المحيطة، ويكتسب الطفل المعاني الاجتماعية التي حددتها الجماعة، ويتعدل سلوك الطفل المعاني الاجتماعية التي حددتها الجماعة، ويتعدل سلوك الطفل بتعديل التوقعات التي يستجيب بها في المواقف الاجتماعية.
- المرحلة الثانية: يعمل الطفل في نموه إلى درجة الإستقلالية التي قد تتعارض مع معايير الكبار أو متطلباتهم منه، ومن ثم تتحول سلوكياته بحسب قيم الكبار وعاداتهم.
- المرحلة الثالثة: تتمايز شخصية الطفل نتيجة تفاعله مع البيئة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها، ومن ثم يمكن القول أن السلوك الاجتماعي يرجع إلى علاقاته بأفراد أسرته واتجاهاتهم وأنماط سلوكهم.
- المرحلة الرابعة: يستمر تعليم واستدخال القيم والمعايير الاجتماعية من الأشخاص المهمين في حياة الفرد (الوالدين- المربين- القادة- الرفاق- الثقافة التي يعيش فيها الفرد) ومع تقدم الفرد في العمر واتساع اتصالاته، يستمر في تعديل سلوكه، ونمط شخصيته بقدر ثراء المواقف الاجتماعية التي يمر بها للتوافق مع البيئة الاجتماعية، وإذا كانت المواقف الاجتماعية والمؤثرات الاجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر فإنّ التنشئة الاجتماعية بالضرورة سوف تختلف تبعا لثقافة المجتمع.
تعريف الجماعة
- عرف سمول الجماعة على أنها تجمع لأي عدد من الأفراد يفكرون معاً فيما يخصهم.
- يعرّفها كاتل على أنها مجموعة من الناس يشبعون رغباتهم شعورياً- أو لا شعورياً خلال الوجود التلقائي الآلي لهم كمجموعة.
- يعرّف صلاح مخيمر وعبده ميخائيل رزق الجماعة بأنها تتكون من فردين أو أكثر بينهما علاقة صريحة على نحو يسمح بأن يدرك كل الآخر على أنه عضو في الجماعة يؤثر فيها ويتأثر بها، ولا يشترط أن يكون أعضاء الجماعة متقاربين في العمر أو المكان، ويميّز صلاح مخيمر وعبده رزق بين بعض المصطلحات التي قد يتداخل استخدامها مع الجماعة النفسية:
- الطبقة: تتكوّن من أفراد متشابهين في بعض الصفات.
- الجمهرة: تتكوّن من أفراد متقاربين في المكان.
- المنظمة الاجتماعية: جماعة حقيقية، لها بنية داخلية، ولها اسم ورمز، أنماط سلوكية، فكر.
الجماعة النفسية في جوهرها تسلك تبعاً لمعايير مشتركة، ولكل فرد دور يؤديه للوصول إلى الأهداف المشتركة للجماعة، ويمكن أن تكون الجماعة النفسية منظمة اجتماعية أيضاً، إذاً يمكن تعريف الجماعة بأنها مجموعة من الأفراد (اثنين فأكثر) يتصلون ببعضهم البعض لتحقيق هدف معين؛ ويتبادلون أدوار القيادة، والتبعية لإنجاز ذلك في إطار القيم، والمعايير السلوكية النابعة من ثقافة المجتمع الذي توجد فيه الجماعة سواء المجتمع المحلي (القرية/ الحي) أو المجتمع الأكبر ومثال ذلك أن صلاة الجماعة أو جماعة الصلاة تصح صلاتها بتواجد اثنين إحداهما إمام والآخر مأموم.
أهمية المجموعة
تلعب الجماعة مثل الأسرة والمدرسة دوراً هاماً في التنشئة الاجتماعية للأفراد المنتمين إليها حيث إنّها تنقل لها ثقافتهم في قواعد السلوك المرعية داخل الجماعة والتي تحدد مسير العمل من أجل تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها؛ كما أن الجماعات تشكل اللبنات الأساسية للبناء الاجتماعي الأكبر للدولة وتعمل على تماسك أفراده ونقل ثقافته متمثلة في العادات والتقاليد والأعراف والتعاليم الدينية ونظم المعيشة إلى الخَلَفْ (الأبناء والأحفاد)، فيستقر المجتمع وتدوم الحياة فيه ويحقق أهدافه الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية ويكتسب طابعه الخاص، وشخصيته القومية التي تميزه عن المجتمعات الأخرى.
بناء الجماعة
يقصد بناء الجماعة التركيب المورفولوجي لها ومدى تماسكه، والعوامل التي تساعد على ذلك؛ وقد رأى علماء النفس أن هذا يكون بما يلي:
- وجود دوافع فطرية أو حيوية (الطعام/ الشراب/ النوم) أو اجتماعية (التملك/ الكسب المادي/ الترفيه/ الزواج/ التعليم… إلخ) تدفع الأفراد إلى تكوين جماعة مثل الأسرة/ المدرسة/ الشركة/ النادي….إلخ.
- وجود ظروف جغرافية واجتماعية مواتية مثل وجود المناخ والتضاريس ونشاط السكان الملائم والاستقرار الاجتماعي وعدم وجود فواصل بين معيشة السكان أو عوائق تحول دون اتصالهم ببعض.
- وجود شبكة من العلاقات الاجتماعية قائمة على الاختيار والتجارب لا الرفض والتنافس؛ فالطلاب يميلون للعب أو الاستذكار مع من يستريحون له؛ إذ إنّ الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف.
- وجود نظام للاتصالات الأفقية بين الأعضاء المنتمين للجماعة وآخر للاتصالات الرأسية بين القائد والاتباع أو الأعضاء، فأي جماعة طلابية يتشاورون مع بعضهم البعض فيلتقون الأوامر من زعيمهم.
- وجود بناء للسلطة الاجتماعية تتحدد في سياقه أدوار كل من القائد، والاتباع ففريق كرة القدم له كابتن، وحكم لتيسير المباراة.
- وجود نظام للحراك أو الترقى الاجتماعي بين الأعضاء وذلك حسب نشاط وتفوق وإخلاص الأعضاء للجماعة؛ لأن الفرد ينضم للجماعة لكي يحقق مكاسب معنوية ومادية ولا يريد أن يضيع جهده سدى ولذا ينبغي أن يكون مجالي إدارات الجماعات الطلابية لفترة زمنية محددة ويتم تشكيلها بالانتخاب الحر المباشر.
عناصر الجماعة
- تكوين الجماعة وحجمها: تتكون الجماعة من فردين فأكثر، قد يكون أقرب مثال هو جماعة الأسرة، حيث تتكون من فردين (زوجة، زوجة) ويضعان في حسابهما قدوم عدد من الأبناء، وقد يرتبط التماسك أو التلاحم بين أعضاء الجماعة بعدد أفرادها، إلّا أنّ تلاحم الجماعات الكبيرة يجعلها أكثر طموحاَ، وأكثر قدرة على إشباع حاجات أفرادها وخاصة الحاجة إلى الأمن.
- حاجات أهداف الجماعة: تنشأ الجماعة فقط حين توجد حاجات وأهداف مشتركة تجمع بين أفرادها، ويرتبط شعور الانتماء للجماعة بقدرتها على إشباع حاجات أفرادها وتحقيق أهدافهم المشتركة. وقد يكون للجماعة حاجات ظاهرة (معلنة) وأخرى حقيقية (غير معلنة) وذلك لأغراض تحددها الجماعة، وقد تتغير حاجات الجماعة أو تظهر حاجات جديدة، كما توجد حاجات أساسية، وأخرى ثانوية ويضيف صلاح مخيمر وعبده رزق بأن حاجات الجماعة قد تتغير من الماضي إلى الحاضر، ومن ثم إلى المستقبل، وذلك تبعاً لحاجات الجماعة في كل مرحلة وتطورها أو علاقاتها. ويرتهن نجاح الجماعة بنجاحها في إشباع أو إرضاء حاجات أفرادها.
- أسلوب تفاعل الجماعة: يعني به أسلوب التفاعل بين الأعضاء داخل الجماعة، فقد يغلب عليهم التعاون، التعاطف، وقد يغلب عليهم التنافس، وقد يصل الأمر إلى الصراع مما قد ينتهي بتغير الجماعة نفسها أو حله، ويحدد أسلوب تفاعل الجماعة مدى تمسكها، فحين يغلب على أسلوب أفرادها التعاون يزداد تماسكها وتزداد إنتاجيتها، وسرعة اتّخاذ القرارات ومزيد من الولاء للجماعة. بينما إذا ساد أو استشرى أسلوب التنافس فإنّ ذلك ينبئ بضعف الجماعة، وانخفاض انتاجيتها وبطء اتخاذ القرار فيها، لانشغال كل فرد بنفسه، وقد يؤدي ذلك إلى الصراع الذي قد يؤدي إلى حل الجماعة نفسها.
- دور الأفراد: يتحدد لكل فرد في الجماعة دوراً بعينه يرتبط بمسئوليات تجاه الجماعة، وعليه لكي يطالب بحقه من الجماعة أن يقوم بواجبه نحوها. ويسهم وضوح الأدوار ومتطلباتها مما قد يؤثر على تماسك الجماعة وهو ما يجب أن تتفق عليه الجماعة عند تأسيسها.
- أسلوب الترقي الرأسي: يمثل تولي الفرد لمركز معين أو مسؤولية قيادية أو ترقية داخل الجماعة حافزاً له على حسن الآداء، ومصدراً لجاذبية الجماعة لأفرادها وتمسكهم بها وولائهم لها. كما يسهم الترقى داخل الجماعة في إشباع حاجات وأهداف بعض أفرادها ممن يطمحون إلى تولى المراكز القيادية، ومن ثم يجب تحديد أساليب الترقى وإعلانها بين أعضاء الجماعة (يشمل ذلك- حوافز- مكافآت- جزاءات).
- مكان الجماعة: لكي تكون هناك جماعة لا بد لها من وجود مكان ما مستقر وتحديد نظام العمل ومواعيده…إلخ.