فن الرسم

مفهوم الفن التجريدي

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق

مقالات ذات صلة

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مفهوم الفنّ التّجريديّ

يعتمد الفن التّجريديّ (بالإنجليزيّة: Abstract Art) على بساطة الأشكال والألوان، وأدوات الإيماء في إحداث أثره كنوع من أنواع الفنون التي تمتلك طابعاً معنويّاً، ومُنظمّاً، ونقيّاً، ويبتعد هذا النّوع من الفنون عن الوصف الدّقيق لواقعيّة الأشياء أو طبيعتها، ويشتهر بأسماء مختلفة لدى الفنانين مثل: الفنّ غير الموضوعيّ، والفنّ الملموس،[١] حيث لا تصف اللوحة أو المنحوتة كائناً مُعيّناً أو مكاناً ما، فما يراه النّاظر ما هو إلّا لون العمل الفنيّ، وحجمه، والأشكال المُستخدمة لرسمه، وما يحويه من آثار ضربات الفُرشاة، ولكنّه في نفس الوقت لا يُعدّ فنّاً مُبالغاً فيه، أو فنّاً يُغيّر معالم الشيء كالفنّ التكعيبي.[٢]

يعمد الفنّانون إلى عدم التّمثيل وعدم الموضوعيّة في هذا النوع من الفن؛ وذلك لإعطاء المُشاهد فُرصة تفسير العمل كما يراه بنظرته الخاصّة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الفن التجريدي أصبح حديث النقاشات الرئيسية في مجال الفن الحديث، وذلك بعد حديث الناس عن كَون الفن التجريدي لا يحتاج إلى مهارات فنيّة، وعلى إثر ذلك قال الفنّان التجريدي الروسي فاسيلي كاندينسكي: “من بين جميع الفنون، الّلوحة التّجريدية هي الأصعب، حيث إنّها تتطلّب أن تعرف كيف ترسم جيّداً، وأن تمتلك حساسيةً شديدة للتكوين والألوان، وأن تكون شاعراً حقيقياً، وهذا الأخير ضروريّ.”[٢]

مفهوم التجريد لغةً واصطلاحاً

يُؤخذ معنى التجريد لُغةً من المادّة الّلغويّة: جرّد، يُجرِّد، تجريداً، وتجريد الشيء أيّ إزالة ما عليه وتقشيره،[٣] أمّا التجريد اصطلاحاً فله العديد من التعريفات، ومنها ما يأتي:[٤]

  • التجريد عند فاروق علوان في كتابه “التجريد في فنون العرب قبل الإسلام”: تخليص الشكل الطبيعي من تفاصيله الجزئيّة، والاكتفاء بالأشكال المُعبّرة عن الفكرة الجوهريّة للشيء المُراد رسمه.
  • التجريد عند عفيف بهنسي في كتابه “الفن في أوروبا من عصر النهضة حتّى اليوم”: استخلاص الجوهر من الشكل الحقيقيّ.
  • التجريد عند ابن سينا: انتزاع النّفس الكلّيات المُفردة عن الجزئيات على سبيل تجريد معانيها عن المادّة وعلائق المادّة ولَواحقها.
  • التجريد في الفكر الفني المُعاصر بحسب محمود أمهز في كتابه “الفن التشكيلي المُعاصر”: رفض الصورة (بالإنجليزية: Figuration)، والتّمثيلية الصّورية (بالإنجليزية: Representation Figuration)، ورفض التقيُّد بالمنظور أو الطبيعة التي بات ضروريّاً الابتعاد عنها، أو السيطرة عليها بوساطة إشارات بدلاً من الغوص فيها.
  • التجريد في الفن المُعاصر بحسب قول سها سلوم وعبد السلام شعيرة في مجلّة جامعة دمشق: الابتعاد عن المُحاكاة السّاذجة، ومحاولة استخراج أو البحث عن حقيقة الشيء الجوهريّة المُتخفّية وراء مظاهره الحسيّة الماديّة.

نشأة الفن التجريدي

تعود نشأة الفن التجريدي إلى ما رُسم في العصور القديمة على الصّخور والفخار، إلّا أنّ فكرة القيام بعمل فنيّ يعتمد على البساطة في تصوير المرئيات لمعت في القرن التاسع عشر الميلادي عند الفنانين أصحاب الحركات الانطباعيّة والتعبيريّة،[٢] فظهرت الأعمال الفنيّة التي تشرح قصّةً ما، كما ظهر الفنانون الذين درسوا الإدراك البصريّ للضوء، بالإضافة إلى ظهور الأفكار التي تبتعد عن التقليد والمثالية، ولأفكار التي تدعو للخيال كأحد أهمّ عوامل الإبداع، و في عام 1890م أشار الفنّان موريس دينيس إلى أنّه من الضروري التذكّر أنّ الصورة قبل أن تكون قصّةً، أو حصاناً، أو أيّ شيء آخر، هي في الأصل عبارة عن سطح مستوٍ يحتوي على مجموعة من الألوان المُرتبّة بطريقة مُعيّنة.[٥]

ظهر الفن التجريديّ كنوع من أنواع الفنون في أوائل القرن العشرين، وقام الفنانون في تلك الفترة بالعديد من الأعمال الفنيّة التي تعتمد على خيالهم، وليس على ما يرونه من المرئيّات، وقد عرّفوها بالأعمال الفنية النقيّة، وذاع صِيت هذه الأعمال في زمن كاندينسكي تحديداً عام 1911م، ومن اللوحات التي اشتُهرت في ذلك الوقت، لوحات الفنّان الفرنسيّ فرانسيس بيكابيا عام 1909م، ومنها: لوحة “Picture with a Circle”، ولوحة “Caoutchouc”.[٢]

أنواع الفن التجريدي

يوجد عدّة أنواع للفن التجريدي، وهي كالآتي:[٦]

  • الفن التجريدي الانحنائي: يكون الطابع العام لهذا النوع هو احتواء العمل الفني على الخطوط المُنحنية التي تُستخدم لرسم مجموعة من الأنماط المُختلفة، مثل: الدوامات، والدوائر، والأنماط اللولبيّة، ويظهر ذلك واضحاً عند استخدامها في رسم الوجوه البشريّة، وممّا يُلاحظ في هذا النّوع أنّه لا يحتوي على خطوط مُستقيمة أو بزاوية قائمة إطلاقاً، ويشتهر استخدامه كأحد الأنماط الفنيّة في الفنون الموجودة في منطقة خليج بابوا، بالإضافة إلى وجوده في فن السلتيك (بالإنجليزية: Celtic Art).
  • الفن التجريدي المُرتبط بالألوان أو الضوء: يتميّز هذا النوع بوجود دوامات من الصبغات اللونيّة التي تجعل النّاظر للعمل الفنيّ غير قادر على تمييزه جيّداً، ويظهر هذا النّوع في الأعمال الفنيّة للفنان أوسكار كلود مونيه، خاصّةً في سلسلة لوحاته المشهورة التي سمّاها زنابق الماء، كما اشتهر فنانون آخرون في هذا النوع من الفن التجريدي؛ كالفنان جوزيف مالورد.
  • الفن التجريدي الهندسي: تعود تسمية هذا النوع بهذا الاسم إلى استخدام الفنان الأشكال الهندسيّة على اختلافها، مثل: المُربّعات، والمُثلّثات، والمُستطيلات، والدّوائر، ونتيجةً لذلك يكون العمل الفنيّ بعيداً عن تصوير واقعيّة الأشياء كما هي، فهو يقوم على رسم ثنائيّ الأبعاد للأشياء على عكس ما كان يُستخدم في عصر النّهضة من الرّسم على أساس المنظور لإبراز الأشياء واقعيّةً أكثر، وقد ظهر هذا النّوع من الفن التجريدي في القرن العشرين مع حركة تحوّل الأنماط الفنيّة، ومن أشهر كُتب التّجريد الهندسيّ في تلك الفترة كتاب “(Composition VII (the three graces”.
  • الفن التجريدي الإيمائي: يعتمد هذا النوع على الطريقة التي تُرسم بها اللوحة دون الاهتمام بموضوعها، وعلى اختلاف أنواع الفنون الأخرى غير التجريدية التي تعتمد نهجاً في كيفية طلاء اللوحات الفنية، فإنّ الفن التجريدي الإيمائي يعتمد على الحدس والمشاعر العميقة، ومن اللوحات التجريدية الإيمائية لوحة الرقم خمسة لجاكسون بولوك.
  • الفن التجريدي البسيط: ظهر هذا النّوع بعد ظهور الفن التجريدي الهندسي، فتمّ استخدام الأشكال الهندسيّة في هذا النوع بشكل مُبسّط أكثر ممّا تمّ استخدامه في التجريد الهندسي، وعلى عكسه فقد تمّ استخدام الرّسم ثلاثي الأبعاد، فكان المُهمّ أن يكون أساس العمل الفني البساطة البالغة، وقد لقي هذا النّوع شُهرةً شعبيّةً كبيرةً مُقارنة بالأنواع الأخرى خاصّةً في العصر الحديث.

مميزات الفن التجريدي

يتمتع الفن التجريدي بعدّة ميزات، وهي كالآتي:[٧]

  • تشخيص الظواهر النفسية دون تمثيلها: أيّ عدم العودة إلى الأشكال التي تمّت معرفتها، إنّما الاعتماد على ما يصدر من الروح الإنسانية بشكل مُطلق، بالإضافة إلى الاستناد إلى ما هو وراء الأمر الواقعيّ، وبقي الاعتماد على ذلك حتّى وصل الفن التجريدي إلى كونه فن الواقع اللاموضوعي.
  • الاعتماد على العناصر التعبيرية التصويرية: أيّ الاعتماد على التعابير التحليلية التي ترتبط بكلّ ما هو وراء الطبيعة، أو ممّا يصعب فهمه بسبب العمق الذي فيها، أو ممّا يتعلّق في إظهار العاطفة بشكل أكثر وضوحاً ومُباشرةً، وذلك من خلال التعبير بإشارات محسوسة، أو دلالات ورموز تظهر من خلال الخطوط، والألوان، والأحجام، ممّا لا يُخلّ بالأصل، فعند رسم شيء ما يتمّ الاعتماد على جماليّته بعيداً عمّا يملكه من خصائص طبيعية.
  • اعتباره من أهم الأساليب الفنيّة التي استوعبت الاتجاه العقلي والعاطفي: يشمل الاتجاه العقلي القاعدة، والنظام، والتناغم، والبناء، أمّا الاتجاه العاطفي فهو الجانب الرّوحيّ، إذ يُعدّ الفن التجريدي من الفنون التي حقّقت توازناً بين عقل الفنان وخياله بشكل يبتعد عن التقليد مع احتواء أيّ تجديد يدعم التشكيل، ويتمثّل ذلك بوجود تفسير عقليّ للتطورات الفنيّة التي توجِد توازناً بين الشّعور الدّاخليّ للفنان وما يرسمه بيده من أشكال مُجرّدة، مُروراً بالألوان وتناسقها وتباينها، والملمس، والخطوط، والمساحات، فتظهر العمليّة الفنيّة كاملةً على نحو مُتناغم بإيقاع مُتّزن.

اتجاهات الفن التجريدي

الحركة التجريدية لفاسيلي كاندينسكي

ابتكر هذه الحركة الفنان كاندينسكي في ألمانيا، وهي تُمثّل التيار الروحي، وكانت بداية هذه الحركة من خلال تحديد الفن التجريدي ضمن الأمور الروحية والحدسية وابتعاده عن العقل، فكان كاندينسكي يرى أنّ الموضوعيّة في الفن لا تستمر مع الزمن، بالإضافة إلى ميله إلى عزل الجمال عن الطبيعية زماناً ومكاناً؛ لإيمانه أنّ العمل الفنيّ يتمثّل في ماديّته وظاهريّته في الحقيقة، أمّا الفكرة هي ما توجِد فيه الحياة، ثمّ تطوّر التصوّر الفني لكاندينسكي فأصبح يستخدم الألوان والأشكال بشكل مُجرّد حتّى وصل إلى مرحلة استغنى فيها عن الأشكال الطبيعيّة، ويظهر ذلك واضحاً في أعماله، فقد كانت لوحاته في مراحله الأولى تجمع بين المحتوى التعبيريّ والبناء التشكيليّ، لكنّ الأعمال وإن حَوَت على شاعريّته إلّا أنّ الطابع التشكيليّ غلب عليها، وذلك باستخدامه الزوايا الحادّة، والمثلّثات، والدّوائر، وفي مرحلة لاحقة أصبحت أعماله الفنيّة تميل إلى امتلاكها طابعاً هندسيّاً مُتّزناً؛ لاستخدام الخطوط المستقيمة فيها، بالإضافة إلى الأقواس.[٧]

كانت أولى أعمال كاندينسكي الفنيّة التجريديّة عام 1910م، وذلك بعرضه لوحته تحت عنوان تجريد، وقال في ذلك: “يجب أن يُصبح الفنّ مُجرّداً عن أصله ويرتبط بمعنى مُحدد معروف”، إذ يقصد من أنّ للألوان والأشكال معاني مُستقلّة عن معانيها الأصليّة في الطبيعة، وهي تكتسب معانيها الجديدة بصياغة الفنان لها لتؤدّي دلالةً يُريدها ومعاني مُعيّنةً يهدف إليها، وكان نهج كاندينسكي في أعماله الفنيّة من خلال إعادة صياغة معاني الألوان بما يتوافق مع أفكاره، مع إعادة تنظيم الأشكال بشكل يعكس دلالاتٍ معيّنةً، ويصف النّاقد ماريون مليز هذا النهج قائلاً: “عندما شاهدت من كاندينسكي شعرت بأنني تائه في عالم التعريفات الساحرة”. الجدير بالذكر أنّ الأساس الذي اعتمده كاندينسكي في نظريته الجماليّة للفن كان الفيلسوف الألمانيّ شوبنهاور قد بدأ بها قبله، فهي نظريّة قائمة على أساس فصل النّموذج العضويّ عن الأشكال الطبيعيّة، بالإضافة إلى كَوْن البناء التصويريّ للأشياء يجب أن يكون حرّاً دون الإشارة إلى الأشكال الطبيعيّة.[٧]

الحركة التجريدية لبيت موندريان

ابتكر هذه الحركة الفنان موندريان، وهي تُمثّل التيار الرياضيّ، فقد مثّل موندريان في أعماله الحالات الموضوعيّة لعاطفة الفنّان، ممّا يطمس الطبيعة الماديّة والواقعيّة للأشياء، أو وجودها بشكل نقيّ خالص، وذلك أهم مبادئ اللاموضوعيّة في الفن، وتظهر هذه الخصائص في أعمال موندريان التي تعتمد على تعامد الخطوط الأفقيّة التي تمتلك طابع السكون والهدوء، والرأسيّة التي تمتلك طابعاً مُتّزناً، ويُوضّح موندريان سبب اعتماده هذا النّمط بخلق عالم مُستقلّ بعلامات من خطوط مُتعامدة قائلاً: “إنّه وراء أشكال الطبيعة المُتغيّرة تكمن حقيقة نقيّة ثابتة، ولها قوّة تعبيريّة”.[٧]

يجدر بالذكر أنّ أعمال موندريان بقيت حتّى عام 1942م تملك طابعاً تقسيميّاً من خطوط أفقيّة ورأسيّة، مع اعتماده تنوّعاً في ألوانها، وكان قد استخدم الألوان الآتية: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والأسود، والأبيض، ويرى موندريان أنّ اللوحة الفنيّة هي سطح قُسِّم من خلال خطين أو ثلاثة بلون أسود، وأنّها بذلك تعكس شعوراً بالمثاليّة، والشموليّة، والتوازن، كما تطرّق إلى إيجاد طريقة تُمكّن من خلق واقع تشكيليّ نقيّ من خلال تحويل الألوان والأشكال الطبيعيّة إلى أدوات ثابتة الشّكل تحت قانون وحدة الكتلة.[٧]

مؤسسو الفن التجريدي

  • فاسيلي كاندينسكي (1866-1944)م: يُعتبر من أهمّ مؤسسي الفن التجريدي في حركة الفنّ التّشكيليّ الحديث، إذ قام بالعديد من الاشتغلات الفنيّة التي تُعنى بالتّعامل مع الألوان، والخطوط، والمساحات، بالإضافة إلى إيصال الأشكال إلى صورتها المُجرّدة، ومن الجدير بالذكر أنّ كاندينسكي امتلك شخصيّةً فنيّةً تأثّرت بالأصوات والمؤثّرات الموسيقية، وكان قد كسب ذلك من تأثّره بالفنان فاغنر، ممّا جعله يتعامل مع لوحاته أثناء بنائها التشكيليّ على أنّها أنغام موسيقيّة، وذلك جعل للون أهميّةً في إحداث التناغم، والتضاد، والانعكاس في لوحاته، معتمداً على مشاعره، وعواطفه، وانفعالاته الناجمة من الطاقة الروحية الخاصة به، ويقول باونيس فيه: “ركّز كاندينسكي على اللون في رسومه، اللون الذي رآه عنصراً مُحرراً بطاقته التّعبيريّة الخاصّة”.[٨]
  • بيت موندريان (1872-1944)م: من أشهر مُؤسّسي الفن التجريدي الهندسي في حركة الفن التشكيلي الحديث، ويُعدّ أول من اكتشف خصائص الشكل واللون الطبيعي، مع اعتباره أنّ حقيقة العمل الفنيّ تبقى دائماً وإن تحوّلت الأشكال فيها، ومن الجدير بالذكر أنّ بدايته في الفنّ كانت تحمل المعنى الانطباعي، ثمّ تركه واتّجه إلى الرّسم بالتدريج من خلال تبسيط الأشياء؛ ليصل بها بعيداً عن الحقيقة، فاستطاع بعد ذلك إيجاد التوازن البصريّ من خلال استخدامه الخطوط الأفقيّة والعموديّة في أعماله بطريقة مُتكافئة.[٨]

أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم

يُمكن التعرّف على أشهر فناني الفن التجريدي ولوحاتهم من خلال ما يأتي:

  • أمبرتو بوتشيني: من أشهر الرّسامين الإيطاليّين، وُلد في مدينة ريدجو كالابريا عام 1882م، ودرس في الكليّة التقنيّة في مدينة كاتانيا في صقلية، وله العديد من اللوحات التي تعكس ديناميكية الحياة الحديثة، بالإضافة إلى أعماله المنحوتة، كما أنّه نقل صورة الحياة الحديثة بشكل كتابيّ من خلال الكُتب والمقالات، وتُوفّي عام 1916م،[٩]ومن أشهر لوحات بوتشيني لوحة بعنوان “The City Rises” رسمها عام 1910م،[١٠] ومن الجدير بالذِّكر أنّه يمتلك سلسلةً ثلاثيّةً من اللوحات المشهورة باسم “States of Mind”، والتي رسمها عام 1911م واصفاً فيها الحياة المُعاصرة بطبيعتها المُؤقّتة من خلال إبراز بُعدها النّفسيّ في ثنايا لوحاته، وهي كالآتي:[١١]
    • States of Mind I: The Farewells: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة حركة النّاس الفوضويّة وانبعاثهم على هيئة موجات مُشبّهاً إيّاهم بالدخان الذي يتصاعد من القطار.
    • States of Mind II: Those Who Go: يوضّح بوتشيني في هذه اللوحة ما رسمه في اللوحة السابقة، فيرسم في هذه اللوحة الأشخاص الذين يُغادرون من محطّة القطار، ويُميّزهم بخطوط مائلة لامعة، ويقول بوتشيني أنّ هذه اللوحة تُعبّر عن الشّعور بالوحدة، والكرب، والارتباك.
    • States of Mind III: Those Who Stay: تُكمل هذه اللوحة السلسلة السابقة، من خلال وصفها للأشخاص الذين يبقون في محطة القطار من خلال التّعبير عنهم بالخطوط العموديّة في اللوحة، مُشيراً في ذلك إلى ما يحملونه من الحزن على من غادرهم.
  • كارلو كارا: من أهم الرسامين الإيطاليّين الذي ذاع صيتهم في أوائل القرن العشرين، والذين عُنوا بالفنّ التّجريديّ كذلك، وقد وُلد في عام 1881م، وكان يعتمد التأكيد على أهميّة الطاقة والتكنولوجيا في رسم لوحاته، وتشتهر أعماله الفنيّة بطابعها المُستقبلي للأحداث، والواقعيّة في تجسيدها، كما تطرّق في أعماله إلى الفنّ التّكعيبيّ، ومن لوحاته التي لاقت أثراً لدى أصحاب الفن التجريدي، لوحة “Painting of Sounds, Noises and Smells”، وكان ذلك عام 1913م. ويُشير كارا إلى أنّه يهتمّ كثيراً بتناغم اللوحة وتقاطع الحواس فيها، كتقاطع رؤية اللون في اللوحة مع رائحة هذا الّلون، وتُوفّي كارا عام 1966م.[٢]
  • جاكسون بولوك: من الرّسامين أصحاب التأثير الكبير في الفن الحديث، ويُعدّ رمزاً للمثاليّة في الفن التجريدي، وهو رسّام أمريكيّ ولد عام 1912م، وتُعتبر لوحاته التجريدية من أكبر الإنجازات الفنيّة في القرن العشرين، وتتميّز بكونها لوحات إيمائيّة تحمل إيقاعاً فنيّاً غير تقليديّ، وقد استخدم بولوك خلال فترة أواخر الأربعينيّات حتّى أوائل الخمسينيّات أدواتٍ وطُرقاً غير تقليديّة للرسم، مستوحياً أساليب الفنانين المُعاصرين قبله، مثل: بابلو بيكاسو، وجوان ميرو، و تُوفّي بولوك عام 1956م. ومن أعماله الفنيّة ما يأتي:[٢][١٢]
    • لوحة “There Were Seven in Eight”: تتميّز هذه اللوحة بضخامة حجمها؛ إذ يصل عرضها إلى 2.4م وقد تمّ رسمها عام 1945م،[٢] واستغرق رسمها عدّة أشهر، وكان بولوك قد بدأ برسمها من خلال شبكة من الخطوط السوداء المُرتّبة التي ركّبها على اللوحة القماشية مع حرصه أثناء صُنعها على ألّا تنشأ نقطة مركزية فيها، رغم احتواء اللوحة على رسومات عديدة مثل: الثعابين، والعيون، والزخارف، وساعدت هذه الهيكلة للوحة الفنيّة في إيجاد فنّ غير تمثيليّ وتدريجيّ.[١٣]
    • لوحة “Full Fathom Five”: تمّ رسم اللوحة عام 1947م، وهي إحدى أقدم لوحات الفنّان بولوك ذات النمط التنقيطي، واسمها مأخوذ من مسرحيّة شكسبير “العاصفة”، والتي تتحدّث عن شخصيّة “أرييل” واصفاً الموت على آثار حُطام سفينة، إذ تحتوي اللوحة على طبقات علويّة ملساء من الطّلاء المنزليّ، أمّا الطبقات السفلية استُخدم لإنشائها الفرشاة والسكين، والمُتمعّن في اللوحة يرى التنوع في الأشياء التي تحتويه على سطحها، وعلى الرّغم أنّ الطّلاء يُغطّيها إلّا أنّه يُمكن تمييز بعض الأدوات فيها، ومنها: القماش، والمسامير، والعملات المعدنيّة، والسجائر، والأظافر، والأزرار، والمفاتيح، وغيرها من الأدوات.[٢][١٤]
  • كازيمير ماليفيتش: أحد أشهر روّاد الفن التجريدي الهندسي، ولد عام 1878م، وهو رسّام روسيّ لقي إعجاباً عند مؤرخي الفنّ، ومن أعماله الفنيّة المشهورة لوحة المربع الأسود التي رسمها عام 1915م، وقالت مؤسّسة تيت فيه: “هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها شخص ما برسم لوحة لم تكن لشيء ما”، وقد توفّي عام 1935م.[٢]

المراجع

  1. “ABSTRACT ART”, www.tate.org.uk, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ Beth Gersh-Nesic (3-9-2019), “Origins and Schools of Abstract Art”، www.thoughtco.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  3. “تعريف و معنى تجريد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-12-2019. بتصرّف.
  4. م. سها محمد سلوم، د. عبد السلام شعيرة (2013)، “إشكالية اللاموضوعية (المعادل الهندسي) في تجريدية كاندنسكي الغنائية”، جامعة دمشق للعلوم الهندسية، العدد 2، المجلد 29، صفحة 664. بتصرّف.
  5. Amy Tikkanen (22-12-2015)، “Abstract art”، www.britannica.com, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  6. SUDARSHAN KAR (8-11-2017), “What is Abstract Art? | Definition, Characteristics, History, Types”، homesthetics.net, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  7. ^ أ ب ت ث ج د. نائلة المنير المحمودي (12-7-2017)، “الرؤية الفلسفية للفن التجريدي”، الأكاديمية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، صفحة 179،182،183،184. بتصرّف.
  8. ^ أ ب مفيد عواد مسلم (2016)، “تمثلات التجريدية في رسوم فناني البصرة”، جامعة بابل، العدد 4، المجلد 24، صفحة 2300،2301. بتصرّف.
  9. Rosalind McKever (2016), “(Umberto Boccioni (1882–1916”، www.metmuseum.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  10. “Umberto Boccioni The City Rises”, www.moma.org, Retrieved 2020-1-6. Edited.
  11. “Umberto Boccioni”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  12. Anthony White, “Jackson Pollock”، nga.gov.au, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  13. “Jackson Pollock, There Were Seven in Eight”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.
  14. “Jackson Pollock, Full Fathom Five”, www.moma.org, Retrieved 10-12-2019. Edited.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى