اقتصاد مالي

ما هو تبييض الأموال

تبييض الأموال

يُعرَف تبييض الأموال أيضاً باسم غسيل الأموال، وهو من المفاهيم الخاصّة بأحد أنواع الجرائم التي ظهرت نتيجةً لتنوّع مصادر المال غير القانونيّ، وتعدُّد أساليب تبييضه؛ لذلك كان لتبييض الأموال تعريفات مُتنوّعة، اهتمّ صناعو القرارات الماليّة والاقتصاديّة والسياسيّة بمتابعتها، وقد صُنِّفت هذه المفاهيم إلى صنفين، وهما مفاهيم تشريعيّة ومفاهيم فقهيّة.[١]

مفهوم تبييض الأموال

المفهوم الفقهيّ

انقسم المفهوم الفقهيّ لجريمة تبييض الأموال إلى مجموعة حيثيّات، هي:[١]

  • الموضوع: يُعدّ تبييض الأموال فنّاً يُوظّف الطُرق والأدوات المشروعة والقانونيّة جميعها، مثل: المُؤسّسات الماليّة العالميّة، والبنوك التي تقبل التحويلات والإيداعات الماليّة للأموال المُحصَّلة من أساس إجراميّ؛ وذلك لتوفير الحماية الكاملة لهذه الأموال.
  • الغاية: يسعى تبييض الأموال إلى نشر المال المُلوَّث بالجرائم، مثل: تجارة السّلاح والمُخدّرات، والسّرقات داخل العديد من مجالات الأعمال الاستثماريّة والاقتصاديّة ونشاطاتها محليّاً ودوليّاً؛ ممّا يُساهم في حصول المال على صفةٍ قانونيّةٍ ومشروعةٍ، ويُساعده على التخلّص من مصدره المُلوّث.
  • الطبيعة: يُعدّ تبييض الأموال من الجرائم القابلة للتداول بين الأقاليم والدول، كما يُصنَّف بأنّه من الجرائم التبعيّة؛ أي توجد جريمة أصليّة سابقة له.

وقد عرّف مجموعة من الفقهاء جريمة تبييض الأموال، ومنهم:[١]

  • تعريف رونالد كليفر: هي استخدام الأموال بطريقةٍ ما؛ بهدف إخفاء طبيعة مصدرها.
  • تعريف جيمس بيسلي: هي مجموعة من الأنشطة غير القانونيّة، تسعى إلى تمويه طبيعة المال الناتج عن ارتكاب جريمة من الجرائم المُنظّمة، وإخفائه.

المفهوم التشريعيّ

اهتمّ المفهوم التشريعيّ لتبييض الأموال بآراء التّشريعات المُقارنة في دول العالم العربيّة والغربيّة، والتّعريفات الصّادرة عن الاتفاقيّات الإقليميّة والدوليّة، وفيما يأتي بعض مفاهيم جريمة تبييض الأموال وفقاً للتشريعات والاتفاقيّات:[١]

  • مفهوم التشريع الفرنسيّ: تبريرٌ كاذبٌ بطريقةٍ سهلةٍ لأموالٍ ناتجة عن جُنحةٍ أو جناية، تُحقّق فائدةً غير مُباشرة أو مُباشرة.
  • مفهوم التشريع المصريّ: السلوك الذي ينطوي على حيازة الأموال المُكتسبة من أحد الجرائم، أو كسبها، أو التصرّف بها، أو إدارتها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو استثمارها، أو تحويلها، أو نقلها؛ لإخفاء طبيعتها أو مكانها أو مصدرها، أو تعطيل القُدرة على الوصول إلى الشخص أو الأشخاص الذين ارتكبوا الجريمة التي أدّت إلى الحصول على هذه الأموال.
  • مفهوم اتفاقيّة هيئة الأُمم المُتّحدة: تمويه الحقيقة الخاصّة بالمال، أو حركته، أو مصدره، أو حقوقه، أو ملكيّته، مع وجود معلوماتٍ تفيد بأنّ مصدره من جريمة معيّنة.
  • اتفاقيّة مجلس أوروبا: هي اتفاقيّة عقدها المجلس الأوروبيّ عام 1990م، حرص فيها على محاربة كافّة الأدوات والوسائل الخاصّة بتبييض الأموال، مع التزام الدول الأعضاء جميعها بتجريم تبييض الأموال.

تاريخ تبييض الأموال

تُعدّ جريمة تبييض الأموال من الجرائم المعروفة منذ القِدم، ففي عام 1932م ارتُكِبت أوّل جريمة تبييض أموال بأدوات حديثة؛ عن طريق أحد المُجرمين البولنديّين، حيث كان يُصدّر الأموال غير المشروعة إلى خارج أمريكا، ومن ثمّ يُودعها في المصارف السويسريّة بالاعتماد على قروض وهميّة، وفي عام 1973م ظهر مصطلح تبييض الأموال للمرّةِ الأولى في الولايات المُتّحدة الأمريكيّة عند ظهور فضيحة ووتر جيت المُرتبطة بإعادة انتخاب الرئيس نيكسون؛ إذ جمعت اللجنة المُشرفة عن عمليّة انتخابه كميّةً من أموال التبرعات المُخصَّصة لهذه العمليّة، ومن ثمّ استخدمتها في تنفيذ نشاطات تبييض الأموال.[٢]

وتُرجّح بعض الآراء أنّ ظهور جريمة تبييض الأموال تعود إلى شراء أحد مُجرمي المافيا الأمريكيّين مغسلةً لغسيل الملابس، فكان يخلط بين الثمن النقديّ المدفوع من الزبائن مقابل غسل أموالهم مع أموالٍ حصل عليها من تجارة المُخدّرات، ثمّ كان يودع الأموال المخلوطة والمغسولة في أحد المصارف، ومن هنا تبلورت تسمية غسيل الأموال.[٢]

ترى آراء أُخرى أنّ تبييض الأموال ظهر أثناء فترة سبعينات القرن العشرين للميلاد؛ حيث أدركت شرطة مُكافحة المُخدّرات أنّ التّجار الذين يبيعون المُخدّرات للزبائن يحصلون على الكثير من القطع النقديّة وفئات العُملة الورقيّة الصغيرة، ويحرصون على غسل هذه الأموال بالبُخار أو الكيماويّات؛ لإزالة ملوّثات تجارة المُخدّرات منها قبل إيداعها في المصارف، وفي ثمانينات القرن العشرين الميلاديّ ازدادت أرباح الأعمال غير الشرعيّة التي أودعت في الحسابات المصرفيّة السريّة في سويسرا.[٢]

أركان جريمة تبييض الأموال

لجريمة تبييض الأموال رُكنان، هما:[٣]

  • الرُّكن الماديّ: هو الركن الذي يُعتدى فيه على جميع المصالح التي يحميها القانون، كما يؤدّي إلى حدوث جميع الأنشطة التنفيذيّة للجريمة؛ فوجود الركن الماديّ داخل الجريمة يُعدّ شرطاً رئيسيّاً لتأكيد حدوثها من عدمه، وبناءً على قانون مكافحة تبييض الأموال في العراق يتحقّق الرُّكن الماديّ لهذه الجريمة بعدّةِ أفعالٍ من أهمّها:
    • إدارة عمليّة ماليّة تستخدم عوائد لنشاطات غير قانونيّة.
    • إرسال مبالغ ماليّة ناتجة عن عوائد لنشاطات غير قانونيّة، أو نقلها.
    • مُساعدة الأفراد الذين يُنفّذون نشاطات غير قانونيّة، وحمايتهم من التعرّض للأحكام القضائيّة.
  • الرُكن المعنويّ: هو وجود قصد جنائيّ في جريمة تبييض الأموال؛ حيث يكون المُجرم على علمٍ بتنفيذه نشاطات ماليّةً غير مشروعة بمالٍ غير قانونيّ، ولكنه يحرص على ارتكاب هذه الجريمة وقبول كلّ الآثار والنتائج الخاصّة بها، ويُطلَق على ذلك في قانون العقوبات اسم نظريّة الإرادة ونظريّة العلم؛ أي معرفة أنّ التصرُّف الناتج عن الجريمة محظور قانونيّاً، ولكن تكون الإرادة مدفوعةً لتنفيذ هذا السلوك مع قبول نتائجه وإدراكها.

الآثار الاقتصاديّة لتبييض الأموال

ينتج عن تبييض الأموال عدم استقرار في الحالة الاقتصاديّة والماليّة للدُّول، ويظهر ذلك في عدّة نتائج ومنها:[٤]

  • تأثُّر المناخات المحليّة والدوليّة الخاصّة بالاستثمار؛ بسبب عدم تكافؤ المنافسة بين المُستثمرين الأجانب والمحليّين؛ ممّا يؤثر في نسب الفائدة، وأسعار صرف العُملات، وحركة رؤوس الأموال، وينتج عن ذلك آثار سلبيّة على طبيعة استقرار سوق المال العالميّ، ودرجة المصداقيّة الخاصّة بالسياسات الاقتصاديّة.
  • غياب القُدرة على اتّخاذ قرارات اقتصاديّة صحيحة؛ نتيجةً لاعتماد هذه القرارات على إحصاءات غير صحيحة حول مُعدّل الدّخل القوميّ.
  • ازدياد الفجوة بين كُلٍّ من الدّخل القوميّ الحقيقيّ والدّخل القوميّ الرسميّ؛ ممّا يُؤدّي إلى حدوث خللٍ في إعداد خُطط التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وإنشائها.
  • ظهور تشوُّهٍ في طبيعة الاستهلاك والإنفاق، وينتج عن ذلك ضياع المال المُدَّخر لعملية الاستثمار؛ ممّا يؤدّي إلى حرمان الأنشطة والعمليات الاقتصاديّة من الاستثمارات المُفيدة.

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث رابح لعراجي (2013 – 2014)، جريمة تبييض الأموال وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، الجزائر: جامعة خميس مليانة، صفحة: 7-12، 14. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت باخوية دريس (2011 – 2012)، جريمة غسل الأموال ومكافحتها في القانون الجزائري (دراسة مقارنة)، الجزائر: جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان، صفحة: 1-3. بتصرّف.
  3. د. طارق عجيل، جريمة غسيل الأموال دراسة في ماهيتها والعقوبات المقررة لها، مجلة النزاهة والشفافية للبحوث والدراسات، صفحة: 42-43. بتصرّف.
  4. أحمد سلمان، ولهيب ميخا (2007)، “الانعكاسات المترتبة على ظاهرة غسيل الأموال “، مجلة الإدارة والاقتصاد، العدد السابع والستون، صفحة: 223-224. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

تبييض الأموال

يُعرَف تبييض الأموال أيضاً باسم غسيل الأموال، وهو من المفاهيم الخاصّة بأحد أنواع الجرائم التي ظهرت نتيجةً لتنوّع مصادر المال غير القانونيّ، وتعدُّد أساليب تبييضه؛ لذلك كان لتبييض الأموال تعريفات مُتنوّعة، اهتمّ صناعو القرارات الماليّة والاقتصاديّة والسياسيّة بمتابعتها، وقد صُنِّفت هذه المفاهيم إلى صنفين، وهما مفاهيم تشريعيّة ومفاهيم فقهيّة.[١]

مفهوم تبييض الأموال

المفهوم الفقهيّ

انقسم المفهوم الفقهيّ لجريمة تبييض الأموال إلى مجموعة حيثيّات، هي:[١]

  • الموضوع: يُعدّ تبييض الأموال فنّاً يُوظّف الطُرق والأدوات المشروعة والقانونيّة جميعها، مثل: المُؤسّسات الماليّة العالميّة، والبنوك التي تقبل التحويلات والإيداعات الماليّة للأموال المُحصَّلة من أساس إجراميّ؛ وذلك لتوفير الحماية الكاملة لهذه الأموال.
  • الغاية: يسعى تبييض الأموال إلى نشر المال المُلوَّث بالجرائم، مثل: تجارة السّلاح والمُخدّرات، والسّرقات داخل العديد من مجالات الأعمال الاستثماريّة والاقتصاديّة ونشاطاتها محليّاً ودوليّاً؛ ممّا يُساهم في حصول المال على صفةٍ قانونيّةٍ ومشروعةٍ، ويُساعده على التخلّص من مصدره المُلوّث.
  • الطبيعة: يُعدّ تبييض الأموال من الجرائم القابلة للتداول بين الأقاليم والدول، كما يُصنَّف بأنّه من الجرائم التبعيّة؛ أي توجد جريمة أصليّة سابقة له.

وقد عرّف مجموعة من الفقهاء جريمة تبييض الأموال، ومنهم:[١]

  • تعريف رونالد كليفر: هي استخدام الأموال بطريقةٍ ما؛ بهدف إخفاء طبيعة مصدرها.
  • تعريف جيمس بيسلي: هي مجموعة من الأنشطة غير القانونيّة، تسعى إلى تمويه طبيعة المال الناتج عن ارتكاب جريمة من الجرائم المُنظّمة، وإخفائه.

المفهوم التشريعيّ

اهتمّ المفهوم التشريعيّ لتبييض الأموال بآراء التّشريعات المُقارنة في دول العالم العربيّة والغربيّة، والتّعريفات الصّادرة عن الاتفاقيّات الإقليميّة والدوليّة، وفيما يأتي بعض مفاهيم جريمة تبييض الأموال وفقاً للتشريعات والاتفاقيّات:[١]

  • مفهوم التشريع الفرنسيّ: تبريرٌ كاذبٌ بطريقةٍ سهلةٍ لأموالٍ ناتجة عن جُنحةٍ أو جناية، تُحقّق فائدةً غير مُباشرة أو مُباشرة.
  • مفهوم التشريع المصريّ: السلوك الذي ينطوي على حيازة الأموال المُكتسبة من أحد الجرائم، أو كسبها، أو التصرّف بها، أو إدارتها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو استثمارها، أو تحويلها، أو نقلها؛ لإخفاء طبيعتها أو مكانها أو مصدرها، أو تعطيل القُدرة على الوصول إلى الشخص أو الأشخاص الذين ارتكبوا الجريمة التي أدّت إلى الحصول على هذه الأموال.
  • مفهوم اتفاقيّة هيئة الأُمم المُتّحدة: تمويه الحقيقة الخاصّة بالمال، أو حركته، أو مصدره، أو حقوقه، أو ملكيّته، مع وجود معلوماتٍ تفيد بأنّ مصدره من جريمة معيّنة.
  • اتفاقيّة مجلس أوروبا: هي اتفاقيّة عقدها المجلس الأوروبيّ عام 1990م، حرص فيها على محاربة كافّة الأدوات والوسائل الخاصّة بتبييض الأموال، مع التزام الدول الأعضاء جميعها بتجريم تبييض الأموال.

تاريخ تبييض الأموال

تُعدّ جريمة تبييض الأموال من الجرائم المعروفة منذ القِدم، ففي عام 1932م ارتُكِبت أوّل جريمة تبييض أموال بأدوات حديثة؛ عن طريق أحد المُجرمين البولنديّين، حيث كان يُصدّر الأموال غير المشروعة إلى خارج أمريكا، ومن ثمّ يُودعها في المصارف السويسريّة بالاعتماد على قروض وهميّة، وفي عام 1973م ظهر مصطلح تبييض الأموال للمرّةِ الأولى في الولايات المُتّحدة الأمريكيّة عند ظهور فضيحة ووتر جيت المُرتبطة بإعادة انتخاب الرئيس نيكسون؛ إذ جمعت اللجنة المُشرفة عن عمليّة انتخابه كميّةً من أموال التبرعات المُخصَّصة لهذه العمليّة، ومن ثمّ استخدمتها في تنفيذ نشاطات تبييض الأموال.[٢]

وتُرجّح بعض الآراء أنّ ظهور جريمة تبييض الأموال تعود إلى شراء أحد مُجرمي المافيا الأمريكيّين مغسلةً لغسيل الملابس، فكان يخلط بين الثمن النقديّ المدفوع من الزبائن مقابل غسل أموالهم مع أموالٍ حصل عليها من تجارة المُخدّرات، ثمّ كان يودع الأموال المخلوطة والمغسولة في أحد المصارف، ومن هنا تبلورت تسمية غسيل الأموال.[٢]

ترى آراء أُخرى أنّ تبييض الأموال ظهر أثناء فترة سبعينات القرن العشرين للميلاد؛ حيث أدركت شرطة مُكافحة المُخدّرات أنّ التّجار الذين يبيعون المُخدّرات للزبائن يحصلون على الكثير من القطع النقديّة وفئات العُملة الورقيّة الصغيرة، ويحرصون على غسل هذه الأموال بالبُخار أو الكيماويّات؛ لإزالة ملوّثات تجارة المُخدّرات منها قبل إيداعها في المصارف، وفي ثمانينات القرن العشرين الميلاديّ ازدادت أرباح الأعمال غير الشرعيّة التي أودعت في الحسابات المصرفيّة السريّة في سويسرا.[٢]

أركان جريمة تبييض الأموال

لجريمة تبييض الأموال رُكنان، هما:[٣]

  • الرُّكن الماديّ: هو الركن الذي يُعتدى فيه على جميع المصالح التي يحميها القانون، كما يؤدّي إلى حدوث جميع الأنشطة التنفيذيّة للجريمة؛ فوجود الركن الماديّ داخل الجريمة يُعدّ شرطاً رئيسيّاً لتأكيد حدوثها من عدمه، وبناءً على قانون مكافحة تبييض الأموال في العراق يتحقّق الرُّكن الماديّ لهذه الجريمة بعدّةِ أفعالٍ من أهمّها:
    • إدارة عمليّة ماليّة تستخدم عوائد لنشاطات غير قانونيّة.
    • إرسال مبالغ ماليّة ناتجة عن عوائد لنشاطات غير قانونيّة، أو نقلها.
    • مُساعدة الأفراد الذين يُنفّذون نشاطات غير قانونيّة، وحمايتهم من التعرّض للأحكام القضائيّة.
  • الرُكن المعنويّ: هو وجود قصد جنائيّ في جريمة تبييض الأموال؛ حيث يكون المُجرم على علمٍ بتنفيذه نشاطات ماليّةً غير مشروعة بمالٍ غير قانونيّ، ولكنه يحرص على ارتكاب هذه الجريمة وقبول كلّ الآثار والنتائج الخاصّة بها، ويُطلَق على ذلك في قانون العقوبات اسم نظريّة الإرادة ونظريّة العلم؛ أي معرفة أنّ التصرُّف الناتج عن الجريمة محظور قانونيّاً، ولكن تكون الإرادة مدفوعةً لتنفيذ هذا السلوك مع قبول نتائجه وإدراكها.

الآثار الاقتصاديّة لتبييض الأموال

ينتج عن تبييض الأموال عدم استقرار في الحالة الاقتصاديّة والماليّة للدُّول، ويظهر ذلك في عدّة نتائج ومنها:[٤]

  • تأثُّر المناخات المحليّة والدوليّة الخاصّة بالاستثمار؛ بسبب عدم تكافؤ المنافسة بين المُستثمرين الأجانب والمحليّين؛ ممّا يؤثر في نسب الفائدة، وأسعار صرف العُملات، وحركة رؤوس الأموال، وينتج عن ذلك آثار سلبيّة على طبيعة استقرار سوق المال العالميّ، ودرجة المصداقيّة الخاصّة بالسياسات الاقتصاديّة.
  • غياب القُدرة على اتّخاذ قرارات اقتصاديّة صحيحة؛ نتيجةً لاعتماد هذه القرارات على إحصاءات غير صحيحة حول مُعدّل الدّخل القوميّ.
  • ازدياد الفجوة بين كُلٍّ من الدّخل القوميّ الحقيقيّ والدّخل القوميّ الرسميّ؛ ممّا يُؤدّي إلى حدوث خللٍ في إعداد خُطط التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وإنشائها.
  • ظهور تشوُّهٍ في طبيعة الاستهلاك والإنفاق، وينتج عن ذلك ضياع المال المُدَّخر لعملية الاستثمار؛ ممّا يؤدّي إلى حرمان الأنشطة والعمليات الاقتصاديّة من الاستثمارات المُفيدة.

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث رابح لعراجي (2013 – 2014)، جريمة تبييض الأموال وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، الجزائر: جامعة خميس مليانة، صفحة: 7-12، 14. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت باخوية دريس (2011 – 2012)، جريمة غسل الأموال ومكافحتها في القانون الجزائري (دراسة مقارنة)، الجزائر: جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان، صفحة: 1-3. بتصرّف.
  3. د. طارق عجيل، جريمة غسيل الأموال دراسة في ماهيتها والعقوبات المقررة لها، مجلة النزاهة والشفافية للبحوث والدراسات، صفحة: 42-43. بتصرّف.
  4. أحمد سلمان، ولهيب ميخا (2007)، “الانعكاسات المترتبة على ظاهرة غسيل الأموال “، مجلة الإدارة والاقتصاد، العدد السابع والستون، صفحة: 223-224. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

تبييض الأموال

يُعرَف تبييض الأموال أيضاً باسم غسيل الأموال، وهو من المفاهيم الخاصّة بأحد أنواع الجرائم التي ظهرت نتيجةً لتنوّع مصادر المال غير القانونيّ، وتعدُّد أساليب تبييضه؛ لذلك كان لتبييض الأموال تعريفات مُتنوّعة، اهتمّ صناعو القرارات الماليّة والاقتصاديّة والسياسيّة بمتابعتها، وقد صُنِّفت هذه المفاهيم إلى صنفين، وهما مفاهيم تشريعيّة ومفاهيم فقهيّة.[١]

مفهوم تبييض الأموال

المفهوم الفقهيّ

انقسم المفهوم الفقهيّ لجريمة تبييض الأموال إلى مجموعة حيثيّات، هي:[١]

  • الموضوع: يُعدّ تبييض الأموال فنّاً يُوظّف الطُرق والأدوات المشروعة والقانونيّة جميعها، مثل: المُؤسّسات الماليّة العالميّة، والبنوك التي تقبل التحويلات والإيداعات الماليّة للأموال المُحصَّلة من أساس إجراميّ؛ وذلك لتوفير الحماية الكاملة لهذه الأموال.
  • الغاية: يسعى تبييض الأموال إلى نشر المال المُلوَّث بالجرائم، مثل: تجارة السّلاح والمُخدّرات، والسّرقات داخل العديد من مجالات الأعمال الاستثماريّة والاقتصاديّة ونشاطاتها محليّاً ودوليّاً؛ ممّا يُساهم في حصول المال على صفةٍ قانونيّةٍ ومشروعةٍ، ويُساعده على التخلّص من مصدره المُلوّث.
  • الطبيعة: يُعدّ تبييض الأموال من الجرائم القابلة للتداول بين الأقاليم والدول، كما يُصنَّف بأنّه من الجرائم التبعيّة؛ أي توجد جريمة أصليّة سابقة له.

وقد عرّف مجموعة من الفقهاء جريمة تبييض الأموال، ومنهم:[١]

  • تعريف رونالد كليفر: هي استخدام الأموال بطريقةٍ ما؛ بهدف إخفاء طبيعة مصدرها.
  • تعريف جيمس بيسلي: هي مجموعة من الأنشطة غير القانونيّة، تسعى إلى تمويه طبيعة المال الناتج عن ارتكاب جريمة من الجرائم المُنظّمة، وإخفائه.

المفهوم التشريعيّ

اهتمّ المفهوم التشريعيّ لتبييض الأموال بآراء التّشريعات المُقارنة في دول العالم العربيّة والغربيّة، والتّعريفات الصّادرة عن الاتفاقيّات الإقليميّة والدوليّة، وفيما يأتي بعض مفاهيم جريمة تبييض الأموال وفقاً للتشريعات والاتفاقيّات:[١]

  • مفهوم التشريع الفرنسيّ: تبريرٌ كاذبٌ بطريقةٍ سهلةٍ لأموالٍ ناتجة عن جُنحةٍ أو جناية، تُحقّق فائدةً غير مُباشرة أو مُباشرة.
  • مفهوم التشريع المصريّ: السلوك الذي ينطوي على حيازة الأموال المُكتسبة من أحد الجرائم، أو كسبها، أو التصرّف بها، أو إدارتها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو استثمارها، أو تحويلها، أو نقلها؛ لإخفاء طبيعتها أو مكانها أو مصدرها، أو تعطيل القُدرة على الوصول إلى الشخص أو الأشخاص الذين ارتكبوا الجريمة التي أدّت إلى الحصول على هذه الأموال.
  • مفهوم اتفاقيّة هيئة الأُمم المُتّحدة: تمويه الحقيقة الخاصّة بالمال، أو حركته، أو مصدره، أو حقوقه، أو ملكيّته، مع وجود معلوماتٍ تفيد بأنّ مصدره من جريمة معيّنة.
  • اتفاقيّة مجلس أوروبا: هي اتفاقيّة عقدها المجلس الأوروبيّ عام 1990م، حرص فيها على محاربة كافّة الأدوات والوسائل الخاصّة بتبييض الأموال، مع التزام الدول الأعضاء جميعها بتجريم تبييض الأموال.

تاريخ تبييض الأموال

تُعدّ جريمة تبييض الأموال من الجرائم المعروفة منذ القِدم، ففي عام 1932م ارتُكِبت أوّل جريمة تبييض أموال بأدوات حديثة؛ عن طريق أحد المُجرمين البولنديّين، حيث كان يُصدّر الأموال غير المشروعة إلى خارج أمريكا، ومن ثمّ يُودعها في المصارف السويسريّة بالاعتماد على قروض وهميّة، وفي عام 1973م ظهر مصطلح تبييض الأموال للمرّةِ الأولى في الولايات المُتّحدة الأمريكيّة عند ظهور فضيحة ووتر جيت المُرتبطة بإعادة انتخاب الرئيس نيكسون؛ إذ جمعت اللجنة المُشرفة عن عمليّة انتخابه كميّةً من أموال التبرعات المُخصَّصة لهذه العمليّة، ومن ثمّ استخدمتها في تنفيذ نشاطات تبييض الأموال.[٢]

وتُرجّح بعض الآراء أنّ ظهور جريمة تبييض الأموال تعود إلى شراء أحد مُجرمي المافيا الأمريكيّين مغسلةً لغسيل الملابس، فكان يخلط بين الثمن النقديّ المدفوع من الزبائن مقابل غسل أموالهم مع أموالٍ حصل عليها من تجارة المُخدّرات، ثمّ كان يودع الأموال المخلوطة والمغسولة في أحد المصارف، ومن هنا تبلورت تسمية غسيل الأموال.[٢]

ترى آراء أُخرى أنّ تبييض الأموال ظهر أثناء فترة سبعينات القرن العشرين للميلاد؛ حيث أدركت شرطة مُكافحة المُخدّرات أنّ التّجار الذين يبيعون المُخدّرات للزبائن يحصلون على الكثير من القطع النقديّة وفئات العُملة الورقيّة الصغيرة، ويحرصون على غسل هذه الأموال بالبُخار أو الكيماويّات؛ لإزالة ملوّثات تجارة المُخدّرات منها قبل إيداعها في المصارف، وفي ثمانينات القرن العشرين الميلاديّ ازدادت أرباح الأعمال غير الشرعيّة التي أودعت في الحسابات المصرفيّة السريّة في سويسرا.[٢]

أركان جريمة تبييض الأموال

لجريمة تبييض الأموال رُكنان، هما:[٣]

  • الرُّكن الماديّ: هو الركن الذي يُعتدى فيه على جميع المصالح التي يحميها القانون، كما يؤدّي إلى حدوث جميع الأنشطة التنفيذيّة للجريمة؛ فوجود الركن الماديّ داخل الجريمة يُعدّ شرطاً رئيسيّاً لتأكيد حدوثها من عدمه، وبناءً على قانون مكافحة تبييض الأموال في العراق يتحقّق الرُّكن الماديّ لهذه الجريمة بعدّةِ أفعالٍ من أهمّها:
    • إدارة عمليّة ماليّة تستخدم عوائد لنشاطات غير قانونيّة.
    • إرسال مبالغ ماليّة ناتجة عن عوائد لنشاطات غير قانونيّة، أو نقلها.
    • مُساعدة الأفراد الذين يُنفّذون نشاطات غير قانونيّة، وحمايتهم من التعرّض للأحكام القضائيّة.
  • الرُكن المعنويّ: هو وجود قصد جنائيّ في جريمة تبييض الأموال؛ حيث يكون المُجرم على علمٍ بتنفيذه نشاطات ماليّةً غير مشروعة بمالٍ غير قانونيّ، ولكنه يحرص على ارتكاب هذه الجريمة وقبول كلّ الآثار والنتائج الخاصّة بها، ويُطلَق على ذلك في قانون العقوبات اسم نظريّة الإرادة ونظريّة العلم؛ أي معرفة أنّ التصرُّف الناتج عن الجريمة محظور قانونيّاً، ولكن تكون الإرادة مدفوعةً لتنفيذ هذا السلوك مع قبول نتائجه وإدراكها.

الآثار الاقتصاديّة لتبييض الأموال

ينتج عن تبييض الأموال عدم استقرار في الحالة الاقتصاديّة والماليّة للدُّول، ويظهر ذلك في عدّة نتائج ومنها:[٤]

  • تأثُّر المناخات المحليّة والدوليّة الخاصّة بالاستثمار؛ بسبب عدم تكافؤ المنافسة بين المُستثمرين الأجانب والمحليّين؛ ممّا يؤثر في نسب الفائدة، وأسعار صرف العُملات، وحركة رؤوس الأموال، وينتج عن ذلك آثار سلبيّة على طبيعة استقرار سوق المال العالميّ، ودرجة المصداقيّة الخاصّة بالسياسات الاقتصاديّة.
  • غياب القُدرة على اتّخاذ قرارات اقتصاديّة صحيحة؛ نتيجةً لاعتماد هذه القرارات على إحصاءات غير صحيحة حول مُعدّل الدّخل القوميّ.
  • ازدياد الفجوة بين كُلٍّ من الدّخل القوميّ الحقيقيّ والدّخل القوميّ الرسميّ؛ ممّا يُؤدّي إلى حدوث خللٍ في إعداد خُطط التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وإنشائها.
  • ظهور تشوُّهٍ في طبيعة الاستهلاك والإنفاق، وينتج عن ذلك ضياع المال المُدَّخر لعملية الاستثمار؛ ممّا يؤدّي إلى حرمان الأنشطة والعمليات الاقتصاديّة من الاستثمارات المُفيدة.

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث رابح لعراجي (2013 – 2014)، جريمة تبييض الأموال وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، الجزائر: جامعة خميس مليانة، صفحة: 7-12، 14. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت باخوية دريس (2011 – 2012)، جريمة غسل الأموال ومكافحتها في القانون الجزائري (دراسة مقارنة)، الجزائر: جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان، صفحة: 1-3. بتصرّف.
  3. د. طارق عجيل، جريمة غسيل الأموال دراسة في ماهيتها والعقوبات المقررة لها، مجلة النزاهة والشفافية للبحوث والدراسات، صفحة: 42-43. بتصرّف.
  4. أحمد سلمان، ولهيب ميخا (2007)، “الانعكاسات المترتبة على ظاهرة غسيل الأموال “، مجلة الإدارة والاقتصاد، العدد السابع والستون، صفحة: 223-224. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

تبييض الأموال

يُعرَف تبييض الأموال أيضاً باسم غسيل الأموال، وهو من المفاهيم الخاصّة بأحد أنواع الجرائم التي ظهرت نتيجةً لتنوّع مصادر المال غير القانونيّ، وتعدُّد أساليب تبييضه؛ لذلك كان لتبييض الأموال تعريفات مُتنوّعة، اهتمّ صناعو القرارات الماليّة والاقتصاديّة والسياسيّة بمتابعتها، وقد صُنِّفت هذه المفاهيم إلى صنفين، وهما مفاهيم تشريعيّة ومفاهيم فقهيّة.[١]

مفهوم تبييض الأموال

المفهوم الفقهيّ

انقسم المفهوم الفقهيّ لجريمة تبييض الأموال إلى مجموعة حيثيّات، هي:[١]

  • الموضوع: يُعدّ تبييض الأموال فنّاً يُوظّف الطُرق والأدوات المشروعة والقانونيّة جميعها، مثل: المُؤسّسات الماليّة العالميّة، والبنوك التي تقبل التحويلات والإيداعات الماليّة للأموال المُحصَّلة من أساس إجراميّ؛ وذلك لتوفير الحماية الكاملة لهذه الأموال.
  • الغاية: يسعى تبييض الأموال إلى نشر المال المُلوَّث بالجرائم، مثل: تجارة السّلاح والمُخدّرات، والسّرقات داخل العديد من مجالات الأعمال الاستثماريّة والاقتصاديّة ونشاطاتها محليّاً ودوليّاً؛ ممّا يُساهم في حصول المال على صفةٍ قانونيّةٍ ومشروعةٍ، ويُساعده على التخلّص من مصدره المُلوّث.
  • الطبيعة: يُعدّ تبييض الأموال من الجرائم القابلة للتداول بين الأقاليم والدول، كما يُصنَّف بأنّه من الجرائم التبعيّة؛ أي توجد جريمة أصليّة سابقة له.

وقد عرّف مجموعة من الفقهاء جريمة تبييض الأموال، ومنهم:[١]

  • تعريف رونالد كليفر: هي استخدام الأموال بطريقةٍ ما؛ بهدف إخفاء طبيعة مصدرها.
  • تعريف جيمس بيسلي: هي مجموعة من الأنشطة غير القانونيّة، تسعى إلى تمويه طبيعة المال الناتج عن ارتكاب جريمة من الجرائم المُنظّمة، وإخفائه.

المفهوم التشريعيّ

اهتمّ المفهوم التشريعيّ لتبييض الأموال بآراء التّشريعات المُقارنة في دول العالم العربيّة والغربيّة، والتّعريفات الصّادرة عن الاتفاقيّات الإقليميّة والدوليّة، وفيما يأتي بعض مفاهيم جريمة تبييض الأموال وفقاً للتشريعات والاتفاقيّات:[١]

  • مفهوم التشريع الفرنسيّ: تبريرٌ كاذبٌ بطريقةٍ سهلةٍ لأموالٍ ناتجة عن جُنحةٍ أو جناية، تُحقّق فائدةً غير مُباشرة أو مُباشرة.
  • مفهوم التشريع المصريّ: السلوك الذي ينطوي على حيازة الأموال المُكتسبة من أحد الجرائم، أو كسبها، أو التصرّف بها، أو إدارتها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو استثمارها، أو تحويلها، أو نقلها؛ لإخفاء طبيعتها أو مكانها أو مصدرها، أو تعطيل القُدرة على الوصول إلى الشخص أو الأشخاص الذين ارتكبوا الجريمة التي أدّت إلى الحصول على هذه الأموال.
  • مفهوم اتفاقيّة هيئة الأُمم المُتّحدة: تمويه الحقيقة الخاصّة بالمال، أو حركته، أو مصدره، أو حقوقه، أو ملكيّته، مع وجود معلوماتٍ تفيد بأنّ مصدره من جريمة معيّنة.
  • اتفاقيّة مجلس أوروبا: هي اتفاقيّة عقدها المجلس الأوروبيّ عام 1990م، حرص فيها على محاربة كافّة الأدوات والوسائل الخاصّة بتبييض الأموال، مع التزام الدول الأعضاء جميعها بتجريم تبييض الأموال.

تاريخ تبييض الأموال

تُعدّ جريمة تبييض الأموال من الجرائم المعروفة منذ القِدم، ففي عام 1932م ارتُكِبت أوّل جريمة تبييض أموال بأدوات حديثة؛ عن طريق أحد المُجرمين البولنديّين، حيث كان يُصدّر الأموال غير المشروعة إلى خارج أمريكا، ومن ثمّ يُودعها في المصارف السويسريّة بالاعتماد على قروض وهميّة، وفي عام 1973م ظهر مصطلح تبييض الأموال للمرّةِ الأولى في الولايات المُتّحدة الأمريكيّة عند ظهور فضيحة ووتر جيت المُرتبطة بإعادة انتخاب الرئيس نيكسون؛ إذ جمعت اللجنة المُشرفة عن عمليّة انتخابه كميّةً من أموال التبرعات المُخصَّصة لهذه العمليّة، ومن ثمّ استخدمتها في تنفيذ نشاطات تبييض الأموال.[٢]

وتُرجّح بعض الآراء أنّ ظهور جريمة تبييض الأموال تعود إلى شراء أحد مُجرمي المافيا الأمريكيّين مغسلةً لغسيل الملابس، فكان يخلط بين الثمن النقديّ المدفوع من الزبائن مقابل غسل أموالهم مع أموالٍ حصل عليها من تجارة المُخدّرات، ثمّ كان يودع الأموال المخلوطة والمغسولة في أحد المصارف، ومن هنا تبلورت تسمية غسيل الأموال.[٢]

ترى آراء أُخرى أنّ تبييض الأموال ظهر أثناء فترة سبعينات القرن العشرين للميلاد؛ حيث أدركت شرطة مُكافحة المُخدّرات أنّ التّجار الذين يبيعون المُخدّرات للزبائن يحصلون على الكثير من القطع النقديّة وفئات العُملة الورقيّة الصغيرة، ويحرصون على غسل هذه الأموال بالبُخار أو الكيماويّات؛ لإزالة ملوّثات تجارة المُخدّرات منها قبل إيداعها في المصارف، وفي ثمانينات القرن العشرين الميلاديّ ازدادت أرباح الأعمال غير الشرعيّة التي أودعت في الحسابات المصرفيّة السريّة في سويسرا.[٢]

أركان جريمة تبييض الأموال

لجريمة تبييض الأموال رُكنان، هما:[٣]

  • الرُّكن الماديّ: هو الركن الذي يُعتدى فيه على جميع المصالح التي يحميها القانون، كما يؤدّي إلى حدوث جميع الأنشطة التنفيذيّة للجريمة؛ فوجود الركن الماديّ داخل الجريمة يُعدّ شرطاً رئيسيّاً لتأكيد حدوثها من عدمه، وبناءً على قانون مكافحة تبييض الأموال في العراق يتحقّق الرُّكن الماديّ لهذه الجريمة بعدّةِ أفعالٍ من أهمّها:
    • إدارة عمليّة ماليّة تستخدم عوائد لنشاطات غير قانونيّة.
    • إرسال مبالغ ماليّة ناتجة عن عوائد لنشاطات غير قانونيّة، أو نقلها.
    • مُساعدة الأفراد الذين يُنفّذون نشاطات غير قانونيّة، وحمايتهم من التعرّض للأحكام القضائيّة.
  • الرُكن المعنويّ: هو وجود قصد جنائيّ في جريمة تبييض الأموال؛ حيث يكون المُجرم على علمٍ بتنفيذه نشاطات ماليّةً غير مشروعة بمالٍ غير قانونيّ، ولكنه يحرص على ارتكاب هذه الجريمة وقبول كلّ الآثار والنتائج الخاصّة بها، ويُطلَق على ذلك في قانون العقوبات اسم نظريّة الإرادة ونظريّة العلم؛ أي معرفة أنّ التصرُّف الناتج عن الجريمة محظور قانونيّاً، ولكن تكون الإرادة مدفوعةً لتنفيذ هذا السلوك مع قبول نتائجه وإدراكها.

الآثار الاقتصاديّة لتبييض الأموال

ينتج عن تبييض الأموال عدم استقرار في الحالة الاقتصاديّة والماليّة للدُّول، ويظهر ذلك في عدّة نتائج ومنها:[٤]

  • تأثُّر المناخات المحليّة والدوليّة الخاصّة بالاستثمار؛ بسبب عدم تكافؤ المنافسة بين المُستثمرين الأجانب والمحليّين؛ ممّا يؤثر في نسب الفائدة، وأسعار صرف العُملات، وحركة رؤوس الأموال، وينتج عن ذلك آثار سلبيّة على طبيعة استقرار سوق المال العالميّ، ودرجة المصداقيّة الخاصّة بالسياسات الاقتصاديّة.
  • غياب القُدرة على اتّخاذ قرارات اقتصاديّة صحيحة؛ نتيجةً لاعتماد هذه القرارات على إحصاءات غير صحيحة حول مُعدّل الدّخل القوميّ.
  • ازدياد الفجوة بين كُلٍّ من الدّخل القوميّ الحقيقيّ والدّخل القوميّ الرسميّ؛ ممّا يُؤدّي إلى حدوث خللٍ في إعداد خُطط التنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وإنشائها.
  • ظهور تشوُّهٍ في طبيعة الاستهلاك والإنفاق، وينتج عن ذلك ضياع المال المُدَّخر لعملية الاستثمار؛ ممّا يؤدّي إلى حرمان الأنشطة والعمليات الاقتصاديّة من الاستثمارات المُفيدة.

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث رابح لعراجي (2013 – 2014)، جريمة تبييض الأموال وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، الجزائر: جامعة خميس مليانة، صفحة: 7-12، 14. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت باخوية دريس (2011 – 2012)، جريمة غسل الأموال ومكافحتها في القانون الجزائري (دراسة مقارنة)، الجزائر: جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان، صفحة: 1-3. بتصرّف.
  3. د. طارق عجيل، جريمة غسيل الأموال دراسة في ماهيتها والعقوبات المقررة لها، مجلة النزاهة والشفافية للبحوث والدراسات، صفحة: 42-43. بتصرّف.
  4. أحمد سلمان، ولهيب ميخا (2007)، “الانعكاسات المترتبة على ظاهرة غسيل الأموال “، مجلة الإدارة والاقتصاد، العدد السابع والستون، صفحة: 223-224. بتصرّف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى