'); }
الصبر
عرّف أهل العلم الصبر في اللغة على أنّه الحبس، وأمّا في الاصطلاح فأشار ابن تيمية -رحمه الله- إلى أنّ الصبر هو الذي لا يُرافقه شكوى الإنسان ولا جزعه، وقال ابن مسعود إنّ الصبر نصف الإيمان، كما أنّ سعادة الإنسان مرتبطة بشكلٍ كبيرٍ بتحقيق معنى الصبر، فلا سعادة دون صبر؛ وذلك لأنّ الحياة داء ابتلاءاتٍ، وكذلك لأنّ المشاقّ والمتاعب التي تواجه الإنسان فيها كثيرة، فالإنسان يحتاج إلى الصبر في الدعوة إلى الله تعالى، وربّ الأسرة والأم يحتاجان إلى الصبر في تربية الأبناء وتعليمهم، والمعلّم لا بُدّ أن يتحلّى بخلق الصبر ليُوصل العلم إلى الطلبة على خير وجهٍ، والطالب يحتاج إلى الصبر في دراسته، والموظف في عمله، والمريض يحتاج الصبر على مرضه، والمبُتلى على بلواه، وغير ذلك الكثير، وممّا لا شكّ فيه أنّ الصبر من أعظم الأخلاق، وأرفعها مكانةً، فهو أساس الأخلاق وخير عطاءٍ من الله عزّ وجلّ، وممّا يدلّ على ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ما أعطي عبد عطاء خيراً وأوسع من الصبر)،[١] فلولا الصبر لضاق الإنسان في الكروب والخطوب، ولصعبت عليه دنياه، وبالصبر يُحقّق الإنسان الدرجات العُلى في الدنيا وفي الجنة، فبالصبر يصل إلى الإنسان إلى مبتغاه، ويجدر بالذكر أنّ الله -عزّ وجلّ- جمّل أنبياءه -عليهم الصلاة والسلام- بخُلق الصبر، وهذا ما يؤكدّه أمر الله -تعالى- لنبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- في الآية الكريمة بقول الله عزّ وجلّ: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوْ الْعَزْمِ مِنَ الْرُّسُلِ)،[٢] وقوله أيضاً: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)،[٣] وقد امتدح الله -تعالى- عباده الصابرين، حيث قال: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)،[٤] وتجدر الإشارة إلى أنّ الصبر مشروط بأن يكون لله تعالى، وابتغاء مرضاته، وكذلك أن يكون في الأوقات التي يُحبّ الله -تعالى- أن يرى فيها عبده صابراً؛ كالصبر عند الصدمة الأولى، وفي الحقيقة لا يتنافى الحزن والبكاء مع الصبر إن كانا من غير سخطٍ أو جزعٍ، وكان نبيّ الله يعقوب -عليه السلام- يبثّ حزنه وشكواه إلى الله، وما يدلّ على ذلك قول الله تعالى: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ).[٥][٦][٧]
أقسام الصبر
إنّ للصبر ثلاثة أقسام رئيسة، بيانها فيما يأتي:[٨]
'); }
- الصبر على عبادة الله تعالى وطاعته: يعني أن يؤدّي الإنسان العبادة بالشكل الذي أمر به الله عزّ وجلّ، محقّقاً الشروط الأساسية فيها، وهي: الإخلاص لله تعالى، واتّباع النبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- في أدائها، فالمسلم الذي يُدرك الثواب المترتّب على القيام بالطاعات بشروطها لا يتهاون فيها، ولا يُفرّط في أدائها، ولا يتكاسل عنها، فمن عظيم فضل الله -عزّ وجلّ- أن جعل الحسنة بعشرة أمثالها، ويضاعفها الله إلى سبعمئة ضعفٍ، وإلى أضعافٍ كثيرةٍ برحمته وكرمه.
- الصبر على اجتناب محارم الله ونواهيه: ويعني ذلك حبس النفس عن ارتكاب المعاصي والآثام، وكلّ ما حرّم الله تعالى، سواءً كان ذلك في حقّه، أو في حقّ عبدٍ من عباده، أو المجتمع بأكمله، وممّا يساعد على تحقيق ذلك فهم الإنسان لحقيقة العقاب الذي أعدّه الله لمن يتجاوز محارمه، فالله -تعالى- ما حرّم أمراً إلّا وفيه ضرر على النفس، أو على الآخر، أو على المجتمع بأكمله.
- الصبر على أقدار الله: ويعني ذلك الاستسلام لأوامر الله تعالى، والرضا بما كتب، فالله -سبحانه- لا يكتب أمراً إلّا لخيرٍ، وحريّ بالمسلم أن يؤمن إيماناً مطلقاً أنّ ابتلاءات الله -تعالى- تكون لتردّه إليه، وتُرجعه إلى الطريق المستقيم، فالأصل عند الابتلاء أن يرجع الإنسان إلى ربّه مُبتهلاً، مُتضرّعاً، داعياً، لا ساخطاً.
ثمار الصبر
يُجني الإنسان نتيجة برّه لله -تعالى- ثماراً طيبةً، وفيما يأتي بيان بعضٍ منها:[٦]
- تحقيق مفهوم الإيمان، والإيمان يشمل القول والعمل والاعتقاد، والصبر من الإيمان، وقد بيّن ذلك ابن مسعود -رضي الله عنه- بقوله إنّ الصبر نصف الإيمان.
- الفوز بالجنّة: حيث وعد الله -عزّ وجلّ- الصابرين بالجنّة في كثيرٍ من مواضع القرآن الكريم، وبيّن كذلك أنّ بالصبر تُرفع درجات الإنسان في الجنّة.
- الفوز بمعيّة الله تعالى، وقُربه.
- الفوز بالأجر العظيم، ومغفرة الذنوب، وتكفير الخطايا، وممّا يدلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ).[٩]
- نيل الهداية، فبالصبر ترتاح النفس ويهتدي القلب.
- تحقيق معنى الصدق ومفهوم التقوى.
- التمكين في الأرض؛ فقد وعد الله -عزّ وجلّ- عباده الصابرين أن يُمكّن لهم في الأرض، وممّا يدلّ على ذلك قول الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ).[١٠]
أمور تساعد على الصبر
هناك العديد من الأمور والأسباب التي تساعد الإنسان على تحقيق الصبر، ومنها ما يأتي:[٧]
- الفهم الحقيقي لحقيقة الدنيا بأنّها دار ابتلاءٍ وامتحانٍ، فالأصل أن يُبتلى الإنسان، وأن يرى فيها ما يكره، وحريّ بالمسلم أن يعلم أنّها دارٌ فانيةٌ لا مقرّ حياةٍ، وبهذا تهون عليه المصيبة، ويتحقّق الصبر.
- الإيمان بقضاء الله وقدره.
- استصغار المصيبة، بتذكّر نعم الله عليه بما فيها نعمة الصحة والعافية، واستخضاره لكلّ ما فضّل الله -عزّ وجل- عليه به.
- اليقين بأنّ فرج الله آتٍ لا محالةٍ.
- الإيمان بأنّ الإنسان ملك لله، وأنّ الله -تعالى- له الحقّ في أن يتصرّف به كيفما يشاء.
- الإيمان بما أعدّ الله -تعالى- للصابرين من الأجر العظيم.
- طلب العون من الله -تعالى- على الصبر، والدعاء بذلك.
- الاقتداء بالأنبياء، والصالحين، وأهل العزائم.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1469، صحيح.
- ↑ سورة الأحقاف، آية: 35.
- ↑ سورة النحل، آية: 127.
- ↑ سورة البقرة، آية: 177.
- ↑ سورة يوسف، آية: 86.
- ^ أ ب “الصبر”، saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-6-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب “أهمية الصبر وفضله”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-6-2018. بتصرّف.
- ↑ “الصبر وأقسامه”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-6-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5641، صحيح.
- ↑ سورة السجدة، آية: 24.