ما هو الخوف من الله

'); }

الخوف من الله

إنّ الخوف من الله -تعالى- يعدّ من المقامات العليّة في مدارج السالكين، وهو من لوازم الإيمان بالله، حيث قال الله تعالى: (وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)،[١] والخوف من الله طريق للأمن في الآخرة عند لقائه وسبب للسّعادة في الدّار الدنيا والآخرة، وهو دليل على صفاء القلب وطهارة النّفس، والخوف من الله -تعالى- خير مُعين للانتصار على شهوات النّفس وملذّاتها، والقلب الذي لا يسكنه الخوف من الله -عزّ وجلّ- كالبيت الخَرِب، وإنّ انتشار المعاصي في حياة الكثير من النّاس يرجع إلى غياب الخوف من الله، حتى أصبح استصغار الكبائر عند بعض الناس أمراً مُستساغاً، فاسودّت القلوب وأظلمت، والتّخويف بعظمة الله -تعالى- وبآياته سنّة ماضية، قال الله تعالى: (وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلّا تَخويفًا)،[٢] فالتخويف وسيلة مؤثّرة من وسائل المرسلين والدّعاة في إنذار أصحاب المعاصي؛ رغبةً في إقامتهم على أمر الله -تعالى- وطاعته؛ فما هو الخوف من الله، وما هي علاماته وآثاره؟

تعريف الخوف من الله

علاقة الخوف من الله -تعالى- بالدّلالة اللغويّة لمصطلح الخوف تظهر من خلال التعرّف على معنى لفظ الخوف في معاجم اللغة، وبيان ذلك فيما يأتي:

'); }

  • الخوف في اللغة: الخَوْف اسم، وهو مصدر الفعل خَافَ، وهو من الفزع والرّهبة، ويُقال: اعتراه خوف؛ أي أصابته فزعة أو خشية، ويُقال أيضاً: خاف عليه؛ أي حرص عليه مع قلقه عليه، والخوف: هو ما يحدث في النّفس من انفعالٍ عند توقّع ورود مكروه أو فوات محبوب.[٣]
  • الخوف في الاصطلاح: تعدّدت معاني الخوف في الاصطلاح وبيان بعضها فيما يأتي:[٤]
    • إنّ الخوف هو منزلة من أعظم منازل الطريق إلى الله تعالى، وأشدّها نفعاً لقلب العبد، وهي عبادة قلبيّة مفروضة، قال الله تعالى: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)،[٥] والخوف حالة يصاحبها حركة في القلب عند استشعار عظمة المَخُوف.
    • إنّ الخوف يكون على قدر العلم والمعرفة بالمَخُوف، والخوف صفة لعامّة المؤمنين، والخائف من الله يهرب منه إليه.
    • إنّ الخوف من عذاب الله -تعالى- ليس مقصوداً لذاته؛ وإنّما هو وسيلة للهروب ممّا يكون سبباً في العذاب؛ لأنّ أثر الخوف متعلّق بأفعال العبد، ولذلك قيل: الخوف الصادق هو ما منع صاحبه عن محارم الله تعالى، وقال ابن تيمية رحمه الله: (الخوف المحمود ما حجز صاحبه عن محارم الله).
    • إنّ الخوف له ثلاث مراتب؛ الأولى: أن يخاف العبد من العقوبة، وبهذه المرتبة يصحّ الإيمان، وهذه المرتبة من الخوف هي خوف العامّة، ويتحصّل الخوف من التّصديق بالوعيد ومعرفة المعصية، واستشعار عاقبة الفعل، والثّانية: الخوف الذي لا ينقطع حال هناء العيش وسرور الخاطر، فيمتنع العبد عن قبيح الأفعال في كلّ حال، والثّالثة: خوف الخاصّة، وهو حال أهل الخصوص؛ فليس في خوفهم وحشة كخوف من أساء الفعل، بل خوفهم خوف هيبة الجلال، وأعظم ما تكون أوقات المناجاة.
    • إنّ الخوف يقاربه في المعنى مصطلحات أخرى؛ منها: الوجل والرّهبة والخشية، إلّا أنّ الخشية أخصُّ منها، فهي مقرونة بمعرفة أكثر للمخُوف، ولذلك كان العلماء أشدّ النّاس خشية من الله تعالى، حيث جاء في القرآن الكريم: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)،[٦] والرّهبة ضدّ الرّغبة، وهي إمعان في الهرب من المكروه، والوجل حالة خفقان القلب عند رؤية المخُوف أو تذكّره، والهيبة هي خوف يصاحبه التّعظيم مع المحبّة للمخُوف والمعرفة بجلاله.

فضل الخوف من الله وثمراته

الخوف من الله -تعالى- عبادة لها فضل كبير، ويترتب عليها عدّة آثار وثمرات، منها:[٧]

  • الخوف من الله -تعالى- صفة المؤمنين، وتشبّه بالملائكة المقرّبين والأنبياء المُرسلين، قال الله -تعالى- واصفاً الملائكة: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ)،[٨] وامتدح الرّسل -عليهم السلام- بقوله: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ).[٩]
  • الخوف من الله -تعالى- يُعين العبد على الاجتهاد في العمل الصالح الخالص لله -تعالى- وحده، وتأكيداً على أثر الخوف من الله في القُربات والطّاعات؛ جاء في القرآن الكريم: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا*إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا).[١٠]
  • الخوف من الله -تعالى- يُبعد عن الشّهوات والنّزوات والّلذات المُحرّمة، فما كان عند العاصي من الآثام محبوباً يكون عند الخائف مذّموماً مشؤوماً.
  • الخوف من الله -تعالى- يرفع صاحبه إلى رضا الله -تعالى- ورحمته، ويُوصل صاحبه إلى الملاذ الآمن تحت ظل عرش الله يوم القيامة، فقد جاء في حديث السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم القيامة: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).[١١]
  • الخائف من الله -تعالى- في الدنيا يُكرم بالأمان في الآخرة، فقد صحّ في الحديث الذي يرويه النبيّ -صلّى الله عليّه وسلّم- عن ربّه تبارك وتعالى: (وعزَّتي لا أجمَعُ على عبدي خوفَيْنِ وأمنَيْنِ، إذا خافني في الدُّنيا أمَّنْتُه يومَ القيامةِ، وإذا أمِنَني في الدُّنيا أخَفْتُه يومَ القيامةِ).[١٢]

وقال الإمام أبو حامد الغزاليّ في بيان فَضْل الخوف وطرق تحصيله: (إنّ فضل الخوف تارةً يُعرف بالتأمّل والاعتبار، وتارةً بالآيات والأخبار)، وقَصَد بالاعتبار التّفكّر بالطريق المُوصلة إلى السّعادة؛ حيث إنّه لا سعادة للعبد إلّا بالقرب من مولاه -عزّ وجلّ- ولقائه على الرضى، وهذا مُحتاج إلى الانقطاع عن شهوات الدّنيا؛ لإنّ ذلك لا يتحقّق إلّا بقمع الشّهوة؛ فإنّ القمع لها لا يكون إلّا بنار الخوف من عذابه ولقائه على المعاصي والآثام، وقصد الإمام الغزاليّ بتحصيل الخوف بالآيات والأخبار أنّ ما ورد من آيات قرآنيّة أو ما ورد في السنّة النبويّة من فضل الخوف وضرورة تحصيله أكثر من أنْ يحصى، وأنّ العلم بآيات الله وأخبار الخائفين من الله -تعالى- خير طريق لتحصيل الخشية منه.[١٣]

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية: 175.
  2. سورة الإسراء، آية: 59.
  3. “تعريف و معنى خوف في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2018. بتصرّف.
  4. ابن قيم الجوزية (1993)، مدارج السالكين (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 507-512. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية: 40.
  6. سورة فاطر، آية: 28.
  7. نجلاء جبروني (22-1-2017)، “الخوف من الله”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-1-2018. بتصرّف.
  8. سورة النحل، آية: 50.
  9. سورة الأحزاب، آية: 39.
  10. سورة الإنسان، آية: 9-10.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1423، صحيح.
  12. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 640، أخرجه في صحيحه.
  13. أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت: دار المعرفة ، صفحة 160، جزء 4.
Exit mobile version